السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
موضوع له من الاهمية الكثير لكل باحث و قد قمت بوضعه هنا في هذا الصرح العلوي المبارك على شكل رد في احد النواضيع لكن للأهمية منه و توجيه بعض الاخوة جزاهم الله تعالى خير جزاء المحسنين كان الرأي ان يكون على شكل موضوع مستقل اطرح بين ايديكم كما سيأتي
اُتّهم الشيعة قديماً وحديثاً بسبّ الصحابة ولعنهم، وجرت عليهم بسبب هذه التهمة محن وآلام كثيرة . بعدما حكم عليهم بالكفر .
الأمر الذي يجعل اللعن والتلاعن بين المسلمين ظاهرة تلفت نظر الكثيرين، وتجعلهم يتساءلون عن حقيقة اللعن من الناحية الشرعية، وحكمته وأبعاده المختلفة.
والدراسة التي بين أيديكم محاولة جادة في هذا الاتجاه نحاول من خلالها تسليط الأضواء على مفهوم اللعن، في اللغة، وفي الكتاب والسنّة النبوية، وموقف مدرستي الخلفاء وأهل البيت(عليهم السلام) منه، بغية التوصل إلى النتائج المطلوبة في هذا المضمار، وأهمها تحقيق الحق في اتهام الشيعة بسبّ جميع الصحابة.
مفهوم اللعن والفرق بينه وبين السبّ والشتم
في ضوء اللّغة
قال الراغب الإصفهاني: «اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة; وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره»[1].
وقال الطريحي: «اللعن: الطرد من الرحمة... وكانت العرب إذا تمرّد الرجل منهم أبعدوه منهم وطردوه لئلاّ تلحقهم جرائره، فيقال: لعن بني فلان...»[2].
وقال ابن الأثير في النهاية: «أصل اللعن: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السبّ والدعاء»[3]. وعلى هذا الجوهري في صحاحه أيضاً[4].
هذا هو المفهوم اللغوي للّعن، أما السبّ، فقال ابن الأثير: «السبّ: الشتم»[5].
وكذلك قول الجوهري[6] والطريحي[7]، وابن منظور[8]، وكأنهما ـ أي السب والشتم ـ مترادفان، سوى مائز ذكره الاصفهاني في المفردات هو: «أن السبّ: الشتم الوجيع»[9].
والشتم عند الطريحي هو: «أن تصف الشيء بما هو ازراء ونقص»[10] وعند ابن منظور: «قبيح الكلام وليس فيه قذف»[11].
وخلاصة الأمر أن اللّعن: إن كان من الله سبحانه فمعناه الطرد من الرحمة، وإن كان من الناس فمعناه الدعاء بالطرد، وبالتالي فهو شيء غير السب والشتم اللّذين يعنيان الكلام القبيح المستخدم في الذم والتنقيص.
في ضوء القرآن الكريم:
وكما فرّقت اللغة بين اللعن وبين السب والشتم، فرّق القرآن بينهما أيضاً، حيث نجده قد استخدم مادة «لعن» سبعاً وثلاثين مرة منسوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ومرّة واحدة منسوبة إلى الناس، وهذا الاستخدام بحد ذاته يدل على مشروعيته من حيث الأصل، بينما وردت مادة «سبَبَ» مرّة واحدة في سياق النهي وهي قوله تعالى: (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً)[12].
وهذا النهي يدل على قبح السب والشتم، ولو كان اللعن مشاركاً لهما في ذلك، لنهى القرآن الكريم عنه، فدلّ عدم نهيه عنه، واستخدامه له، ونسبته الى الله سبحانه وتعالى سبعاً وثلاثين مرة في القرآنالكريم على أنه من ماهية صحيحة ومطلوبة ومشروعة.
في ضوء السنّة الشريفة
وإذا جئنا إلى السنّة النبوية وجدناها تشتمل على عشرات النصوص التي استخدم النبي(صلى الله عليه وآله) فيها اللعن، ازاء أعداء الرسالة من المشركين والمنافقين وأهل الكتاب، وازاء حالات من المسلمين، يظهر فيها النبي(صلى الله عليه وآله) سخطه الشديد مما يقترفونه من مخالفات، أو تحذيره الشديد لهم من مقاربة الكبائر والموبقات، وقد أورد صاحب موسوعة أطراف الحديث النبوي في مادة «لعن» قريباً من ثلاثمائة عنوان حديث نبوي مصدّر بكلمة اللعن[13]، رغم أنه لم يوفق لجمع كل أحاديث هذا الباب، وفات عليه بعض مما هو مشهور فيه، كلعن النبي(صلى الله عليه وآله) للمتخلف عن جيش اُسامة[14].
خصائص اللّعن والملعون في الكتاب والسنّة
وحينما ننظر في آيات اللعن الواردة في القرآن الكريم نجدها على أربعة طوائف: فمنها آيات وجهت اللعن إلى إبليس، مثل قوله تعالى: (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين)[15]، ومنها آيات وجهت اللعن إلى عموم الكافرين، مثل قوله تعالى: (إن الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراً)[16]، ومنها آيات وجهت اللعن إلى أهل الكتاب عامة واليهود خاصة، مثل قوله تعالى: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم)[17]، والقسم الرابع منها صبت اللعنة فيه على عناوين سلوكية عامة تشمل المسلمين، مثل عنوان الكاذبين في قوله تعالى: (والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين)[18]، وعنوان الظالمين، في قوله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين)[19]، وعنوان إيذاء الرسول(صلى الله عليه وآله) ، في قوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة)[20] وعنوان رمي المحصنات، في قوله تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة)[21]. وعنوان القتل، في قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً)[22]، وعنوان النفاق، في قوله تعالى: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم)[23] وعنوان الفساد وقطع الرحم، في قوله تعالى: (أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم* اُولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم)[24].
وكأن القرآن يتسلسل في اللعن من رمز الشر المتمثل بإبليس، إلى الفئات البشرية التي تتجاوب معه وتستجيب لندائه، فيبدأ بالكافرين كحلقة اُولى، ثم بأهل الكتاب كحلقة وسطى، وكلتا الحلقتين تمثلان أعداء الإسلام من الخارج، ثم يتدرج إلى داخل الدائرة الإسلامية فيوجه اللعن إلى أعداء الإسلام من الداخل كالمنافقين، ثم ينتقل منهم إلى آخر حلقة في خط الشر المتمثلة بالظلم والقتل وقذف المحصنات وقطع الرحم، أي إلى الحلقة التي تهدد النظام الاجتماعي بالانهيار.
وهكذا يتعقب القرآن باللعن خط الشر من حلقاته المعادية للتوحيد والإسلام من الخارج، إلى حلقاته المعادية لهما في الداخل، إلى الحلقات الاجتماعية التي تهدد النظام الاجتماعي الإسلامي بالخطر وتعرقل سيره وحركته على طريق السعادة والفلاح، والذي يلقي نظرة مقارنة بين الكتاب والسُنّة النبوية في هذا المضمار يتراءى له بوضوح أن السنّة النبوية ركّزت وتوسعت في لعن الحلقة الأخيرة، أكثر من سائر الحلقات، والدليل على ذلك أن اللعن على لسان النبي(صلى الله عليه وآله)قد انصبّ على عناوين اجتماعية كلعن الخمر والربا والرشوة، ومانع الصدقة والزكاة... إلخ كما هو واضح من عناوين هذا الباب من الأحاديث النبوية الواردة في المدونات الحديثية[25].
اللعن ضرورة عقائدية
اتضح مما سبق أن اللعن، من حيث الأصل مسألة عقائدية ضرورية، يحتاجها المجتمع المسلم، لتكريس وتعميق الأصالة الإسلامية في واقعه، واستخلاص الشوائب من داخله وإبراز الانزجار والتنفر من كل ما يمتّ إلى خط الشرّ والباطل بصلة، كالكفار في الخارج، والمنافقين في الداخل، وعوامل الدمار الاجتماعي التي تساعد حركة الأعداء في الداخل والخارج على بلوغ مقاصدهم الخبيثة، وتعيق حركة المجتمع عن بلوغ أهدافه الإسلامية، وأ نّه تعبير عقائدي عن الحاجة إلى تعميق الفاصل النفسي والثقافي والأدبي في حياة الإنسان المسلم، بين الإسلام من جهة، وخط الكفر والنفاق والإنحراف الذي يواجهه الإسلام في الداخل والخارج من جهة ثانية.
واللعن بهذا المعنى والمفهوم بعيد كل البعد عن السبّ، الذي هو مفردة سلوكية مخالفة تماماً لما عليه الأخلاق الإسلامية، وقريب كل القرب في مدلولاته العقائدية من مفهوم الولاء والبراءة من جهة، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة ثانية، ذلك أن اللعن ينصب على المحاور التي ينبغي عقائدياً على المسلم إعلان براءته منها، كالكفار والمنافقين، وعلى عوامل الانحراف الاجتماعي، والعناوين المرفوضة في السلوك الاجتماعي، التي يجب على المسلم شرعاً مكافحتها، طبقاً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبالتالي فهو تعبير أدبي عن فريضتين، عقائدية وشرعية، في آن واحد.
ولا يُفهم من ذلك أن الإسلام والمجتمع الإسلامي، في مواجهته لخط الكفر والنفاق والانحراف، يعتمد اللعن كوسيلة حاسمة، إنّما الوسيلة الحاسمة في الإسلام هي الدليل والبرهان والمنطق العقلي البرهاني، الذي عبّر عنه القرآن الكريم بصيغ مختلفة، وإذا ما أحصينا استخدامات القرآن الكريم للمواد اللغوية ذات العلاقة بالفكر والعقل والدليل والبرهان والعلم والكتابة وأمثالها وجدناها تزيد على الألفين ومائة وتسعين مرّة، بينما ورد استعمال القرآن الكريم لمادة اللعن ثمان وثلاثين مرّة، فالدليل والبرهان قاعدة العقيدة في الإسلام، وما اللعن إلاّ تعبير أدبي عن الوسيلة الدفاعية الاحترازية الرادعة، التي يلجأ إليها الإنسان المسلم في موارد الاحساس بالخطر، وإنّما يلعن اللاعن بعد وضوح البيّنة وقيام البرهان لديه على الحق، وثبوت عناد وخصومة الطرف المقابل له.
نعم، ورد النهي عن أن يكون اللعن خُلقاً دائمياً، وسليقة ثابتة يجري عليها المؤمن بنحو مستمر، كقوله(صلى الله عليه وآله): «ليس المؤمن بالسبّاب ولا بالطعّان ولا باللعّان»[26]، وكقوله(صلى الله عليه وآله): «المؤمن لا يكون لعّاناً»[27]
وواضح أن الذي يقال له لعّان، هو من يجري اللعن على لسانه بنحو مستمر بسبب أو بدون سبب ، أما الذي يلعن بالقدر المناسب للمقام، فلا يقال عنه لعّاناً، لأن صيغة فعّال تستخدم لمن تغلب عليه صفة معينة، وأكثر ما تطلق على أصحاب المهن، كالنجّار والقصّاب وغيرهما، ممّن يتّخذ هذه العناوين مهنةً وعملاً، وواضح أن الذي يتولّى ذبح الذبيحة بنحو طارئ في حياته لا يقال له قصّاب ، وإنّما يقال هذا العنوان لمن يتولّى هذا العمل بنحو يوميّ مستمر كوظيفة دائمية له، واللعّان من هذا الباب والنهي عنه لا يستلزم النهي عن أصل اللعن، فلا تعارض بينهما أصلاً.
قال الفيض الكاشاني(رضي الله عنه):
«أ مّا حديث «لا تكونوا لعّانين» فلعلّه نهي عن أن يكون السبّ خُلقاً لهم، بسبب المبالغة فيه والإفراط في ارتكابه، بحيث يلعنون كل أحد، كما يدل عليه قوله: «لعّانين» لا أ نّه نهى عن لعن المستحقين، وإلاّ لقال: لا تكونوا لاعنين، فإنّ بينهما فرقاً يعلمه من أحاط بدقائق لسان العرب.
وأ مّا ما روي أن أمير المؤمنين(عليه السلام) نهى عن لعن أهل الشام، فإن صحّ فلعله(عليه السلام) كان يرجو إسلامهم ورجوعهم إليه، كما هو شأن الرئيس المشفق على الرعية.
ولذلك قال: «ولكن قولوا اللّهمّ أصلح ذات بيننا» وهذا قريبٌ من قوله تعالى في قصة فرعون: (فقولا له قولاً ليّناً) »[28].
نعم، لقد نهى أمير المؤمنين(عليه السلام) أصحابه عن لعن أهل الشام، وهذا مذكور في نهج البلاغة بعنوان: «ومن كلام له (عليه السلام) وقد سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفين» وقال ابن أبي الحديد تعليقاً عليه:
«والذي كرهه(عليه السلام) منهم أنهم كانوا يشتمون أهل الشام ولم يكن يكره منهم لعنهم إياهم والبراءة منهم، لا كما يتوهّمه قوم من الحشوية فيقولون: لا يجوز لعن أحد ممّن عليه اسم الإسلام وينكرون على من يلعن ومنهم من يغالي في ذلك فيقول: لا ألعن الكافر ولا ألعن إبليس وأن الله تعالى لا يقول لأحد يوم القيامة لِمَ لم تلعن؟ وإنّما يقول: لِمَ لَعنت»؟[29]. فإن كلامهم هذا خلاف نص الكتاب، لأنه تعالى قال: (إنّ الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراً)[30] وقال: (اُولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)[31]. وقال في إبليس: (وان عليك لعنتي إلى يوم الدين)[32] وقال: (ملعونين أينما ثقفوا)[33]وفي الكتاب من ذلك الكثير الواسع.
وكيف يجوز للمسلم أن ينكر التبرّي ممن يجب التبرّي منه؟ ألم يسمع هؤلاء قول الله تعالى: (قد كانت لكم اُسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا براءٌ منكم وممّا تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً)[34].
وممّايدل على أنّ من عليه اسم الإسلام إذا ارتكب الكبيرة يجوز لعنه، بل قد يجب في وقت معين، كما في حالة الملاعنة، قال الله تعالى في قصة اللعان (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين* والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين)[35] وقال تعالى في القاذف: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم)[36].
فهاتان الآيتان في المكلّفين من أهل القبلة، والآيات قبلهما في الكافرين والمنافقين، ولهذا قنت أمير المؤمنين(عليه السلام) على معاوية وجماعة من أصحابه، ولعنهم في أدبار الصلوات.
