نسبه
هو السيد العلامة المجتهد الورع الزاهد علي بن محمد بن يحيى بن أحمد بن الحسين بن محمد -الملقب العجري- بن يحيى بن أحمد بن يحيى-الشهيد- بن محمد بن صلاح بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين الهادي إلى الحق علي بن المؤيد رضوان الله عليهم أجمعين. سيد العلماء الأعلام، وبدر أبناء الأئمة الكرام.
(4/1)
مولده ونشأته
ولد بهجرة فلله سنة 1320هـ، نشأ وترعرع في ظل أسرة علوية كريمة تحب العلم، وتشغف مكارم الأخلاق، توفي والده رحمه الله وعمره لم يتجاوز الثامنة، ثم كفله عمه السيد العلامة عبدالله بن يحيى العجري، واعتنى به عناية خاصة إذ نقله معه إلى مشهد الإمام أحمد بن سليمان بحيدان، وربّاه فأحسن تربيته، وأفاض عليه من علومه ومعارفه.
(5/1)
حياته العلمية ومشائخه
ثم انتقل إلى هجرة ضحيان، ومكث بها فترة ثم رجع إلى صارة ، ومن صارة كان ينتقل مطلع كل أسبوع إلى هجرة فلله طالباً للعلوم، عاكفاً عليها بعزيمة صادقة، وهمّة عالية، محققاً لمنطوقها والمفهوم، وكان من مشائخه آنذاك: السيد العلامة علي بن قاسم شرويد، والسيد العلامة أحمد بن عبدالله بن قاسم حوريه، والسيد العلامة عز الدين بن الحسن عدلان، والقاضي العلامة عبدالله بن عبدالله الشاذلي، والقاضي العلامة محمد بن هادي الفضلي... وغيرهم، إلا إن هؤلاء أكثر من لازمهم.
وقد برع في كثير من فنون العلم وبلغ غاية عظيمة في الاجتهاد، بالرغم من العوائق التي كانت تصاحبه أثناء طلبه للعلم. ولنترك ولده السيد العلامة يحيى بن علي العجري يحدثنا عن بداية طلبه للعلوم. قال: كان يتحمل طعامه في آخر كل أسبوع من محله بوادي صاره، ويصعد به الجبال الشاهقة، والطرق الوعرة، ويقاسي المشاق العظيمة مع صبر حسن، وعفة وزهد، وورع وعبادة، معرضاً عن الدنيا، مشتغلاً بالأعمال المقربة إلى الله، صارفاً همته ورغبته في طلب العلم، وتحصيل الفوائد وتقييد الشوارد.
وقال أيضاً: أخبرني رحمه الله أنه كان في ابتداء طلبه أيام بقائه بالهجرة يعود آخر الأسبوع إلى محله في يومي العطلة المعتادة (الخميس والجمعة)، وكان له في أثناء الطريق موضعان يجلس فيهما لتهدئة الأعصاب من وعثاء السفر، أحدهما للدفء والآخر للاستظلال، على حسب مقتضى الحال، وعند جلوسه في أحد الموضعين يجهد نفسه في دراسة مقروءاته في الأسبوع، ويصابر نفسه على أن لا يبرح حتى يتمها.
(6/1)
انتقاله إلى مدينة ضحيان
ثم انتقل إلى مدينة ضحيان، مدينة العلم والعلماء بعائلته، وأخذ عن أشهر مشائخ العلم بها ومنهم: السيد العلامة عبدالله بن عبدالله العنثري، والسيد العلامة عبدالرحمن عبدالله العنثري، والسيد العلامة أحمد يحيى العجري، والسيد العلامة الحسن بن الحسين الحوثي، والسيد العلامة محمد إبراهيم حوريه، والسيد العلامة يحيى بن صلاح ستين، والقاضي العلامة علي بن محمد الغالبي، والقاضي العلامة سالم بن سالم عمر رحمهم الله جميعاً.
وممن أجازه: السيد العلامة عبدالله بن الحسن بن يحيى القاسمي، والقاضي العلامة الحسن بن محمد سهيل.
ولما عرف الناس -بشتى طبقاتهم- فَضْله، وغزارة علمه، قصدوه حسب حاجاتهم، فهذا لطلب العلم، وذاك لحل مشكلاته الاجتماعية، وآخر للفتوى، فكان غوثاً للمساكين، معظماً للعلماء والمتعلمين، حالاً لهم كل الإشكالات العلمية، مصلحاً بين المتخاصمين.
