قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، صدق الله العلي العظيم.
إنّ من المهام الكبرى المناطة بالأبوين في التربية والتعليم مسألة ربط الأبناء بالعبادة، من خلال شرح حقيقة العبودية لله تعالى في جميع الأعمال، وذلك لما يترتب على الفهم السليم والصحيح للتقرب إلى الله في العمل الصالح من اطراد في درجة الكمال، وهذا ما أوضحه القرآن الكريم في قوله تعالى: { إليه يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}.
معنى التقرب إلى الله.
وقبل أن نبين آثار التقرب إلى الله، لابد أن نشرح معنى التقرب إلى الله وارتباطه بالعمل،حتى يتضح ما يترتب عليه من كمالات في الجانب المعنوي للشخصية. وعندما نطرح مفهوم القُرب، نجده واضحاً وجلياً، وبالأخص إذا ربطناه بالزمان والمكان، أي إذا كان في الأمور الحسية. فعندما أُشير إلى شخصين في مكان واحد، وأقول: إنّ فلاناً قريبٌ من فلان فيتبادر إلى ذهن السامع أنّ ذلك القُرب هو نتيجةً لتلاشي الفواصل المكانية بينهما، فكل منهما قريب من الآخر، وهذا النوع من القُرب يسمى بالقُرب المكاني، وهناك نوع ثانٍ من القُرب يسمى بالقُرب الزماني، وذلك،عندما أقول مثلاً : ولدي قريبٌ من ولدك في العُمر. وهناك نوع ثالث من القُرب يرتبط بالأعمال العبادية،التي لا بد من قصد التقرب بها إلى الله تعالى، وهذا النوع من القُرب ليس قُرباً حسياً، بل،هو شبيه بقولنا: أنّ فلاناً قريبٌ من الأمير أو قريبٌ من العالِم، ولا يعني ذلك، أنه ليس قريباً منه إذا سافر عنه، لأنّ القُرب هاهنا يراد منه القرب المعنوي، فعندما أقول: إنّ ذلك الشخص قريبٌ من الأمير أو من العالِم، فهذا يُراد منه، أنه يحظى بمكانة خاصة لديه، بحيث تكون الشفاعة الحاصلة من ذلك الشخص للأمير أو للعالِم مستجابة. إذاً القُرب من الله هو ذلك القُرب المعنوي، الذي لا يرتبط بالمكان،ولا الزمان، لأنّ الله لا يحده مكان، { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ }، كما أنّ الله ليس محدوداً بالزمان، لأنّه هو الذي خلق الزمان - الزمان هو مقدار الحركة - فلا يمكن أن يجري عليه الزمان أو يُؤثر فيه، بل،إنّ الزمان لا يجري على المجردات التي خلقها الله، لأن الزمان هو مقدار الحركة في عالم المادة، وليس في عالم المجردات. فالإنسان إذا أراد أن يدعو ولده أو صديقه إلى القُرب من الله، فيحتاج أولاً إلى شرح معنى القرب من الله تعالى، وأنّ هذا القرب يختلف عن القرب الحسي في عالمي الزمان والمكان، وهو ما يعبر عنه العلماء بالزمكان، فمسألة القرب في المحسوسات تختلف عن هذا القُرب الذي يدعونا الله تعالى إليه، والذي يمتاز بكمالات معنوية.
يتبع ان شاء الله
التعديل الأخير تم بواسطة عاشق الامام الكاظم ; 03-04-2010 الساعة 11:28 PM.
منهج القرب إلى الله تعالى.
إنّ الخليل إبراهيم(عليه السلام وضع لنا منهجاً نسير عليه، وذلك من خلال تبيانه لكيفية ارتباطه وقربه من الله في العمل الصادر منه، كما حكى الله ذلك عنه في قوله تعالى:{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }، فإبراهيم عليه السلام يربط جميع مايصدر منه وعنه بالله، وهذا منهج عام دعا وأكد عليه الأنبياء والرسل في الجانب العبادي أو ما نسميه بالأمور التعبدية، التي،لابد أن تكون لله تعالى. ولكن الله تعالى أوضح لإبراهيم عليه السلام أنّ العبودية لله ليست محصورة في الأمور التعبدية من صلاة وصوم وزكاة ونسك،التي لا تصح إلا إذا كانت لله تعالى. ولذا،نجد أنّ بعض العلماء يحصر قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }، في الجوانب التعبدية فقط، بينما يظهر من آي القُرآن الكريم أنّ الأمر أعم من الجوانب التعبدية كما في هذه الآية التي تلوناها والمتعلقة بالخليل عليه السلام { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }، فكلمة محياي ومماتي تختلف عن صلاتي ونسكي، لأنّ المحيا والممات يُراد منه جميع ما يتعلق بشؤون الإنسان، الذي لابد أن يكون راجعاً إلى الله في سير الإنسان الصعودي والتكاملي إليه تعالى.
