دليل الحكم والإدارة والسياسة في القرآن:
1- البيعة:
قال تعالى في (بيعة الرضوان): (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (الفتح/ 18).
التطبيق الحياتي: البيعة أسلوب من التعاقد بين (القائد) وبين (الأُمّة)، هي تعطيه (الشرعية)، وهو يمنحها (الإخلاص)، وهي تمنحه حقّ حكمها، وهو يمنحها حقّ الإلتزام ببرامج العمل لخدمتها.
يقول الشهيد السيد محمّد باقر الصدر – رضي الله عنه -: "إنّ التأكيد على البيعة للأنبياء وللرسول الأعظم وأوصيائه، تأكيد من الرسول على شخصيّة الأُمّة، وإشعار لها بخلافتها العامّة، وبأنّها بالبيعة تُحدِّد مصيرها، وأنّ الإنسان حينما يُبايع يُساهم في البناء ويكون مسؤولاً عن الحفاظ عليه".
وربّما يُقابل البيعة اليوم صيغة الإنتخابات التي تُحدِّد المجالس التشريعية والسّلطة التنفيذيّة، وفي كلّ الأحوال يبقى دور الشعب دور الحاكم الأوّل، فهو الذي يمنح الحكّام شرعيّتهم سواء كانوا نوّاب الشّعبِ أو رئاسة جمهوريّة أو رئاسة حكومة، وكما أنّ دور (المبايع) هناك لا ينتهي عند خطّ المبايعة، فإنّ دور المنتخِب هنا، ليس مجرّد التصويت فقط، بل المتابعة والمساءلة والتعاون مع مرشّحيه لإنجاح مشروع الحكم.
2- الحكم والسلطة:
قال تعالى: (ألَيْسَ اللهُ بأحْكَمِ الحاكِمِين) (التين/ 8).
التطبيق الحياتي: ينطلق الله في (حُكمه) من (حكمته)، وذلك درسٌ في التدبير والإرادة والحكم، ممّا يجعله خاضعاً للمصلحة، قائماً على العدل والإتقان، ولذلك عدّ القرآن الكريم حكم الناس بغير ما أنزله الله ظلماً وطغياناً: (باحْكُم بَيْنَهُم بما أنْزَلَ الله) (المائدة/ 49)، وفي تساؤل إستنكاري: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة/ 50).
إنّهما حكمان: إمّا حكمٌ بشريعة الله، وإمّا حكمٌ بالأهواء. ذلك منهجٌ ثابتٌ وشاملٌ وكامل، وهذا منهج متغيِّر ومتقلِّب وناقص، ولذلك كان إلتزام الحقّ والعدل في الحكم، ركناً أساسياً من أركانه: (.. وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ...) (النساء/ 58).
إنّ علاقة الحاكم بالمحكوم يُحدِّدها قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا...) (النساء/ 58). فأداء الأمانة لا يتعلّق بالودائع المالية فقط، بل بما أودعه الناخب من أمانة (قيادته)، بيدِ مَن أعطاه صوته وزمامه، أي بشرط قيامه بالمسؤولية خير قيام وبذل الوسع في ذلك.
وفي موازاة هذا الخط الرباني، يتحرّك القضاء الإسلامي: (.. فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...) (النساء/ 59). فالمرجع في فضِّ النِّزاعات والفصل بين الحق والباطل هو: الرجوع إلى كتاب الله وسنّة نبيِّه (ص)، كونهما المصدرين المعصومين، ومخالفتهما هو الإحتكام إلى الطاغوت: (.. يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ...) (النساء/ 60).
والمراد بالطاغوت الحكم القائم على الطغيان والتشريعات المنحرفة الباطلة، ولذلك قرنَ الله تعالى بين (الإيمان) وبين (الحكم بما أنزل): (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ...) (النساء 65).
رُوي أنّ رسول الله (ص) قال: "الحكمُ حكمان: حكم الله وحكم الجاهليّة، فمَن أخطأ حكم الله بحُكم الجاهلية".