(7/1)
تلاميذه
وله عدد من التلاميذ لا نستطيع حصرهم، وإنما نذكربعضهم معتذرين مقدماً لمن لم يذكر اسمه، منهم: أولاده الأعلام يحيى ومحمد، وإبراهيم وحسين والسيد العلامة محمد بن حسين شريف والسيد العلامة أحمد حسن الحوثي والسيد العلامة أحمد بن محمد شمس الدين وأخوه إبراهيم بن محمد شمس الدين وولده العلامة قاسم إبراهيم، والسيد العلامة حسن قاسم الحوثي وأخوه العلامة أحمد قاسم الحوثي والسيد العلامة محمد حسن العجري والسيد العلامة عبداللطيف علي قاسم شرويد والسيد العلامة علي عبدالله حوريه وأخوه السيد العلامة درهم عبدالله حوريه والسيد العلامة عبدالله بن عبدالله بن عبدالله العنثري والسيد العلامة عبدالكريم محمد العجري وولده العلامة أحمد عبدالكريم العجري والسيد العلامة حسن بن عز الدين عدلان والسيد العلامة إسماعيل عبدالكريم شرف الدين والقاضي العلامة عبدالله أحمد جعفر والقاضي العلامة أحمد أبو دجانه... وغير هؤلاء كثير جداً.
(8/1)
مؤلفاته وتراثه الخالد
خلف لنا تراثاً عظيماً خالداً لا زال العلماء يغترفون منه، وينهلون من معينه الصافي، ومن قرأ مؤلفاته وجد نفسه عاجزاً عن التعبير عنها؛ لما يجده فيها من التحقيق والتدقيق والاستنباط والتخريج، وإمعان النظر في كثير من المسائل التي احتار فيها الكثير، وله مع علماء عصره مباحثات عديدة دلّت على رسوخه، وسعة إطّلاعه، ووقفوا منه موقف إعجاب وإجلال واحترام، ومن أهم مؤلفاته:
1- (مفتاح السعادة الجامع للمهم من مسائل الاعتقاد والمعاملات والعبادة) تفسير موسوعي يقع في ثلاثة مجلدات ضخمة أتى فيه بعلوم غزيرة، وأنظار سديدة كثيرة، ويعتبر موسوعة علمية رائعة حوت فنوناً كثيرة، قرآن وعلومه، وحديث ومصطلحه، وفقه وأصوله، وعقيدة وقواعدها.
2- (المقاصد الصالحة في الفتاوى الواضحة) جمع فيه أهم المسائل الواردة عليه، وضمنه فوائد عديدة، واجتهادات فريدة، وقد اعتنى بتنسيقه وترتيبه ولده السيد العلامة محمد بن علي العجري حفظه الله، وطبع سنة 1991م، وصدر عن دار الحكمة اليمانية.
3- (مختصر في ذكر رجال الزيدية)، وصل فيه إلى حرف العين.
4- (الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة) عبارة عن مذكرات في مسائل متعددة، وأبحاث متنوعة قال في مقدمته: (فإنه مع المطالعة في الكتب الدينية الكلامية والفقهية قد يسمح النظر بتحصيل فائدة، وتقرير قاعدة، وتقييد شاردة، خلا أنها لم تكن مجموعة في كتاب واحد، فرأيت جمعها لحفظها وتقريبها).
5- (السلسلة الذهبية في الآداب الدينية) جمع فيه كثيراً من مواضيع الآداب والأخلاق بطريقة فريدة؛ حيث يذكر الموضوع ويذكر ما يناسبه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأخبار العلوية، ويعلق على ذلك، وانفرد بذكر الأحاديث مسندة، مع ذكر مصدرها، لكي لا يتساهل بذلك المطلع، فيقول هذا من أحاديث الترغيب والترهيب التي يتساهل في قبولها، حيث قال: وربما أدى عدم ذكر الإسناد إلى التهاون بما دلّت عليه هذه الآثار من الإرشاد، فقد يقول القائل: هذا مثل غيره من أحاديث الفضائل، وحيث كان الحديث مروياً في أمهات متعددة من هذه الأمهات مع استواء الأسانيد في الصحة، فإني أكتفي منها بطريق، وأنبه على روايته في سائرها بعد تمام الحديث).
6- (منهل السعادة في ذكر شيء مما كان عليه صفوة السادة من الزهد والورع والعبادة) كتاب وحيد في بابه، قال رحمه الله في مقدمته: (فهذا أنموذج خطير في بعض عبادات أهل التطهير، فلعل الناظر إليها يهتدي بهديهم، وبأقوالهم وأفعالهم {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ }[ الأنعام:90].
