|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ عباس محمد
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 07-01-2018 الساعة : 08:33 PM
السؤال: مجيء التعظيم بصيغة الجمع متسالم بلاغياً(الذين) في آية الولاية جاءت بالجمع للتعظيم، فهل ذكر الله نفسه في القرآن الكريم بـ (اسم الموصول): الذين، ودلّ على التعظيم؟
الجواب:
استعمال (الذين) في المفرد للتعظيم من المتسالم عليه بلاغياً سواء ورد في القرآن هذا الأمر أم لا؛ إذ اللغة وبلاغة العرب هي أمر سماعي, وقد ثبت هذا المعنى في الكتب المختصّة بهذا الشأن، فلا حاجة لإطالة البحث في أمر مسلّم.
وأمّا لماذا لم يعظّم الله نفسه بلفظة (الذين) في القرآن، فلأنّه لا يصحّ بحسب اللغة العربية أن يعبّر الله عن نفسه بلفظة (الذين)؛ إذ القرآن كلام الله، ولكن جاء في آيات كثيرة تعبير الله نفسه بلفظة (نحن)، كما في قوله تعالى: (( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:9)، وقوله تعالى: (( نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ )) (يوسف:3)، وقوله تعالى: (( وَمِن أَهلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىظ° عَذَابٍ عَظِيمٍ )) (التوبة:101)، وغيرها كثير في القرآن.
السؤال: الزكاة من أفراد الصدقةأشکل بعض على دلالة آية الولاية وقضية التصدّق بالخاتم، بأنّ الزکاة في القرآن تستعمل في الزکاة الواجبة، والحال أنّا نعلم أنّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لم يكن عليه زکاة واجبة، ولو کان كذلك لم يكن من حقه تأخيرها ويبدأ بالصلاة.
الجواب:
لقد ردّ صاحب (الميزان) عن الاشكال: وهو أنّ كون التصدّق بالخاتم لا يسمّى زكاة بقوله:
((وأمّا قولهم: أنّ الصدقة بالخاتم لا تسمّى زكاة، فيدفعه: أنّ تعيّن لفظ الزكاة في معناها المصطلح إنّما تحقّق في عرف المتشرّعة بعد نزول القرآن بوجوبها وتشريعها في الدين، وأمّا الذي تعطيه اللغة، فهو أعمّ من الزكاة المصطلحة في عرف المتشرّعة، ويساوق عند الاطلاق أو عند مقابلة الصلاة انفاق المال لوجه الله.
كما يظهر ممّا وقع في ما حكاه الله عن الأنبياء السابقين، كقوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: (( وَأَوحَينَا إلَيهم فعلَ الخَيرَات وَإقَامَ الصَّلاة وَإيتَاءَ الزَّكَاة )) (الأنبياء:73).
وقوله تعالى في إسماعيل: (( وَكَانَ يَأمر أَهلَه بالصَّلاة وَالزَّكَاة وَكَانَ عندَ رَبّه مَرضيّاً )) (مريم:55).
وقوله تعالى حكاية عن عيسى(عليه السلام) في المهد: (( وَأَوصَاني بالصَّلاة وَالزَّكَاة مَا دمت حَيّاً )) (مريم:31).
ومن المعلوم أن ليس في شرايعهم الزكاة المالية بالمعنى الذي اصطلح عليه في الإسلام.
وكذا قوله تعالى: (( الَّذي يؤتي مَالَه يَتَزَكَّى )) (الليل:18), وقوله تعالى: (( الَّذينَ لا يؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم بالآخرَة هم كَافرونَ )) (فصلت:7), وقوله تعالى: (( وَالَّذينَ هم للزَّكَاة فاعلونَ )) (المؤمنون:4), وغير ذلك من الآيات الواقعة في السور المكّية وخاصّة السور النازلة في أوائل البعثة، كـ(سورة حم) وغيرها، ولم تكن شُرّعت الزكاة المصطلحة بعد, فليت شعري ماذا كان يفهم المسلمون من هذه الآيات في لفظ الزكاة؟!
