روى البخارى عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) التقى هو والمشركون فاقتتلوا ، فلما مال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) رجلٌ لا يدع لهم شاذةً ولا فاذةً إلاّ اتبعها يضربها بسيفه ، فقيل ما أجزأ منا اليوم أحدٌ كما أجزأ فلان، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): أما إنه من أهل النار ، فقال رجل من القوم أنا صاحبه ، قال فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: أشهد أنك رسول الله، قال : وما ذاك ؟ قال الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): عند ذلك إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة
(صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر) .
تقديس أحد أو التبري من أحد لا يكون صحيحاً ما لم تكن هناك قرائن على استحقاق ذلك الشخص منزلة التقديس أو التبري ، ونحن الإمامية ننتهج منهجاً عقلائياً لا يحيد عن الفطرة والوجدان ، وتؤيده أدلة صحيحة صريحة .
والإمامية يرفضون التقديس الاعتباطي الذي لا يستند إلى دليل ولا يقره عقل، بل يرفضه القرآن الكريم بقوله تعالى: (( وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ))(غافر:58)، وقوله تعالى : (( قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون )) (الأنعام:50) ،
وهكذا نهى الله تعالى عن مساواة المؤمن بالكافر أو بالمنافق . هذا من جهة .
ومن جهة أخرى فان تقديسنا لصحابي أو عدمه تؤيده سيرته وأحواله، إذ ذلك مرهون بالاستقراء التاريخي الذي تفرضه سيرة هذا وأحوال ذاك، وإذا كنّا نتردد في حديث أو حديثين ونتهمهما بالوضع والكذب ، فلا يمكننا أن نتهم التاريخ كله بالوضع وعدم الصحة ، إذ ذلك إلغاء لكثير من الحقائق واتهام أكثر الأمور بالتشكيك وعدم التصديق .
ولعل استعراضاً لسيرة الكثير من الصحابة سيعطيك تصوراً آخر عن موقفك من جميع الصحابة بما فيهم أولئك الذين أباحوا سبّ علي على منابر الشام أربعين عاماً وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيه : (من سبّ علياً فقد سبني)
(المستدرك على الصحيحين حديث 4615 عن أم سلمة في مناقب علي (ع)).
وكان معاوية يدعو أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى سبّ علي كالمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطاة وأمثالهما كثير .
أخرج الطبري في (تاريخه 96:6): أن بسر بن أرطاة على منبر البصرة فشتم علياً (عليه السلام) ثم قال : نشدت الله رجلاً علم أني صادق إلاّ صدقني أو كاذب إلاّ كذبني فقال أبو بكرة : اللهم أنا لا نعلمك إلاّ كاذباً . قال فأمر به فخنق .
وكان المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة كان يقوم على المنبر ويخطب وينال من علي (عليه السلام) ويلعنه ويلعن شيعته .
(مسند أحمد بن حنبل : 188 والمستدرك 385:1 وغيرها).
فإذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يصرّح: (أن من سبّ علياً فقد سبني) وكان معاوية وبعض الصحابة يمعنون في السب ، مما يعني أنهم كانوا يسبون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما قالت أم سلمة حينما سمعت بعضهم يسب علياً قالت : من منكم سب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقال معاذ الله أن نسب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)! فقالت : والله لقد سمعت رسول الله يقول: (من سبّ علياً فقد سبني) .
هذه سيرة بعض الصحابة فهل بإمكاننا أن نتردد في التبري من هؤلاء بحجة الصحبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)!