بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
: { وتلك الأيام نداولها بين الناس }
تبرز ثقافة أهمية الوقت في فكر الإنسان ، من خلال طريقة التعامل الحقيقي في إستثمار الوقت لتحقيق أهدافه القريبة منها والبعيدة .
وذلك بهدف السعي الجاد نحو رضا الله سبحانه ، والذي يؤدي الى السعادة في الدارين ( وأقصد هنا سعادة الدنيا ، وسعادة الأخرة ) ...
ألاّ أن هناك فئة كبيرة من الناس لا تنجح ، أو بالأصح ليست لديها القدرة على التعامل الإيجابي مع إستغلال الوقت وإستثمارة ، مما يعني التخبط والسقوط في هذه الحياة ، وبهذا يعني خسارة الدارين ، اي الشقاء في الدنيا والعذاب في الأخرة .
وفي الحديث عن الوقت وأهميته في حياة الإنسان ، تبرز لنا ظاهرة سلبية ، ركز علماء الأخلاق والإجتماع والفكر الديني دراسات للحيلولة في وجه إنتشارها ، وهي ظاهرة الفراغ لدى الإنسان ...
لذا نجد أن العلماء قسموا الفراغ إلى ثلاثة أقسام ، وهي :
فراغ العقل
وذلك من المعارف والعلوم والثقافة بصفة عامة ، حيث الإنسان الذي لا يستخدم عقله يصبح كالبهيمة ... وبالتالي فمن المفترض أن يسلح الإنسان نفسه بالعلم وأنواع المعارف والثقافة ، لأنه غذاء للعقل كما ان الطعام غذاء للبدن ....
فراغ القلب
حيث ان القلب بصيرة الإنسان ، وبالحرص على أن يملئ جوفه وقلبه بالإيمان الحقيقي وذلك بطاعته وإتباع أوامره وإجتناب نواهيه .
فراغ النفس
النفس وبالذات في هذا الزمان - هي أمارة بالسوء ، محبة للهو واللعب وإتباع الشيطان في أوامره ... فلهذا النفس تمثل خطراً على الإنسان إذ لم يشغلها بالخير والصلاح ويزكيها ويهذبها دائماً ، ستصبح نفساً شيطانية ، كما قال الله سبحانه وتعالى { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها }
أي الفلاح في تزكية النفس الأمارة بالسوء ، ولا يتم ذلك إلاّ بإتباع الطريق القويم والنهج السليم ، وهو طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والأخيار من بعده .
يصف أحد العلماء الوقت بقوله : الوقت هو الحياة ، والإنسان يندم على الوقت في لحظات حرجة ولا سيما ساعة الإحتضار ، كما جاء في القرآن الكريم { ربي ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت }
ومع شديد الأسف ومع تطور الأنسان ، ومع القفزات النوعية في التقنية والعلوم الحديثة في مختلف شؤون الحياة ، برزت لنا في سماء المنتديات فئة ، في هذا المجتمع الصغير ، يحملون فكرة قتل الوقت واللعب واللهو ، دون السعي للفائدة في تكوين ثقافة علمية أخلاقية ، ترتكز عليها المبادئ والسلوك الحضاري .
فما هو واجب الإنسان إتجاه الوقت :
- إغتنام الفراغ ( الفرص ) .
- المسارعة في العمل الصالح
- المحاسبة والتأمل
- تنظيم الوقت .. عبر وضع برنامج يومي
(( هل هناك شيء أسمه وقت فـــــــراغ أو وحــــــدة حقيقة ))
نستطيع أن نقول : لا ....!
ولا تستغــــــربوا أخوة الإيمان ،،،،،
لأنّ الانسان حينما يفرغ من عمل ما ، فإنّه سينشغل بعمل آخر ربّما أقلّ أهمّية ، وربّما أكثر أهمّية ، فحتّى اللعب هو لون من ألوان العمل غير المنتج ، وقد يكون منتجاً في مردوده النفسيّ على اللاّعب .