بل آية الزكاة، أعني قوله تعالى: (( خذ من أَموَالهم صَدَقَةً تطَهّرهم وَتزَكّيهم بهَا وَصَلّ عَلَيهم إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهم )) (التوبة:103), تدلّ على أنّ الزكاة من أفراد الصدقة، وإنّما سمّيت: زكاة؛ لكون الصدقة مطهّرة مزكّية مطلقاً، وقد غلب استعمالها في الصدقة المصطلحة..
فتبيّن من جميع ما ذكرنا أنّه لا مانع من تسمية مطلق الصدقة والإنفاق في سبيل الله: زكاة ))(1).
(1) تفسير الميزان: 6: 10 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
السؤال: تصدّق علي(عليه السلام) بالخاتم أثناء الصلاة عبادةسؤالي حول تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بالخاتم، وهو يصلّي، والمعروف أنّ الإمام إذا صلّى لا تتعلّق روحه في عالم الدنيا، ولكن تسبّح في ملكوت الله، فكيف إذاً كانت حالة الإمام يوم أجاب دعوة الفقير؟
لا بدّ أنّ هناك يداً خفية في ذلك الوقت، يوم كان الإمام يصلّي من حيث إجابة السائل.
وبودّي أنّ توضّحوا لي ماذا حدث؟ هل توجد اجتهادات في حقيقة المسألة؟ لأنّ ما يقال: إنّه كان في وقت عبادة، والتصدّق عبادة هو كلام صحيح لا خلاف عليه، لكن هذا الجواب لا يغنيني.
الجواب:
للجواب على سؤالك نشير إلى عدّة نقاط:
1- لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال، لما عدّت هذه القضية عند الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسائر المؤمنين من مناقب عليّ(عليه السلام).
2- هذا الالتفات من أمير المؤمنين(عليه السلام) لم يكن إلى أمر دنيوي، وإنّما كان عبادة في ضمن عبادة.
3- المعروف عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه جمع في صفاته بين الأضداد، حتّى أنّه لما سئل ابن الجوزي الحنبلي المتعصّب - الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) - عن هذا الإشكال نفسه الذي ذكرتموه أجاب ببيتين:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعَهُ ســكرُهُ حتّى تمكّن من ***** فعل الصُحاةِ فهذا واحد الناس
كما نقله عنه الآلوسي في (روح المعاني)(1).
(1) تفسير روح المعاني 6: 169.
السؤال: تصدّقه (عليه السلام) بالخاتم لا يخل بعبادته
كيف يمكن أن نوفّق بين التفات الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) للسائل أثناء صلاته مع العلم بأنّه يكون في قمّة الخشوع إلى درجة تنتزع السهام من رجله دون أن يشعر؟
الجواب:
إنّ حالات العبادة تختلف بحسب الأوضاع والظروف, فرُبّ عبادة يكون التفكّر والتدبّر بالخالق سبحانه وآلائه والحرص على طاعته هو الشغل الشاغل للعابد , وهذا الأمر لا يخلّ بالعبادة، بل يزيدها بهاءً على بهاء، كما ورد في الحديث عن الأئمّة(عليهم السلام): (ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة, وإنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله)(1).
ورُبّ عبادة يكون الخشوع فيها والانبهار بجمال الله وجلاله هو الحالة السائدة للعابد, وهذه الحالات المذكورة يمر بها الأنبياء وكذلك الأئمّة(عليهم السلام).
ومن هنا نوفّق بين حالتي أمير المؤمنين(عليه السلام) حين تصدّق بخاتمه وسمع كلام السائل في المسجد، وقد كان فعله (عليه السلام) في هذا المورد طاعة في طاعة, وبين حالته الأخرى من الخشوع والانقطاع إلى الله سبحانه حتى تأخذه الغشية في الدعاء.
(1) تحف العقول: 442 من قصار كلمات الإمام الرضا(عليه السلام).
السؤال: لا تعارض بين تصدّق الإمام ورواية وردت عن الصادق(عليه السلام)
ما هو الردّ على هذه الشبهة التي كتبها أحد الوهّابيين:- الإمام الباقر يضعّف حديث تصدّق أمير المؤمنين بخاتمه:
((علي بن إبراهيم, عن أبيه, ومحمّد بن إسماعيل, عن الفضل بن شاذان جميعاً, عن حمّاد بن عيسى, عن حريز, عن زرارة، قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك, فإنّما يحسب لك منها ما أقبلت عليه, ولا تعبث فيها بيدك, ولا برأسك, ولا بلحيتك, ولا تحدّث نفسك... )).
