قمة السقيفة >><< قراءة مخالفة
مقال للفائز بجائزة الدولة التقديرية، مصر
د. سيد محمود القمني
---------------------------------------
تنبيه :
لقد تم تلوين ما يهمنا في المقال باللون الأحمر للأهمية بما جاء فيه كله فأرجو التدبر فيما بين السطور .
المقال بالنص :
لعل أهم السمات الفارقة للعربي البدوي، هو الاعتزاز القدسي بالنسب القبلي، حتى أنهم لم يعرفوا أن هناك علماً أرقى و لا أهم من علم الأنساب، و كان لديهم متخصصون يرفعون النسب إلى الجد التاسع و العاشر، عارفون بأقدار الناس ما بين النسب الرفيع و النسب الوضيع. و يرتفع النسب و ينخفض بحسب عدد أفراد القبيلة ، و القدرة القتالية للقبيلة.
عيينه بن حصن الفزاري مثلاً لم يكن بمقاييس الرجال أكثر من أحمق جهول، و مع ذلك حسبت له العرب ألف حساب ، حتى نبي الإسلام تعامل معه على كفره وفق هذا المعنى، و كان يلقبه بالأحمق الطماع المطاع ، لأن بإمكانه تجييش عشرة آلاف فارس في لحظة. و من ثم كان تفاوت الأنساب و التفاخر بالنسب إن صدقاً أو كذباً مدعاة لسيادة قاعدة عدم المساواة بين الناس كمفهوم أصيل لدى العرب، ووضعوا لعدم المساواة بين الناس علماً يصنفهم درجات و طبقات ، هو علم الأنساب.
ومن ثم فإن عدم المساواة بين أقدار الناس أصيل في البنية التكوينية لطبيعة المجتمع البدوي ، الذي يرى أن عدم المساواة هو طبيعة الأشياء و نظام الكون ، و أن تراتب الخلق في منازل و رتب و درجات قدر حتمي، و لأنه يتعلق بعدم المساواة في الرزق الذي لا حيلة فيه لإنسان، فهو إلهي محتوم.
ونجد هذه القاعدة البدوية في التفرقة بين بني آدم هو أساس و محور النقاش في سقيفة بني ساعدة ، عندما تنافس الأنصار و المهاجرون حول أحقية كل منهما في رئاسة العرب بعد وفاة الرسول و اكتمال الرسالة الإسلامية .
و تمكن المهاجرون القرشيون من حيازة الأفضلية للرئاسة فأصبحوا من بعد هم الحاكمين ، و هم من كُتب التراث الإسلامي تحت ظلهم و بتوجيه منهم . و قد حازوا تلك الأفضلية بالقرابة القبلية العشائرية من نسب النبي ، فهم ذوي قرابته و من دمه و رحمه . و أفضلية أخرى إضافية هي السابقة في الإسلام ، و هي قيمة غير مفهومة في معايير زماننا ، لأن الأسبقية في الإسلام لا يجب بموازين عدل اليوم أن تفضل طرفاً على طرف تأخر إسلامه ، لأن المعنى سيكون أنه كان مطلوباً من العالم كله و في لحظة واحدة أن يعلن إسلامه وقتما أعلن النبي نبوته ، حتى تكون هناك مساواة ، و سواء بلغته الدعوة فوراً أو جاءته متأخرة . فالسابقة في الإيمان هنا لا يمكن فهمها إلا في ضوء حياة الغزو القبلي ، القائمة على القدرة القتالية و الانتصار بأي أسلوب ممكن ، كالخطف حيث يكون الخاطف صاحب حق في المخطوف بمجرد خطفه ، إن السابقة هنا تعني في المفهوم البدوي أنه قد سبق إلى الخطفة فأصبحت له ، و هي قاعدة بدوية يفهمها كل البدو ، و يرونها حقاً منطقياً طبيعياً لا غبار أخلاقي عليه بالمرة ، و لعل قوله عمر بعد فوز أبي بكر بالخلافة : " إن خلافة أبي بكر كانت فلتة و قانا الله شرها " تعبير واضح عن تلك الفلتة أو الخطفة .
