السلام علیکم
وبعد ؛ فقد أخرج الشيخان من طريق ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة : أنّ رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلّم" قال : (ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث آخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فأغفر له) .
أخرجه كلّ من :
1 ـ البخاري في صحيحه ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء نصف الليل ، (6321) .
2 ـ مسلم في صحيحه ، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل ، (1769) .
3 ـ أبو داود في سننه ، كتاب الصلاة ، أي الليل أفضل ، (1315) .
4 ـ أحمد بن حنبل في مسنده ، 2/258 .
5 ـ الترمذي في مسنده ، كتاب الدعوات ، باب : 79 (3498) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، تحفة الأشراف (13463) وغيرهم .
حديث آخر في ذكر النزول يوم عرفة : عن أسماء قالت : قال رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلّم" : "رأيت ربّي عزّ وجل على جمل أحمر عليه إزار وهو يقول : قد سمحت ، قد غفرت ، إلاّ المظالم ، فإذا كانت ليلة المزدلفة لم يصعد إلى السماء الدنيا وتنصرف الناس إلى منى" .
نقله كلّ من :
1 ـ لسان الميزان ، 2/238 .
2 ـ ميزان الاعتدال : 3/193 ـ 6095 .
3 ـ تنزيه الشريعة : 1/138 .
4 ـ لآلئ : 1/27 . وغيرهم .
تعالى ربّنا عن النزول والصعود والمجيء والذهاب والحركة والانتقال وسائر العوارض والحوادث ، وقد صار هذا الحديث سبباً لذهاب الحشويّة إلى التجسيم ، والسلفيّة إلى التشبيه ، وكان من الحنابلة بسببه أنواع من البدع والأضاليل ، ولا سيما ابن تيمية .
يقول الرّحالة ابن بطّوطة في رحلته / ص 12 ـ طبع دار الكتب العلميّة ـ : وكان بدمشق من كبار فقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيميّة كبير الشام يتكلم في فنون ، إلاّ أنّ في عقله شيئاً ، ... وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من درج المنبر ...
فالعقل السليم الحرّ يقطع ببطلان التجسيم وبطلان قول ابن تيمية وبطلان ما ورد من الأحاديث في هذا الشأن . تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً .
قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ج3 ص 387): ((وكذلك الحديث الذي رواه أهل العلم أنه قال رأيت ربي في صورة كذا وكذا يروى من طريق أبن عباس ومن طريق أم الطفيل وغيرها، فعلم أن هذا الحديث رؤيا منام بالمدينة، كما جاء مفسراً في كثير من طرقه أنه كان رؤيا منام مع أن رؤيا الأنبياء وحي، لم يكن رؤيا يقظة ليلة المعراج)).
وقال في (ج2 ص 336): ((فالصحابة والتابعون وأئمة المسلمين على أن الله يرى في الآخرة بالأبصار عياناً وأن أحداً لا يراه في الدنيا بعينه لكن يرى في المنام ويحصل للقلوب من المكاشفات والمشاهدات ما يناسب حالها ومن الناس من تقوى مشاهدة قلبه حتى يظن أنه رأى ذلك بعينه)).
وقال في (ج2 ص 335): ((ولم يتنازعوا إلا في النبي خاصة مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا وعلى هذا ودلت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة وأئمة المسلمين ولم يثبت عن ابن عباس ولا عن الإمام أحمد وأمثالها أنهم قالوا أن محمداً رأى ربه بعينه بل الثابت عنهم أما أطلاق الرؤية وأما تقييدها بالفؤاد.. وكذلك حديث أم الطفيل وحديث ابن عباس وغيرهما مما فيه رؤية ربه أنما كان بالمدينة كما جاء مفسراً)).
ومن هذا الكلام لابن تيمية نعرف أنه كان يقبل حديث ابن عباس وحديث أم الطفيل وغيرها وأنه كان يفسر الرؤية وبالمنام.
روي حديث الرؤية بعدة مضامين، فالكل يثبت رؤية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لربه لكن أختلف في التفاصيل! فقسم من الأحاديث ذكرت رؤية الله بشكل مطلق من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما روي عن ابن عباس، كما في (مسند أحمد ج1 ص 285، 290)، وفي كتاب (السنة) لابن أبي عاصم، وقال الألباني حديث صحيح ولكنه مختصر من حديث الرؤيا.