والحديث صحيح، كلّهم ثقاة. (الكافى 3 صفحة 300 باب الخشوع فى الصلاة).
الجواب:
أولاً: الرواية المذكورة ليست في صدد بيان صحّة أو بطلان الصلاة، وإنّما تنهى عن العبث في أثناء الصلاة؛ تنـزيهاً واعتناءً بشأن الصلاة.
وعلى كلّ حال، فالحركة اليسيرة لا تضر بصحّة الصلاة، ولذا أفتى الفقهاء من الفريقين بصحّة الصلاة مع الحركة اليسيرة، ورووا في ذلك روايات تدلّ على إباحة العمل اليسير.
ثانياً: إنّ الحركة اليسيرة غير المقصود بها العبث، فضلاً عن كونها قد تكون عبادة، كما في المورد، لا تضرّ بكمال الصلاة..
ففي (أحكام القرآن) للجصّاص قال: (( وقد روي عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبار في إباحة العمل اليسير فيها, فمنها: أنّه خلع نعليه في الصلاة.
ومنها: أنّه مسّ لحيته, وأنّه أشار بيده. ومنها: حديث ابن عبّاس أنّه قام على يسار النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخذ بذؤابته وأداره إلى يمينه. ومنها: أنّه كان يصلّي وهو حامل أمامه بنت أبي العاص بن الربيع, فإذا سجد وضعها, وإذا رفع رأسه حملها.
ثمّ قال: فدلالة الآية ظاهرة في إباحة الصدقة في الصلاة؛ لأنّه إن كان المراد: الركوع، كان تقديره: (الذين يتصدّقون في حال الركوع), فقد دلّت على إباحة الصدقة في الحال, وإن كان المراد: وهم يصلّون, فقد دلّت على إباحتها في سائر أحوال الصلاة, فكيفما تصرفت الحال فالآية دالّة على إباحة الصدقة في الصلاة ))(1).
ومنه يظهر: عدم صحّة النقض على رواية الصادق(عليه السلام) بتصدّق أمير المؤمنين(عليه السلام) في صلاته؛ لأنّه ينقض بفعل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) سواء كان مراده من النقض بطلان الصلاة, أو معارضة الفعل القليل للتوجّه في الصلاة والانقطاع إلى الله, أو معارضته لكمال الصلاة كما تدلّ عليه رواية الصادق(عليه السلام).
ومنه يعلم أيضاً: أنّ فعل عليّ(عليه السلام) لم يكن من العبث, بل كان عبادة في عبادة, وبالتالي فلا تعارض بين رواية الصادق(عليه السلام) وبين روايات تصدّق عليّ(عليه السلام) في صلاته.
كما يظهر أيضاً: عدم إمكان جعل فعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) اليسير في الصلاة من العبث أيضاً, أو منافٍ لكمال الصلاة؛ لأنّه بعيد عن ساحتهما معاً، رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام).
(1) أحكام القرآن 2: 507.
السؤال: الآية عامّة والعام يتحقق بوجود مصداقه في الخارج فكيف تخصص؟
إنّنا نستدلّ على ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) بآية الولاية، ولکن هناك إشكال يقول: إنّ الآية عامّة والعام يتحقّق بوجود مصداقه، فإذا فعل فرد تلك الأعمال المذکورة في الآية فهو الإمام، والظاهر أنّه أوّل من فعل تلك الأعمال عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، ولکن الظاهر أيضاً أنّه تصدّق بعد ذلك عمر وهو راکع، فلعلّه أُنزلت فيه آية فتحقّق أيضاً بفعل عمر مصداقاً للآية، کيف نجيب عن هذا السؤال؟
وإن قلت: إنّ الملاك يتحقّق في أوّل من فعل.
قلت: ما الدليل على ذلك؟
وإن قلت: الدليل عليه أنّه إن لم يكن کذلك، لفعل ذلك العمل کلّ مكلف وأصبح إماماً، وهذا لا يناسب حکمة الله تعالى.