والذي نهى عنه أمير المؤمنين(عليه السلام) ; هو شتم الآباء والاُمهات، ومنهم من كان يطعن في نسب قوم منهم، ومنهم من يذكرهم باللؤم، ومنهم من يعيرهم بالجبن والبخل، وبأنواع الأهاجي التي يتهاجى بها الشعراء، وأساليبها معلومة، فنهاهم (عليه السلام) عن ذلك وقال: «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ولكن الأصوب أن تصفوا لهم أعمالهم وتذكروا حالهم... الخ»[37].
وبوسعنا الاستدلال بأحاديث ذم اللعّان على ما بيّناه من أنها تشير الى ما ذكرناه سابقاً من أن الأصل في تعامل الشريعة مع خط الكفر والنفاق والانحراف هو الدليل والبرهان; وإنّما اللعن هو بمثابة الوسيلة الرادعة التي يحتاجها كل كائن حي، وكل نظام اجتماعي للدفاع عن نفسه أدبياً واجتماعياً ضد من يتآمرون عليه في الخارج ويعرقلون مسيرته في الداخل.
وأغرب الكلام! ما تكلم به الغزالي في هذا الباب، حيث ادّعى أن: «في لعن الأشخاص خطر فليجتنب، ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس فضلاً عن غيره». ثم قال:
«وإنّما أوردنا هذا لتهاون الناس باللعنة وإطلاق اللسان بها، والمؤمن ليس بلعّان فلا ينبغي أن يطلق اللسان باللعنة إلاّ على من مات على الكفر، أو على الأجناس المعروفين بأوصافهم دون الأشخاص المعيّنين، فالاشتغال بذكر الله أولى، فإن لم يكن ففي السكوت سلامة»[38].
وفي كلامه مواقع للنظر اتّضحت مما سبق، فإن اللعن إذا كان فيه خطر على المجتمع كان على القرآن أن لا يأتي به، وعلى النبي(صلى الله عليه وآله)أن لا يمارسه و يطبقه، وكلام الغزالي هذا فيه نوع من الحزبية المقيتة، فلأجل الدفاع عن يزيد وتحريم لعنه، يلجأ إلى أقوال تنتهي إلى الردّ على الله وعلى الرسول(صلى الله عليه وآله)،من حيث لا يريد. والقرآن الكريم يلعن إبليس ولو لم تكن مصلحة إيمانية في ذلك لما وردت آيتان في لعنه، وأبرز مصلحة نستطيع إدراكها هي تكريس وتعميق حالة الإنزجار والتنفّر في النفوس من رمز الشرّ والباطل والانحراف، بما يساعد على الاستقامة ويجعل خطاً فاصلاً كبيراً بينها وبين الانحراف، ومع ذلك يدّعي الغزالي أن لا خطر في الإمساك عن لعن إبليس فضلاً عمن هو دونه، أليس كلامه هذا ينتهي إلى إلغاء حكمة القرآن؟! أما تهاون الناس في ذلك فهذا أمر آخر مردّه إلى جهل الناس، أو إلى سياسات الحكّام الجائرين الذين أجروا اللعن على أمير المؤمنين(عليه السلام) وشيعته على المنابر، أمثال معاوية ويزيد بن معاوية، والحكام الذين كانوا إذا أرادوا الإيقاع بأتباع أهل البيت(عليهم السلام) اتهموهم بسبّ الشيخين حتّى تسهل عليهم الوقيعة بهم كما سيأتي.
أمّا تفريقه بين لعن الأجناس ولعن الأشخاص فسيأتي ردّه والكلام فيه.
وأمّا قوله: بأنّ الاشتغال بذكر الله أولى وأن في السكوت سلامة، فمصادرة على المطلوب، فإنّ اللازم بيان حكم اللعن، فإن كان مطلوباً شرعاً فلا معنى لأن نقول: بأنّ في السكوت عنه سلامة، وإنْ لم يكن مطلوباً فاللازم حينئذ بيان عدم مشروعيته ، فكلامه أشبه بالمواعظ الوجدانية منه بالأحكام الفقهية.
موقف مدرسة الخلفاء من مسألة اللّعن
والحقيقة أن المسألة في أصلها ليست محلاًّ للخلاف بين المسلمين، إنّما وقع الخلاف بينهم فيها حينما اصطدم مفهوم اللعن بالمعنى الذي بيّناه مع قاعدة أساسية من قواعد مدرسة الخلفاء، وهي قاعدة عدالة كل من عاصر النبي(صلى الله عليه وآله) وصحبه وهو مؤمن به; ولخطورة هذه القاعدة وتقدمها عندهم على ما سواها، اضطر زعماء هذه المدرسة إلى تأويل كل ما خالفها من المفاهيم والأفكار، وحتّى الوقائع التاريخية البيّنة التي تشهد على بعض الصحابة بالفسق البيِّن، والمخالفات الصريحة التي ثبّتها القرآن الكريم على بعضهم، حاولوا التهرب منها بذرائع لا يوافقهم عليها أحد من العُقلاء، ومن المستبعد أن يكونوا هم أنفسهم مقتنعين بها، إلاّ أنهم لمّا سلكوا هذا الطريق، وسدّوا على أنفسهم سائر الطرق، وجدوا أنفسهم بحاجة إلى التشبث بكل كلمة يتصورون أنها تساعدهم على الخروج من اللوازم الفاسدة المترتبة عليه، رغم أن الأحرى بهم في مثل هذه الحالة، اتخاذ تلك اللوازم الباطلة دليلاً على بطلان تلك القاعدة.
ومفهوم اللعن من جملة ما عارض هذه القاعدة، فتوقفوا فيه جموداً منهم على تلك القاعدة التي ركبوا من أجل تحصينها وحراستها كل صعب وذلول، فمع أن قسماً كبيراً من صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله)قد ارتكب الأعمال التي وجّه القرآن الكريم اللعنة عليها، وأن الرسول(صلى الله عليه وآله)نفسه قد لعن بالعنوان بعض أصحابه، كما لعن بعضهم بالتعيين والتسمية، وأن هذا كله من قطعيات التاريخ التي لا سبيل إلى المناقشة فيها، إلاّ أن مدرسة الخلفاء ـ ورغم ذلك كلّه ـ آمنت:
1 ـ بأن الصحابة كلّهم عدول.
2 ـ إن ما وقع من بعضهم خلاف العدالة بالغاً ما بلغ لابد من حمله على وجه من الوجوه المناسبة كالاجتهاد ونحوه.
3 ـ إن الأخذ بمقتضى هذه المخالفات، وترتيب الأثر الشرعي والعقلي عليها، والامتناع عن حملها على محمل حسن، يؤدي إلى الطعن بمرتكبيها من الصحابة، وفتح باب اللعنة عليهم والتفسيق لهم.
4 ـ إن الطعن ببعض الصحابة ذنب عظيم، يؤدي إما إلى فسق الطاعن عليهم أو كفره[39].
وهذه نقاط بعضها مترتب على بعض، وكل واحدة منها أفحش في الخطأ والمغالطة من التي قبلها، وهي تعود جميعاً إلى سقم قاعدتهم الكلية القائلة بعدالة الصحابة; حتّى من ارتكب منهم مخالفات بيّنة قطعية، بل حتّى من شهد القرآن بفسقه!!
ومن هنا نشأ الخلاف بين المدرستين، مدرسة الخلفاء، ومدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في مسألة اللعن، حيث رأت مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)أن الناس في شرع الله سواسية، وأن من يرتكب الأعمال التيوردت في الكتاب والسنّة النبوية مقرونة باللعن والردع، تلحقه هذه النتيجة سواء كان صحابياً أم تابعياً أم من أهل القرون المتأخرة، خاصة وأن القرآن قد ثبّت على بعض الصحابة ذلك، وأدانهم به، وأن السنّة النبوية تضم شواهد عديدة على ذم بعض الصحابة ولعنهم والبراءة منهم، وإليك تفصيل ذلك:
موقف مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) من مسألة اللّعن
ولكي نفصّل القول في موقف مدرسة أهل البيت من مسألة اللعن تفصيلاً كافياً لابد لنا من تناولها ضمن المطالب التالية:
1 ـ الفصل بين اللعن والسبّ
اتّضح سابقاً أن اللعن ضرورة عقائدية يحتاجها المجتمع العقائدي الإسلامي لتحصين بنيته العقائدية من خصوم الإسلام الداخليين والخارجيين، ومن بعض أنماط السلوك الاجتماعي التي تهدد النظام الاجتماعي الإسلامي، بالخطر.
بينما السب ظاهرة أخلاقية منبوذة، ومفردة سلوكية مرفوضة، من وجهة نظر القرآن والسنّة النبوية وأئمة أهل البيت(عليهم السلام) .
2 ـ عدم صحّة نظرية عدالة كل الصحابة
ليس البحث هنا منعقداً لمناقشة نظرية عدالة كل الصحابة، والبحث فيها يتطلب مجالاً واسعاً بحدود كتاب أو عدّة كتب، لكننا بمقدار ارتباط بحثنا بهذه النظرية نجد ضرورة التطرق لها بالقدر المناسب.
فمن القواعد العقلية المقررة بين العقلاء أن المُدّعى يجب أن يكون بحجم الدليل، فإذا كان أكبر من الدليل أصبح ادعاءاً بلا دليل. وحينما يقاس حجم المدعى ينظر إليه مع كل ما يترتب عليه من اللوازم، ثم تتم المقايسة بينه وبين الدليل المفترض عليه.
وحينما نأتي إلى نظرية عدالة كل الصحابة نجدها تستلزم لوازم عقلية وشرعية كثيرة وكلّها غير صحيحة منها:
أ ـ إن الإيمان بعدالة الصحابة يستلزم الإيمان بأن سبب العدالة في الصحابي هو مجرد صحبته للرسول(صلى الله عليه وآله)، وليس عمل الصحابي، فما دام الصحابي قد صحب الرسول(صلى الله عليه وآله) فهو عادل وإن فعل ما فعل من المخالفات.
ب ـ إن مخالفات الصحابة لابد من حملها على وجوه مناسبة، وكلّما تعسّر الحمل وظهر التكلف ضعفت مصداقية الشريعة، فيما تتبناه من أحكام وتدعو إليه من قيم، فالحمل على أن الصحابة مجتهدون، للمخطئ منهم أجر وللمصيب أجران من شأنه أن يضعّف قيمة الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، فأي اجتهاد يسمح للصحابة بالتقاتل فيما بينهم؟ وأي فرق حينئذ بينهم وبين سائر البشر، ممّن يتقاتلون فيما بينهم؟ وهكذا فالحمل على كل وجه شرعي، من شأنه أن يضعّف موقع ذلك الوجه من الشريعة.
ج ـ إن تعديل الصحابة مناف لصريح القرآن الكريم، الدال على وجود منافقين وفاسقين ومؤذين لله وللرسول(صلى الله عليه وآله) من بين صحابته، كما سيأتي.
د ـ إن تعديل الصحابة مناف لصريح السنّة النبوية، الدالة على تبرّم النبي(صلى الله عليه وآله) وغضبه على بعض صحابته، كما سيأتي.
هـ ـ إن تعديل الصحابة مناف لمفهوم اللعن الوارد في القرآن الكريم، بخصوص حالات وردت بعضها في سيرة بعض الصحابة.
و ـ إن تعديل الصحابة مناف لقوانين الطبيعة البشرية في الميدان الاجتماعي، فالإنسان الذي كان قبل إيمانه بالرسول محارباً له، منغمساً في جاهليته بكل ما فيها من أدران وأوساخ كيف نتعقل الحكم بتعديله بمجرد تلفظه بالشهادتين وصحبته للرسول(صلى الله عليه وآله)؟ لا ننكر أن ذلك أمر ممكن، ولكن بالنسبة إلى أفراد دلّت الشواهد العملية منهم على تحقق العدالة فيهم فعلاً، وليس بالنسبة إلى المجتمع ككل، إذ أنّ الإمكان شيء والتحقق شيء آخر، فنظرية عدالة الصحابة لا تتحدث عن الإمكان، وإنّما تتحدث عن تحقق العدالة في كل الصحابة دون أن تنظر في سلوكهم، بل دون أن تقبل النظر في ذلك، ونستطيع أن نجزم بالقول بأن نظرية عدالة الصحابة تتعارض تعارضاً تاماً مع علوم التاريخ والاجتماع والنفس، التي لا تتقبل اصدار أحكام عامة جازمة بالمدح لطائفة من الناس، ثم تفسر سلوكهم بنحو متلائم مع هذه الأحكام، والشيء الذي تؤكد عليه طبيعة الحياة وهذه العلوم، أن الأحكام بالمدح أو الذم تابعة للأعمال. وليس الأعمال تابعة للأحكام، ولأجل تبعية الأحكام للأعمال، لابد وأن ننظر في عمل كل فرد فرد، ونصدّر بازاء كل واحد منهم ما يستحقه من الحكم بالمدح أو الذم، وقد جرى العقلاء على اصدار حكم عام بالمدح أو الذم على جماعة من الناس، بملاحظة الأعم الأغلب فيها، وقد أمضى القرآن الكريم هذه الطريقة، فأصدر أحكاماً من هذا النوع على بعض الجماعات، والمعروف في مثل هذه الحالات أن حكم الجماعة لا يلحق كل فرد فرد منها، فإذا قيل: الرجال أقوى من النساء، مثل هذا الحكم لا يعني أن كل فرد من الرجال أقوى من كل فرد من النساء، لأن هذا الحكم وأمثاله مبني على ملاحظة الأعم الأغلب وليس مبنياً على الاستقصاء، وإذا ادّعي الاستقصاء فيها كان الادعاء كاذباً لا محالة.
ونظرية عدالة الصحابة تصر على عدالة كل فرد منهم ولا تقبل بالبناء على الأعم الأغلب، وهذا أوضح وجه لبيان سقمها.
بعد بيان هذه الملاحظات على نظرية عدالة كل الصحابة من جهة، وملاحظة اصرار مدرسة الخلفاء على هذه النظرية من جهة ثانية، يحق للباحث المنصف أن يتساءل: من أجل أي دليل يجب علينا الإيمان بنظرية تستلزم ارتكاب كل هذه المفارقات واللوازم الباطلة؟ هل بلغ الدليل على هذه النظرية درجة من القوة والوضوح والتأكيد، بحيث أن ارتكاب هذه المفارقات واللوازم الباطلة أهون من الناحية المنطقية من القول بعدالة بعض الصحابة؟ وهل أن القول بعدالة بعض الصحابة لا جميعهم، تترتب عليه مخالفات ومفارقات أعظم من هذه، بحيث نضطر إلى القول بعدالة كل الصحابة؟
والحقيقة أننا حينما ننظر في ما يوردونه من الأدلة على نظرية عدالة كل الصحابة، نجدها مجموعة من الآيات والأحاديث التي لا تدل على هذا الادعاء، مثل آية: (والسابقون السابقون* اُولئك المقربون)[40] وآية: (محمّد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رُحماء بينهم تراهم...)[41] وآية: (لقد رضي الله عن المؤمنين...)[42].