وعلى هذا، فالجاهلية ليست مرحلة زمنيّة طُويت بشرائطها وعاداتها وتقاليدها وأحكامها، بل هي خطّ فكريّ يتحرّك في كلِّ وزقت.
إنّ سؤال رسول الله (ص) يفترض أن يكون سؤال كلّ مسلم: (أفَغَيْرَ اللهِ ابْتَغِي حُكْماً) (الأنعام/ 114).
ويجب الإنتباه إلى أنّ الأنبياء (ع) لم يكونوا مُبلِّغي رسالات فقط، وإنّما امتدّت مسؤوليّاتهم إلى التطبيق والتنفيذ: (آتَيْناهُم الكِتابَ والحُكْمَ والنُّبُوّة) (الأنعام/ 89). ولعلّ اقتران تعليم (الكتاب) و(الحكم) الجمع بين (النظريّة) و(التطبيق).
3- الشورى:
قال تعالى: (.. وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).
التطبيق الحياتي: مبدأ المشاورة منهج حياتي يُفصح عن حقيقة أنّ "مَن شاور الناس شاركها عقولها"، أنّ تقليب الأمر على وجوهه، والنظر إليه من زوايا مختلفة، أقرَب للصواب من التفرد بالرأي.
إنّ الرجوع إلى فكر الآخرين وتجاربهم وخبراتهم إضافة نوعيّة لما عند القائد من ذلك كله، فإذا كان التوجيه الإسلامي للقيادة والمعصومة (النبوّة) والتي لا تحتاج إلى فكر أحد، هو إعتماد الشورى لإعمال فكر الآخرين أيضاً، فكيف الحال في غياب العصمة؟
وبالتأكيد فالشورى في السلوك العملي وليس فيما فيه نصّ ثابت، هي إعداد لقيادات مستقبليّة، فضلاً عن تحقيق أكبر قدر من الصواب في قرارات القيادة الراهنة.
ولذلك قال (ص) في الشورى: "جعلها الله تعالى رحمةً لأُمّتي، فمَن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومَن تركها لم يعدم غياً"! فهو (ص) كان يستشير أصحابه ثمّ يعزم على ما يُريد، وبالتالي فالإسلام يرفض إستبداد القائد في شؤون الحياة ومصالح الناس.
4- القانون:
قال تعالى: (.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا...) (المائدة/ 3).
التطبيق الحياتي: لأنّ الإنسان قد يكره شيئاً وهو خيرٌ له، وقد يُحبّ شيئاً وهو شرّ له، أي أنّه يعيش المزاجيّة في كثير من الأحيان، والله تعالى يعلم ما يُصلح الإنسان وينفعه، كان لابدّ من قانون يُقنِّن له حياته في أفضل وأسعد نظام، وتلك مهمّة التشريع في شموله لخصوصيّات الإنسان من مأكل وملبس وزواج مقتنيات.
إنّ الفرق بين القانونين: الإلهي والوضعي، أنّ الثاني يُحدِّد علاقة الفرد بالمجتمع، ولا دخل له في حياته الخاصة، أمّا القانون الإلهي فينطلق من فكرة أنّ الإنسان (عبدالله)، فهو يتلقّى رُخصه منه، أي أنّ الشريعة – بما هي أحكام وقوانين – هي التي تُنظِّم لك شؤونك الشخصية والإجتماعية بكلِّ ما يُحقِّق لك السلامة ويجنِّبك الأخطار والأضرار، ولذلك يجب أن تكون طاعة الله – فيما أمر به ونهى عنه – تسليميّة، فالخير ما اختاره الله، وهو أدرى بمصلحة الإنسان من الإنسان نفسه.
5- المصلحة الإسلامية:
قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة/ 8-9).