قلت: فکيف نستدلّ بحديث يوم الدار وفيه أيضاً هذه المنافاة؟
وإن قلت: إنّ علم الله تعالى السابق بالمصداق يدفع الإشکال.
قلت: فکذلك نقول في آية الولاية؟
الجواب:
نجمع الجواب على شكل نقاط:
الأول: إنّ الآية جاءت بصيغة الجملة الخبرية لا الإنشائية، وما يقرّب ذلك: إثبات الولاية لله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ للذين آمنوا، ولا يصحّ إنشاء الولاية لله؛ فإنّها ثابتة وإنّما يُخبر عنها، بل إثباتها لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً؛ لأنّه من المفروض أنّ ولايته قد ثبتت قبل هذه الآية بثبوت الرسالة، فليكن إثباتها للذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون كذلك.
وبعبارة أُخرى: إنّ الآية إرشادية بالنسبة لولاية الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإرشاد إلى علامة يعرف ويُميز بها الوليّ من الذين آمنوا، وهي: التصدّق أثناء الركوع، وهذه الميزة والعلامة فارقة للوليّ عن غيره من الذين ثبت لهم الإيمان المنصوص عليه في الآية. فتكون الآية على نحو القضية الخارجية المحقّقة الموضوع، لا القضية الحقيقية المقدّرة الموضوع الغالبة في الأحكام الشرعية.
فليس كلّ المؤمنين أولياء، وإنّما الوليّ يكون من المؤمنين حصراً، وبالتالي فلا وجود لإنشاء حكم شرعي يثبت الولاية لكلّ من يتصدّق وهو راكع في الآية، فضلاً عن كونه غير معقول؛ فلاحظ!
الثاني: إنّ الآية أخبرت بثبوت الولاية لمن هو متأخّر في المرتبة عن الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) طولاً، عن طريق ذكر صفات على شكل قيود بصيغة الجمع، فإنّ (( الَّذِينَ آمَنُوا )) جمع، ولكنّه يخرج غير المؤمن عن الولاية، و((الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) قيد آخر يخرج من ليس فيه هذه الصفة، ولكنّه بصيغة الجمع أيضاً.
وبعبارة أُخرى: إنّ صيغ الجمع في الآية الدالّة على العموم غير مخصّصة، ولكنّها من جهة كونها قيود يترتّب أحدها على الآخر مقيّدة لإطلاق الموضوع، أو لنقل: إنّ إطلاق جمل القيود الواردة بصيغة الجمع مقيّد، فكلّ جملة يقيّد إطلاقها بالجملة التي تأتي بعدها وإن كانت بصيغة الجمع. وهو يرجع بالحقيقة إلى التخصّص في الموضوع لا التخصيص حتى يلزم على القول به تخصيص الأكثر، وهو قبيح.
إذ قبح تخصيص الأكثر مسلّم عندما يكون مصبّ التخصيص، الأفراد الخارجية الداخلة تحت العموم فرداً فرداً، كما لو قال: كُل جميع الرمّان، وكان هناك مئة رمانة، ثم استثنى منها رمانة رمانة حتى تبقى واحدة، لا فيما إذا كانت القيود واقعة على المفهوم الكلّي حتى تضيّق نطاقه بمصداق خارجي واحد، كما لو قال: أكرم العالم العادل الفقير الزاهد الورع حتى لا يبقى إلاّ واحد.
وقد قرّر العلاّمة المظفّر الإشكال بما يأتي: إنّ (( الَّذِينَ آمَنُوا )) صيغة جمع فلا تصرف إلى الواحد إلاّ بدليل، وقول المفسّرين: (( نزلت في عليّ )) لا يقتضي الاختصاص، ودعوى انحصار الأوصاف فيه مبنية على جعل (( وَهُم رَاكِعُونَ )) حالاً من ضمير (( وَيُؤتُونَ ))، وليس بلازم، بل يحتمل العطف؛ بمعنى: أنّهم يركعون في صلاتهم لا كصلاة اليهود خالية من الركوع، أو بمعنى: أنّهم خاضعون(1).