وقول النبي(صلى الله عليه وآله): «خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»[43].
وواضح أن غاية ما تدل عليه هذه الأدلّة هو امتداح جيل الصحابة والثناء على ما بذلوه من جهود في نصرة الدين والرسول(صلى الله عليه وآله)، وهو شيء نسلّم به بالوجدان قبل القرآن، فإن صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله) ـ بما هم جماعة ـ كانوا يمثلون نواة المجتمع الإسلامي في الأرض، وبداية الانطلاقة الإسلامية في الحياة، وبالتالي فهم بالمقياس الإيماني أفضل من أي جماعة بشرية كانت في ذلك الزمان على وجه الأرض، ولكن هذا شيء والحكم بعدالة كل فرد منهم شيء آخر، وقد قلنا سابقاً أن الحكم على الجماعة لا يسري الى كل فرد فرد فيها، لأنه بلحاظ الأعم الأغلب، بينما إسراء الحكم إلى كل فرد يتطلب الاستقصاء من جهتين، جهة الأفراد، وجهة أعمال كل فرد طيلة حياته، حتّى يصح لنا أن نقول: إن أفراد هذه الجماعة كلهم عدول، والآيات المذكورة لا دلالة فيها على الاستقصاء لا من هذه الجهة ولا من تلك، بل إن الاستقصاء غير معقول فيها، لأن حياة الصحابة المخاطبين بها لم تتم بعد حتّى نقول: إنها تدل على عدالتهم، فربما ارتكبوا بعد هذا الخطاب أو بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) ، ما يخالف العدالة، وقد أخبرتنا آيات اُخرى أن الصحابة قد يقع من بعضهم الارتداد، وهو أعظم من منافيات العدالة، وقد وقع ذلك فعلاً. كما سيأتي.
وحيث يتعذر الاستقصاء نستطيع أن نقول: إن الآيات المذكورة ليست أنها لا تدل على عدالة الصحابة فحسب، بل إن هذه الدلالة ممتنعة في نفسها، فهي سالبة بانتفاء الموضوع، فليس هناك وجهان أحدهما: يدل على عدالة الصحابة، والآخر يدل على امتداحهما فقط فنختار أرجحهما بحسب القرائن والأدلة. وإنما هو وجه واحد في هذه الآيات، وهو دلالة هذه الآيات على امتداح الصحابة بما هم جيل ومجموعة، دون النظر إلى كل فرد فرد منهم، وهذا المعنى مصرّح به في نصوص أئمة أهل البيت وتراثهم الفكري، كما نرى في الفقرة التالية.
الفهرســــــــــت
[1] المفردات: 471.
[2] مجمع البحرين: 6/309 .
[3] النهاية: 4 / 255.
[4] الصحاح: 4/2196 .
[5] النهاية: 4 / 330.
[6] الصحاح: 1 / 144 .
[7] مجمع البحرين: 2/80.
[8] لسان العرب: 1/455 .
[9] المفردات: 225 .
[10] مجمع البحرين: 6/98 .
[11] لسان العرب: 12/318.
[12] الأنعام: 108.
[13] موسوعة أطراف الحديث النبوي / المجلد السادس: 594 ـ 606.
[14] نقله ابن جرير الطبري في أحداث سنة (11 هـ ) من تاريخه وليس فيه قطعاً، والملل والنحل للشهرستاني: 1/23 ط دار المعرفة تحقيق محمد كيلاني، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي: 6/52 .
[15] سورة ص: 78.
[16] الأحزاب: 64 .
[17] المائدة: 78.
[18] النور : 7.
[19] هود: 18.
[20] الأحزاب: 57.
[21] النور: 23.
[22] النساء: 93.
[23] التوبة: 68.
[24] محمّد: 22ـ 23.
[25] راجع موسوعة أطراف الحديث النبوي: 6 / 594 ـ 606 «مادة لعن».
[26] كنز العمال: 1 / 146 ح 720.
[27] المصدر السابق: 3: 615 ح 8178 .
[28] المحجة البيضاء: 5 / 222 ط جماعة المدرسين.
[29] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 11/21 ، 22، الخطبة 199 .
[30] الأحزاب : 64 .
[31] البقرة: 159
[32] سورة ص: 78.
[33] الأحزاب: 61.
[34] الممتحنة : 4 .
[35] النور: 6 ـ7 .
[36] النور: 23.
[37] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 11/22 ـ 23 ح 199 .
[38] احياء علوم الدين: 3/ 134 ـ 135 ط دار الفكر.
[39] الصواعق المحرقة: 375 ـ 389 ، ط دار الكتب العلمية.
[40] الواقعة : 10 ـ 11 .
[41] الفتح : 29 .
[42] الفتح : 18.
[43] الفتاوى الكبرى: 4/217.
3 ـ الاعتراف بفضل الصحابة بنحو الإجمال
يقول الإمام علي(عليه السلام) في صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله) :
«لقد رأيت أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله) فما أرى أحداً يُشبههم منكم، لقد كانوا يُصبحون شُعثاً غُبراً، وقد باتُوا سُجّداً وقياماً يراوحون بين جباهِهم وخُدودهم، ويقِفُون على مثل الجَمْر من ذكر معادهم، كأنّ بين أعينهم رُكَبَ المِعزى من طولِ سُجودِهم، إذا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ أعيُنُهم حتّى تَبُلَّ جُيوبهم، ومادوا كما يميدُ الشجرُ يوم الريحِ العاصف خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب»[1].
ويقول: «أين إخواني الّذين ركِبوا الطريق ومَضوا على الحقّ؟ أين عمّار، وأين ابن التَيِّهان، وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تَلَوُا القُرآن، فأحكمُوهُ، وتَدبَّروا الفرضَ فأقاموه، أحْيَوُا السُنّة وأماتُوا البدعة، دُعوا إلى الجهاد فأجابوا، ووثِقُوا بالقائد فاتّبعوه»[2].
ومن أدعية الإمام السجّاد زين العابدين عليّ بن الحسين(عليهما السلام)في الصحيفة المعروفة بـ (الصحيفة السجادية) التي يتعبّد بها أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، هذا الدعاء: «اللّهمّ وأتباع الرسل ومصدّقوهم من أهل الأرض بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب... اللّهمّ وأصحاب محمّد خاصّة، الّذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه ، وأسرعوا الى وفادته، وسابقوا الى دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته، وانتصروا به، ومن كانوا مُنطوين على محبّته، يرجون تجارة لن تبور في مودّته، والّذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظلّ قرابته، فلا تنسَ لهم اللّهمّ ما تركوا لك وفيك، وأرضِهم من رضوانك، ... واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم... اللّهمّ وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الّذين يقولون: (ربّنا اغْفِر لَنَا وَلإخوانِنا الّذين سَبَقُونا بالإيمان) خير جزائك...»[3].
وهذا المعنى محسوس في تراث فقهاء ومفكري مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) ، يقول أحد المعاصرين منهم وهو الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء : «لا أقول إن الآخرين من الصحابة ـ هم الأكثر الّذين لم يتّسموا بسمة الولاء لأهل البيت ـ قد خالفوا النبيّ ولم يأخذوا بإرشاده، كلاّ ومعاذ الله أن يُظنّ فيهم ذلكوهم خيرة من على وجه الأرض يومئذ، ولكن لعلّ تلك الكلمات لم يسمعها كلّهم، ومن سمع بعضها لم يلتفت إلى المقصود منها، وصحابة النبيّ الكرام أسمى من أن تُحلّق إلى أوج مقامهم بُغاث الأوهام»[4].
ويُضيف آل كاشف الغطاء بعد أن يذكر جملةً ممّا وقع بحقّ أهل البيت في عهود الخلافة المتتابعة، فيقول: «لا يذهبنّ عنك أ نّه ليس معنى هذا أ نّا نريد أن ننكر ما لاُولئك الخلفاء من الحسنات وبعض الخدمات للإسلام، التي لا يجحدها إلاّ مكابر، ولسنا بحمد الله من المكابرين، ولا سبّابين ولا شتّامين، بل ممّن يشكر الحسنة ويغضي عن السيئة، ويقول: تلك اُمّةٌ قد خَلَتْ، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وحسابهم على الله، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبعدله»[5].
هذا من حيث التفصيل، أ مّا الوصف الإجمالي للصحابة فقد أوجزه السيّد الشهيد محمد باقر الصدر بعبارة رائعة، فقال: «إنّ الصحابة بوصفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء اُمة رساليّة، حتّى أن تاريخ الإنسان لم يشهد جيلاً عقائديّاً أروع وأنبل وأطهر من الجيل الذي أنشأه الرسول القائد»[6].
4 ـ وثائق قرآنية ونبوية وتاريخية تشهد بسقوط العدالة عن بعض الصحابة.
وها نحن نسوقها بنحو من التفصيل:
فقد برزت ظاهرة النفاق بين صحابة الرسول في المدينة المنوّرة، وسجّلها القرآن الكريم بعبارات مريرة في اثنتي عشرة سورة من سوره، وخصص واحدة منها للتنديد بهم والتحذير منهم، وكشف خططهم وألاعيبهم، وبيان خصائصهم وصفاتهم السلوكية، ووردت الإشارة إليهم بكلمة النفاق أو المنافقين سبع وثلاثين مرة، ولا شك أن هؤلاء قد صحبوا النبي(صلى الله عليه وآله) ، وربّما كانوا قبل ذلك من المشاركين في بعض الغزوات، وربّما كان بعضهم صادقاً في إيمانه قبل حلول النفاق في قلبه. وفي الصحابة مَن لمز النبي(صلى الله عليه وآله) في الصدقات، ومنهم من آذاه وقال: (هواُذُنٌ) ومنهم من اتّخذوا مسجداً ضراراً وتفريقاً بين المؤمنين، ومنهم من كان في قلبه مرض ومنهم المعوقون، (ومنهم الذين اعتذروا في غزوة تبوك وكانوا بضعة وثمانين رجلاً)[7]، وحلفوا للنبي فقبل منهم علانيتهم، فنزل فيهم قوله تعالى: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجسٌ ومأواهم جهنم جزاءاً بما كانوا يكسبون * يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين)[8].
وفي هذه الغزوة همَّ أربعة عشر منافقاً أن يفتكوا برسول الله في ظلمات الليل عند عقبة هناك[9].
ولما انصرف النبيّ من هذه الغزوة إلى المدينة كان في الطريق ماء يخرج من وشل بوادي المشقق، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يسقين منه شيئاً حتّى نأتيه. فسبقه إليه نفر من المنافقين واستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول الله(صلى الله عليه وآله)! وقف عليه فلم ير فيه شيئاً، ولمّا علم النّبي بأمر المنافقين قال: أوَلم ننههم أن يستقوا منه شيئاً حتّى نأتيه. ثم لعنهم ودعا عليهم[10].
(ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اُذُنٌ... والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم)[11]. (إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مُهيناً)[12].
وفيهم المخادعون والذين يظهرون الإيمان وقد وصفهم الله تعالى بقوله:
(ومن الناس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين* يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون)[13].
(وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزءون)[14].
(ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّقن ولنكوننّ من الصّالحين* فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون* فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون)[15].
إنها قصة ثعلبة، ذلك الصحابي المعدم الذي سأل الرسول أن يدعو الله له حتّى يرزقه المال، فقال له الرسول: «ويحك يا ثعلبة، قليل تشكره خير من كثير لا تطيقه» فقال ثعلبة: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فيرزقني مالاً لأعطين كل ذي حقّ حقه. فقال الرسول: «اللهم ارزق ثعلبة مالاً»، فرزقه الله ونمّاه له، وعندما طلب منه الرسول زكاة أمواله بخل ثعلبة، معللاً بخله بأن هذه الزكاة جزية وامتنع عن دفعها ومات النبي(صلى الله عليه وآله) وثعلبة على قيد الحياة، فأرسل زكاة أمواله إلى أبي بكر فرفضها، وأرسلها إلى عمر فرفضها، وهلك ثعلبة في زمن عثمان[16].
وفيهم من قال القرآن فيه: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون* أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نُزلاً بما كانوا يعملون* وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلّما أرادوا أن يخرجوا منها اُعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون)[17].
المؤمن هو علي بن أبي طالب، والفاسق هو الوليد بن عقبة، وقد تولى الكوفة لعثمان، وتولى المدينة لمعاوية ولابنه يزيد[18].
ومنهم من قال الله تعالى فيه: (ومن أظلم ممّن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين)[19].
نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي سرح وهو والي عثمان على مصر، فهو الذي افترى على الله الكذب، وأباح الرسول دمه ولو تعلق بأستار الكعبة، كما يروي صاحب السيرة الحلبية الشافعي في باب فتح مكة، وجاء به عثمان يوم الفتح يطلب الأمان له كما يروي صاحب السيرة، وسكت الرسول على أمل أن يقتل خلال سكوته، كما أوضح رسول الله، ولما لم يقتل أعطاه الأمان[20].
وفيهم مَن قال: (اتّخذوا أيمانهم جنّة فصدّوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين)[21].
وفيهم مَن قال: (يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً* مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً)[22].
والكتاب العزيز يعلن بصراحة عن وجود طائفة تستمع إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولكن طبع الله على قلوبهم لأ نّهم اتّبعوا الهوى، فقال تعالى:
(ومنهم من يستمع إليك حتّى إذا خرجوا من عندك قالوا للّذين اُوتوا العلم ماذا قال آنفاً اُولئك الّذين طبع الله على قلوبهم واتّبعوا أهواءهم)[23].
كما أعلن تعالى لعن طائفة منهم وهم الذين في قلوبهم مرض والذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم، (اُولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم* أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)[24].
ومنهم ذو الثُّدَيَّة الذي كان من الصحابة المتنسكين وكان يعجب الناس تعبده واجتهاده، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إنه لرجل في وجهه لسفعة من الشيطان، وأرسل أبا بكر ليقتله، فلما رآه يصلي رجع، وأرسل عمر فلم يقتله، ثم أرسل علياً(عليه السلام) فلم يدركه[25]. وهو الذي ترأّس الخوارج، وقتله علي(عليه السلام) يوم النهروان[26].
كانت مجموعة من الصحابة يجتمعون في بيت أحدهم يثبطون الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فأمر من أحرق عليهم هذا البيت[27].
وممّن صحب النبي(صلى الله عليه وآله) قزمان بن الحرث، قاتل مع رسول الله في اُحد قتال الأبطال، فقال أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله): ما أجزأ عنا أحد كما أجزأ عنّا فلان، فقال النّبي: أما إنه من أهل النار، ولما أصابته الجراح وسقط قيل له: هنيئاً لك بالجنة يا أبا الغيداق، فقال: جنّة من حرمل!! والله ما قاتلنا إلاّ على الأحساب[28] !
