[ابوسبايا]

بينما كنت اطالع كتاب كان بين يدي لأقرأه في فترة ما بعد الغذاء وكان اطفالي يلعبون من حولي وكنت ازجرهم بين الفينة والفينة لكثرة ما يصدرونه من صخب يشتت افكاري ويبعدني عن قراءة الكتاب ........ طرق مسامعي صوت آخر ،،، صوت غريب ،،، صوت يختلف عن الاصوات التي اسمعها في بيتي لأطفالي وعائلتي ... يأتي الصوت من ناحية الشارع ،،، فقد كنت اجلس في غرفة استقبال الضيوف الذي يطل شباكها على الشارع .....
ما هذا الصوت ؟ فهو أول مرة اسمعه في شارعنا ... لكنني سبق وسمعت امثاله في اماكن اخرى اكثر صخباً وأكثر ازدحاماً ..........
قلت لأحد اولادي ان يخرج الى الشارع ويأتيني بالخبر
نعم ... ما اسرع ان عاد ابني ليقول لي ان هناك زحاماً في بداية الشارع وانه قد دخل شارعنا الكثير من الرجال ولا يدري لماذا هم في شارعنا ... أو ماذا يريدون ... أو الى من أتوا ، وأنهم يحملون بأيديهم اوراق مطبوعة كثيرة ؟؟؟ ................
تساؤلات اثارها هذا الصغير .... تبادر الى ذهني ان اخرج وأعرف ما يجري في الخارج ( خارج البيت ) ؟؟؟
خرجت الى الشارع مسرعاً لأقف بباب داري لأنظر الى مجموعة كبيرة من الرجال بمختلف اعمارهم .... فيهم الكهل وفيهم الشيخ باللباس العربي (العقال) وفيهم الشباب وبأعمار متفاوتة وفيهم الشباب المثقفين ( الافندية ) كما يعبرون وآثار التعب بائنة على وجوههم ولكن يغطيها ابتسامة تعلو تلك الوجوه المتربة
رأيتهم كلهم وهم ملتفين حول احدهم ،، رجل كهل ذو لحية خفيفة يلبس الزي الرسمي ( القاط ) رأيته يتكلم معهم ويشير بيديه يميناً وشمالا وكأنه يوجههم أو يعطيهم التعليمات .... وهذا ما اثار فضولي ان اقترب منهم واعرف مايريدون ؟؟؟؟
قبل ان اقترب منهم ::: صدحت حناجرهم بصوت واحد ملؤه مشاعر ... ملؤه وطنية
ملؤه الحب ... وملؤه همة وعزيمة وأقدام ... نعم صدحت حناجرهم بكلمة واحدة
فقط ... وما اعظمها وأجملها من كلمة ... كلمة يحن أليها كل عراقي غيور ... كلمة يحن أليها كل عراقي شريف ... كلمة يحن أليها كل من يحمل بين جوانحه ولو ذرة من الوطنية ......
ليست مثل باقي الكلمات ، انها نشيد الضعفاء ، انها نشيد المظلومين ، انها نشيد المحرومين ، انها نشيد الوطنيين ، انها نشيد الاحرار ، انها نشيد العراقيين ........
وما اجملها من كلمة لنشيد الحرية الحالمة في العراق ، انها نشيد الانتفاضة لكل العراقيين :
(( اليوم يومك يا عراقي ........... اليوم يومك يا شهم ))
هل عرفتم الآن ان هذه ( الهوسة ) هي النشيد الشعبي لهذه الانتفاضة الشعبية
وهل عرفتم الآن انه فعلاً هذه الكلمة تحمل في معناها كل آثار وخصال ومواصفات الأنسان العراقي الأبي ؟؟؟
تخفي هذه الكلمة بين حروفها كل معاني الرجل العراقي العربي الاصيل الذي طالما حفظ له التأريخ بين طياته مآثره ومواقفه الوطنية النبيلة
انها :
(( اليوم يومك يا عراقي ....... اليوم يومك يا شهم ))
بين قفزات الشباب المتناغمة مع ايقاع الهوسة وبين تطاير التراب الخفيف من ضربات ارجلهم للأرض .....
تحركت روحي وتحرك قلبي المؤيد لهذا النشيد بل تحرك جسدي دون وعي مني على هذا الايقاع الشعبي الوطني البسيط .....
حانة مني ألتفاته الى جموع الجماهير التي سرعان ما ألتفت بهذه الفرقة الوطنية اذا صح التعبير ،... قد اخذ منهم العزم على مشاركة هذه الفرقة بهذا النشيد (الهوسة)
والرجال والنساء والاطفال منهم من شاركهم ومنهم من هو واقف على باب داره ينظر وأني على يقين ان اكثرهم مندمج معنا وهو يردد النشيد الشعب الوطني ولو بأطراف الشفاه ....
لكن ما حرك مشاعري ودمعت له عيناي : هو ما رأته عيناي ....
انها أمرأة كبيرة السن كانت واقفه بالقرب منا على عتبة دارها وتقف بجوارها أمرأة اخرى تصغرها قليلاً كما يظهر .... كانت رافعة طرف عبائتها بيدها وهي تردد هذا النشيد ودموعها تسيل على خديها :
(( اليوم يومك يا عراقي ..... اليوم يومك يا شهم