عضو ذهبـي
رقم العضوية : 23928
الإنتساب : Oct 2008
المشاركات : 2,923
بمعدل : 0.50 يوميا
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
أعلم انك لن تخلو من عين الله
بتاريخ : 03-05-2009 الساعة : 07:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعلم أنك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون!.
إنَّ قراءة حديث من أحاديث أئمة العصمة ربما تغيّر مجرى حياة الإنسان
رأساً على عقب مثل هذا الحديث المنقول عن الإمام الرضا
" أعلم أنك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون "
وهو من أفضل الروايات في باب مراقبة النفس وعلى إثره نفيدكم
ببعض آداب المراقبة التي ر بما عن طريقها حال تطبيقها تتغير
آفاق آنفسنا ونتحرر من قيود الطبيعة فيكون لنا في كلّ يوم حركة
توصلنا إلى ساحة رضا الرب فالمغبون من تساوى يوماه ..
1_ ترك المعاصي وهذا هو الذي بُني عليه قوام التقوى ، وأُسّس عليه
أساس الآخرة والأولى .. وما تقرب المقربون بشيء أعلى وأفضل منه.
ومن هنا عندما سأل موسى (ع) عن العمل الذي صار به الخضر (ع)
معلمــاً له ، كان الجواب : ترك المعصية .
وعليه فلا بد من الالتفات إلى عظمة هذا الأمر ، لأن نتائجه أيضا عظيمة.
فكم من القبيح أن يهتك العبد ستر الحياء وهو غارق في نعم مولاه ،
مستمد من فيض العطاء آنا فآنا ، إذ أنه: مع كل شيء لا بمقارنة ،
وغير كل شيء لا بمزايلة ، وهو معكم أينما كنتم.
فلو حُبس العبد العاصي في سجن جبار السماوات والأرض أبد الآبدين لكان
بذلك جديرا ، إلا أن ينزع عن المعصية بالتوبة لتشمله الرحمة الواسعة.
2_الاشتغال بالطاعات بعد الفرائض ولكن بشرط الحضور ، فإن روح العبادة
هو حضور القلب .. ومن دون هذا الحضور فإنه لا تتحقق للقلب حياة أبدا.
بل قد يقال أن العبادة بلا حضور قد تورث قسوة القلب.. وعليه فإنه يحسن
في أول الأمر أن يجعل ورده ( الاستغفار) .. ومن بعده الذكر اليونسي :
{ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين }.
وفي آخره الكلمة الطيبة : لا إله إلا الله بشرط الاستمرار والمداومة .
3_ عدم الغفلة عن حضور الحق دائما وأبداً ، وهذا هو السنام الأعظم
الرافع إلى مقام المقربين ، ومن كان طالباً للمحبة والمعرفة ، فليستمسك
بهذا الحبل المتين ، وإلى هذا يشير قوله (ص) :
اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فحالة العبد الباطنية في هذه المرحلة ، حالة من يرى نفسه واقفاً
بين يدي مولاه ، والمولى يعلم ذلك منه ، ويرى ما هو فيه .
وفي هذا الخبر إشارة إلى أن العبد - في مقام العبادة - لا يحتاج إل
ى استحضار هيئة خاصة للمولى ، ليحتاج بعد العجز عن ذلك ،
إلى استحضار صورة مخلوق - كما زعمه بعض جهّال الصوفية -
بل يكفي علمه بأن مولاه حاضر لديه وناظر إليه.. فتأمل فإنه دقيق نافع.
4_ الحزن الدائم خوفاً من العقاب - لو كان من الصالحين - أو شوقاً
إلى اللقاء - لو كان من المحبين - فإذا انقطع الحزن عن القلب ،
انقطعت الفيوضات المعنوية تبعا لذلك.
ومن هنا حكى عن لسان حال التقوى أنه قال: إني لا أسكن إلا في قلب
محزون ، والشاهد على هذا المدعي قوله تعالى في الحديث القدسي:
أنا عند المنكسرة قلوبهم.
وعليه فاعلم أيها العزيز !.. أن ما يرد على القلب من الواردات الحسنة -
سواء كان حزناً أو فكراً - فهو بمثابة الضيف الذي لو أُكرم عند نزوله -
دفعاً لما يؤذيه وجلبا لما يرضيه - فإنه سيعود إلى ذلك المنزل مرة أخرى ،
وإلا فإنه سيرحل كارهاً له ، غير عائد إليه.
إن على العبد أن يعلم قدر ما هو عليه من الإقبال ،
وإلا فإنه من المستبعد أن يعود إليه بعد الزوال.
وبالجملة فلو أردت أن تشم رائحة الكمال ، فعليك بمجاهدة النفس التي
هي أصعب من مجاهدة الأعداء.. فالعارفون يطلقون على هذا الجهاد :
الموت الأحمر.
ومن لوازم المجاهدة ، أن تؤمن بأن أعدى أعدائك هي نفسك
التي بين جنبيك ، تلك النفس المتصرفه في رأسمالك وأركان وجودك !.
إن على المراقب لنفسه أن يتفطن في أول النهار إلى أمور :
1_ المشارطة كمشارطتك شريكا لك في مالك عندما ترسله للتجارة ، بل أكثر من ذلك..
لأن خيانة الشريك غير معلومة، ولكن خيانة النفس قد علمتها مراراً وتكراراً.
2_ المراقبة لئلا تسوق النفس الجوارح الى ما يسخط المولى المتعال ، وبالتالي
ضياع فرصة من فرص العمر ، تساوي لحظة منها جميع الدنيا بحذافيرها .
3_ المحاسبة لتعلم تفصيل ما فعلته في النهـار:
خسارةً ، أو ربحاً ، أو بقاءً على رأس المال .
4_المعاتبة لتُلقي اللوم على نفسك إذا لم تكن رابحاً ، أو تعاقبها إذا كنت خاسرا..
ومعنى المعاقبة هو إلزام النفس بالرياضات الشرعية : كالصيام في الصيف ، أو المشي إلى
البيت إذا لم يكن فيهما حرج شديد ، لاستعادة السيطرة على زمام النفس قبل فوات الأوان.
والحاصل : أنه لو منعتك قسوة القلب من التأثر بالمواعظ الشافية ، ورأيت
الخسران في نفسك يوماً بعد يوم ، فاستعن عليها بدوام التهجد والقيام،
وكثرة الصلاة والصيام ، وقلة المخالطة والكلام ، وصلة الأرحام واللطف
بالأيتام ، وواظب على النياحة والبكاء ، واقتد بأبيك آدم وأمك حواء ،
واستعن بأرحم الراحمين ، وتوسل بأكرم الأكرمين ، فإن مصيبتك أعظم
وبليتك أجسم ، إذا انقطعت عنك الحيل ، وزاحت عنك العلل ، فلا مذهب
ولا مستغاث ولا ملجأ إلا إليه ، فلعله يرحم فقرك ومسكنتك ، ويغيثك
ويجيب دعوتك ، إذ هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ، ولا يخيب
رجاء من أمّله إذا رجاه ، ورحمته واسعة ، وأياديه متتابعة ، ولطفه عميم ،
وإحسانه قديم ، وهو بمن رجاه كــريم .
توقيع : (رقية بنت الحسين)