ومنهم الذين اتّخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين، وقالوا: إنّهم بنوا هذا المسجد تقرّباً لله تعالى، وكانوا اثني عشر رجلاً من الصحابة المنافقين.
أخرج ابن حجر الهيثمي عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لألفينّ ما توزعت أحداً [29] منكم عند الحوض فأقول: هذا من أصحابي فيقول: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك[30].
وعن أبي الدرداء، قال: قلت: يا رسول الله بلغني أ نّك تقول:
إن أُناساً من اُ مّتي سيكفرون بعد إيمانهم، قال: أجل يا أبا الدرداء؟ ولست منهم[31].
وأخرج الإمام أحمد عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ليردّن الحوض عليّ رجال ممّن صحبني، ورآني، فإذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولنّ أصحابي، أصحابي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك[32].
وأخرج الإمام أحمد عن أنس بن مالك عن النبي(صلى الله عليه وآله)، قال: ليردّن الحوض عليّ رجال حتّى إذا رأيتهم رفعوا إليّ، فاختلجوا دوني فلأقولنّ: ياربّ: أصحابي، أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك[33]. وأخرج الإمام أحمد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: قام فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله)بموعظة، فقال: إنّكم محشورون إلى الله تعالى حُفاة، عُراة، عُزْلاً، (كما بدأنا أوّل خلق نُعيده وعداً علينا إنّا كنّا فاعلين).
فأوّل الخلائق يُكسى إبراهيم خليل الرحمن عزّ وجل، ثم يؤخذ بقوم منكم ذات الشمال.
قال ابن جعفر: وإنه سيُجاء برجال من اُمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا ربّ أصحابي قال: فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم) الآية، إلى (إنّك أنت العزيز الحكيم)[34].
5 ـ القرآن والسنّة يصرّحان بلعن بعض الصحابة
أما القرآن الكريم: فقد ذكرنا أن موارد اللعن في القرآن الكريم قد توزعت على أربعة محاور هي: عموم الكفار، خصوص أهل الكتاب، المنافقون، عوامل تهديد النظام الاجتماعي الإسلامي.
والمحور الأول والثاني خارجيان، والثالث والرابع داخليان، يعيشان داخل المجتمع الإسلامي، وحينما يصبّ القرآن الكريم لعنته على النفاق، فإنّما يلعن بذلك، أفراداً ممّن أسلم وصحب النبي(صلى الله عليه وآله) وصدق عليه مفهوم الصحبة، وكذلك الأمر في المحور الرابع وأبرز مورد قرآني في لعن بعض الصحابة، قوله تعالى: (وإذ قلنا لك ان ربّك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة المعلونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً)[35].
وذكر المفسرون أن الشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الحكم بن أبي العاص، والرؤيا هي رؤيا النبي(صلى الله عليه وآله) في المنام، أن ولد مروان بن الحكم يتداولون منبره[36].
أما لعن النبي(صلى الله عليه وآله) لبعض صحابته، فباب واسع فيه موارد عديدة أشهرها لعن الرسول للحكم، ولعن ما في صلبه حتى أ نّه، قال: ويل لاُ مّتي ممّا في صلب هذا[37].
ومن حديث عائشة أنها قالت لمروان: أشهد أن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه، فنفاه النبي إلى مرج قرب الطائف، وحرّم عليه أن يدخل المدينة، ولما مات رسول الله راجع عثمان أبا بكر ليدخله فرفض أبو بكر، ولما مات أبو بكر راجع عثمان عمر ليدخله المدينة فأبى عمر، ولما تولى عثمان الخلافة أدخله معزّزاً مكرّماً وأعطاه مائة ألف درهم، واتّخذ مروان ابنه بطانة له، وتسبب فيما بعد بقتل الخليفة وخراب الخلافة الراشدة .
وأخرج نصر بن مزاحم المنقري، عن عبدالغفار بن القاسم، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: أقبل أبو سفيان ومعه معاوية، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «اللهمّ العن التابع والمتبوع، اللهمّ عليك بالاُقيعس». فقال ابن البراء لأبيه: مَن الاُقيعس[38]؟ قال: معاوية؟[39].
وأخرج نصر، عن علي بن الأقمر في آخر حديثه، قال: فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب، ومعاوية وأخوه، أحدهما قائد والآخر سائق، فلمّا نظر إليهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) ،قال: «اللّهمّ العن القائد، والسائق، والراكب». قلنا:
أنت سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟! قال: نعم، وإلاّ فصُمَّتا اُذناي ، كما عُميتا عيناي[40].
وانظر إلى رسالة محمد بن أبي بكر التي وجهها لمعاوية، فقد جاء فيها: «وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم أخوه الشاري بنفسه يوم مؤته، وعمّه سيد الشهداء يوم اُحد، وأبوه الذابّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ،ونحن حوزته. وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله(صلى الله عليه وآله)الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك وعليه خلفته. ولم ينف معاوية لعنه ولا لعن أبيه مع أنه قد كتب رداً على هذه الرسالة[41].
وهذه الشواهد القرآنية والنبوية والتاريخية، تشهد بقاطعية لبطلان نظرية عدالة كل الصحابة. وتشهد أيضاً على أن الصحابة أنفسهم لم يكونوا ينظرون بمنظار العدالة لكل صحابي، كما في كلمة عائشة لمروان: أشهد أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعن أباك وأنت في صلبه. وتتأكد هذه النتيجة بملاحظة كلمتها الشهيرة بحق عثمان: اقتلوا نعثلاً فقد كفر[42].
6 ـ بطلان قاعدة الفرق بين النوع والشخص المعيّن
وتشهد هذه الشواهد أيضاً لبطلان قاعدة نسجها أبو حامد الغزالي وآخرون ممّن سلك مسلكه، في أنّ اللعن الجائز هو لعن الأنواع بأوصافهم، حيث كتب يقول: «إن اللعن الجائز هو لعن الأنواع بأوصافهم كقولك: لعنة الله على الكافرين والمبتدعين والظالمين وآكلي الربا... الخ. أما لعن الشخص المعين فهذا فيه خطر كقولك: زيد لعنه الله، وهو كافر أو فاسق أو مبتدع، والتفصيل فيه أن كل شخص ثبتت لعنته شرعاً فتجوز لعنته كقولك: فرعون لعنه الله، وأبو جهل لعنه الله، لأنه قد ثبت أن هؤلاء ماتوا على الكفر وعرف ذلك شرعاً.
وأما شخص بعينه في زماننا كقولك: زيد لعنه الله، وهو يهودي مثلاً فهذا فيه خطر فإنّه ربّما يسلم فيموت مقراً عند الله فكيف يحكم بكونه ملعوناً؟
فإن قلت: يلعن لكونه كافراً في الحال، كما يقال للمسلم: رحمه الله، لكونه مسلماً في الحال، وإن كان يتصور أن يرتد، فاعلم أن معنى قولنا: رحمه الله، أي ثبته الله على الإسلام الذي هو سبب الرحمة وعلى الطاعة، ولا يمكن أن يقال: ثبت الله الكافر على ما هو سبب اللعنة، فإن هذا سؤال للكفر وهو في نفسه كفر، بل الجائز أن يقال: لعنه الله إن مات على الكفر، ولا لعنه الله إن مات على الإسلام. وذلك غيب لا يدرى، والمطلق متردد بين الجهتين ففيه خطر، وليس في ترك اللعن خطر. وإذا عرفت هذا في الكافر فهو في زيد الفاسق أو زيد المبتدع أولى، فلعن الأعيان فيه خطر لأن الأعيان تتقلب في الأحوال إلاّ من أعلم به رسول الله(صلى الله عليه وآله) فإنّه يجوز أن يعلم من يموت على الكفر، ولذلك عين قوماً باللعن، فكان يقول في دعائه على قريش: «اللهمّ عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة»، وذكر جماعة قتلوا على الكفر، حتى أنّ من لم يعلم عاقبته كان يلعنه فنهى عنه، إذ روي: أنّه كان يلعن الذي قتلوا أصحاب بئر معونة في قنوته شهراً، فنزل قوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنّهم ظالمون) يعني أنهم ربّما يسلمون فمن أين تعلم أنهم ملعونون؟ وكذلك من بان لنا موته على الكفر جاز لعنه وجاز ذمّه إن لم يكن فيه أذى على مسلم، فإن كان لم يجز، كما روي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) سأل أبا بكر عن قبر مرّ به وهو يريد الطائف، فقال: هذا قبر رجل كان عاتياً على الله ورسوله وهو سعيد بن العاص، فغضب ابنه عمرو بن سعيد وقال: يا رسول الله هذا قبر رجل كان أطعم للطعام وأضرب للهام من أبي قحافة، فقال أبو بكر: يكلمني هذا يا رسول الله بمثل هذا الكلام؟ فقال(صلى الله عليه وآله): «اكفف عن أبي بكر» فانصرف ثم أقبل على أبي بكر فقال: «يا أبا بكر إذا ذكرتم الكفار فعمّموا فإنّكم إذا خصصتم غضب الأبناء للآباء» فكف الناس عن ذلك، وشرب نعمان الخمر فحدّ مرات في مجلس رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال بعض الصحابة: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به فقال(صلى الله عليه وآله): «لا تكن عوناً للشيطان على أخيك»، وفي رواية: «لا تقل هذا فإنّه يحب الله ورسوله»، فنهاه عن ذلك، وهذا يدل على أن لعن فاسق بعينه غير جائز. وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطر فليجتنب ، ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس مثلاً فضلاً عن غيره.
فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لأنّه قاتل الحسين أو أمر به؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلاً فلا يجوز أن يقال إنّه قتله أو أمر به ما لم يثبت، فضلاً عن اللعنة، لأنّه لا تجوز نسبة مسلم الى كبيرة من غير تحقيق. نعم، يجوز أن يقال قتل ابن ملجم عليّاً(عليه السلام) وقتل أبو لؤلؤة عمر ، فإن ذلك ثبت متواتراً. فلا يجوز أن يرمى مسلم بفسق أو كفر من غير تحقيق. قال(صلى الله عليه وآله): «لا يرمي رجل رجلاً بالكفر ولا يرميه بالفسق إلاّ ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» ، وقال(صلى الله عليه وآله): «ما شهد رجل على رجل بالكفر إلاّ باء به أحدهما، إن كان كافراً فهو كما قال، وإن لم يكن كافراً فقد كفر بتكفيره إيّاه»، وهذا معناه أن يكفره وهو يعلم أنه مسلم فإن ظن أنّه كافر ببدعة أو غيرها كان مخطئاً لا كافراً ، وقال معاذ: قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أنهاك أن تشتم مسلماً أو تعصي إماماً عادلاً، والتعرض للأموات أشدّ» قال مسروق: دخلت على عائشة فقالت: ما فعل فلان لعنه الله؟ قلت: توفي. قالت: رحمه الله، قلت: وكيف هذا؟ قالت: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لا تسبّوا الأموات فإنّهم قد أفضوا الى ما قدموا»، وقال(عليه السلام): «لا تسبّوا الأموات فتؤذوا به الأحياء»، وقال(عليه السلام): «أيها الناس احفظوني في أصحابي وإخواني وأصهاري ولا تسبّوهم، أيّها الناس إذا مات الميت فاذكروا منه خيراً».
فإن قيل; فهل يجوز أن يقال: قاتل الحسين لعنه الله؟ أو الآمر بقتله لعنه الله؟ قلنا: الصواب أن يقال: قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله، لأنّه يحتمل أن يموت بعد التوبة، فإن وحشيّاً قاتل حمزة عمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قتله وهو كافر، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعاً ولا يجوز أن يلعن، والقتل كبيرة ولا تنتهي الى رتبة الكفر، فإذا لم يقيّد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر وليس في السكوت خطر فهو أولى.
وإنّما أوردنا هذا لتهاون الناس باللعنة وإطلاق اللسان بها. والمؤمن ليس بلعّان فلا ينبغي أن يطلق باللعنة إلاّ على من مات على الكفر، أو على الأجناس المعروفين بأوصافهم دون الأشخاص المعينين فالاشتغال بذكر الله أولى فإن لم يكن ففي السكوت سلامة»[43].
وكتب ابن تيمية مؤيداً ذلك :
«وقد ثبت في صحيح البخاري ما معناه أن رجلاً يلقب خمّاراً وكان يشرب الخمر، وكان كلما شرب أُتي به إلى النبي(صلى الله عليه وآله) جلده، فاُتي به إليه مرة فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي(صلى الله عليه وآله)، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله. وكل مؤمن يحب الله ورسوله، ومن لم يحب الله ورسوله فليس بمؤمن، وإن كانوا متفاضلين في الإيمان، وما يدخل فيه من حب وغيره، هذا مع أنه(صلى الله عليه وآله) لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها، وقد نهى عن لعنة هذا المعيّن لأن اللعنة من باب الوعيد، فيحكم به عموماً، وأما المعين فقد يرتفع عنه الوعيد لتوبة صحيحة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، أو غير ذلك من الأسباب التي ضررها يرفع العقوبة عن المذنب»[44].
ونقل عنه قوله: «وحقيقة الأمر في ذلك، أن القول قد يكون كفراً فيطلق القول تكفير ]بتكفير [قائله، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعيّن الذي قاله لا يكفّر حتّى تقوم عليه الحجّة التي يكفّر تاركها من تعريف الحكم الشرعي من سلطان أو أمير مطاع.
كما هو المنصوص عليه في كتب الأحكام، فإذا عرّفه الحكم وزالت عنه الجهالة قامت عليه الحجّة، وهذا كما هو في نصوص الوعيد من الكتاب والسنّة، وهي كثيرة جداً والقول بموجبها واجب على وجه العموم والإطلاق، من غير أن يعيّن شخصاً من الأشخاص، فيقال: هذا كافر، أو فاسق، أو ملعون، أو مغضوب عليه، أو مستحق للنار، لا سيّما إن كان للشخص فضائل وحسنات، فإنّ ما سوى الأنبياء يجوز عليهم الصغائر والكبائر، مع إمكان أن يكون ذلك الشخص صدّيقاً ، أو شهيداً ، أو صالحاً، كما قد بسط في غير هذا الموضع، من أن موجب الذنوب تتخلف عنه بتوبة، أو باستغفار، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، أو لمحض مشيئة الله ورحمته.