وعلى أيّة حال ، فإنّ الاسلام ـ كما مرّ ـ يعطي للانسان الساعة التي يروّح فيها عن نفسه وعن أهله ويمارس فيها ملذّاته ، بل يعطي لهذه الساعة قيمة وأهمّية كبيرة لأ نّها المعينة على ساعات العمل والعبادة .
لكنّ الفراغ الذي نتحدّث عنه هو ليس هذا ، إنّما هو الوقت الضائع المضيّع ، أي الوقت الذي يتهاون فيه الشاب أو الشابّة في مسؤولياتهما الحياتية والرسالية وقد تكوت العبادية بكل معناها الحقيقي....، فيعشيان حالة من الوقت العابث السلبي العاطل غير النافع .
وغالباً ما يقع الفراغ حينما نبعثر أوقاتنا ونتركها رهن الفوضى ، وعندما نجهل قيمة الوقت في أ نّه يمكن أن يكون فرصة لطلب العلم ، أو فرصة لتعلّم مهارة جديدة ، أو فرصة لتصحيح مفاهيم خاطئة ، أو فرصة لنفع عباد الله، أو فرصة لقضاء حاجة مؤمن ، أو فرصة للاطِّلاع على قضايا عالمنا الاسلاميّ ، أو فرصة لتنمية ما اكتسبناه من معارف سابقة ، أو فرصة للتعرّف على أخ في الله جديد ، أو فرصة لتوطيد علاقة قديمة مع صديق ، أو فرصة - وهو الأهم في نظرتي القاصرة - للأنقطاع إلي الله تعالى وحده ....... وهكذا ، حتّى لقد اعتُبر الوقت غير المستثمر خارج نطاق العمر ، ذلك أنّ العمر الحقيقي هو عمر المزرعة الذي ورد في الحديث، " فهل عاقل من لديه أرض واسعة وصالحة للزراعة ويتركها بوراً" ؟!
يقول أحد العلماء مــــــــــــــثلا :
" إنّني أقرأ كثيراً فإذا ما تعبت من القراءة فإنّني أستريح بالقراءة ، وقد فسّر ذلك بقوله : إنّني أميل لقراءة الكتب العلمية الدسمة ، لكنّني حين أتعب من قراءتها ألتجأ إلى قراءة الكتب الأدبية أو التأريخية لأتخفّف من تعب القراءة العلمية ".
أنظر إلى من حولك ..
ألا تحترم ذاك الذي يقف في انتظار دوره أمام دكّان ، أو بانتظار الحافلة ، أو عند الطبيب وتراه حاملاً كتابه يقرأ فيه ؟!
ألا تحترم من يستذكر في أثناء طريقه قصيدة حفظها ، أو سورة من القرآن لا يريد أن ينساها ، أو يردّد بعض الأذكار التي تزيد من ارتباطه بالله سبحانه وتعالى ؟!
ألا تكنّ الاحترام والتقدير لمن يحمل في جيبه دفتراً صغيراً يدوّن فيه حكمة قرأها في صحيفة ، أو معلومة حصل عليها بالصدفة ، أو رقماً مهمّاً عثر عليه هنا أو هناك يعينه في الاستشهاد به والتدليل على ما يقوله، أو يسجِّل فكرة طرأت على ذهنه ويحاذر أن تفوته أو ينساها ؟؟؟ أمورا ينبغي الألتفاف لها أحيانا كــــــــــثيرة صدقوني ....!
إنّ أجهزة الهاتف التي تُلحق بها مسجّلة لاستلام الرسائل الصوتية ، ومفكّرات الحائط التي توضع عند أبواب بعض المنازل يسجّل عليها الزائر ملاحظاته حينما لا يجد صاحب المنزل ، دليل على اهتمام صاحبها بما يجري في غيابه .