التطبيق الحياتي: تتّحد علاقتك بالآخرين ممّن لا يدينون بدينك من خلال المصلحة الإسلامية العُليا، فالله تعالى يريد للقاعدة الإنسانية أن تفتح المجال واسعاً للعلاقات الإيجابية، ففي الحديث: "خالِط الناس ودينَك لا تكلمنّه"، أي انفتح على الجميع شريطة أن لا يكون انفتاحك على حساب التفريط بدينك وقيمك ومبادئك.
إنّ الذين نختلف معهم في الرأي ولم يتحرّكوا ضدّنا بطريقة عدوانيّة، ويقرّؤون بمدأ التعايش السلمي، مبرورون في الإسلام، أي انّ المسلمين مُطالَبين بتقديم كل ما هو خيرٌ لهم، وأن يتعاملوا معهم بالعدل.
أمّا الأعداء الذين يناهضون حرِّيتنا في الدين والعقيدة والعمل، ويتحالفون ضدّنا، فالموقف منهم هو المقاطعة ورفض الإستسلام لمآربهم.
أي أنّ هناك فرقاً في التعامل بين (الكافر المسالِم) وبين (الكافر المحارِب)، وعلى ضوء هذا التصنيف يجري التعامل مع كلِّ طرف بمقتضى المصلحة الإسلامية العُليا التي لا تريد مقاطعة الآخرين، ولكنّها لا تقبل أن يستغلّها الآخرون.
6- القوّة العسكرية:
قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ...) (الأنفال/ 60).
التطبيق الحياتي: القوى التي تعمل ضدّ الحق وتمنعه من ممارسة حرِّيته كثيرة، فلابدّ من قوّة في مواجهة التحدِّيات المضادّة لردعها، فليس أسلوب الرِّفق والحوار ناقصاً في كلّ الأحوال، وإلا لما كانت هناك حروب بين الشعوب.
كلمة (وأعدُّوا) بما تعنيه من (إستعداد) والتجهّز بـ(العدّة) اللازمة للمواجهة لا تعني المبادرة للعدوان، وإنّما هي إجراءات احتزازية لكبح جماح عدوان الآخرين، وإذا كانت لديك – أنتَ المسلم – ضوابط إيمانية تُقيِّدك، فقد يكون الآخر متفلِّتاً منها، ولا تقف بوجهه حتى شرعة حقوق الإنسان.
إنّ الإسلام كما يريد لك أن تكون الممانع القوي المقاوم، لا الضعيف المهزوم المستسلم، يريد لك أن تكون رافع راية السِّلم والسلام في العالم. وبالتالي، فإعداد القوّة تدبير وقائي لجعل العدو يتردّد في العدوان عليك؛ لأنّه يحسب حساب قوّتك، ويقظتك وإستعدادك، وهذا ما نفهمه اليوم من رسالة (المناورات العسكرية).
ولا ينبغي أن يقتصر فهم القوّة على القوّة الميدانيّة (العسكرية) فقط، بل توفير كل مستلزمات القوة بما في ذلك القوة المعنوية والمواجهة النفسية، والتطوّر العلمي والثقافي والإجتماعي والإقتصادي.
إنّ شعورنا هو (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا...) (الأنفال/ 61)، فإذا أبدى الآخرون الإستعداد للعيش بسلام، فنحنّ أُمّة السلام، ولابدّ أن يكون ذلك من خلال معاهدات ومواثيق، لئلاّ نكون ضحية الخداع والتغرير.
7- حقوق الإنسان:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...) (النساء/ 1).
التطبيق الحياتي: النفس الواحدة – بما تُمثِّله من الذكر والأنثى – تجعل الإثنين اللذين هما في الأصل واحد، أمام حقوق موحّدة وواجبات موحّدة بحسب ما يُسِّر كل واحد له.
وإنّ أكبر حقّ تمتاز به هذه النفس الواحدة هو (حق الحياة)، الذي يقوم على مبدأ الكرامة الإنسانية، والتي يتفرّع منها حقّ المساواة وحقّ الحرِّية، كونهما حقّين طبيعيين مُلازمَين لطبيعة الإنسان.