فإذا قلنا بموجب قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمّداً)[45] الآية وقوله: (إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)[46]. وقوله: (ومن يَعصِ الله ورسوله ويتعدّ حدوده)[47]. الآية وقوله: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)[48] إلى قوله: (ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً)[49]، الآية، إلى غير ذلك من آيات الوعيد، قلنا بموجب قوله(صلى الله عليه وآله): «لعن الله من شرب الخمر»[50]، أو «من عقّ والديه»[51] أو «من غيّر منار الأرض»[52]، أو «من ذبح لغير الله»[53]، أو «لعن الله السارق»[54]، أو «لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه»[55]، أو «لعن الله لاوي الصدقة والمتعدي فيها»[56]، أو «من أحدث في المدينة حدثاً، أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»[57]، إلى غير ذلك من أحاديث الوعيد، ولم يجز أن تعين شخصاً ممن فعل بعض هذه الأفعال، وتقول: هذا المعيّن قد أصابه هذا الوعيد، لإمكان التوبة وغيره من مسقطات العقوبة، إلى أن قال: «ففعل هذه الاُمور ممن يحسب أنها مباحة باجتهاد أو تقليد ونحو ذلك، وغايته أنه معذور من لحوق الوعيد به لمانع، كما امتنع لحوق الوعيد بهم لتوبة، أوحسنات ماحية، أو مصائب مكفّرة، أوغير ذلك، وهذه السبيل هي التي يجب اتّباعها، فإنّ ما سواها طريقان خبيثان، أحدهما: القول بلحوق الوعيد بكل فرد من الأفراد بعينه، ودعوى أنها عمل بموجب النصوص، وهذا أقبح من قول الخوارج المكفّرين بالذنوب، والمعتزلة وغيرهم، وفساده معلوم بالاضطرار، وأدلته معلومة في غير هذا الموضع، فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعيّن الذي فعله لا يُشهد عليه بالوعيد، فلا يُشهد على معيّن من أهل القبلة بالنار لفوات شرط، أو لحصول مانع، وهكذا الأقوال الذي يكفر قائلها، قد يكون القائل لها لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من معرفتها وفهمها، أو قد عرضت له شبهات يعذره الله به، فمن كان مؤمناً باللهوبرسوله مُظهراً للإسلام محباً لله ورسوله، فإنّ الله يغفر له ولو قارف بعض الذنوب القولية أو العملية، سواء اُطلق عليه لفظ الشرك أو لفظ المعاصي، هذا الذي عليه أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)وجماهير أئمة الإسلام، لكن المقصود أنّ مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بالفرق بين النوع والعين»[58]
وهذا الكلام إنّما سقناه بطوله وعرضه لشدّة هذه الشبهة، وغموض الحقّ فيها غموضاً كبيراً. وبامكاننا استجلاء الحقيقة، من خلال بيان ملاحظات ترد على هذه القاعدة من جهات متعدّدة، هي:
أـ إن اللعن ليس إخباراً عن حال الملعون، حتى يرد عليه بأن الفرد الذي جرت عليه اللعنة قد يتوب ويستغفر، وقد تدركه الرحمة الإلهية. وإنّما هو ـ كما مرّ ـ دعاء بطرد ذلك الفرد من رحمة الله سبحانه وتعالى ، وقد يستجيب الله سبحانه وتعالى له وقد لا يستجيب، وقد يتوب ذلك الفرد ويصبح من الصالحين فيما بعد، وقد لا يتوب، فالله يعمل بمقاييسه ، والمؤمن يعمل بتكاليفه، فإذا رأى فرداً ارتكب عملاً من الأعمال التي جرت عليها اللعنة في الكتاب والسنّة النبوية، وجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبه الثلاث بيده أو بلسانه أو بقلبه، واللعنة من جملة المرتبة اللسانية والقلبية ، فإن استطاع إبرازها وإظهارها واعلانها فهي من المرتبة اللسانية، وان لم يستطع ذلك فهي من المرتبة القلبية.
وليس في هذه اللعنة ما يسلتزم كشفاً وإخباراً عن حال الفرد الملعون عند الله سبحانه وتعالى، كما هو واضح، إلاّ إذا جرت اللعنة على شخص معيّن من قبل الله سبحانه وتعالى في كتابه، أو من قبل رسوله(صلى الله عليه وآله) في كلامه، فمثل هذه اللعنة تنطوي على جنبة إخبارية تكشف عن حال ذلك الشخص عند الله سبحانه وتعالى، وقاعدة الفرق بين لعن النوع ولعن الفرد المعين جاءت نتيجة الخلط بين لعن المؤمن لشخص معين، وبين لعن الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) له، فإنّ لعن المعين من قبل الناس لا ينطوي على جنبة إخبارية، بخلاف لعنه من قبل الله ورسوله، وما نحن فيه لعن الناس له الخالي عن أي جنبة إخبارية اُخروية، فلا وجه لقول الغزالي عن لعن المؤمن لليهوديّ، بأن: «في هذا خطر فإنّه ربّما يسلم فيموت مقرّاً عند الله فكيف يحكم بكونه ملعوناً»، فإن معنى اطلاق اللعنة عليه أن الله سبحانه قد أجاز لعنته بحسب حالته الحاضرة، ويبقى الحكم عليه بكونه ملعوناً عند الله أم لا متروكاً للباري سبحانه وتعالى، بحسب ما عنده من الموازين الكلية واللحاظات المتكاملة، ولا خطر في ذلك بل ربّما كان الخطر في خلافه عندما يضعف في المؤمن حسّ الانتماء للحق وروحية الاستنكار للباطل، وهذا هو وجه الخطر في ترك اللعن الذي أنكره الغزالي.
ب ـ إنّ آية : (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون)[59] التي قيل إنّها نزلت في لعن النبي(صلى الله عليه وآله) قاتلي أصحاب بئر معونة في صلاته شهراً كاملاً، ليس فيها ما يدلّ على نهي الله للنبي عن هذا اللعن، وغاية ما تدل عليه أن الدعاء باللعن ليس ملاكاً في عاقبة أصحاب الباطل، فربّما يتوب الله عليهم وربّما يعاقبهم، وهذا لا يستلزم النهي عن لعنهم، كما فسّرها الغزالي.
ج ـ وهذا ينسجم تمام الانسجام مع حادثة شارب الخمر، الذي أجرى الرسول(صلى الله عليه وآله) عليه الحد مرّات عديدة ونهى عن لعنه[60] ، فقد يكون ذلك النهي لأجل علم خاص عند النبي(صلى الله عليه وآله)بحسن عاقبة ذلك الشخص في المستقبل وعند الله سبحانه وتعالى، فنهى النبي(صلى الله عليه وآله)أصحابه عن لعنه، اشارة منه الى أن دعائهم عليه سوف لا يستجاب، وأ نّهم يدعون على شخص له عاقبة حميدة، فيكون هذا الحديث من قبيل الحكم في واقعة خاصة بصاحبها ولا يشمل غيره، وتفسيره بذاك الوجه دون هذا ترجيح بلا مرجّح، فكلاهما محتمل، التفسير بالنهي عن لعن المعين، والتفسير بكون النهي هنا حكماً في واقعة، وقد قيل : إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، هذا إذا كانت قاعدة التفريق بين لعن الأنواع ولعن الأشخاص صحيحة، أما إذا تم إبطالها ولم يثبت لها دليل ـ كما هو الصحيح ـ يصبح الحق منحصراً بالتفسير الثاني فقط، لا محالة حينئذ. ولا تصل النوبة الى الترجيح.
د ـ وقد نوافقه على أن في لعن الأشخاص خطر، ولكن لا نوافق على أن مقتضى هذا الخطر اجتناب اللعن، وإنّما مقتضاه التحفظ الشديد فيمن تجري عليه اللعنة، فلا يُلعن إلاّ من يُقطع باستحقاقه ذلك استحاقاً خالياً من كل شائبة.
هـ ـ ولا نوافقه على عدم وجود الخطر في السكوت عن لعن إبليس فضلاً عن غيره، لأنّ اللعن وسيلة أدبية وثقافية يمكن للمجتمع من خلالها أن يحصّن نفسه عن مسارب الانحراف، ويردع بها عن نفسه معاول التهديم والتخريب الداخلي، والسكوت عن اللعن يعني القضاء على وسيلة من وسائل المناعة الذاتية التي تضمن للمجتمع سلامته واستقامته، ولذا لعن الله سبحانه وتعالى في كتابه أشخاصاً معينين مثل إبليس، والشجرة الملعونة التي هي الحكم بن أبي العاص وابناؤه .
و ـ وفي كلام الغزالي عن لعن قاتلي الحسين(عليه السلام)، بأن: «الصواب أن يقال: قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله ، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة...» إقرار بجواز لعن الأشخاص من المسلمين، لعدم مدخلية التوبة في مسألة اللعن ، لأن جرمه معلوم مشهود، فهو الآمر بقتل الحسين(عليه السلام) والمتشفّي به، ولم تُعلم له توبة، وإذا كان ذلك قد حصل منه فقبول توبته أمر مجهول عندنا، والمهم أن يزيد في حسابات الغزالي ليس ممّن مات على الكفر ، فكيف أجاز لعنه مع ما حكم به من عدم جواز اللعنة إلاّ على من مات على الكفر؟
ز ـ وأما كلام ابن تيمية بعدم جواز «أن تعيّن شخصاً ممّن فعل بعض هذه الأفعال وتقول هذا المعيّن قد أصابه هذا الوعيد، لإمكان التوبة وغيره من مسقطات العقوبة». فإنّه إذا كان بلحاظ وعيد الله في الآخرة وما سيكون عليه حال الأفراد في يوم القيامة فهو صحيح ولا اشكال فيه، إذ أن أحداً من الناس لا يستطيع أن يقطع بما سيكون عليه حال الأشخاص في يوم القيامة لخفاء حقائق الاُمور وخفايا النفوس علينا.
وإذا كان بلحاظ الآثار الدنيوية المترتبة على أعمالهم المرفوضة شرعاً، فهي مما لا يمكن القول بها فضلاً عن تطبيقها، لوضوح أن الردّة والنفاق وبعض موارد الفسق تترتب عليها آثار جزائية شرعية، كوجوب قتل المرتد، فإذا عملنا بهذه القاعدة وتوقفنا عن إلحاق الوعيد الجزائي الشرعي بالأشخاص، ولم يجز لنا أن نشير إلى شخص معيّن، ونقول: إنّه مرتد أو فاسق أو ملعون، لا نستطيع أن نطبق الأحكام الجزائية الإسلامية المترتبة على هذه العناوين، والدليل على ذلك من عمل الخليفة الاُول، فإنّه لو لم يشخص جماعة بأعيانها قد ارتدّوا عن الدين فبأي مبرر جاز له مقاتلتهم؟
فعمل الخليفة الأول أوضح ردّ من داخل مدرسة الخلفاء على بطلان قاعدة التفريق بين النوع والشخص في الوعيد، ومن الواضح أن إجراء الآثار الجزائية وغيرها على المرتد والفاسق والمنافق إنّما هو بلحاظ ظاهر الحال، ولا نستطيع أن نتّخذ منه دليلاً على سوء العاقبة في الآخرة، فللآخرة حساباتها التي هي خافية علينا، والوعيد الاُخروي بهؤلاء الأشخاص لا طريق عندنا إليه سوى إخبار الله والرسول عنه، كما اتّضح آنفاً.
ومن الواضح أيضاً أن إجراء هذه الآثار الدنيوية يحتاج إلى تثبّت شديد، لأن الحكم على المسلم بالكفر أو النفاق أو الفسق أمر عظيم لا يستهان به، كما اتفقت على ذلك كلمة المذاهب الإسلامية قاطبة، سوى الشاذ النادر منهم كالخوارج، والنتيجة أن القاعدة المذكورة إذا كانت بلحاظ الآخرة فهي صحيحة باستثناء من أخبر الله والرسول بلحوق الوعيد بهم بأشخاصهم. وإذا كانت بلحاظ الآثار الدنيوية فهي غير صحيحة، ولا يمكن القول بها، نعم تثبيت هذه الآثار الشرعية على الأفراد بأعيانهم يحتاج إلى شروط إثباتية كافية، وإلى تشدّد في إحراز من هو المصداق الحقيقي للكفر والردّة والنفاق والفسق، وأن لا يكون الأمر على نحو من الهرج والمرج.
ط ـ ومما يشهد على بطلان هذه القاعدة الآثار التاريخية الدالة على أن الصحابة كانوا يخاطبون أشخاصاً بأعيانهم، ويشيرون إليهم بكفر أو نفاق، كخبر عائشة في مروان وأبيه[61]، وكلامها الذي ذكره الغزالي آنفاً، وكلامها بحق عثمان[62]، والكلام المعروف لأبي سعيد الخدري، أنه قال: إنّا كنّا لنعرف المنافقين ـ نحن معاشر الأنصار ـ ببغضهم علي بن أبي طالب[63]، فهو كلام يتناول أشخاصاً معينين في ضمير المتكلم، ويطلق عليهم وصف النفاق فرداً فرداً.
ح ـ وردّ ابن عقيل العلوي على الغزالي بقوله:
قلت: كيف حمل ابن المنير والغزالي ومن تبعهما نهي النبي(صلى الله عليه وآله)أصحابه عن لعن حمّار المحب لله ولرسوله على منع التعيين، والنهي في الحديث معلل بمحبة الله ورسوله، واقع بعد إقامة الحد، ولا يفهم للتعيين وعدمه معنى من متن الحديث، مع أن عمل النبي(صلى الله عليه وآله)وعمل كثير من أصحابه وكثير من أكابر السلف بعدهم في مواطن كثيرة يخالف ما حملا عليه الحديث.
وأقوى حجة في مشروعية لعن المسلم المعيّن كتاب الله تعالى، حيث قال في يمين الملاعن: (والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين)[64] وقد حلّف النبي(صلى الله عليه وآله) الملاعن مكرراً، وجعل ذلك شرعة باقية في اُمّة محمد(صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة، والتعيين هنا بضمير المتكلم أقوى من التعيين بالإسم العَلَم، كما هو مذكور في محله من كتب العربية، ولم يقل أحد من الاُمّة أصلاً بكفر الكاذب من المتلاعنين، حتّى يوجه قول الغزالي ومن تبعه أن اللعن بالتعيين لا يجوز إلاّ على الكافر، وقد لعن النبي(صلى الله عليه وآله) أشخاصاً سماهم وماتوا على الإسلام، كأبي سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن العاص، وأبي الأعور السلمي، والحكم بن أبي العاص، وابنه مروان وغيرهم، ولعن كثير من أجلّة الصحابة اُناساً سموهم باسمائهم، كمعاوية، وعمرو بن العاص، وحبيب وعبدالرحمن بن خالد، والضحاك بن يزيد، وبسر بن أرطأة، والوليد وزياد، والحجاج بن يوسف، وغيرهم ممّن يعسر عدّهم وسردهم، وقد لعن حسان بن ثابت هنداً بنت عتبة، وزوجها أبا سفيان، وهو إذ ذاك يكافح عن النبي(صلى الله عليه وآله) بأمره ولم ينكر عليه بل أقره عليه. قال من أبيات له:
لَعَنَ الإلهُ وزَوجَها معها***هند الهنود عظيمةَ...![65]
وقد لعن عمر بن الخطاب خالد بن الوليد، حين قتل مالك بن نويرة[66].