وأجاب: وفيه أنّ (الحالية) متعينة لوجهين:
الوجه الأوّل: بُعد الاحتمالين المذكورين؛ لاستلزام أوّلهما التأكيد المخالف للأصل، لأنّ لفظ (( الصَّلاةَ )) مغن عن بيان أنّهم يركعون في صلاتهم؛ لتبادر ذات الركوع منها، كما يتبادر من الركوع ما هو المعروف، فيبطل الاحتمال الثاني أيضاً.
الوجه الثاني: إنّ روايات النزول صريحة بـ(الحالية)، وإرادة الركوع المعروف... ثمّ ذكر عدّة روايات، إلى أنّ قال: إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى، الصريحة في الحالية وإرادة الركوع المعروف الدالّة على أنّ المراد تعيين أمير المؤمنين(عليه السلام) لهذه الأوصاف، كما لا ريب بإرادة المفسّرين اختصاص الآية بأمير المؤمنين(عليه السلام)؛ لأنّ تفسيرهم مأخوذ من هذه الروايات ونحوها(2).
وأنت تلاحظ تصريحه بالاختصاص دون التخصيص.
الثالث: وبملاحظة أنّ المراد من الولاية في الآية هي: ولاية الأمر، بمعنى منصب الحكومة (وإثبات ذلك في محلّه)، وأنّ العقل لا يجوّز ثبوتها لأكثر من واحد في وقت واحد عرضاً، مع تجويزه لذلك طولاً (وهو مفاد آخر للآية)، وملاحظة ورود الآية بصيغة الخبر، وذكر عدّة قيود متراتبة تضيّق الموضوع، خاصّة مع ورود لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) مفردة في الآية، ودخولها على لفظين مفردين (الله ورسوله)، ثمّ العطف بالجمع (( الَّذِينَ آمَنُوا )) وما فيه من المقابلة بين الإفراد والجمع، يؤدّي إلى أن يفهم المخاطبين اختصاص الآية بواحد متعيّن، وأنّه لا بدّ من وجود قيد أو قيود تشخّصه في الخارج ولم تذكر اسمه لحكمة، وهو ما فهمه الصحابة على ما ورد في بعض الروايات وطلبوا من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذكر هذه القيود المشخّصة، وذلك بأن سألوه تعيين هذا الشخص الذي تثبت له الولاية من الآية في الخارج، وهو ما فعله النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فقد نقل صاحب (تفسير البرهان) عن الصدوق بإسناده: (( عن أبي الجارود، عن أبي جعفر(عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )), قال: إنّ رهطاً من اليهود أسلموا منهم عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن ياسين وابن صوريا، فأتوا النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: يا نبيّ الله! إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيّك يا رسول الله؟ ومن وليّنا بعدك؟ (لاحظ سؤالهم عن شخص معيّن).
فنزلت هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (قوموا). فقاموا وأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا سائل! هل أعطاك أحد شيئاً؟) (لاحظ فهم أهل اللغة من إرادة واحد معيّن في الآية).
قال: نعم، هذا الخاتم.
قال: (من أعطاكه؟).
قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلّي.
قال: (على أيّ حال أعطاك؟) (لاحظ السؤال عن الحال المفهم من أنّ الواو في (ويؤتون) حالية).
قال: كان راكعاً. فكبّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكبّر أهل المسجد، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (عليّ وليّكم بعدي). (وهذا تصريح بالاختصاص).
قالوا: رضينا بالله ربّاً وبمحمد نبيّاً وبعليّ بن أبي طالب وليّاً.
فأنزل الله عزّ وجلّ: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56) ))(3).
ومن الواضح فهم الصحابة للاختصاص من هذه الآية بعد معايشتهم الحال وسماع اللفظ، حتى أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) احتجّ عليهم بهذا في حديث المناشدة المشهور عن أبي ذرّ في يوم الشورى، كما أورده الشيخ في المجالس(4)؛ فراجع!