7- (رضاء الرحمن في الذكر والدعاء وتلاوة القرآن)، اسمه يدل على فضله وأهميته، وهو من الكتب الهامة التي يحتاجها المؤمن لإحياء نفسه حياة الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
8- (مختصر البرق اللموع) للجنداري في مسائل العقيدة، اختصره وأضاف إليه فوائد يحتاجها الطالب، ولا يستغني عنها الرائد، المسمى (المنتزع المختار فيما يتعلق بالاعتقادات من الأحاديث والآثار).
9- (السعي المشكور المتنزع من الدر المنثور).
10- (بلوغ الأمل فيما ينجي من الخطأ والزلل) (خ).
11- (الجامع المفيد المنتزع من شرح القاضي زيد) (خ).
12- (المنهل الصافي المنتزع من الجامع الكافي) (خ).
(1/23)
13- (مجموع منتزع من عدة كتب كأمالي الإمام أحمد بن عيسى وأحكام ).
14- (الدعاء المأثور) (خ) اختصره من الوسائل العظمى وغير ذلك من الأبحاث المختصرة في مواضيع متعددة.
مرضه ووفاته وموضع قبره
وبالرغم من الأمراض المتتابعة على هذا السيد الجليل، فإنه لم يتوان عن ممارسة حياته العلمية والروحية من الإفتاء والتأليف والتدريس، واستقبال من يقصده، وحاول جاهداً ملازمة أوراده وأدعيته التي كان يمارسها قبل مرضه.
وأما عن كيفية مرضه فلنترك الحديث لولده العلامة يحيى علي العجري، حيث قال متحدثاً عن والده: (فقد ابتلاه الله سبحانه ببلاوي كثيرة، واعتورته أمراض منهكة أقعدته مدة خمس سنوات مضطجعاً، لا يستطيع أن يتحول عن موضع اضطجاعه إلا بمعونة غيره، صابراً راضياً محتسباً مفوضاً أمره إلى خالقه، ومع هذه الحالة وطول المدة، وما حل به من الضعف والوهن، فهو لم يفتر عن وظائف عبادته وأذكاره، على حسب عادته، يؤدي فريضة الصلاة في جماعة مع أحد أولاده وأحفاده، الذين كانوا يتناوبون الحضور للصلاة معه عند حلول وقتها في كل يوم، مع ما كان يتحمل من المشاق العظيمة في نشر العلم وإحياء معالم الدين، وإرشاد الناس، وإفتاء المسلمين والسعي في إصلاح ذات البين.
وفي اليوم الثاني من شهر رجب عام 1407هـ اشتكى وجع الصداع، واستمر فيه ثلاثة أيام وتعقّبه فهاق متتابع، وفي بعض الأوقات يعرض له حمى شديدة، واستمر المرض سبعة عشر يوماً، وفي ليلة الخميس التاسع عشر من الشهر أفهمنا بأن المرض قد خف، إلا إنه اشتكى الضعف والوهن، ولكنه بما أودع الله من نور العلم في قلبه عرف أن الدّعوة الربّانية قد وافته، فأدى فريضتي المغرب والعشاء في جماعة بالوضوء الشرعي، ثم رمز إلى حفيده والذي كان يأنس به في حياته، ويعتمد عليه في أكثر أموره، الولد العلامة التقي أحمد بن يحيى العجري حفظه الله، أن يقرأ سورة (يس) عند رأسه، ويرفع بها صوته لما ورد في قراءتها من الآثار، فما لبث بعد أن تمت التلاوة إلاَّ قدر ساعة، ثم فاضت نفسه المطمئنة الزكية راجعة إلى ربها راضية مرضية بدون نزاع ولا حشرجة، وإنما استلت روحه الطاهرة بنهزة خفيفة تشبه التنحنح في قدر دقيقتين، والتحقت بالرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً.
سلام الله ورحمته ورضوانه على تلك الروح الطاهرة.
ومن عجيب ما اتفق وتحقق وقوعه وصدق مقالته، التي كان يكررها قبل وفاته بأعوام وفي مدة مرضه، أنه متوقع لحادث عظيم في عام سبعة، وأي حادث أعظم من وفاته، وافتقاد قطب من أقطاب الإسلام، وجبل من جبال العلوم الراسخة، وعَلَم من أعلام الهداية الشامخة، وارث علوم آبائه الأخيار، ومحيي شريعة جده المختار صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهار.
إنها رزية وأي رزية، ولكن الله تعالى يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }[البقرة: 155،156].
فما من قلب من قلوب المؤمنين باليمن والعالم الإسلامي إلا وتأثر لموته، ولكن لسان حال الجميع يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولنتذكر مصيبتنا بالرسول الأعظم سلم وبأهل بيته المطهرين"، وقد دفن رحمة الله تعالى عليه بمقره ضحيان المعروفة، وقبره بها مشهور مزور.