وإنّ الذي يطالع الصحف يومياً ويتابع نشرات الأخبار يومياً ، ويزور هذا الموقع على شبكة المعلومات (الانترنيت) أو ذاك ليتعرّف على ما يجري من حوله في عالم متغيّر ، هو إنسان حريص على أن لا يلقي وقته كورقة مهملة في سلّة المهملات ، إنّه يشعر بالانقطاع عن العالم إذا لم يواكب حركة العالم ، ولو حصل وانقطعت متابعته لشعر بالغربة أو بالوحشة أو بفقدان شيء ثمين .
ولقد قرأت مرة من هنا وهناك - أخوكم الصغير - أنه تم ملاحظة لأبناء إحدى القرى الاميركية إمرأة اُمّية تعلّمت القراءة والكتابة في وقت متأخر وبدون معلِّم.. وحينما سئلت قالت :
" لقد شعرت بوقت ثمين جدّاً ضاع منِّي فحاولت تعويضه ، ولذا كنت أسترق السمع والنظر إلى ابنتي الصغيرة وكنت ألتهم معها كلّ دروسها !" .
لذا ينبغي أن نسقط العبارات التالية من قاموس حياتنا :
ـ لقد فاتني القطار !
ـ لم يعد في العمر متسع .. لقد شخت وتعذّر القيام بذلك .
ـ ما فائدة العمل الآن .. لقد ضاعت فرص كثيرة .. إنّ الحظّ يعاكسني دائماً .
ـ لقد سبقني إلى ذلك كثيرون .. لم يعد لي مكان .
ـ جرّبت وفشلت لا داعي لتكرار التجربة .. إلخ ............
علينا أن نستبدل تلك العبارات بالعبارة التالية : هناك دائماً وقت للعمل قبل الموت .
أمّا مقولة «تعويض الوقت الضائع» فهي غير دقيقة، فالوقت الضائع لا يعوّض ، والأداء غير القضاء ، والتمنّي أن يعود الشباب بعدما ترحل أيّامه أمنية كاذبة يردّدها الشعراء ولا إمكانية لتحققها في الواقع ، وما فات مات ، ولكن يمكن للشاب أو الشابّة أن يتفاديا المزيد من التقصير، والمزيد من التضييع بأن يعضّا بأسنانهما على المتبقِّي من الأوقات فلا يدعانها نهبَ اللهو والعبث والاسترخاء العاطل .
لقد ثبت بالتجربة أنّ الكسل والبطالة والفراغ وإدعـــاء الوحدة عوامل داعية للانحراف والفساد ، وفي ذلك يقول الشاعر :
إنّ الشباب والفراغ والجدة***مفسدة للمرء أيّ مفسـدة
وينبغي بعد ذلك أن نفرِّق بين فراغ لا فائدة فيه ، وتفرّغ للمراجعة والنقد الذاتي والخلوة مع النفس ، أو أخذ إجازة لتجديد النشاط ، فهذا من العمل وليس من الفراغ ، وهو شيء محبّب ومطلوب لأ نّه من الأوقات التي تدرّ على الأوقات الاُخرى خيراً كثيراً .
وللتذكير فقط أحبتي في الله تعالى ....:
جاء في المجمع،: في تفسير قوله تعالى:
«فإذا فرغت فانصب و إلى ربك فارغب»
معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء و ارغب إليه في المسألة:.
قال: و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).
فلاحظوا هنا كيف يكون الفارغ من بعد الفراغ ومن خير إلي خير وفيه خير الدنيا والآخرة ...
وأخيرا نستعيد سؤالنا أعلاه ...:
(( هل هناك شيء أسمه وقت فـــــــراغ أو وحــــــدة حقيقة ))
لذا ينبغي أن نسقط العبارات التالية من قاموس حياتنا :
ـ لقد فاتني القطار !
ـ لم يعد في العمر متسع .. لقد شخت وتعذّر القيام بذلك .
ـ ما فائدة العمل الآن .. لقد ضاعت فرص كثيرة .. إنّ الحظّ يعاكسني دائماً .
ـ لقد سبقني إلى ذلك كثيرون .. لم يعد لي مكان .
ـ جرّبت وفشلت لا داعي لتكرار التجربة .. إلخ ............