ومع أنّا لا نحصر بيان هذا القيد المشخّص للمعنيّ في الخارج عن طريق النقل؛ إذ لا يمنع معرفته عن طريق العقل، وذلك بعد إدراك أنّ الولاية لا تثبت إلاّ للمعصوم، فلا بدّ أن يكون هو المعنيّ بالآية، ولكن ذلك قد يكون لازم غير بيّن من الآية، ومن البعيد أن يتعبد الشارع جمهور المكلفين به وحده؛ فإنّ إدراك ذلك قد يقصتر على القليل منهم ويخفى على جمهور المكلّفين، فتمسّ الحاجة إلى البيان النقلي الصريح وعدم الاكتفاء بدلالة العقل، وهو ما فعله النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالتصريح باسم عليّ(عليه السلام)، وتشخيصه في الخارج وأمام الناس في المسجد، حسب ما ورد في الروايات، بحيث لم يبق مجال للمنكر إلاّ الجحود والمكابرة.
الرابع: ونستطيع أن نقول: أنّه لو كان كلامنا في الآية بلحاظ عالم الثبوت، فإنّ العقل، بل حكم العقلاء، لا يجوّز ثبوتها لأكثر من واحد في وقت واحد عرضاً، وإن جوّزه طولاً، إنّ هذا الواحد لا بدّ أن يتّصف بالعصمة مع أنّ العصمة ملكة باطنية لا تُعلم إلاّ بالإخبار، فإدراك هذا المعنى من قبل بعض ذوي الفطنة أو عن طريق الفطرة يؤدّي بهؤلاء إلى البحث عنه والمطالبة بالدلالة والنص عليه، ويكفيهم في هذا انطباق الصفة والعلامة الواردة على شكل معرف جمعي في الآية، أي: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )).
وأمّا لو كان كلامنا بلحاظ عالم الإثبات، الذي هو الطريق الأقرب إلى أكثر الناس، فإنّ النصّ من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على انطباق الآية على عليّ(عليه السلام) يكون القيد الأخير المشخّص والمعيّن من سلسلة القيود المذكورة في الآية، والتي تعالج ناحية الإطلاق وإن بقي العموم على عمومه في هذه القيود لنكتة سوف نشير إليها، فيكون الدليل مقيّداً بقيدين: قيد من نصّ القرآن، وقيد من السُنّة، وهو ما ورد من أحاديث اختصاص عليّ(عليه السلام) بهذه الآية.
وورود أخبار أو إنشاء (تشريع) في آيات القرآن على شكل معرّف جمعي، أو قيد جمعي، ولا يكون له إلاّ مصداق واحد في الخارج ليس بعزيز في الكتاب الكريم.
وقد ذكر بعضهم أنّ النكتة في ورود اللفظ بصيغة الجمع، هي: لبيان أنّ مثل هذه المقامات العالية لا يمكن الحصول عليها إلاّ بالمجاهدة والإخلاص في العمل، أو: للترغيب في مثل هذا العمل.
ولعلّنا نستقرب نكتة أُخرى، وهي: إدخال بقية الأئمّة(عليهم السلام) في الآية، كما ورد في بعض الروايات من أنّهم كلّهم تصدّقوا في أثناء الصلاة، ويكون النصّ عليهم هنا أيضاً مقيّداً للإطلاق في الآية بهم(عليهم السلام)، فالإطلاق الشامل للبعض، وهو: المؤمنين المتصدّقين ورد في القرآن، وتقييده لبيان الأشخاص المستحقّين للولاية يكون من السُنّة؛ فتأمّل!
والكلام نفس الكلام في حديث الدار من ورود قيود عديدة ثمّ ذكر القيد الأخير لها على لسان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أن قام عليّ(عليه السلام) وقبل النصرة له، مع وضوح الأمر أكثر فيه؛ لأنّه لم يرد المعرّف فيه على صفة الجمع، إذ قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من يؤازرني...) الحديث..
ومع ملاحظة معقولية كون القيود المذكورة فيه علّة تامّة لتسنّم منصب الإمامة، بخلافه في الآية: إذ أقصى ما يمكن تعقّله كون التصدّق في أثناء الركوع جزء العلّة؛ فتأمّل!
(1) شرح المقاصد 2: 289، شرح تجريد العقائد: 369.
(2) دلائل الصدق 4: 308 تعيين إمامة عليّ(عليه السلام) بالقرآن.
(3) تفسير البرهان 3: 423 سورة المائدة، قوله تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(4) أمالي الطوسي: 545 حديث (1168) مجلس يوم الجمعة السادس والعشرين من محرّم سنة سبع وخمسين وأربعمئة.
يتبع
|
|
|
|
|