لا تخلو حياة زوجية من المشكلات، ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم أو حالم. بل قيل عن المشكلات الزوجية أنها كملح الطعام، لا غنى عنه، كذلك هي. والحق كذلك، فما دام الناس يتفاوتون في مستوى تفكيرهم، ويختلفون في أمزجتهم وطبيعتهم، ونظرتهم للأمور، فالمحصلة الطبيعية لتلك الخلافات تصادم الإرادات والسلوكيات بين الأفراد ومن الجنسين. والحياة الزوجية مختبر صغير، ونموذج مصغر، للاختلاف البشري، }فليس الذكر كالأنثى{.
بيد أن ذلك الاختلاف لا يعني بالضرورة استحالة التوافق والانسجام بين الزوجين، بل إن ذلك يمكن أن يكون أساساً للتكامل والانصهار (كنفس واحدة) إشارة إلى الآية }ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً...{.
وبمعنى آخر فإن الطبيعة المختلفة للزوجين ليست أساساً للمشكلة، وإنما تنطلق المشكلات من خلال الأداء السيء للزوجين، وإدارتهما الخاطئة للحياة الزوجية، لأسباب كثيرة لسنا بصدد الحديث عنها الآن.
وما دمنا نسلم بوجود مشكلات في الحياة الزوجية سواء كان ذلك بسبب تدخل الأهل، أو لعمل المرأة، أو للمشاكل المالية التي تعصف بالحياة الزوجية أو غير ذلك من المشكلات..
إذاً كيف نتعامل معها، وما هي القواعد المفيدة في ذلك.
عدم تضخيم المشكلات:
البعض تستهويهم تهويل وتضخيم المشكلات فما إن تحدث مشكلة زوجية حتى تكبر في نفوسهم، وتتحول إلى أزمة كبرى في حياتهم، لا يستطيعون هضمها، ويتحدثون مع القريب والبعيد هنا، وتصبح شغلهم الشاغل كما يقال!
إلا أن هذه الطريقة في التعامل مع المشكلات تفاقم الموقف وتزيده تعقيداً، وهي بمثابة من يصب الزيت على النار.
إننا ينبغي أن نكون أكثر اتزاناً وتماسكاً عند حدوث الأزمات، فليس صحيحاً تضخيمها، وليس من الحكمة أيضاً تجاهلها وإهمالها لأن ذلك أيضاً يراكم حالة الاحتقان في العلاقات الأسرية.
إن النظرة الموضوعية للأمور وأخذها بحجمها الطبيعي كفيل بتهوين الأمر، وبعث السكينة واحتواء الانزعاج لمواجهة المشكلة بحجمها الطبيعي وعدم التصعيد بالألفاظ والتراشق بالكلمات، أو استخدام الموقف المعادي للشريك، واستفزازه.
استخدام وسائل الحوار في حل المشكلة:
فالتفاهم بين الزوجين يذيب أعقد المشاكل، واستخدام العقل البارد كفيل بإطفاء أسوء الخلافات، فكل إنسان سوي يستقبل المنطق السليم، والأسلوب الهاديء وينبذ الصراخ والشتيمة والتعصب، والاستفزاز.
توقيت الحوار:
بالتأكيد ليس كل وقت يمكن أن يكون مناسباً للتحاور والتفاهم في حل المشكلة، وليس كل مكان مهيأ لتبادل الأفكار وتشريح المشكلة .. بل على الزوجين اختيار الوقت والمكان المناسبين.
فليس من المعقول أن تطلب الزوجة فتح حوار في المشكلة بعد مجيء الزوج من العمل مباشرة وهو في حاجة إلى أخذ نصيب من الراحة، كما أنه ليس من الحكمة أن تناقش المشكلة عند النوم أو عند حدوث مصيبة لأحدهما!
بل يمكن للزوجين أن يتدبرا في المشكلة في أجواء مريحة ومسترخية، وفي مكان بعيد عن الأطفال، خوفاً من انفلات زمام الأمور وخروجها عن السيطرة.!
المرونة وسعة الصدر:
لنتذكر دائماً أن الحوار والتفاهم يتم بين زوجين وشريكين حميمين، وليس بين عدوين. والمؤسسة الأسرية تتطلب من الزوجين إبداء المزيد من المرونة بل والتضحية والتنازل عن الحق قربة وطاعة إلى الله سبحانه وتعالى وامتثالاً لأمره عز وجل وتعاليم الشرع الحنيف، يقول عز من قائل }أحسن كما أحسن الله إليك{.
تفهم حاجات الطرف الآخر:
تدفع الأنانية في كثير من الأحيان الأشخاص إلى تحميل الآخر الخطأ، وإعفاء الذات من المسؤولية، إلا أن من الحكمة إنصاف الشريك الآخر، واتهام الذات، وعدم تزكية النفس، ووضع الذات مكان الآخر، فما من مشكلة زوجية غالباً تكون أسبابها من طرف واحد، بل يشترك الجميع ولو بنسب مختلفة في إيجادها وتكونها. وحتى لا نفشل في وضع حد للمشكلة من أول الأمر علينا أن لا نبعد أنفسنا عن المشكلة ونضع اللّوم على الآخر ونبريء ساحتنا!