في السقيفة سنرى أول استثمار انتهازي للدين من أجل مكاسب دنيوية بحت ، و كان أول المستثمرين هم صحابة النبي المقربين ، و هم من فتح الباب لاستثمار دين الله لأهداف دنيوية بحت ، وذلك بحسبانهم من قال عنهم النبي : " أصحابي كالنجوم ؛ بأيهم اقتديتم اهتديتم " .
ومن ثم كانت قدسية الصحابة رصيداً قدسياً آخر ، فتم إلباسهم قداسة الدين الذي تم استثماره في صراع أهل القمة في السقيفة .
وقد أثمر هذا الاستخدام الانتهازي للدين و لقداسة الصحابة عن تقسيم للمجتمع المسلم إلى قسمين : قسم له شرف الحكم ، و قسم آخر تم تشريفه بكونه رعيه للحكام المقدسين ، و عليه واجب الطاعة و المساعدة و لا حق له في الحكم ، و ذلك تأسيساً على حديث أبي بكر عن النبي الذي حسم به الأمر : إن " الخلافة في قريش " . و ما كان ممكناً تكذيب أبا بكر و هو الصديق في هذا الحديث الذي لم يسمعه من النبي سوى أبو بكر وحده ، بل و ترتب على هذا الحديث أن جعل الحكم وراثياً في قريش وحدها دون بقية العرب ، و تمت به مصادرة مدينة يثرب من أهلها الأنصار و خلوصها فيئاً للمهاجرين دون حرب ولا فتح ، بقرار ديني احتفظ به أبو بكر سراً حتى حان أوانه ففشى به .
الملحوظة الثانية التي لا تقل أهمية فيما دار بالسقيفة هو أن طرفي الصراع كانا يتحدثان بحسبان الرسالة المحمدية موجهة للعرب وحدهم دون الناس ، في خطبة أبي بكر سيتذكر مع الناس ما مضى ، و كيف جاء النبي بدعوته ، و كيف " عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم / الطبري / 11 / 19 " . فهو يوضح هنا أن الرسالة كانت موجهة للعرب وحدهم ، و لم يرد في خطبته على طولها و تعدد محاورها ما يشير لغير العرب من فرس أو روم أو غيرهم من قريب و لا بعيد .
المعنى ذاته تؤكده خطبة سعد بن عبادة الأنصاري ، الذي قام بالسقيفة يعرض حجج الأنصار في الأحقية و الأفضلية للحكم ، موجهاً خطابه لأهله الأنصار و كيف استضافوا الدعوة و حموها و خرجوا بها خارج حدود يثرب في ظل سيوفهم و رماحهم ، " حتى استقامت العرب بسيوفنا لأمر الله طوعاً و كرهاً ، و أعطى البعيد المقادة صاغراً داحراً ، و حتى أثخن الله لرسوله بكم الأرض ، و دانت بأسيافكم له العرب " . ..
و هكذا تكون الرسالة قد اكتملت بسواعد الأنصار و ذلك في خاتمة سعد . . " و توفاه الله و هو راض عنكم ، و بكم قرير العين " .
هنا أيضاً كان العرب هم هدف الرسالة التي بلغتهم تامة كاملة ، و ليس مقصد الرسالة حسب فهم الصحابة هنا هو العالم ، و عندما كانوا يتحدثون عن الأرض كانوا لا يقصدون بها العالم ، إنما أرض العرب بالذات ، " حتى أتخن الله لرسوله بكم الأرض ، و دانت بأسيافكم له العرب " . فالأرض المقصودة ها هي الأرض التي دانت عربها لأسياف الأنصار .
هنا اختلاف شديد في المفاهيم ما بين دلالتها عند عربي زمن الدعوة و ما بين دلالتها اليوم ، و هو الأمر الذي تهدف هذه الدراسة إلى التنبيه إليه ، حتى يمكن أن نقرأ نصوص ذلك الزمان بدلالات مفاهيم زمنهم لا مفاهيم زماننا اليوم .
أبو بكر يدعم موقف المهاجرين المطالب بالحكم و السلطان فيقول عنهم : " فهم أول من عبد الله في الأرض و آمن بالله و رسوله ، و هم أولياؤه و عشيرته ، و هم أحق الناس بهذا الأمر من بعده ، و لا ينازعهم ذلك إلا ظالم ، و أنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين و لا سابقتهم العظيمة " .
