[/IMG]
محطات من سيرة الإمام الشيرازي الراحل
من محاضرات سماحة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (دام ظله)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في كتابه الحكيم: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم وأولئك هم المهتدون).
بعد قرنين سيعرف الإمام الشيرازي:
الحقيقة أن الكلمات لا تستطيع أن تستوعب شخصية كشخصية الفقيه الراحل. نقل لي أحد العلماء وهو الآن موجود في مدينة قم المقدسة، أن آية الله العظمى المرعشي النجفي الذي كان مرجعاً من مراجع التقليد قد جاء لزيارة الفقيد الراحل في غرفته، وعندما خرج عند الباب قال لنا ولمجموعة كانت معه: إن الدنيا لم تعرف السيد الشيرازي وسوف تعرف هذا الرجل بعد 200 عام.
شخصية الفقيد:
في حياة الفقيد هنالك أبعاد نذكر بعضها:
البعد الأول: بُعد العلاقة مع الله تعالى: وهذه قضية مهمة في حياة المؤمن، كيف يجب أن تكون علاقة المؤمن مع الله؟ لأن نوعية هذه العلاقة ودرجتها هي التي تحدد آخرتنا، فنحن بالنتيجة كلنا خلقنا للدار الثانية، هذه الدار الثانية تعينها نوعية علاقتنا مع الله، الإمام الشيرازي (قدس سره) كان شديد العلاقة بالله تعالى. كان رجلاً كثير الدعاء فأول ما كان يلجأ إليه في كل قضية هو الله تعالى وأولياء الله الذين جعلهم أبواباً لرحمته.
نقل لي أحد الأخوة أن الوالد (رضي الله عنه) عندما كان في العراق عكف أربعة أشهر في بيته (ذلك بسبب الظروف التي كان يمر بها في العراق) يقول: في كل يوم وبعد أداء فريضة الفجر كان يكتب رقعة بحاجته للإمام المهدي المنظر (عج) واستمر بكتابة الرقعة لمدة أربعة أشهر، كان رحمة الله عليه ذاكراً لله تعالى.
كما نقل أحد الأقرباء أنه في كل ليلة كان يقول: لا إله إلا الله ألف مرة، هذا كان برنامجه في كل ليلة، طبعاً المؤمن يحاول أن يخفي علاقته مع الله إلا أن الأشياء تظهر اتفاقاً فإن الأشياء الخفية ربما تكون أكثر من هذا بكثير.
كان كثيراً ما يذكر الآخرة:
كان الإمام الراحل (رضي الله عنه) يذكر آخرته ويوصيني أنا والخطباء أن نذكر الآخرة وأن نتحدث ونكتب وكان إذا جاء ذكر الموت والآخرة والحشر كانت دموعه تجري على لحيته المباركة، تقول إحدى القريبات قبل وفاته (رضي الله عنه) بأيام دخلت عليه في غرفته الصغيرة التي عاش معظم حياته فيها ورأيت في يده كتاباً يطالع فيه ودموعه جارية على خديه وعندما رأيت هذا المنظر خرجت من غرفته حتى لا يحتشم. ثم بعد ذلك حاولت أن أظهر أنني أريد أن أدخل في هذه الغرفة، تقول مسح دموعه وأظهر أنه في وضع طبيعي، دخلت في الغرفة وسلمت عليه ثم ذهب هو إلى الديوانية لموعد له.
تقول: جئت إلى ذلك الكتاب والصفحة التي كانت فيها علامة. فوجدت أن تلك الصفحة تتحدث حول قبض ملك الموت لأرواح المؤمنين وهو كتاب (تسلية الفؤاد في ذكر الموت والمعاد) للعالم المرجع الكبير السيد عبد الله شبر، وأوصي نفسي وأوصي المؤمنين أن يطالعوا هذا الكتاب الذي يتناول الآخرة وما يجري في الآخرة.
كما أنه كان في شبابه في العراق يذهب إلى مسجد السهلة كل ليلة أربعاء في الصيف والشتاء إلى أربعين ليلة أربعاء. هذا هو جانب من بعد علاقته بالله وبأولياء الله.
البعد الثاني: بُعد علاقته مع المجتمع: كان يتعامل مع الأفراد كالأب الرحيم، كالأب الحنون، كيف يتعامل أحدنا مع أولاده، هكذا كان يتعامل مع الجميع وكان يحب الجميع ويهتم بحل مشكلاتهم.
