استغرق الاسلوب التقليدي حين عرض للبحث في اسرار السياسة معظم المؤلفات التي اعتمدت على تحليل الخبراء السياسيين بالاعتماد على منهج الاستقراء للتجارب والظواهر السياسية للوصول الى نتائج اشبه واقرب للقوانين والنظريات , واذا انحدرنا بنشاة علم وفلسفة السياسة الى اليونان ، فاننا نجد ان ارسطوا اتجه في كتابه ((السياسة )) خاصةً الى دراسة المجتمع دراسة يمكن اعتبارها ((موضوعية )) اذ عمد الى دراسة الحياة السياسية ووضع قوانين سيرها الى دراسة مائة وثمانية وخمسين دستورا عرفت في المدن اليونانية ، وافسح للمشاهدة مكانا في دراساته ، كما عرض افلاطون من قبل في كتبه الاخرى لدراسة الظواهر الاقتصادية والاجتماعية دراسة وصفية لها قيمتها .
وتأسيسا على سلف اروي لكم رواية توضح بعض خفايا السياسة وإسرارها وأساليبها ومنهجها كعلم وفلسفة كما يفهمها العالم المتحضر والمتكبر آمل ان تنال اعجابكم :
القصة حقيقية حدثت في العراق في زمن نوري سعيد , يروي لنا صاحب القصة الذي كان يشغل في ذلك الوقت ضابط في احدى محافظات العراق الجنوبية في احدى القرى ، وفي يوم من الايام وكعادته يسلك الطريق الى مقر عمله وجد تجمهر للناس على جادة الطريق فأقترب ليعرف ماذا وراء ذلك وشق صفوف الناس ليرى رجلا رث الثياب كثيف اغبرا أشعثا طويل الشعر اظافره طويلة وفي يديه حبل مربوط به مجموعة من ((القردة )) تتراقص وتفعل حركات بهلوانية والناس تدفع له الاموال ازاء ذلك . أثارت هذه الأمور وشكل الرجل حفيظة الضابط فاصطحبه الى مركز الشرطة للتحقيق معه واثناء الطريق كان الرجل ساكتا لا ينطق الى ان اصر عليه الضابط بالتكلم والا يستخدم اساليب اخرى , هنا التفت هذا الرجل الى الضابط وقال له هل انت مصر على معرفتي فقال الضابط نعم ، عند ذلك اخرج هذا الرجل هوية وعرضها على الضابط فتفاجأ صاحبنا ولم ينطق ، فبادر الرجل وقال له انا من الاستخبارات الأميركية قسم الدراسات الإستراتيجية وانا في مهمة رسمية ولست الوحيد هنا وانا عربي سعودي قد حال شكلي ووضعي الخلقي الى هذا العمل دون التواجد في مراتب ومناطق افضل , وقد جبت دول كثيرة في الوطن العربي اجري دراسات وابعث تقارير عن طبيعة المجتمعات ونقاط القوة والضعف ووجدت صعوبات في مهماتي في بلدان كثيرة الا ان المهمة الأسهل كانت في العراق فمن السهولة الحصول على المعلومات بقليل من المال وقد زرعنا شخصيات كثيرة مختلفة موالية لسياساتنا الإستراتيجية لتامين مصالحنا المستقبلية .
وبعد ذلك قال الرجل للضابط اتصل بالرئيس الاعلى في بغداد و أخبره بالموضوع , فاخبره ان يحضره الى بغداد فورا معززا بحماية .
ولما وصلوا الى مقر وزارة الدفاع وصل وزير الدفاع مع كبار القادة وبقي ضابطنا ينتظر الخبر , ثم فجأة خرج الرجل بزي الاستخبارات او البدلة العسكرية مع حماية الى المطار حيث كانت في انتظاره طائرة لنقله .
وفي نهاية هذه القصة نرى أن السياسة بحر عميق يخفي أسرار كثيرة لا يسبر أغواره الا الراسخون فيه ولا يفك طلاسمها الا المجرب الحكيم والمتتبع الملم بجوانب ومجالات هذا العلم .