و يلفت الانتباه بشدة قول الصحابي الكبير " فهم أول من عبد الله في الأرض " ، فلا شك أنه كان على علم بالنبوات السابقة في بقاع الأرض تكون الأرض و إمارتها ميراثاً و ليس دولة تُدار بأساليب إدارة الدول كما في بقية الدول المجاورة .حول جزيرة العرب ، لذلك عندما يقول الأرض فإنما هو يعني أرض الجزيرة تحديداً التي فيها كان المهاجرين أول من عبد الله حق عبادته و آمن بالله و رسوله ، و يظل المفهوم من كلمة الأرض أرض العرب وحدها .
أما السبب الجوهري في أحقية المهاجرين بالرئاسة أو بالأمر فهو أنهم أولياء النبي و عشيرته و أهل نسبه القبلي . لذلك " هم أحق الناس بهذا الأمر من بعده " . المسأله إذن كانت ميراثاً قبلياً و ليست شأن الدين و الإسلام ، ليس فيها أسباباً كالكفاءة أو مصلحة الرعية أو رأي هؤلاء الرعية ، فهذا كله ليس سبيلاً إلى ( الأمر ) أو الرئاسة ، إنما السبيل هو القرابة و العصبية و النسب ، و من ثم هنا لا تجد بالمرة تعبير (دولة) ، فالعرب لا تعرف من دلالة دولة سوى التداول بتغير الأزمان ، و تلك الأيام نداولها بين الناس ، إنما كانوا يعرفون ( الرئاسة ) أي الحكم بمفاهيمنا و لكن بمصطلح ( الأمر ) ، لأن الرئيس هو من يأمر فيطاع ، فهو الآمر ، و ماهية منصبه هي ( الأمر ) و منها الأمير ، لذلك لم يعرف العربي معنى الدولة و الحكومة كما نعرفه بدلالة أيامنا ، إنما فقط يعرف الآمر و المأمور ، ما يعرفه هو الأمر و الأمير و الآمر بلا منازع و لا معارض و لا شريك .
الأهم و تأسيساً على المعاني الفطرية الأصيلة عند العربي في عدم المساواة بين الناس ، هو أن أبا بكر كان يرى أن الله لم يساوي بين المهاجرين و الأنصار ، و أن للمهاجرين أفضليتين واضحتين فضلهمم الله بهما على الأنصار و خص بهما المهاجرين ، الأفضلية الأولى سابقتهم في الإسلام ، و الثانية قرابتهم و نسبهم القبلي للنبي ، و إلا لماذا لم يختر نبيه من بين الأنصار ؟ ، لماذا ظهر في مكة و لم يظهر في يثرب ؟ حجة بدورها قبلية تقوم على منطق قبلي عشائري قُح .
أما قوله : "لا ينازعهم ذلك إلا ظالم " ، فهو ما يعني بوضوح فصيح أنه حتى بعد اكتمال الدين تحت سمع و بصر الصحابة ، فإن من بين الصحابة من عجز عن إدراك العدل ، وظهر من بينهم من هو ظالم لايرى العدل عندما يكون ماثلاً أمام عينيه ، و هذا العدل ليس هو الوفاء للأنصار بما قدموا : إنما هو حق قريش في الحكم ، و هذا الحق له أصول قبلية راسخة ، وعليه فإن دلالة مفهوم العدل زمنهم تختلف بدورها عن فهمنا لها اليوم ، فحق قريش بعيون اليوم سيكون غير مفهوم بالمرة ، مقابل ما قدم الأنصار من بذل و عطاء و فداء .