ولعن علي(عليه السلام) عبدالله بن الزبير يوم قُتل عثمان، إذ لم يدافع عنه[67].
وقد لعن عبدالله بن عمر ابنه بلالاً ثلاثاً ، كما ذكره ابن عبدالبر، قال: عن عبدالله بن هبيرة السبائي، قال: حدثنا بلال بن عبدالله بن عمر أن أباه عبدالله بن عمر، قال يوماً: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد» فقلت: أما أنا فسأمنع أهلي فمن شاء فليسرح أهله، فالتفت إليّ وقال: لعنك الله لعنك الله لعنك الله! تسمعني أقول إن رسول الله(صلى الله عليه وآله)أمر أن لا يمنعن وقام مغضباً[68].
وصح عن الإمام مالك;أنه قال: لعن الله عمرو بن عبيد ـ يعني الزاهد المشهور ـ وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله سمعت أبا حنيفة، يقول: لعن الله عمرو بن عبيد.
ونقل ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى، باسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل، قال: قلت لأبي: إن قوماً ينسبونا إلى تولي يزيد، فقال: يا بنيوهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله، ولم لا نلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال: في قوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم* اُولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)[69] فهل يكون فساد أعظم من هذا القتل، وفي رواية: يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه[70].
ونقل البخاري في خلق أفعال العباد، قال: قال وكيع: على بشر المرّيسي لعنة الله، يهودي أو نصراني، قال له رجل: كان أبوه أو جده نصرانياً، قال وكيع: عليه وعلى أصحابه لعنة الله[71].
وقد لعن بكر بن حماد، والقاضي أبو الطيب، وأبو المظفر الاسفرائيني وكثير غيرهم، عمران ابن حطان في ردّهم المشهور على أبياته التي امتدح بها أشقى الآخرين ابن ملجم لعنه الله[72].
ولعن يحيى بن معين الحسين بن علي الكرابيسي الشافعي البغدادي، كما ذكره في تهذيب التهذيب[73] ، وما زال اللعن فاشياً بين المسلمين إذا عرفوا من الإنسان معصية تقتضي لعنه. وإذا تتبعت كتب الحديث والسير والتاريخ وجدتها مشحونة بذلك، ولهذا أقول لطالب التحقيق لا يهولنك ما تظافر هؤلاء عليه من منع التعيين، مع أنه قد ورد عن نبيّهم وكثير من أصحابه، ومن أكابر السلف ما يخالفه، فليفرخ روعك فإن الهدى هدى محمد وأصحابه»[74].
[1] نهج البلاغة ـ صبحي الصالح: 91.
[2] نهج البلاغة ـ صبحي الصالح: 264 خطبة 182.
[3] الصحيفة السجّادية ـ الدعاء رقم 4، «الصلاة على أتباع الرسُل ومصدّقيهم».
[4] أصل الشيعة واُصولها: 84 ـ 85.
[5]المصدر السابق: 94.
[6] بحث حول الولاية: 11 / 48 ـ المجموعة الكاملة.
[7] فتح الباري : 8/113 ، باب 79 ، ح 4418.
[8] التوبة: 95 ـ 96 .
[9] دلائل النبوّة: 5/256، 262.
[10] تاريخ الطبري : 2/186، ذكر خبر عن غزوة تبوك / حوادث سنة 9 من الهجرة.
[11] التوبة: 61.
[12] الأحزاب: 57، راجع تفسير الماوردي: 4/422 تفسير الآية.
[13] البقرة: 8 ـ 9، راجع الجامع لأحكام القرآن: 1/192 ـ 197، تفسير الآيتين.
[14] البقرة: 14، راجع تفسير البيضاوي: 1/175 ـ 177، تفسير الآية.
[15] التوبة: 75 ـ 77.
[16] راجع على سبيل المثال تفسير فتح القدير للشوكاني علي بن محمد: 2 / 185 وتفسير ابن كثير لإسماعيل بن كثير الدمشقي : 2 / 373. وتفسير الخازن لعلاء الدين علي بن إبراهيم البغدادي: 2 / 125. وتفسير البغوي محمد ابن الحسن بن مسعود الفرا: 2/125 بهامش تفسير الخازن. وتفسير الطبري لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري: 6/ 131.
[17] السجدة: 18 ـ 20 .
[18] تفسير الطبري: 21 / 107 والكشاف للزمخشري: 3 / 514 وفتح القدير للشوكاني: 4/225 وتفسير ابن كثير: 3/462 وأسباب النزول للواحدي: 200، وأسباب النزول للسيوطي مطبوع بهامش تفسير الجلالين: 550، وأحكام القرآن لابن عربي: 3/1489 وشرح النهج لابن أبي الحديد: 4/80 و 6/292 والدر المنثور للسيوطي: 5/178، وزاد المسير لابن الجوزي الحنبلي: 6/340، وأنساب الأشراف للبلاذري: 2/148 ح 150، وتفسير الخازن: 3/470 و 5/ 187، ومعالم التنزيل للبغوي الشافعي بهامش الخازن: 5/187، والسيرة الحلبية للحلبي الشافعي: 2/85، وتخريج الكشاف لابن حجر العسقلاني مطبوع بذيل الكشاف: 3/514، والانتصاف في ما تضمنه الكشاف بذيل الكشاف: 3/244.
[19] الصف: 7.
[20] راجع السيرة الحلبية باب فتح مكة.
[21] المجادلة: 16، راجع تفسير الخازن: 4/262 تفسير الآية، ط دار الكتب العلمية.
[22] النساء: 142 ـ 143، راجع تفسير المراغي: 2/186 ـ 188، تفسير الآيتين، ط دار الفكر.
[23] سورة محمد(صلى الله عليه وآله): 16، راجع صفوة التفاسير: 3/209 ـ 210، تفسير الآية، ط دار القلم.
[24] سورة محمد(صلى الله عليه وآله): 23 ـ 24، راجع صفوة التفاسير: 3 / 211 ـ 212، تفسير الآيتين، ط دار القلم.
[25] راجع الإصابة في تمييز الصحابة: 1/484 ، رقم 2446، فتح الباري: 6/617 ، ح 3610، بلفظ آخر.
[26] السيرة النبويّة لابن حبّان: 546، ومروج الذهب: 2/ 425 ، الكامل في التاريخ: 3/348، البداية والنهاية: 7/32.
[27] راجع سيرة ابن هشام: 3/235.
[28] الإصابة: 3/235.
[29] في رواية أحدكم «كذا في هامش مجمع الزوائد»: 3/367.
[30] مجمع الزوائد: 9/367.
[31] المصدر السابق.
[32] مسند الإمام أحمد: 5/50 الطبعة الاُولى.
[33] مسند الإمام أحمد: 3/281.
[34] مسند الإمام أحمد : 1/235 .
[35] الإسراء: 60.
[36] التفسير الكبير: 20/237، الجامع لأحكام القرآن: 10/281 ـ 286، تفسير الآية 60 من سورة الإسراء، روح المعاني، الآلوسي: 15/105 ـ 107، تفسير الآية 60 من سورة الإسراء.
[37] المصدر السابق. وقد جعل الفخر الرازي هذا الخبر عن عائشة دليلاً على صحة تفسير الشجرة الملعونة بالحكم وذريته.
انظر كذلك: المستدرك على الصحيحين للحاكم: 4/481 وصححه، الصواعق المحرقة: 179 ط المحمدية وص108 ط الميمنية بمصر، تطهير الجنان مطبوع ملحقاً للصواعق: 63 ط المحمدية وبهامشها: 144 ط الميمنية، الدر المنثور للسيوطي: 4/191 و 6/41، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي: 1/172، سير أعلام النبلاء: 2/80، اُسد الغابة لابن الأثير: 2/34، الاستيعاب لابن عبد البر، بذيل الإصابة : 1/317 . ط مصر و ج 1 ص 318 والسيرة الحلبية : 1/317، السيرة النبوية لزيني دحلان بهامش السيرة الحلبية: 1/225 و 226 ، الغدير للأميني : 8/245.
[38] قعس ومنه حديث الاُخدود «فتقاعست أن تقع فيها» تقعّس: أي تأخر ومنه حديث الزبرقان «أبغض صبياننا إلينا الاقيعس الذكر» هو تصغير الأقعس. النهاية في غريب الحديث والأثر: 4/87 ـ 88.
[39] وقعة صفين: 217، تحقيق وشرح الاستاذ عبدالسلام محمد هارون طبع مصر.
[40] وقعة صفين: 220 طبعة مصر.
[41] مروج الذهب: 3/14 ـ 16.
[42] راجع تاريخ الطبري: 4/459، الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري الشافعي: 3/206، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي: 61 و 64، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1/49 وفيه (فجر) بدل (كفر) ط مصطفى محمد بمصر، السيرة الحلبية لعلي برهان الدين الحلبي الشافعي: 3/286 ط المطبعة البهية بمصر سنة 1320 هـ ، ونقله العسكري في كتاب أحاديث أم المؤمنين عائشة ق 1 ص 105 عن: كتاب تاريخ ابن أعثم: 155 ط بمبي فراجع، النهاية لابن الجزري الشافعي: 5/80 تحقيق محمود محمد الطناحي ط دار إحياء التراث العربي في بيروت، تاج العروس من شرح القاموس للزبيدي الحنفي: 8/141، لسان العرب لابن منظور: 14/193، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/77 اُفست بيروت على ط 1 بمصر و 6/215 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و 2/408 ط مكتبة الحياة في بيروت و2/121 ط دار الفكر.
[43] احياء علوم الدين: 3/133 ـ 135 ط دار الفكر.
[44] الفتاوى الكبرى: 4/220 .
[45] النساء: 93.
[46] النساء: 10.
[47] النساء: 14.
[48] البقرة: 188.
[49] النساء: 30.
[50] مجمع الزوائد: 4/90، وفيه أنه(صلى الله عليه وآله): «لعن الله الخمر وعاصرها وشاربها وساقيها...».
[51] مسند أحمد: 1/317.
[52] السنن الكبرى للنسائي: 3/67.
[53] المستدرك على الصحيحين: 4/153.
[54] صحيح البخاري: 8/15.
[55] صحيح مسلم: 5/50 وفيه «لعن الله آكل الرباوموكله وكاتبه وشاهديه».
[56] مسند أحمد: 1/464 ـ 465.
[57] صحيح البخاري: 4/69 وفيه «المدينة حرام ما بين عاير إلى كذا فمن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
[58] الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية، سليمان بن عبدالوهاب: 86 ـ 88 تحقيق دار الهداية.
[59] آل عمران: 128.
[60] صحيح البخاري: 8/14، ط دار الفكر.
[61] اسد الغابة لابن الأثير: 2/35 ، باب حرف الحاء والكاف، التفسير الكبير للرازي: 20/237 تفسير آية 60 من سورة الإسراء.
[62] الكامل في التاريخ : 3/105 ، قالت: اقتلوا نعثلاً فقد كفر، تاريخ الطبري : 3/12، حوادث سنة 36 هـ .
[63] سنن الترمذي : 5/593 ، كتاب المناقب باب 20 مناقب علي(عليه السلام)، ح 3717.
[64] النور : 7 .
[65] الديوان: 1/384 طبع دار صادر.
[66] الطبري: 3/241، بألفاظه المختلفة، وفي بعضها: «.. وشتم محمد بن طلحة ولعن عبدالله بن الزبير»، الكامل في التاريخ: 3/358 ـ 359، شرح النهج: 1/179
[67] مروج الذهب: 2/54.
[68] جامع بيان العلم وفضله: 16/414 ح 45174.
[69] محمد: 22 ـ 23.
[70] نقله ابن حجر في تطهير الجنان واللسان: 50.
[71] خلق أفعال العباد: 20 و (بشر) في الأصل زائدة كما في المصدر (يهودياً أو نصرانياً).
[72] نور الأبصار للشبلنجـي: 199. الأبيات لبكر بن حسّان قال في مطلعها:
قل لابن ملجم والأقدار غالبة***هدمت للدين والإسلام أركاناً
[73] تهذيب التهذيب: 2/360 رقم 608.
[74] النصائح الكافية: 33 ـ 36 ط مؤسسة الفجر.
يتبع
التعديل الأخير تم بواسطة ابو غدير الساعدي ; 09-05-2011 الساعة 02:35 AM.
7 ـ اللّعن لا يؤدي باللاعن إلى الكفر
تشدّد فقهاء المسلمين في باب التكفير بين أهل القبلة، ولم يجيزوه إلاّ وفق شروط خاصة، وفي نطاق ضيق جداً، لخطورة الآثار الشرعية المترتبة عليه، وتشدّدت السنّة النبوية المطهرة فيه. واشتهار الأمر وذيوعه يغنينا عن التفصيل فيه، وإيراد شواهد من كلمات الفقهاء والمتكلمين فيه.
والذي يهمّنا في هذا الباب أن نذكر أن من الشروط المعروفة في التكفير، أن لا يكون العمل الذي يُدان به الشخص بالكفر ناشئاً عن اجتهاد خاطئ، فإن المجتهد معذور فيما أدّى إليه اجتهاده، ولا سبيل لمجتهد على مجتهد آخر.
وهذا ما ينطبق على باب اللعن، فمن أدى اجتهاده ومذهبه الى جواز لعن بعض الصحابة، بل حسن ذلك ورجحانه لا يمكننا الحكم عليه بكفر أو فسق، حتى وإن كان اللعن موجباً لذلك من حيث الأصل ، فالاجتهاد من جملة ما يدرأ به ذلك الحكم المفترض.
وفيما يلي ندوّن مقتطفات من آراء الشيخ ابن تيمية والشيخ ابن قيم الجوزية في هذا المضمار، نقلها عنهما الشيخ سليمان بن عبدالوهاب ـ الأخ الشقيق للشيخ محمد بن عبدالوهاب مؤسس الوهابية ـ في كتابه الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابية. فقد كتب يقول:
«وعلى تقدير هذه الاُمور التي تزعمون أنها كفر، أعني النذر وما معه. فهنا أصل آخر من اُصول أهل السنّة مجمعون عليه، كما ذكره الشيخ تقي الدين وابن القيّم عنهم، وهو أن الجاهل والمخطئ من هذه الاُمّة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً، أنه يعذر بالجهل والخطأ حتّى تتبين له الحجّة الذي يكفر تاركها بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله، أو ينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعاً جلياً قطعياً يعرفه كل (واحد) من المسلمين من غير نظر وتأمّل[1].