يقول د. وهبة الزحيلي: "الكرامة الإنسانية مصدر الحقوق الأساسية كلّها، فهي دليل إنسانية الإنسان الذي تُميِّزه عن سائر المخلوقات".
وجاء في مقدمة (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان): "الإعتراف بالكرامة المتأصِّلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية، هو أساس الحرِّية والعدل والسلام في العالم".
وفوق هذا وذاك، يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمنا بَني آدَم) (الإسراء/ 70).
التكريم هنا ليس مجرّد لطف إلهي، بل هو خطّ تشريعي يؤسِّس لكلِّ ما يُعزِّز هذه الكرامة، ويرفض كل ما يؤدي إلى إهانتها. وقد التفت بعض المفسِّرين إلى أنّ بعض الأعمال كجرِّ العربة التي يركبها الناس من قِبَل إنسان بدل الحصان – كما في الهند – مُنافٍ للكرامة الإنسانية، وقِسْ على ما سواه.
ومن أروع ما تحت أيدينا من نصوص تُكرِّس أهميّة حقوق الإنسان في الإسلام، ما ورد عن الإمام علي (ع): "جعل الله سبحانه حقوق عباده مقدّمة لحقوقه، فمَن قام بحقوق عباد الله، كان ذلك مؤدِّياً إلى القيام بحقوق الله".
فما هي يا تُرى لائحة حقوق الإنسان في القرآن؟
1- حق الإختيار:
قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3).
التطبيق الحياتي: حرِّية الإختيار بين الخير أو الشر، والطاعة أو المعصية، خطّ أصيل في الفهم الإسلامي، الذي ينفي الإكراه والجبريّة، فالمختار مسؤول، أمّا المُكرَه فهو واقع تحت ضغط يمنعه من ممارسة هويته، وبالتالي فلا يصحّ ولا يجوز أن نُحاسبه على أعمال أُجبر عليها.
هذا مع الأخذ في الإعتبار أنّ هناك مروِّجات لإختيار الأصلح والأرشد والأنفع، فالعقل يدلّ على ما هو الحسن وما هو القبيح، والرِّسالات تُعتبر فرقاناً بين ما هو حقّ وما هو باطل، والرُّسل هداة إلى طريق الرشاد، فمن استجاب بإرادته إلى الخير نجا وفاز، ومَن استجاب بإرادته إلى الشر هلك وخسر: (قَد أفْلَحَ مَن زَكّاها وَقَدْ خَاب مَن دسّاها) (الشمس/ 9-10).
فإذا اختار إنسانٌ طريق الخير، كان عليه أن يفي بإلتزاماته وشروطه وتعليماته كمَن ينتمي لجامعة ما هو ضوابطها ونظامها الداخلي الذي يسري على جميع طلابها، أي أنّ لك أن تختار الجامعة من بين عدد من الجامعات، فإذا وقع الإختيار على أحدها، وجبَ عليك أن تلتزم بمقرّراتها.
2- حق التعبير عن الرأي:
قال تعالى: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن/ 1-4).
التطبيق الحيتي: (علّمهُ البيان)، أودعَ فيه قابليّة النّطق كي يُعبِّر عمّا في عقله من فكر، وفي قلبه من عواطف، وفي نفسه من مشاعر إيجابية أو سلبيّة، وبهذا البيان يستطيع الإنسان أن يتواصل مع مجتمعه، فيتبادل الرأي، ويتعاطى الفكر، ويعبِّر عن حاجاته وطلباته ورفضه وقناعاته.
فلكلٍّ حقّه في التعبير عن رأيه – حتى وإن خالف آراء الآخرين – ولكن ليس من حقِّ الإنسان أن يكون مُتعصِّباً لرأيه، فليس هناك مَن يمتلك الحقيقة لوحده. ولذلك كانت لفتة القرآن رائدة في مفهوم الحوار: (وإنّا أو إيّاكُم لَعَلَى هُدى أو في ضَلالٍ مُبين) (سبأ/ 24)، أي أن تضع نفسك – أنت صاحب الحق – على سواءٍ واحدٍ مع الآخر لتكون الحقيقة بنت الحوار.