في قمة السقيفة حدثت تحولات و انقلابات أدت إلى تغير خط سير التاريخ ، فبعد ريادة يثرب ، و بعد ما كان الأنصار وقود الانتصارات الإسلامية المتتالية ، أسفر اجتماع السقيفة عن نتائج أعادت إلقاء الأمر كله بيد قريش مرة أخرى ، لتستمر قائدة للعرب بشكل شرعي ، بعدما كانت سيادتها زمن الجاهلية سيادة عرفية غير ملزمة و دون اعتراف قبلي علني بهذه القيادة ، لقد دق اجتماع السقيفة قريشا وتداً في جسم الزمن و الجغرافيا لتحكم بشريعة القرابة للنبي و دينه معاً ، بالانتساب للدين رغم أنه حق مشاع لا يصح إليه انتساباً دون انتساب ، لقد تم تأميم الإسلام و تشخيصه في شخص محمد ، و من القرابة لمحمد تمت وراثة الدين و الدنيا معاً في منظومة واحدة يعرفها العلم الحديث باسم منظومة الاستبداد الشرقي .
والنظرة الأكثر فحصاً و تدقيقاً لابد أن تصل إلى أن قمة السقيفة لم تغير خط سير التاريخ ، إنما هي أعادت هذا الخط إلى مساره الطبيعي الذي سبق و صنعته ظروف البيئة و ظروف السياسة العالمية ، عندما أصبحت مكة بقيادتها القرشية أهم محطة تجارية مالية ، نتيجة للحرب بين الفرس و الروم ، عندما لم يعد في العالم طريقاً آمناً للتجارة سوى الطريق الصحراوي القادم من اليمين في رحلة الشتاء ميمماً نحو الشمال حيث عالم الإمبراطوريات في رحلة الصيف . و ما كانت يثرب في ذلك إلا حلقة في السلسلة الكبرى التي تم استخدامها في انحرافة تاريخية لضرب تجارة مكة ، و قيام يثرب بغزواتها الإسلامية على الطريق التجاري و حصاره اقتصادياً لإخضاع مكة للسيادة الإسلامية ، و ما حدث في السقيفة إذن هو عودة الاعتدال لخط سير التاريخ نحو نتائجه المنطقية ، فكان أن أصبحت يثرب نفسها مقراً لأول حكومة قرشية عربية بالمعنى الواسع لفيدرالية قبلية موسعة في جزيرة العرب .
فماذا أبقت السقيفة للأنصار ؟
في خطابه بالسقيفة يتوجه أبو بكر للأنصار قائلاً : " نحن المهاجرون و أنتم الأنصار ، إخواننا في الدين ، و شركاؤنا في الفئ ، و أنصارنا على العدو " .
هنا تبدو حكمة أبي بكر و حنكته في توجيه الاهتمام لما يحب العربي و يهوى ، نحو الحروب و السبي و الفئ و الغنائم ، مع تضمين التوجيه نحو الفتوحات طمأنه للأنصار على حفظ حقوقهم المالية في الفيئ ، إنه الإشارة الهامة التي تهدئ الروع و تطمئن الفؤاد ، و لا شئ هنا عن واجب الصحابة في نشر الدعوة الإسلامية ، كل الحديث عن فئ مضمون لأصحابه / الطبري 11 / 220 / هيكل / حياة محمد / ص 403 " و العدو المقصود هنا هو غير المسلم ، فمجرد وجوده هو عدوان على المسلم يجب رده ، و غير المسلم العدو سيكون هو محل تفعيل الحلف القديم " أنصارنا على العدو " وهو مصدر الفيئ الذي سيكون منه نصيب " لشركائنا في الفيئ " .
ولا يفوت الصديق أن يقدم للأنصار التقدير والثناء فيقول لهم : " وأنتم معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم الله أنصاراً لدينه و رسوله ، وجعل إليكم الهجرة ، وفيكم جلة أزواجه و أصحابه ، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم ، فنحن الأمراء و أنتم الوزراء ، لا تُفتاتون بمشورة ، ولا تُقضى دونكم الأمور " .