ونقل عن ابن القيّم قوله: «وكفر الجحود نوعان: كفر مطلق عام وكفر مقيّد خاص، فالمطلق أن يجحد جملة ما أنزل الله ورسالة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والخاص المقيّد أن يجحد فرضاً من فروض الإسلام، أو محرّماً من محرّماته، أو صفة وصف الله بها نفسه، أو خبراً أخبر الله به، عمداً أو تقديماً لقول من خالفه عالماً عمداً لغرض من الأغراض، وأما ذلك جهلاً أو تأويلاً يعذر فيه فلا يُكفّر صاحبه لما في الصحيحين والسنن والمسانيد عن أبي هريرة، قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله): قال رجل لم يعمل خيراً قط لأهله ـ وفي رواية: أسرف رجل على نفسه ـ فلما حضر أوصى بنيه إذا مات فحرّقوه ثم ذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لأن قدر الله عليه ليعذبنّه عذاباً ما عذّب به أحداً من العالمين، فلما مات فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت تعلم، فغفر له.
فهذا منكر لقدرة الله عليه، ومنكر للبعث والمعاد، مع هذا غفر الله له وعذره بجهله، لأنّ ذلك مبلغ علمه لم ينكر ذلك عناداً، وهذا فصل النزاع في بطلان قول من يقول: «إن الله لا يعذر العباد بالجهل في سقوط العذاب إذا كان ذلك مبلغ علمه»[2].
ونقل عن ابن تيمية، أنه يقول:
ومن البدع المنكرة، تكفير الطائفة وغيرها من طوائف المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم، وهذا عظيم، لوجهين:
أحدهما: أن تلك الطائفة الاُخرى قد لا يكون فيها من البدعة أعظم ممّا في الطائفة المكفِّرة لها، بل قد تكون بدعة الطائفة المكفِّرة لها أعظم من بدعة الطائفة المكفَّرة، وقد تكون نحوها وقد تكون دونها، وهذا حال عامّة أهل البدع والأهواء الذين يكفّرون بعضهم بعضاً، وهؤلاء من الذين قال الله فيهم: (إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء)[3].
الثاني: أنه لو فرض أن إحدى الطائفتين مختصة بالبدعة والاُخرى موافقة للسنّة، لم يكن لهذه السنّة أن تكفّر كل من قال قولاً أخطأ فيه، فإنّ الله تعالى قال: (ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)[4] وثبت في الصحيح عن النبي أن الله تعالى: «قال: قد فعلت» وقال تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم)[5].
وروي عن النبي[6] أنه قال: «إن الله تجاوز لاُ مّتي عن الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه» وهو حديث حسن ورواه ابن ماجة وغيره، وقد أجمع الصحابة والتابعون لهم باحسان وسائر أئمة المسلمين، على أنه ليس كل من قال قولاً أخطأ فيه أنه يكفّر بذلك، ولو كان قوله مخالفاً للسنّة، ولكن للناس نزاع في مسائل التكفير قد بسطت في غير هذا الموضع[7].
ونقل عنه أيضاً قوله:
«إني اُقرر أن الله قد غفر لهذه الاُمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية والمسائل العلمية، ومازال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد منهم معيّن لأجل ذلك لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية، كما أنكر شريح قراءة: (بل عجبت ويسخرون)[8]، وقال: «ان الله لا يعجب»، إلى أن قال: «وقد آل النزاع بين السلف إلى الاقتتال مع اتفاق أهل السنّة على أن الطائفتين جميعاً مؤمنتان، وأنّ القتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم، لأن المقاتل وإن كان باغياً فهو متأول، والتأويل يمنع الفسق، وكنت اُبيّن لهم أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين، وهذه أول مسألة تنازعت فيها الاُمّة من مسائل الاُصول الكبار، وهي مسألة الوعيد، فإنّ نصوص الوعيد في القرآن مطلقة عامة، كقوله تعالى: (إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً)[9] الآية، وكذلك سائر ما ورد مَن فعل كذا فله كذا، أو فهو كذا، فإنّ هذه النصوص مطلقة عامة، وهي بمنزلة من قال من السلف من قال كذا فهو كافر»، إلى أن قال: «والتكفير يكون من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول(صلى الله عليه وآله)، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر، أو وجب تأويلها وإن كان مخطئاً، وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال لأهله: «إذا أنا متّ فأحرقوني» الحديث، فهذا رجل شك في قدرة الله وفي اعادته إذا ذرّي، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك، والمتأوّل من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول(صلى الله عليه وآله) أولى بالمغفرة من مثل هذا»[10].
ونقل أيضاً أن ابن تيمية قد سُئل عن رَجُلَيْن تكلما في مسألة التكفير، فأجاب وأطال وقال في آخر الجواب: «لو فرض أن رجلاً دفع التكفير عمّن يعتقد أنه ليس بكافر حماية له ونصراً لأخيه المسلم، لكان هذا غرضاً شرعياً حسناً، وهو إذا اجتهد في ذلك فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فيه فأخطأ فله أجر»[11].
وهذه المقتطفات من آراء مؤسسي السلفية الحديثة تغني عن سرد آراء سائر الفقهاء، وإن كنّا لا نعدم وجود من شطحت به عصبيته، وافتى بتكفير من سبّ الصحابة، فسبب بذلك الويلات على من اُتهم بذلك كما سنرى في النقطة التالية.
8 ـ المنشأ السياسي لتكفير من اُتهم بسبّ الصحابة
وأروع بيان في هذا المضمار ما كتبه الاُستاذ الشيخ أسد حيدر، إذ كتب يقول[12]:
«إن تهمة سب الصحابة قد استفحل داؤها فعز علاجه، ونفذ حكمها فعظم نقضه، وسرت تلك الدعاية في مجتمع تسوده عاطفة عمياء وعصبية هوجاء، وقد وقفت الحقيقة أمام ذلك الوضع المؤلم مكتوفة اليد، وأسدلت دونها أبراد التمويه، واُحيطت بأنواع الحواجز واُقيمت في طريق الوصول إليها آلاف من العقبات وسلاح القوة فوق ذلك، إذ السلطة قررت نظام انطباق الكفر والزندقة على المعارضين لسياستها، ولم يمكنهم تحقيقه إلاّ باتهام سبّ الصحابة، أو أبي بكر وعمر بصورة خاصة. وإذا حاول المفكرون أن يقفوا على حقيقة الأمر والواقع أخذوا بتلك التهمة وشملهم ذلك النظام الجائر. فكانت الحكومة إذا أرادت أن تعاقب شيعياً لمذهبه لم تذكر اسم عليّ بل تجعل سبب العقوبة أنه شتم أبابكر وعمر. قاله في المنتظم، وقال ابن الأثير في حوادث ( سنة 407 هـ ): وفي هذه السنة قتلت الشيعة في جميع بلاد افريقيا وجعل سبب ذلك اتهامهم بسب الشيخين[13].
وما أكثر تلك الفظائع السود والأعمال الوحشية التي وقعت طبقاً لنظام السياسة، ولا علاقة لها بنظام الإسلام الذي يقضي على مرتكبها بالخروج منه.
وإن المسألة مكشوفة لا تحتاج إلى مزيد بيان لشرح الأسباب التي أدت إلى حدوث تلك الحوادث المؤلمة، وارتكاب تلك الجرائم الفادحة، ومعاملة شيعة أهل البيت بتلك المعاملة القاسية.
وليس هناك من شك بأن استقلال الشيعة الروحي، وعدم اعترافهم بشرعية سلطان لا يحترم نواميس الدين، ولا يلتزم بأوامر الشرع جعلهم خصوماً للسلطة. فكانت مشكلة التشيع من أعظم المشاكل التي تواجهها الدولة.
فلقيت الشيعة بسبب خصومتها للدولةومعارضتها لحكام الجور انتكاسات في سبيل نشر الدعوة، كما لقيت انتصارات إذ لم تكن تلك الانتكاسات لتعود بهم القهقري، أو تلقي بهم في نطاق الفشل الضيق، واليأس من المضي في سبيل إظهار عقيدتهم، فقد كان لهم من الحيوية ورسوخ العقيدة ما ساعدهم على المضي في استرجاع مكانتهم في التاريخ، لحمل رسالة يلزمهم أداؤها ويجب عليهم مواصلة الكفاح لتحقيقها تلك هي رسالة الإسلام، تحت ظلال دعوة أهل البيت(عليهم السلام).
فكان لهم الأثر العظيم في نشر الوعي الإسلامي وإطلاق الفكر من عقال الجمود.
وعلى أي حال، فإن أعداءهم لم يجدوا حلاً لهذه المشكلة، إلاّ بأن يلصقوا بهم تُهماً يتلقاها المجتمع بالقبول، فتوسعوا في التهم واتّخذوا مرتزقة لتحقيق ذلك الغرض، فقالوا: إن الشيعة تكفّر جميع أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله) ويطعنون عليهم، وبذلك يتوجه الطعن على النبي(صلى الله عليه وآله) وأنهم يرمون اُمهات المؤمنين وغير ذلك.
ووضعوا قاعدة قررها علماء السوء وهي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله)فاعلم أنه زنديق. وذلك أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) حق والقرآن حق، وإنّما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإنّما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة والجرح بهم أولى وهم زنادقة[14].
وحكموا على من اتّهم بسبّ الشيخين بالكفر، فلا يغسّل ولا يصلّى عليه، ولا تنفعه شهادة أن لا إله إلاّ الله، ويدفع بالخشب حتّى يوارى في حفرته[15].
وأنه إذا تاب لا تقبل توبته بل يجب قتله[16]. وقال بعضهم بحرمة ذبيحته وحرمة تزويجه. ومن هذا وذاك سرت فكرة كفر الشيعة، لأن الدولة قضت بنظامها القضاء عليهم، وأن يسندوا ذلك إلى الشرع ـ وحاشاه من ذلك ـ ولكن السياسة عمياء، والحق لا قيمة له عند علماء السوء الذين اندفعوا لمؤازرة السلطة وإغواء العامة.
ونود هنا أن نشير لنبذة من بحث للإمام كاشف الغطاء حول ذكر الفروق الجوهرية بين الطائفتين[17].
قال ـ بعد ذكر الاختلاف في الخلافة ـ : «وقد لا يدخل هذا في المعصية أيضاً ولا يوجب فسقاً إذا كان ناشئاً عن اجتهاد واعتقاد وإن كان خطأ، فإن من المتسالم عليه عند الجميع في باب الاجتهاد أن للمخطئ أجراً وللمصيب أجرين. وقد صحح علماء السنّة الحروب التي وقعت بين الصحابة في الصدر الأول، كحرب الجمل وصفين وغيرهما، بأن طلحة والزبير ومعاوية اجتهدوا وإن أخطأوا في اجتهادهم، ولكن لا يقدح ذلك في عدالتهم وعظيم مكانتهم. وإذا كان الاجتهاد يبرر ولا يستنكر قتل آلاف النفوس وإراقة دمائهم، فبالأولى أن يبرر ولا يستنكر معه (أي مع الاجتهاد) تجاوز بعض المتطرفين على تلك المقامات المحترمة.
وليس في وسعنا نقل كلمات علماء الشيعة حول هذه النقطة المهمة التي لها أثرها العظيم في تكدير صفو الاُخوة الإسلامية، فأصبحت طريقاً لأعداء الدين يدخلون فيه لأغراضهم، ثم أضاف يقول:
إن فكرة اتهام الشيعة بسب الصحابة وتكفيرهم، كونتها السياسة الغاشمة، وتعاهد تركيزها اُناس مرتزقة باعوا ضمائرهم بثمن بخس وتمرغوا على أعتاب الظَلَمة، يتقربون إليهم بذم الشيعة. وقد استغلّ أعداء الدين هذه الفرصة فوسعوا دائرة الإنشقاق لينالوا أغراضهم، ويشفوا صدورهم من الإسلام وأهله، وراح المهرجون يتحمسون لإثارة الفتن وإيقاد نار البغضاء بين المسلمين بدون تدبّر وتثبت، وقد ملئت قلوبهم غيظاً.
وبحكم السياسة وتحكمها أصبحت الشيعة وهي ترمى بكل عظيمة وتهاجم بهجمات عنيفة، واندفع ذوو الأطماع يعرضون ولاءهم للدولة في تأييد ذلك النظام والاعتراف به، وأ نّه قد أصبح جزءاً من حياة الاُ مّة العقلية وهم يخادعون أنفسهم.
ولم يفتحوا باب النقاش العلمي وحرموا الناس حرية القول، وأرغموهم على الاعتراف بكفر الشيعة والابتعاد عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، ولو سألهم سائل عن الحقيقة وطلب منهم أن يوضحوا لهم ذلك، فليس له جواب إلاّ شمول ذلك النظام له، ونحن نسائلهم:
1 ـ أين هذه الاُ مّة التي تكفر جميع الصحابة ويتبرأون منهم؟
2 ـ أين هذه الاُ مّة التي تدّعي لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) منزلة الربوبية؟
3 ـ أين هذه الاُ مّة التي أخذت تعاليمها من المجوس فمزجتها في عقائدها؟
4 ـ أين هذه الاُمّة التي حرفت القرآن وادّعت نقصه؟
5 ـ أين هذه الاُمّة التي ابتدعت مذاهب خارجة عن الإسلام؟
إنهم لا يستطيعون الجواب على ذلك، لأن الدولة قررت هذه الإتهامات فلا يمكنهم مخالفتها. ولا يمكن إقناعهم بلغة العلم. وما أقرب الطريق إلى معرفة الحقيقة لو كان هناك صبابة من تفكير وبقايا من حب الاستطلاع وخوف من الله وحماية الدين.
أليس التشيع مبدأ يشمل عدداً وافراً من أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله)وهم من البدريين وأهل بيعة الرضوان؟ ممّن والى علياً(عليه السلام) ويرى أحقيته بالخلافة.
أليس من الشيعة علماء اعترف الكل بعلو منزلتهم وغزارة علمهم، واحتاج الناس إليهم، وهم من شيوخ كبار العلماء ورجال الصحاح كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، والبخاري وغيرهم، وقد خرّج أصحاب الصحاح لعدد وافر من رجال الشيعة، يربو عددهم على ثلاثمائة رجل، ولا يسع المقام لنشر أسمائهم فنتركهم لفرصة اُخرى[18] .