بل علينا أن نتمسك بالشجاعة الأدبية للاعتراف بالخطأ، والإقرار به، والتعامل مع النفس والآخرين على أساس ذلك.
استحضار إيجابيات الآخر:
ليس من الحكمة أن نسقط الشريك الزوجي من نفوسنا، ونعبيء قلوبنا ضغينة وحقداً لمجرد أنه أخطأ في ظرف معين، أو تحت ضغط نفسي، ونتناسى إيجابياته، وعشرته الطيبة، فلا يصح التنكر لأخلاقيات الآخرين وعطاءاتهم قبل المشكلة حتى لا يختلط الحابل بالنابل كما يقال. يقول عز من قائل }ولا تبخسوا الناس أشياءهم{.
إن علينا أن نستحضر كل تلك المحاسن عند اشتداد المشكلة حتى نكون أكثر حكمة وروية عند تعاطي المشكلة، فلا نتهور في إصدار قرار نهائي أحمق لمجرد خطأ حدث في دقائق معينة في حين تتواصل الحياة الزوجية بسعادتها وأنسها لعشرات السنين.
إن بعض الناس لا يستذكرون في معمعة المشاكل إلا كل شائبة، ونقيصة أو عيب يتصل بالشكر الآخر، وكأنهم بريئون منها!
الاحتكام للمرجعية الشرعية:
يستهوي البعض الانتصار لنفسه اعتماداً على ما هو سائد في المجتمع من ممارسات وتقاليد بحكم تأثير الموروثات الاجتماعية التي تجحف حق المرأة، وتعطي كل الحق بيد الرجل فيقول لزوجته مثلاً: إن زوجة فلان لا تعصي له أمراً في كل شيء، إذ هو السيد، وليس لها كلمة أمامه، فلماذا لا تكوني مثلها، وتخلص المشاكل! بيد أن الاحتكام إلى الأعراف والتقاليد الاجتماعية الظالمة والمتخلفة لا تحل المشكلة في عصر وعي المرأة بحقوقها، وإدراكها.
وفي لفتة مهمة تذكرها كتب التراث: أن علي u وفاطمة عليها السلام احتكما إلى الرسول الأكرم r وآله حول مسؤولية كل منهما، فحكم r وآله بأن على فاطمة عليها السلام تقع مسؤولية داخل البيت، وعلى عليّ uخارجه، وأستطيع الجزم على القول بصحة هذه الرواية، بأن هذه الرواية تعليمية، قُصد منها أن يتعلم الزوجان المسلمان الاحتكام إلى المرجعية الشرعية، وإلى تعاليم الدين عند بروز أي خلاف بينهما، وعدم الرجوع والاحتكام للتقاليد المريضة، والأعراف البائسة لأنها تمثل المشكلة الأعقد.
إن بوابة الشرع واسعة لمن يريد أن يُسلم لأمر الله ويخرج من ظلمة نفسه وأنانيتها ومصالحها الضيقة رجلاً كان أو إمرأة!
تقوى الله:
في المشاكل لا توزع الحلوى، وإنما يحاول كل طرف إثبات الحق لنفسه، وتسفيه آراء الطرف الآخر، ويتمادى البعض في تزوير الحقائق وكيل التهم جزافاً يدفعه شحناء النفس، وضغائنها ..
وعلى الإنسان في مثل هذه الحالات أن يخاف الله، ويتذكر أن الله عز وجل سيحاسبه يوما ما، وأنه لن ينجو من عقابه وأنه لو حقق النصر والظفر على شريكه بالكذب وكيل التهم، فإن أحداً لن يستطيع نصره يوم الحساب.!
وعليه أن يضع الله سبحانه وتعالى نصب عينيه في الدنيا ويخافه سبحانه حتى يكتب له التوفيق في الحياة الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة.
قال تعالى }ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم{
الاستشارة عنوان الحكمة:
ورد في المأثور عن الإمام علي u (ما خاب من استشار) . (وخير الناس من جمع عقول الناس إلى عقله).
فمن غير الممكن أن يدعي أحد أنه يستطيع الإحاطة بكل أمر، وأنه قادر على حل جميع المشكلات، فكثير من الأحيان يجهل الإنسان أموراً كثيرة، ويعاني البعض من نقص الخبرة في التعامل مع المشكلات.
لكل ذلك من المستحسن أن يلجأ الزوجان للاستفادة من استشارة الأهل ذوي الخبرة أو أصحاب الخبرة الذين يتصفون بالأمانة، ويمكن الاستشارة دون أن يُفهم أن المسألة تخص المستشير نفسه إبعاداً للنفس عن الحرج الشخصي، ومنعاً لتوسعة رقعة المشكلة وإدخال الآخرين فيها.
وبارك الله فيكِ على نقل هذاالبحث الرااائع والمفيد لكل زوج وزوجة
اتمنى من العلي العظيم ان يقرى هذاالمقال كل زوج وزوجة ليستفيدوا من هذه المهارات والحلول المقنعة التي تقلل من المشاكل الزوجية بعد تطبيقها بالفعل على الطبيعة وتنصيب بين اعينهم رضى الله ورسولة بكل افعالهم