في عالم العرب كانت اللغة قادرة فعالة ، قوم فخرهم اللغة ، فخرهم أنهم يتكلمون ، و لقبوا غيرهم بالعجم و لقبوا الحيوانات بالعجماوات أي التي لا تُفصح فصاحة العرب بكلام مفهوم للعرب !! وأن من يتكلمون لغات أخرى إنما يصدرون مجرد أصوات كبقية الحيوانات العجماوات ، و هذه الفصاحة قامت بتحويل تضحيات الأنصار العظمى و إيوائهم النبي و المهاجرين و محاربة العرب من أجله ، حولتها إلى منّة من الله لينصر بهم دينه ، فليس لهم أي فضل على الدعوة ، لأن الحقيقة أن الفضل هو على الأنصار و ليس لهم ، و يكفيهم أنهم كانوا المختارين إلهياً للقيام بهذه المهمة وحدها ، لذلك مّن الله عليهم بهذا الفضل ، فشرفهم بذلك و كرمهم ، و رغم هذا التكريم الإلهي فلا يزالون أمام القانون القبلي في الدرجة الأدنى ، فهم بعد المهاجرين ، لذلك فالعدل يفرض الأمراء ( الآمرين ) من قريش ،و الوزراء من الأنصار .
والقارئ المدقق لتفاصيل قمة السقيفة سيرى أول الملحوظات البارزة ، وهي العادة العربية الجاهلية في التفاخر بالنسب وعدد أفراد القبيلة وقوتها و منعتها ، ودرجة القرابة من الرسول ، و التعامل مع الأمر باعتباره ميراثاً ، دون إي إشارة تفيد بمعرفتهم لمبادئ الحقوق و الواجبات سواء كانت تلك المتعلقة بالمحاكم أو بالرعية ، وعدم المعرفة هو التفسير الوحيد لعدم تعرض أياً من الطرفين لها في المنافسة التي دارت بالسقيفة وسجلتها لنا كتب السير الإسلامية بكل دقة . أما الملحوظة النافرة الناتئة تكاد تعمي البصر ، هو أن أحد الفريقين لم يتعرض لما سيحرص عليه من أجل نشر الإسلام وتثبيته كهدف رئيسي .
لقد تركوا جثمان نبيهم لأهله الهاشميين يغسلونه ويكفنونه ويلحدونه ، وراحوا إلى السقيفة يتصارعون على الإمارة ، ولم يحضر الدين إلا لدعم كل طرف على الآخر ، أما هو في ذاته فلم يكن هدفاً واضحاً في هذا الاجتماع التاريخي الفاصل .
لذلك لم يقبل الأنصار أن يكونوا الوزراء وقريش الأمراء ، فتقدموا باقتراح آخر هو : "منا أمير و منكم أمير" فكان رد عمر بن الخطاب الحاسم الحازم : " هيهات ، لا يجتمع إثنان في قرن ، و الله لا ترضى العرب أن يؤمروكم و نبيها من غيركم ، و لكن العرب لا تمتنع أن تولى أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم ، و لنا بذلك على من أبي من العرب الحجة الظاهرة و السلطان المبين ، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته و نحن أولياؤه وعشيرته ، إلا مُدل بباطل ، أو مُتجانف لإثم و متورط في هُلكه " .
يقدم عمر هنا القانون العربي ، سيرفض العرب أن يحكمهم أحد من خارج القرابة النبوية ، وهو القانون الذي يرى أن محمداً كان صاحب سلطان وإمارة ، وأن هذا السلطان وتلك الإمارة هما ميراث لأهله و عشيرته دون غيرهم .
الطريف أن الهاشميين الذين قاطعوا السقيفة و البيعة ، قال زعيمهم على بن أبي طالب فاضحاً الموقف كله : " لقد احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة " ، أي أن المهاجرين القرشيين من غير بني هاشم احتجوا للإمارة بكونهم شجرة النبي ، بينما الحجة مردوده عليهم ، لأنه وفق هذا المنطق كان الأحق بالإمارة هو علي بن أبي طالب ، فهو الثمرة على تلك الشجرة .
أما الأنصار فلا نالوا إمارة و لا حتى وزارة كما وعد أبو بكر .
إن قول الأنصار : " منا أمير ومنكم أمير " يعني معرفة العرب الإمارة بمعنى الرئاسة ، لكن أبو بكر تخير لنفسه لقب " خليفة رسول الله " ، ورفض لقب الإمارة ، لأنه أراد أن يطمئن الأنصار بعدم رغبة المهاجرين في التأمر عليهم ورئاستهم ، وأن الأوضاع كما كانت عليه لم تتغير بوفاة النبي ( ص ) لأن القائم مقامه هو خليفته ، وإذا كان الأنصار قد ناصروا النبي ( ص ) و آووه و أيدوه حتى أظهر الله أمره و نشر دينه بين العرب ، فعليهم الاستمرار على نفس العهد مع خليفته إخلاصاً للنبي و لدينه ، وأن يؤدوا لخليفة النبي ( ص) ما كانوا يؤدونه للنبي ، هذا ناهيك عن اكتساب الخليفة قدسية النبي والدين بخلافة النبي في الدنيا و الدين .