وقسم من الأحاديث تصف الرؤية بكونها في أحسن صورة كما في (سنن الدارمي ج2 ص 126)، وفي (مجمع الزوائد ج1 ص 78): عن ابن عباس أنه كان يقول أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا جمهور بن منصور الكوفي, وجمهور بن منصور ذكره ابن حبان في الثقات, وعن ابن عباس قال نظر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ربه تبارك وتعالى قال عكرمة فقلت لابن عباس نظر محمد إلى ربه ؟! قال نعم جعل الكلام لموسى والخله لإبراهيم والنظر لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي بعض الأحاديث توصف تلك الصورة بأنه على هيئة شاب, ففي (مجمع الزوائد) عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: رأيت ربي في المنام في صورة شاب موفر في خضر عليه نعلان مما ذهب على وجهه فراش من ذهب قال : الحديث رواه الطبراني.
وقال الذهبيّ عن هذا الحديث في (سيره 1/ 602): ((فأما خبر أم الطفيل فرواه عمر بن اسماعيل الترمذي وغيره : حدثنا نعيم, حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال ابن مروان بن عثمان عثمان حدثه عن عمارة بن عامر عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر أنه رأى ربه في صورة كذا وكذا...
فهذا خبر منكر جداً. احسن النسائي حيث يقول : ومن مروان بن عثمان حتى يصدق عن الله. وهذا ينفرد به نعيم، فقد رواه أحمد بن صالح المصري الحافظ وأحمد بن عيسى التستري وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن أبي وهب قال أبو زرعة النصري :رجاله معروفون.
قال الذهبي: قلت لا ريب قد حدّث به ابن وهب وشيخه وابن أبي هلال وهم رجال عدول فأما مروان وما أرداك ما مروان، فهو حفيد أبي سعيد بن المعلى الأنصّاري، وشيخه هو عمارة بن عامر بن عمرو بن حزم الأنصاري ولئن جوزنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قاله فهو أدرى بما قال ولرؤياه في المنام تعبير لم يذكره (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا نحن نحسن أن نعبره وأما أن يحمله على ظاهره الحسي فمعاذ الله أن نعتقد الخوض في ذلك بحيث أن بعض الفضلاء قال تصحيف الحديث، وإنما هو رأي رئيّه ( بياء مشدّدة) وقد قال علي (رض الله عنه) حدثوا الناس بما يعرف ودعوا ما ينكرون.
وقد صح أن أبا هريرة كتم حديثاً كثيراً، مما يحتاجه المسلم في دينه وكان يقول: لو بثثته فيكم لقطع هذا البلعوم...)). وقد صحح الحديث الألباني في تعليقه على سنن ابن أبي عاصم برقم 471.
وفي بعض الأحاديث التي ذكرت رؤية الله وصفت تلك الأحاديث الله تعالى بأنه على صورة شاب أمرد:
ففي (كشف الخفاء للعلجوني ج1 ص 346): ((لكن في اللآلي عن ابن عباس رفعه رأيت في صورة شاب له وفره وروي في صورة شاب أمرد قال ابن صدقه عن أبي زرعة حديث ابن عباس لا ينكره إلا معتزلي...)).
وفي (الكامل ج2 ص 261): ((حدثنا ابن شهريار حدثنا ابو بكر المروزي قلت: لأحمد بن حنبل تقولون أنه لم يرو هذا الحديث إلا شاذان، فقال حدثنا عفان حدثنا عبد الصمد بن كيسان عن حماد بن سلمة، قلت يقولون : لم يسمع قتادة عن عكرمة , فغضب وأخرج كتابه فيه سماع قتادة من عكرمة ستة أحاديث.
قال ابن عدي قال لنا ابن أبي داود روى هذا الحديث شاذان وإبراهيم بن أبي سويد وعفان وعبد الصمد بن حسان عن حماد ورواه الحكم بن ابار عن زيرك عن عكرمة وهو غريب، وهذه الأحاديث التي رويت عن جماد بن سملة في رؤية وفي الرؤية أهل الجنة خالقهم قد رواها غير حماد بن سلمة وليس حماد وبمخصوص به فينكر عليه)).