في وسط صخب من الأصوات الداعية إلى إسقاط حكومة المالكي تهدر من حناجر متظاهري الغربية ,, و نعق الناعقين من المتشيعة بنصرة المظلوم السني الذي حُرم إلى حد ما من أن يقتات على جماجم الشيعة و يرتوي بدمائهم ,, تعلن المفوضية العليا للإنتخابات فوز رئيس الوزراء نوري المالكي في أغلب المحافظات الشيعية العراقية و أهمها العاصمة بغداد حيث مركز صنع القرار السياسي على الأقل ضمن إطار تلكم المحافظات ,,
و لعل فترة الصراع فيما قبل الإنتخابات التي مر بها تيار المالكي كانت هي الأصعب في تأريخ تربعه على عرش بلاد الرافدين ليس بسبب هيجان الأعراب في الغربية أو هرج الصدريين و مرجهم بل بسبب لجوء منافسي المالكي إلى إقحام نوع جديد من أساليب الصراع إلى الساحة قد يعد من الناحية النظرية هو الأخطر و الأعنف و لربما يتعدى بخطورته خطوط الحزام أو ما تحته ,, حيث يعتبر هو الأسلوب الأمثل في إسقاط الخصم أرضاً بالضربة القاضية ,, ألا وهو وضع المرجعية كعدو لدود مجابه و محارب للمالكي ,, فراحت المنتديات المختلفة و الصحف المتحزبة و الأقلام المنحازة و حتى المستقلة تشرع بسرد القصص حول إغلاق أبواب المرجعية بوجه المالكي ,, و تطور الأمر فرأينا مقاطع الفيديو التي تظهر مراجعاً كباراً بل لربما من الأكبر في العالم الإسلامي يهاجمون المالكي لدرجة ( سحب صفة التشيع عنه !!! ) و كأن تلك الصفة مرسوم حوزوي يمنح أو يسلب بحسب الحال أو الموقف ..
لربما وقع الكثير من السذج من المتسترين بعباءة المرجعية و أنصار الأحزاب المناوئة للمالكي في شرك حفرة الأخ لأخيه و لربما تعمد المغرضون سَوْقَ هذه الحالة من الصراع إلى ساحة النزال السياسي ,, و لربما انطلى الأمر على الكثيرين ممن يشكلون حلقات مقربة في بيوتات المراجع فأصيب البعض بحمى الزهو و انتفاخ الشخصية و اندفعت صور حالمة واهمة عن سقوط غير مشرف وساحق لرئيس الوزراء الأمين العام لحزب الدعوة الذي ارتدى ثوب البراكماتية و اكتحلت عيناه ببعض الليبرالية المحافظة و أن حافظ على قشرية الإسلاموية المنفتحة ,, الكثيرون عاشوا هذا الوهم بل و راهنوا عليه فالمالكي أصبح عدواً و خصماً للمرجعية و ما أدراك مالمرجعية ,, فبكلمة واحدة من تلك العمائم المقدسة يتغير كل شيء ,, و شهدنا تحديات الحرب الباردة بين طويريج و النجف الأشرف من خلال تصريحات و مقالات و حوارات سياسية ,, و في ختام النزال ,, أو لربما خلال استراحة محارب ,, أعلن المالكي بتقاسيم وجهه القاسية أنه رجل الميدان بلا منازع ,, و أنه هو الذي يملك أوراق السياسة في العراق ,, و هو الذي يأمر الأصابع البنفسجية فتنتخبه حباً أو طمعاً أو بحثاً عن أمان لم يجده الكثير من الخائفين في غير كنفه ,,
عاد المالكي صاحب القائمة الجاثمة على صدور منافسيه بكل ثقلهم الأكبر و المتناهي في الصغر بأفرادها الموغلين فساداً و المترعين نزاهة و شرفاً و على الرغم من رهانات خصومه السياسيين المتفائلين بكل ما أوتوا من قوة بتحذيرات المرجعية و غلق الأبواب بوجه أبي إسراء و إخراجه من دائرة التشيع ,,
عاد المالكي وهو يحمل على كتفه واحدة من أكبر الهدايا للعملية السياسية في العراق فات أغلب الشيعة أن يفرحوا بها و يحيوا رئيس الوزراء عليها فقد تعامى البعض و تغابى آخرون و فات الكثيرين أن المالكي إذ أعلن فوزه في الانتخابات قدم لشيعة العراق رأس المشروع السياسي العروبي و قائمته المقيتة بقيادة أياد علاوي التي نسفها المالكي في اليم نسفاً و لم تقوَ على مجرد الحضور ببعض الشرف في مجالس المحافظات بعدما كانت تستحوذ على الكثير من المقاعد الشيعية حتى في مدننا المقدسة ,,
و كلمة أقولها للتأريخ رغم إنني لست أميل لا من قريب و لا من بعيد لأي خط ديني كلاسيكي بارد إلا أنني كنت أتمنى على أنصار المرجعية و أتباع الأحزاب السياسية التي تدعي القرب من الحوزة النجفية أن لا يقحموا الوسط الحوزوي بكل طبقاته في الصراع مع المالكي لأن المالكي سوف ينتصر نصراً ساحقاً على حساب هيبة المؤسسة الدينية و شخوصها ,,
فهذا هو المالكي فائزاً رغم إرادتكم ورغم صراخكم المنطلق من قعر الألم محاولين أظهاره خاسراً لبعض كراسيه ,, مع أن الرجل صورتموه كعدو لدود لأكبر مرجعيات العالم الإسلامي ..