يبدو أن الجنون وهستيريا الخاسرين قد باتت سمة المرحلة المقبلة، والتي بدأت منذ الاعلان عن الاتفاق بين ايران والغرب. وإذا كانت اسرائيل قد أظهرت نوعًا من الغضب والقلق من الاتفاق التاريخي، وأظهرت رغبة بتعطيله، مدركة أن الخيارات الجنونية بقصف ايران أو القيام بعمل عسكري آحادي ضد المنشآت النووية الايرانية بات أمرًا مسستحيلاً، فإنها لا تخفي رغبتها بالعمل ضده، والعمل على تعطيله بما تيّسر لها من قوة في الغرب وفي الداخل الأميركي.
وإن كان الاسرائيلي حانقًا، لكنه - بالتأكيد- يعرف كيف يستفيد من التناقضات العربية، ويعرف من أين تؤكل الكتف، ويتقن سياسة تعلية السقوف للحصول على المغانم، لكن السياسة الخارجية التي تتبعها المملكة العربية السعودية اليوم، باتت خارج السياق المنطقي للتعامل بين الدول وخاصة السياسة التي اتبعتها المملكة طيلة تاريخها. بات تحريض اسرائيل على ضرب لبنان، وضرب ايران يتمّ بصورة مكشوفة وعلنية سياسيًا واعلاميًا، أضف الى ذلك، خروج بعض الأمراء عن طورهم، وممارسة التهديد والوعيد للولايات المتحدة الأميركية وللرئيس اوباما، واستجداء التعاون الاسرائيلي في هذا المجال، ما يؤشرّ الى وجود حالة من الهستيريا غير الطبيعية، تتباين مع أبسط قواعد العلاقات الدولية. والخطير أيضًا بما يخصّ لبنان، دعوة الجيش اللبناني الى قتال حزب الله، وهي دعوة إن دلّت على شيء فهي تدّل على رغبة بإحراق لبنان بحرب أهلية ستأكل الأخضر واليابس وتدمر ما تبقى من المؤسسات، وهو ما كان قد هدد به تركي الفيصل في وقت سابق، علمًا أن مطلقي الدعوة يدركون ان اسرائيل نفسها لم تستطع القضاء على من أسموهم "حفنة من المغامرين" عام 2006.
وما عبّرت عنه الاقلام والألسن الممولة من السعودية في الاعلام، من رغبة بالتعاون مع اسرائيل ضد العرب الآخرين، كشفته المعلومات الواردة من الميدان السوري، حيث تشير التقارير الى دخول اسرائيل وبقوة على خط المعارك في الغوطة، من خلال عملية نوعية قامت خلالها اسرائيل بتعطيل الاتصالات بين وحدات الجيش السوري وبينه وبين حلفائه، ما أسفر عن مقتل العديد واحداث خرق - ولو محدود- على الجبهة.
هذا الدخول الاسرائيلي المباشر، وتنسيق العمليات بين بندر بن سلطان والاسرائيليين، قد يكون هو ما دفع وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف، الى اصدار تحذيرات على خطوط عدة:
- تحذير للاوروبيين من عودة المقاتلين الأوروبيين من سوريا إلى أوطانهم، ومدى تأثير ذلك على الأمن والاستقرار في اوروبا.
- والتحذير الأهم، للاسرائيليين والأميركيين، والى مَن يعنيهم الأمر، بأن "روسيا مستعدة لأي سيناريو لتطور الأحداث بعد قيام إسرائيل بإطلاق صاروخ في البحر الأبيض المتوسط مطلع أيلول الماضي". ووصف "منطقة شرق البحر المتوسط بأنها برميل من البارود"، محذرا من أن "أي عمل طائش يمكن أن يؤدي إلى تفجير الوضع وزعزعة الاستقرار الإقليمي والعالمي".
وبالرغم من أنها ليست المرة الاولى التي تدخل فيها اسرائيل على خط القتال الدائر في سوريا لصالح المعارضة، سواء بالقصف المباشر أو من خلال المساعدة التقنية واللوجستية، إلا أن التباهي بالعلاقة مع اسرائيل، وعدم الحرج من مطالبتها بالتدخل، يؤشّر الى الانهيار الذي باتت تعانيه جبهة الحرب على سوريا. يضاف الى ذلك، الهستيريا الأمنية داخل الاراضي السورية التي يسيطر عليها المسلحون، حيث يتمّ يوميًا اعتقال العشرات من المواطنين، والتنكيل بهم والتحقيق معهم، بذريعة وجود خلايا نائمة تابعة للنظام، ويطال هذا الأمر الكثير من المعارضين الذي شاركوا في القتال أو في التظاهر ضد النظام السوري.
وهكذا، خرج السوريون- أو جزء منهم- للمطالبة بالديمقراطية والتخلص من سيطرة المخابرات والفساد والقمع، فإذا بهم يصبحون تحت سيطرة مجموعات تكفيرية متحالفة مع الصهيونية، ووتعيش المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في ظل هيمنة المحاكم الميدانية الشرعية التي لا تكتفي بالسجن أو التعذيب، بل إن تنفيذ الاعدامات لديها بات كشربة ماء... فهل يكون جنيف 2 حلاً، أم بداية حل؟ وهل ستقتنع السعودية بترك السوريين واللبنانيين والعراقيين يقررون مصيرهم بأنفسهم؟. يبدو هذا الاقتناع لغاية الآن، بعيد المنال.