3- حق الأمن والأمان:
قال تعالى: (الذي أطعَمَهُم مِن جُوعٍ وآمَنَهُم مِن خَوْف) (قريش/ 4).
التطبيق الحياتي: "حقّ (الأمن) أن تعيش إنساناً آمناً في سربك وأهلك وجماعتك ومجتمعك، وحقّ (الأمان) هو عهد يدخل بموجبه الكافر المحارب للدولة الإسلامية في ذمّة المسلمين، فيصبح بموجبه معصوم الدّم والمال. والأصل في مشروعيّته، قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ...) (التوبة/ 6).
أمّا حقّ الأمن، فقد كفلهُ الله تعالى من خلال إحترام حقّ الحياة في قوله عزّوجلّ: (.. مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا...) (المائدة/ 32)، أو من خلال إعتبار حرمته أعظم من حرمة الكعبة، وأنّ الكعبة لو هدمت حجراً حجراً، كان أهون على الله من أن يُراق دم امرئ مسلم.
بل إنّ الأمن والسّلام مطلوبان لكلِّ الناس، لذلك ورد أنّ المسلم ليس فقط الذي سلّم المسلمون من يده ولسانه، بل سلم الناس كلّهم من شروره.
4- حق السّكن والمأوى:
قال تعالى: (وَمساكين تَرضَوْنَها) (التوبة/ 24).
التطبيق الحياتي: إذا كانت نملة سليمان تُخاطب أخواتها في الدخول إلى مساكنها، وإذا كان تعالى أوحى للنحل أن تتّخذ من الجبال بيوتاً، فمن باب أولى أن يكون لأكرَم مخلوق مسكنه ومأواه الذي يسكن ويستريح إليه، ويستتر فيه من فضول الآخرين.
إنّه حق من حقوقه وحاجة من حاجاته الأساسية أن يأوي بعد نهار عمله إلى بيتٍ يأويه، ويلوذ به، ويستجمّ فيه، ويختلي بأهله وأولاده فيه، ويستقبل ضيوفه، ويجد فيه مأمنه، فحتّى (أهل الصُّفّة) ضعفاء وفقراء أهل المدينة من العزاب، كان النبي قد بنى لهم صُفةً (سقيفة) ملحقة بالمسجد النبوي، يأوون إليها إذا جنّ الليل، فلا يمكن للإنسان أن يعيش في العراء مشرّداً.
إنّ علاقة الإنسان بمنزله هي علاقته بأرضه وبإستقراره، والإسلام يحترم هذه العلاقة، ومن دلائل ذلك، إحترام حرِّية الإنسان في داره، فلا يُخرَج منها قهراً بدون حق، وإذا انتُهِكَت أو اغتُصِبَت قاتلَ دونها.
5- الحقوق المالية:
قال تعالى: (وآتُوهُم مِن مالِ اللهِ الذي آتاكُم) (النور/ 33).
التطبيق الحياتي: المالُ مالُ الله، وقد جعل الإنسان مستخلفاً فيه، فملكيّته للمال إعتباريّة، وحقّ المال هو الإنفاق على الأهل والعيال، وأن توصل به الرحم، وتُبرّ به الأخوان، وتواسى به الفقراء ، فمعنى أنّ المال لله أنّه يجب أن يكون جارياً أيدي الناس لا مُتكدِّساً عند فئةٍ أو طبقةٍ معيّنة.
يقول عزّوجلّ: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات/ 19).
فلا يحقّ لك أن تبخل بمالك، فملكيّتك للمال مسؤوليّة؛ لأنّه أمانة إلهية وضعها بين يديك للإنفاق على إحتياجاتك، ولمشاركة الآخرين فيه فيما زاد عن ذلك.
يقول النبي (ص): "لَمْ نُبْعَث لجمعِ المال، ولكن بُعِثنا لإنفاقه".