يتبع ان شاء الله
اللهم صلي على محمد وال محمد
شاكرا مرووورركم الذي انار صفحتي
لا حرمنا تواجدكم العطر النير يا رب
واعتذر لاني لا املك كلمات شكر لردوركم الرائعة
وان شاء الله اكمل الموضوع
درجات القرب من الله تعالى.
إنّ الله تعالى أوضح أنّ القُرب منه له درجات تكاملية، قال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ}. وهذه الدرجات لها معنيان :
المعنى الأول :
هو الذي ذكره بعض المفسرين من علمائنا عندما شرحوا قوله تعالى: { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ }، في أنّ هذه الدرجات ترتبط بجانب قربهم من الله، يعني لهم درجة في الكون المادي والمعنوي بالنسبة إلى قربهم من الله، وهذا يعني أنّ هناك سُلّماً وجودياً، لا يمكن للإنسان أن يتعدى درجته الوجودية إلا إذا كان لديه عمل صالح مخلصاً فيه لله تعالى، ودرجته الوجودية حينئذ تقربه من الله. وهذا بحث عميق يرتبط بمجالات فلسفية وعرفانية تشير إليها الروايات والآيات القرآنية، التي تُؤكد على أنّ درجة الإنسان في عالم الوجود لم تُرتب عبثاً واعتباطاً، بل، ترتبط بحركة الإنسان في سيره التكاملي غير العبثي واقترابه من الله. فكل درجة يصل إليها الإنسان تُمثل قُرباً من الله، وبعض العلماء يفسر هذا القرب بالفيض من الله، بمعنى أن درجة الإفاضة واللطف والعناية من الله تعالى التي تفاض على الإنسان القريب من الله تعالى تختلف عن تلك الدرجة التي تفاض على الإنسان غير القريب من الله، وهذا ما يشرحه الحديث القدسي الذي يتحدث به الله إلى أنبيائه، يقول تعالى: (( لا يزال العبدُ يتقربُ إليّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببته كُنتُ سَمعَهُ الذي يسمعُ به، وبَصرَهُ الذي يُبصرُ به، ويَدَهُ التي يبطشُ بها )) وهذا يعني وجود درجة كونية للإنسان بحيث أنّ اللطف الإلهي يكون جارياً على هذا الإنسان دون غيره، لأنّ غيره يجري عليه لطف ولكن بالمعنى البعيد وليس القريب، أي، تجري عليه الرحمانية العامة من الله وليس الرحيمية الخاصة، فإذاً نحن نقبل هذا التفسير لأنه يُقرب المعنى بنسبة كبيرة.
المعنى الثاني :
الذي له ارتباط بالمعنى السابق، وهو أن يصبح الفيض الإلهي جارياً بنسبةٍ ما على يَدي الإنسان، فيكون مجرىً للفيض الإلهي، الذي له درجات متعددة، أعلاها،ما يشير إليه قوله تعالى في حق المصطفى صلى الله عليه وآله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى}، أي، تصبح رمية النبي صلى الله عليه وآله رمية الله، وبطش النبي هو بطش الله، وهذا هو المعنى العميق لقوله تعالى : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ }، لأنّ النبي صلى الله عليه وآله يُمثل الإرادة الإلهية، فإطاعته إطاعة لله تعالى، كما أنّ هناك حديثاً يشرح بنحوٍ ما هذا المعنى الذي أوردناه، يقول : (( من أصغى إلى ناطقٍ فقد عَبَدَهُ، فإن كان الناطقُ يُؤدي عن الله فقد عَبَدَ الله عزّ وجل، وإن كان الناطق يُؤدي عن الشيطان فقد عَبَدَ الشيطان )). فكل هذا الشرح والإيضاح الذي أوردناه فيما يترتب على عبودية الإنسان لله، من معانٍ عميقة، يُدركها الإنسان ويصل إليها بشكل تدريجي.
كيفية إيصال الناس إلى القُرب من الله.
يحتاج الإنسان في أسلوبه التربوي العام مع محبيه وأقربائه أن يُكرر مسألة القُرب من الله، والحظوة عنده، لكون مايصدر من الإنسان من عمل لابد أن يرتبط به تعالى. والمطلوب منه أن يُؤكد بنحوٍ خاص على أبنائه وبناته إلى أهمية القرب المعنوي من الله تبارك وتعالى، لأنه هو الذي يُحقق السعادة الدنيوية والأخروية. وكلما ربط الإنسان وجوده بالله كلما تحقق كمال له، وكلما ربط أبناءه بالله بواسطة عبودية الله كلما جعل هؤلاء الأبناء يسيرون سيراً صعودياً وتكاملياً في منازل القرب والحظوة والدرجات المعنوية من الله تعالى. نسأل الله أن يجعلنا نُدرك عملياً وفي سلوكنا التربوي مع أحبائنا وأصدقائنا وأبنائنا معنيي الآيتين السابقتين: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }، وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، كي يتأثر ذلك العمل الصالح بالكلم الطيب،الذي فُسِرَ بأكثر من تفسير، ولكن حقانية التفسير ترتبط بالجانب المعنوي والعبودية لله تبارك وتعالى.