أليس من الشيعة رجال حملوا رسالة الإسلام وتحملوا المصاعب في أدائها، ومنهم حملة فقه، لولاهم لضاع الفقه وذهبت تعاليم الإسلام، وإن للشيعة يداً في المحافظة على التراث الإسلامي وصيانته عن تلاعب السياسة». ثم يقول:
«لم نسهب في بيان الموضوع عبثاً واستطراداً، ولم نقصد به خوض بحث لا علاقة له بموضوع الكتاب، بل الواقع أن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي يجب أن نتطرق إليها في هذا الكتاب الذي أقدمنا عليه لبيان مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
وإن أهم مشكلة تقف أمام الباحث هي مسألة اتهام الشيعة بسبّ الصحابة أو تكفيرهم. وقد بيّنا مراراً أن ذلك يعود إلى عوامل سياسية لا صلة لها بالواقع، لأن اسم الشيعة ارتبط بآل محمد(صلى الله عليه وآله)وهم أنصارهم وآل محمد هم الشجى المعترض في حلق اُولئك الحكام، الذين استبدّوا بالحكم وجاروا على الاُمّة، فكان من دواعي السياسة أن تطبع في قلوب الناس طابع البغض للجانب الذي ينافسهم ويعارضهم، أو من لا يؤازرهم، وهو يقف موقف المعارضة لأعمالهم.
وهل من شك في معارضة الشيعة وعدم مؤازرتهم الدولة، وأنهم لا يعترفون بشرعيتها في تلك العصور، لأنهم لا يتنازلون عن الاعتقاد بأحقية أهل البيت للخلافة، لما طبعوا عليه من صفاء النفس والتضحية في سبيل المصلحة العامة، وهم أولى الناس بالأمر وأعدلهم بالحكم. لذلك نرى أن تهريج نظام الحكم على من اتّهم بسبّ الصحابة يهدف إلى عقاب الشيعة فقط. أما غيرهم فلا يشمله هذا الحكم ولو كان ملحداً ! كما مرّ بيانه.
وقد تسرع المخدوعون بالظواهر إلى الاعتراف به، وقاموا بتنفيذه، فحكموا على الشيعة بالفسق مرّة، وبالكفر اُخرى، وليتهم حدّدوا لذلك حداً حتّى يعرف الناس كيفية المؤاخذة، ولكنهم وسّعوا الدائرة واختلفت الصور، كما وأنهم قرروا عدم قبول توبة المتهم بسبّ الصحابة، أو الشيخين بصورة خاصة، وقرروا انطباق الآراء الفردية على مجموع الاُمّة. من دون تثبت في الحكم وتورع في الموضوع.
ولهذا فإن المرتزقة، من العلماء الذين أصبحوا مصدراً للفتوى، وحكاماً للسلطة التشريعية، قد أخذوا على عاتقهم مسؤولية إغواء العامة وحملهم على خلاف الحق، فكانوا دعاة فرقة وأئمة ضلال، فحكموا على الشيعة بالأخص ـ من دون بيان لمستند الحكم ودليل للفتوى ـ ، بأن قتالهم (أي الشيعة) جهاد أكبر، ومن قتل في حربهم فهو شهيد. ويقول في خاتمة الفتوى: ومن شك في كفرهم ـ أي الشيعة ـ كان كافراً . وآخر يقول ـ كما في الخلاصة ـ : الرافضي إذا كان يسبّ الشيخين ويلعنهما، فهو كافر، وإن كان يفضل علياً عليهما، فهو مبتدع[19].
وهكذا زيّنوا للناس حب الوقيعة بعضهم ببعض، وأباحوا قتل المسلم بيد أخيه المسلم، بدون تثبت في الحكم ووقوف أمام حرمة ذلك، وليس غرضهم إلاّ إرضاء السلطة وإن غضب الله عليهم.
ولا حاجة بنا إلى نقل عبارات تعبر عن عقلية قائليها ومقدار إدراكهم للواقع فلا نطيل الوقوف على تلك الخرافات والأباطيل، فلنسدل الستار عنها. ولابد لنا أن نلحظ نقطتين:
الاُولى: هل الطعن على مجموع الصحابة موجب لهذه الأحكام القاسية، أم أن هناك فرقاً وتمييزاً؟ فإن كان هذا الحكم على كل من طعن صحابياً أو وصفه بصفة لا تليق به، فلماذا لم يحكموا على من طعن على عدد كثير من الصحابة ووصفهم بما لا يليق بهم؟ وهم من كبار الصحابة وأعيانهم، لأنهم أنكروا على عثمان أوضاع بني اُمية الشاذة ومسايرته لهم، أو خالفوا معاوية ابن أبي سفيان. أليس من الطعن والتنقيص وصفهم للصحابة: بأنهم أجلاف أخلاط من الناس، لا شك أنهم مفسدون في الأرض بغاة على الإمام[20].
ويقول ابن تيمية: بأنهم خوارج مفسدون في الأرض إلى أن يقول: ولم يقتله ـ أي عثمان ـ إلاّ طائفة قليلة باغية ظالمة. وأما الساعون في قتله فكلهم مخطئون بل ظالمون باغون معتدون[21].
ويقول ابن حجر في وصف المعترضين عليه: إن المجتهد لا يعترض عليه في اُموره الاجتهادية، لكن اُولئك الملاعين المعترضون لا فهم لهم بل ولا عقل[22].
وقد قرروا في بحث العدالة أن الصحابة عدول إلى وقوع الفتن. أما بعد ذلك فلابد من البحث عمّن ليس ظاهر العدالة، هذا هو أحد الأقوال[23].
ولا نريد التعرض لجميع الأقوال التي وصفوا بها الصحابة الذين اشتركوا في معارضة عثمان، وحرّضوا الناس عليه.
الثانية: إن الشيعة لا تتكتّم في بغض من عادى علياً، فإن مبغض علي منافق بنص الحديث الشريف: «يا عليّ لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق» وإن المنافقين لفي الدرك الأسفل من النار، وقد ثبت أن بعض من وسموا بالصحبة كانوا يبغضون علياً(عليه السلام) ويسبّونه. وقد اشتهر ذلك عنهم:
فالله يشهد إنا لا نحبهم***لله لانختشي في ذاك من غضبا
وبدون شك أن معاوية وحزبه كانت تتجلى بهم صفة البغض لعليّ وأهل البيت أجمع، وقد قابلوه بالعداء وأعلنوا الحرب عليه.
كما أعلن معاوية وجعله سنّة، وتتبع أنصارهم من الصحابة والتابعين، فأذاقهم أنواع الأذى والمحن، وجرعهم الغصص وقتلهم تحت كل حجر ومدر بما لا حاجة إلى بيانه; على أن أعماله لا يمكن السكوت عنها، ولا طريق إلى حملها على وجه صحيح.
وليس من الإنصاف، أن يقال: إن معاوية مجتهد متأوّل، وقد عطل الحدود، وأبطل الشهود، وقتل النفس المحرمة. وسبى نساء المسلمين، وعرضهم في الأسواق، فيكشف عن سوقهن، فأيتهن كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها[24] ، إلى كثير من تلك الفظائع والفجائع.
وهذا أبو الغادية الجهني، كان من الصحابة، وممّن سمع النبي(صلى الله عليه وآله)، وروى عنه، وهو أحد رواة حديث: «يا عمار تقتلك الفئة الباغية». وهو الذي قتل عمار بن ياسر رضوان الله عليه. وقد أنكر الناس عليه ارتكابه لهذه الجريمة، واعترف هو على نفسه بأنه من أهل النار، وكان يقول: والله لو أن عماراً قتله أهل الأرض لدخلوا النار[25].
فكيف يتهم بالخروج عن الدين من تبرّأ من هذا المجرم الذي اعترف على نفسه بأنه عدو الله، ولكن بعض المحدثين تأوّلوا له ذلك، وأنه مجتهد أخطأ ويلزم حسن الظن بالصحابة[26].
ونحن لا نعرف هذا المنطق الذي يقضي بطرح الأحكام، وهجر الكتاب في جانب حسن الظن بالصحابة والسكوت عما ارتكبوه.
وهل يسوغ لنا السكوت عن أعمال بسر وموبقاته؟ إذ وسم بالصحبة أيضاً، وهو قائد جيش معاوية. وقد ارتكب جرائم لم يشهد التاريخ مثلها فظاعة، حتّى أنكرت النساء عليه عندما دخل اليمن، وقتل الشيوخ والأطفال وسبى النساء، فقالت له امرأة من كندة: يا ابن ارطأة إن سلطاناً لا يقوم إلاّ بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام إنه لسلطان سوء[27].
فكيف يسوغ لنا السكوت عن أعمال بسر، ونصم أسماعنا عن صوت ثكلى تردد نغماتها موجات الحق، وترفع ظلامتها إلى رجال العدل، وتدعو هائمة مذهولة؟!
يا من أحس بابنيّ اللّذين هما***كالدرّتين تشظّى عنهما الصدفُ
يا من أحس بابنيّ اللّذين هما***سمعيوعقلي فعقلي اليوم مختطفُ
من دلّ والدةً حيرى مدلّهةً***على صبيّين ذلاّ إذ غدا السلفُ
نُبئت بسراً وما صدّقت مازعموا***من إفكهم ومن الإثم الذي اقترفوا
أحنى على ودجي ابنيّ مرهفة***مشحوذة وكذاك الإثم يُقترفُ
فهذا صوت يبعث في القلب شجى، وفي العين قذى، يصدر من اُم والهة ـ وهي زوجة عبيد الله بن العباس ـ فقدت ولديها وهما قثم وعبدالرحمن. أخذهما بسر بن أرطأة وهما صغيرين، فذبحهما بين يدي اُ مّهما، فهامت على وجهها مذهولة، فكانت تأتي الموسم وتنشد هذا الشعر وتهيم على وجهها[28].
إذاً ، فليس من الحق أن يؤاخذ المسلم عندما يغضب لسماع صوتها وينسب الظلم لمن قتل ولديها فيرمى بالزندقة والإلحاد، لأنه طعن على معاوية، إذ القتل بأمره وهو صحابي، وله في ذلك اجتهاد مقبول أو تأويل صحيح، إذاً ليجري معاوية في ميدان الحياة وليفعل ما شاءت له نفسه، فقد ضربت الصحبة عليه حصانة لا يمكن مؤاخذته فليأمن من كل خطر وليسفك الدماء، وليقتل على الظنّة والتهمة، فقد انهارت الحواجز كلّها في وجهه واندكت العقبات أمامه، فلا تشمله تلك النظم والأحكام التي قرّرها الشارع المقدس، وفيها سعادة البشر ونظام الحياة، لأنه صحابيوله حرية التصرف في الأحكام.
ولو كان له ذلك لما أنكر الصحابة عمله، وفي طليعتهم الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري، فقد أعلن للملأ انحراف سيرة معاوية ومخالفته لنظم الدين.
وقد أنكرت عائشة على معاوية قتله لحجر وأصحابه وغضبت عليه ومنعته من الدخول عليها ولم تقبل بأعذاره، إذ قال: إن في قتلهم صلاحاً للاُ مّة، وفي مقامهم فساداً للاُ مّة، فقالت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله): سيقتل بعذراء اناس يغضب الله لهم وأهل السماء»[29].
خلاصة البحث
إن اللعن مفهوم يختلف عن السبّ والشتم لغوياً وشرعياً، وإن اللعن ضرورة عقائدية تساوق مفهوم الولاء لأولياء الله والعداء لأعداء الله. وإن القرآن الكريم قد استعمله بحق أهل الكتاب تارة، وبحق عموم الكفار تارة اُخرى، وبحق المنافقين ثالثة، وبحق أفراد من المسلمين ارتكبوا مخالفات شرعية كبرى رابعة، وأن النبي(صلى الله عليه وآله) قد مارسه في المورد الرابع الخاص بالمسلمين أكثر من سائر الموارد، وإن الصحابة لهم في ذلك آثار مروية في التاريخ، وأن اللعن يجري على الأنواع والأشخاص معاً، وأن أتباع أهل البيت(عليهم السلام)لا يلعنون جميع الصحابة كما اُ تّهموا بذلك وإنّما يلعنون من لعنه الله والرسول(صلى الله عليه وآله)، وإن اللعن بحق شخص معيّن إذا كان ناشئاً عن اجتهاد فهو لا يدخل في باب المعصية فضلاً عن أن يؤدي إلى الكفر، وإن تكفير الشيعة بتهمة سبّ الصحابة ظاهرة لا أساس لها من الشرعية في الإسلام، وإنّما جرى عليه بعض فقهاء السلاطين ليتزلّفوا به إلى الحكّام وليوقعوا الفتنة بين المسلمين.
الفهرســــــــــت
[1] الصواعق الإلهية: 33 تحقيق دار الهداية.
[2] الصواعق الإلهية : 85.
[3] الأنعام: 159.
[4] البقرة: 286 .
[5] الأحزاب: 5.
[6] الصواعق الإلهية : 85 تحقيق دار الهداية.
[7] الصواعق الإلهية: 80 ـ 81.
[8] الصافات: 12.
[9] النساء: 10.
[10] الصواعق الإلهية: 83 ـ 84.
[11] الصواعق الإلهية : 84.
[12] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 2/614 ـ 623 .
[13] الكامل: 9 / 110.
[14] الكفاية للخطيب البغدادي: 49.
[15] الصارم المسلول: 575.
[16] رسائل ابن عابدين: 1/364.
[17] انظر هذا البحث القيّم الذي نشرته مجلة رسالة الإسلام الصادرة عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية تحت عنوان (بيان المسلمين) ص 227 ـ 228 السنة الثانية العدد الثالث.
[18] ذكر منهم سيدنا شرف الدين في كتاب المراجعات مائة رجل، وذكر العلاّمة الأميني في كتاب الغدير في ج3 عدداً وافراً منهم. وبأيدينا قائمة تقارب ثلاثمائة رجل قد اعتمد رجال الصحاح عليهم «بقلم اسد حيدر، في كتابه الإمام الصادق والمذاهب الأربعة». وأوعب كل ذلك الشيخ محمد جعفر المروّج الطبسي النجفي في كتابه: رجال الشيعة في أسناد السنة.
[19] رسائل ابن عابدين: 2/169.
[20] تاريخ ابن كثير: 1/176.
[21] منهاج السنّة: 2/191 ـ 206.
[22] الصواعق المحرقة لابن حجر: 68.
[23] شرح ألفية العراقي: 4/36.
[24] الاستيعاب: 1/157.
[25] اُسد الغابة: 5 ـ 267 .
[26] الإصابة: 4 ـ 151.
[27] الكامل لابن الأثير: 3/195.
[28] الإستيعاب: 1/156، والكامل لابن الأثير: 3/195.
[29] تاريخ ابن كثير: 8 ـ 55.