إنّ المشاريع الخيريّة من بناء دور ومساكن، وتزويج الشبّان، وفتح مشاغل أو معامل لتشغيل الأيدي العاملة الفقيرة، ونشر الثقافة الإسلامية، وبناء المساجد والمدارس الدينية، من بعض بركات هذه المال المنفق في سبيل الله، فهو من أهمّ طرق التكافل الإجتماعي، الذي لا يترك عجلة من عجلات الحياة واقفة أو متعطِّلة، بل يريد لها كلّها أن تدور.
السلام عليكم
الموضوع مهم وحساس بعض الشيء فبارك الله بكاتبه ومشكور على الجهود التي بذلت لاخراجه بهذه الصورة ولاهمية الموضوع فاني ارغب في المناقشة لاجل الوصول الى فهم اعمق ودقيق وليس لمجرد النقاش ولعلنا نبدأ من موضوع البيعة وهنا اود ان اورد بعض الملاحظات
1-ان البيعة التي بايع بها المسلمون الرسول صلى الله عليه واله وسلم هي بيعة مكلفين لمعصوم وقائد موكل من السماء وبالتالي لايصح تعميمها على جميع القادة من البشر غير المعصومين كما هو حاصل الان في الانتخابات العامة سواء للمجالس النيابية او البلدية او غيرها فكل منهما يخضع لضوابط وقوانين تختلف بالكلية بعضها عن البعض الاخر
2-ان المبايعة للرسول صلوات الله عليه واله وسلم لم تكن على امر دنيوي بحت يتعلق بالحكم فقط وانما كانت مبايعة على امر ديني بالدرجة الاولى ألا وهو التصديق بنبوته وانه مرسل من السماء والاقرار بوحدانية الله سبحانه وتعالى ومن ثم نصرته لتطبيق شريعة السماء وهو امر يختلف جذريا عن الانتخابات الحاصلة اليوم والتي يبايع فيها الناخب السياسي على الحكم المدني بجانبيه التشريعي والتنفيذي
3-ان البيعة للرسول صلوات الله عليه وآله وسلم الزامية شرعا وتركها يوجب المخالفة ويستوجب عليه العبد العقاب سواء الدنيوي او الاخروي من الله جل وعلى في حين ان الانتخاب اليوم غير الزامي وتركه لايوجب العقوبة الالهية لا بل في بعض الاحيان يكون الترك اولى اذا تيقن المؤمن من عدم وجود الكفؤ للتصدي للمسؤلية من بين المرشحين او وجود المفسد فيهم او كلهم موصوفون بالفساد ومخالفة الشريعة
4-تواجه النظرية الديمقراطية اليوم العديد من الانتقادات وخصوصا في موضوع الانتخابات ونظرية العقد الاجتماعي التي تتعلق بتفويض الافراد لفرد او مجموعة افراد للعمل نيابة عنهم في المجال التشريعي والتنفيذي حيث ثبت ان هذا العقد المبرم بين المواطن والمرشح للانتخاب يظلم شريحة واسعة من المجتمع عندما يحدد عمر الناخب بسن معينة كسن الثامنة عشر لان الفرد المنتخب لايمثل اغلبية افراد المجتمع الذي قد تصل فيه نسبة الذين اعمارهم اقل من ثمانية عشر عاما اعلى من نسبة الذين اعمارهم فوق سن الثامنة عشر وبذلك ستهتظم حقوق اغلبية الافراد في هذا النظام ويعتبر التخويل الممنوح اصلا باطلا كونه تفويض اقلية ضد اغلبية
اكتفي بها القدر واتمنى ان استفيد منكم لتصيح كل ماكتبت او بعضا منه ان لم يحالفني الحظ على اصابة الحقيقة
حياكم الله اخي الكريم اضافات
جدا مفيدة ويشرفني مروركم
ولاتصحيح ولاتعليق لي على ماأضفت فهو قمت الصواب لكن يجب التركيز على موضوع البحث دمتم سالمين وأكرر شكري لكم وعلى اضافاتكم