|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 52510
|
الإنتساب : Jul 2010
|
المشاركات : 95
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
هل الاخلاق الذميمة تحجب المعارف
بتاريخ : 17-08-2010 الساعة : 12:36 AM
الاخلاق الذميمةتحجب عن المعارف
الاخلاق المذمومة هي الحجب المانعة عن المعارف الالهية، و النفحات القدسية اذ هي بمنزلة الغطاء للنفوس فما لم يرتفع عنها لم تتضخ لها جلية الحال اتضاحا، كيف و القلوب كالاواني فاذا كانت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء فالقلوب المشغولة بغير الله لا تدخلها معرفة الله و حبه و انسه، و الى ذلك اشار النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقوله: «لو لا ان الشياطين يحرمون الى قلوب بني آدم لنظروا الى ملكوت السماوات و الارض» فبقدر ما تتطهر القلوب هن هذه الخبائث تتحاذى شطر الحق الاول (5) و تلالا فيها حقائقه كما اشار اليه صلى الله عليه و آله: «ان لربكم في ايام دهركم نفحات الا فتعرضوا لها» فان التعرض لها انما هو بتطهير القلوب عن الكدورات الحاصلة عن الاخلاق الردية (6) فكل اقبال على طاعة و اعراض عن سيئة يوجب جلاء و نورا للقلب يستعد به لافاضة علم يقيني، و لذا قال سبحانه:
«و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (7) .
و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم» فالقلب اذا صفى عن الكدورات الطبيعية بالكلية يظهر له من المزايا الالهية و الافاضات الرحمانية ما لا يمكن لاعاظم العلماء كما قال سيد الرسل: «ان لي مع الله حالات لا يحتملها ملك مقرب و لا نبي مرسل» .
و كل سالك الى الله انما يعرف من الالطاف الالهية و النفحات الغيبية ما ظهر له على قدر استعداده، و اما ما فوقه فلا يحيط بحقيقته علما لكن قد يصدق به ايمانا بالغيب كما انا نؤمن بالنبوة و خواصها و نصدق بوجودهما و لا نعرف حقيقتهما كما لا يعرف الجنين حال الطفل و الطفل حال المميز و المميز من العوام حال العلماء و العلماء حال الانبياء و الاولياء.
فالرحمة الالهية بحكم العناية الازلية مبذولة على الكل غير مضنون بها على احد، لكن حصولها موقوف على تصقيل مرآة القلب و تصفيتها عن الخبائث الطبيعية، و مع تراكم صداها الحاصل منها لا يمكن ان يتجلى فيها شيء من الحقائق، فلا تحجب الانوار العلمية و الاسرار الربوبية عن قلب من القلوب لبخل من جهة المنعم تعالى شانه عن ذلك، بل الاحتجاب انما هو من جهة القلب لكدورته و خبثه و اشتغاله بما يضاد ذلك.
ثم ما يظهر للقلب من العلوم لطهارته و صفاء جوهره هو العلم الحقيقي النوراني الذي لا يقبل الشك و له غاية الظهور و الانجلاء لاستفادته من الانوار الالهية و الالهامات الحقة الربانية، و هو المراد بقوله عليه السلام: «انما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء «و اليه اشار مولانا امير المؤمنين عليه السلام بقوله: «ان من احب عباد الله اليه عبدا اعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن و تجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه» (الى ان قال) :
«قد خلع سرابيل الشهوات، و تخلى من الهموم الا هما واحدا انفرد به، فخرج من صفة العمى و مشاركة اهل الهوى، و صار من مفاتيح ابواب الهدى و مغاليق ابواب الردى، قد ابصر طريقه و سلك سبيله و عرف مناره، و قطع غماره (8) ، و استمسك من العرى باوثقها و من الحبال بامتنها فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس» و في كلام آخر له عليه السلام «قد احيى قلبه و امات نفسه حتى دق جليله (9) و لطف غليظه، و برق له لا مع كثير البرق، فابان له الطريق و سلك به السبيل، و تدافعته الابواب الى باب السلامة و دار الاقامة، و ثبتت رجلاه لطمانينة بدنه في قرار الامن و الراحة بما استعمل قلبه و ارضى ربه» .
و قال عليه السلام في وصف الراسخين من العلماء: «هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة و باشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و انسوا بما استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلى» .
و بالجملة ما لم يحصل للقلب التزكية لم يحصل له هذا القسم من المعرفة اذ العلم الحقيقي عبادة القلب و قربة السر، و كما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الظاهر الا بعد تطهيره من النجاسة الظاهرة فكذلك لا تصح عبادة الباطن الا بعد تطهيره من النجاسة الباطنية التي هي رذائل الاخلاق و خبائث الصفات، كيف و فيضان انوار العلوم على القلوب انما هو بواسطة الملائكة و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب» فاذا كان بيت القلب مشحونا بالصفات الخبيثة التي هي كلاب نابحة لم تدخل فيه الملائكة القادسة و الحكم بثبوت النجاسة الظاهرة للمشرك، مع كونه مغسول الثوب نظيف البدن، انما هو لسراية نجاسة الباطنية فقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «بني الدين على النظافة» يتناول زوال النجاستين، و ما ورد من «ان الطهور نصف الايمان» المراد به طهارة الباطن عن خبائث الاخلاق، و كان النصف الآخر تحليته بشرائف الصفات و عمارته بوظائف الطاعات.
و بما ذكر ظهر ان العلم الذي يحصل من طريق المجادلات الكلامية و الاستدلالات الفكرية، من دون تصقيل لجوهر النفس، لا يخلو عن الكدرة و الظلمة، و لا يستحق اسم اليقين الحقيقي الذي يحصل للنفوس الصافية فما يظنه كثير من اهل التعلق بقاذورات الدنيا انهم على حقيقية اليقين في معرفة الله سبحانه خلاف الواقع، لان اليقين الحقيقي يلزمه «روح» (10) و نور و بهجة و سرور، و عدم الالتفات الى ما سوى الله، و الاستغراق في ابحر عظمة الله، و ليس شيء من ذلك حاصلا لهم، فما ظنوه يقينا اما تصديق مشوب بالشبهة، او اعتقاد جازم لم تحصل له نورانية و جلاء و ظهور و ضياء، لكدرة قلوبهم الحاصلة من خبائث الصفات.
و السر في ذلك ان منشا العلم و مناطه هو التجرد كما بين فى مقامه، فكلما تزداد النفس تجردا تزداد ايمانا و يقينا، و لا ريب في انه ما لم ترتفع عنها استار السيئات و حجب الخطيئات لم يحصل لها التجرد الذي هو مناط حقيقة اليقين فلا بد من المجاهدة العظيمة في التزكية و التحلية حتى تنفتح ابواب الهداية و تتضح سبل المعرفة كما قال سبحانه:
«و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (11) .
------------------------------------------------------
5) المراد من الحق الاول هو الله تبارك و تعالى فكما ان الحق صفة له كذلك الاول فهو صفة بعد صفة.
6) المراد من النفحات هي الافاضات المعنوية لا النسمات كما وردت بالمعنى الثاني في بعض الاخبار.
7) العنكبوت الآية: 69.
8) غمرة الشيء شدته و مزدحمه جمعه غمرات و غمار و غمر و منه غمرات الموت اي مكارهه و شدائده.
9) الجليل: الكبير في الحجم.
10) هذه الكلمة غير موجودة في نسختنا الخطية لكنها موجودة في نسخة خطية اخرى.
11) العنكبوت الآية؟ 69.
منقول نصا من كتاب جامع السعادات للمولى محمد مهدي النراقي احد اعلام المجتهدين
|
|
|
|
|