وأنا رأيت مراراً أن كل شاب - لعله بلا استثناء - كان يأتي إلى غرفته كان يسأله ويقول: (هل أنت متزوج؟) إذا لم يكن متزوجاً يوصيه بالزواج ويشجعه عليه. وقد شكل لجنة لتزويج المؤمنين قبل أعوام. كان يثير مشاعر الحزم في كل من يأتي إليه؛ فمن يخرج من عنده يشعر بأنه يجب أن يكون عظيماً. أي خطيب
كان يأتي إليه كان يشجعه على التأليف كان يشجع الناس على الخدمة. آخر خطبة خطبها قبل وفاته ربما بساعتين، كانت عنده مجموعة من المؤمنات يشوقهن على أن تكون كل واحدة منهن مؤلفة، فجميع المؤمنات يجب أن يكن مؤلفات.. كما كان يشجعهن على أن يكن خطيبات يخطبن ويروجن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) كما يجب أن يكن أئمة جماعة، وكان يقول: إن النبي (ص) عين امرأة لإمامة الجماعة، النبي كان بنفسه يصلي إماماً، وأم ورقة كانت تصلي بنفس الوقت إمام جماعة. وهذا هو بعد آخر من أبعاد حياته وهو علاقته بالمجتمع.
البعد الثالث: علاقته بهذه الدنيا وزخارفها وبهارجها: عاش في الكويت نحو عشرة أعوام ولم يشتر شبراً من الأرض وعندما جاء إلى هذه المدينة الطيبة قم المقدسة ما اشترى شبراً من الأرض، وحتى هذا البيت الذي كان يعيش فيه هو وقف وليس ملكاً له ولا لورثته.
نقل أحد الأخوة انه (رضي الله عنه) قال له: اشتر لي عباءة من أرخص العباءات، يقول ذهبت لأشتري له عباءة فوجدت أن هناك عباءتين. عباءة بخمسة آلاف تومان (العملة الإيرانية) وأخرى لا يمكن أن يلبسها إنسان عادي، فضلاً عن إنسان له مركز ديني مرموق، وهي بثلاث آلاف تومان، فاشتريت العباءة التي بخمسة فرفض ذلك وقال: اشتر لي العباءة التي بثلاثة آلاف. هكذا كانت علاقته بالدنيا ومتاعها.
طموحاته وتطلعاته:
كان رضوان الله تعالى عليه واسع الهمة، كثير التطلع، فقبل وفاته بحوالي أسبوعين طلب أحد العلماء من مدينة أصفهان وقال له: كان لي ثلاثة أهداف وأنا أشعر أن أجلي قد اقترب ولم أتمكن من تحقيق هذه الأهداف:
الهدف الأول: أن يتحول جميع الكفار مسلمين.
الهدف الثاني: أن يتعرف جميع المسلمين على مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
الهدف الثالث: أن يتحد الشيعة فيما بينهم.
وإن العمر لم يسمح لي أن أحقق هذه الأهداف ولكن أنتم حاولوا أن تحققوها.. هذه وصية الفقيد لهذا العالم ولنا جميعاً.. نقل لي أحد الأطباء أنه (رضي الله عنه) قبل أربعة أيام من وفاته قال سماحته: أنه يجب أن يكون
لنا بث باللغة العبرية لهداية اليهود. يقول الطبيب: أنا ذهبت لتهيئة مقدمات هذا المشروع. بدأت ببعضها، ولكن الأجل لم يسمح بذلك، ففي الأيام الأخيرة من شهر رمضان كان يفكر بإنشاء قناة فضائية، بإنشاء حسينية في موسكو، وحسينية في فرنسا، كان يفكر بهداية العلويين في تركيا الذين هم حوالي 30 مليون. هذه الأهداف والتطلعات مجموعة منها استطاع أن يحققها في حياته، وأخرى منها بقيت والتي ينبغي لنا أن نحاول تحقيقها بإذن الله.
نسأل الله أن يعيننا جميعاً الخطباء والمؤمنين والمؤمنات أن نحفظ هذه التركة الكبيرة، ونخص بالذكر منهم آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي.. ونسأل الله أن يعينه على حمل هذه المهام.