من جانب آخر كان اختيار لقب خليفة رسول الله ( ص ) إعلاناً عن مسئولية هذا الخليفة عن كل المسلمين و ليس المهاجرين وحدهم ، و هي طمأنة إضافية للأنصار . فوأد الفتنة و منع قيام صراع بين المهاجرين و الأنصار على إمارة مرفوضة ، و ليتمكن بسيوف الأنصار من استعادة المضارب الانفصالية و المرتدة . ثم أن لقب الخليفة أغنى من لقب الإمارة ، فالإمارة سلطة زمنية أو عسكرية ، أما الخلافة عن النبي فهي لقب يجمع إلى جانب الزعامة الدنيوية الزعامة الروحية أيضاً .
وعندما تولى عمر (رض) و أحب اختيار لقب ، فقالوا ليكن خليفة خليفة رسول الله ، فقال و الله إنه لشأن طويل ، و اختار لقب "أمير المؤمنين" بدلاً من "أمير العرب" أو "أمير الحجاز" ، و هو اختيار في وقته موفق إلى حد عظيم ، فهو ما يعني أنه ليس أميراً لفريق دون فريق ، فهو أمير كل المؤمنين ، و المقصود بالمؤمنين هنا هم أهل الجيل الأول من الدعوة مهاجرين و أنصارا و قوادا و عسكرا ، و هم من قام الدين الجديد على سواعدهم ، فكان لقب أمير المؤمنين طمأنة أنهم تحت الرعاية القصوى ، و أنهم الأولى برعاية الأمير ، هو أميرهم و هم المؤمنون .
أمير المؤمنين تعني أنه لا يحكم على إمارة و لا على مملكة و لا على إمبراطورية و لا على دولة ، إنما إمارته هي للمؤمنين وحدهم بعوائدها الجزيلة الآتية جباية و خراجاً و جزية من غير المؤمنين ، و اتسعت رقعة البلاد المفتوحة و كان أغلب سكانها من غير المؤمنين ، و كان المؤمنون هم الأقلية الحاكمة ، لذلك جاء لقب أمير المؤمنين كعطاء عهد أمان للعرب النازحين من الجزيرة إلى البلدان المفتوحة ، فأميرهم الحاكم الأعلى لللإمبراطورية مسئول عن رعايتهم و عن مصالحهم دون غيرهم أينما كانوا ، فهم وحدهم رعية أمير المؤمنين ، و هو ما يفسر موقف الخليفة عمر عندما طلب الغوث زمن الرمادة من والي مصر عمرو بن العاص ، فعرض عليه إعادة حفر قناة سيزوستريس لإيصال المعونة ، لكن ذلك سيعني خراب مصر عدة سنوات ، فقال عمر قولته المشهورة : " إعمل فيها و عجل ، أخرب مصر في عمران مدينة رسول الله " ، لم يكن المصريون من رعية عمر، إنما هم مجلب الفئ للأمير ورعيتة ، و خراب مصر في عمار مدينة رسول الله هو قيمة عُليا عُمرية و قُربة منه إلى الله .
_________ أنتهى النقل ________
ملحوظة : الموقع الرسمي الخاص بالكاتب محجوب في دولة قرن الشيطان "المهلكة الوهابية الارهابية"
لخوفهم من الحق ومن مداد القلم وحينما يعجزون عن الرد بموضوعية على كل ما يخزيهم من فضائح ويعري فكرهم وعقيدتهم المعوقة كالعادة ولكن هناك مواقع اخرى سطرت المقال هنــــــــــا أو هنـــــــــــا
وأتمنى ان تقرأوا الردود والتعليقات
في الرابط الأخير فهي مهمة جدا
والسلام ختام
( حيـــــــــــــــــــدرة )