1. الحكم الشرعي
الحكم الشرعي : هو التشريع والقانون الصادر من الله تعالى ، او قل : هو ما جعله المولى سبحانه من تشريعات إما بالاستقلال او بالانتزاع (1) وهو على قسمين تكليفي ووضعي (2)
الحكم التكليفي : وهو الحكم الشرعي المتعلق بأفعال الإنسان من حيث الأمر ببعضها إلزاماً او دونه والنهي عن البعض الآخر كذلك أي إلزاماً او دونه او من حيث التخيير في بعضٍ ثالث .
لذا فهو خمسة أنواع ، قال المحقّق النراقي (قده) : « إنّ الأحكام الشرعية خمسة : الإيجاب وهو عبارة عن طلب الفعل حتماً ، والندب وهو عبارة عن طلبه من غير حتم ، والتحريم وهو عبارة عن طلب الترك حتماً ، والكراهة وهي عبارة عن طلب الترك لا على سبيل الحتم ، والإباحة وهي عبارة عن جعل الطرفين متساويين أي الحكم بتساويهما » عوائد الأيّام : 370 ، ولا بد من تقييد قوله ( الأحكام الشرعية ) بالتكليفية والا كانت مع الوضعية أكثر من خمسة .
ولبيان هذه الأحكام الخمسة وشرح مصطلحاتها نقول :
الوجوب : وهو الحكم الشرعي الدال على طلب المولى للفعل مع عدم الترخيص في تركه ، او قل هو الحكم الشرعي المتضمن بعث المولى لعبده نحو الفعل على نحو الإلزام . كوجوب الصلاة فمعناه أن المولى طلب فعل الصلاة ولم يرخص في الترك ، او قل هو حكم شرعي يتضمن بعث المولى لعبده نحو فعل الصلاة وتحريكه إياه نحوها على نحو الإلزام بها وعدم الرضا بتركها وتجاهل هذا البعث والتحريك .
الاستحباب : وهو الحكم الشرعي الدال على طلب المولى للفعل مع الترخيص في تركه ، او قل هو الحكم الشرعي المتضمن بعث المولى لعبده نحو الفعل لا على نحو الإلزام . كاستحباب الصدقة فمعناه أن المولى طلب التصدق ولكنه رخص في الترك او قل هو حكم شرعي تضمن بعث المولى لعبده نحو التصدق وتحريكه إياه نحوها لا على نحو الإلزام بها بل على نحو الرجحان والمحبوبية بحيث يرضى بترك هذا الطلب وتجاهل هذا البعث والتحريك .
الحرمة : وهي الحكم الشرعي الدال على زجر المولى عبده عن الفعل مع عدم الترخيص في فعله ، او قل هو الحكم الشرعي المتضمن زجر المولى عبده عن الفعل على نحو الإلزام بحيث لا يرضى بتجاهل هذا الزجر وفعل ما زجر عنه . كحرمة شرب الخمر فمعناه أن المولى زجر عبده عن شرب الخمر ولم يرخص له في فعله زجراً ملزماً لا يرضى بتجاهله .
الكراهة : وهي الحكم الشرعي الدال على زجر المولى عبده عن الفعل مع الترخيص في فعله ، او قل هي الحكم الشرعي المتضمن زجر المولى عبده عن الفعل لا على نحو الإلزام بحيث يرضى بتجاهل هذا الزجر وفعل ما زجر عنه . ككراهة الأكل على جنابة فمعناه أن المولى زجر عبده عن الأكل على جنابة ولكنه رخّص له في فعله فهو زجر غير ملزم يرضى بتجاهله .
الإباحة (3) : وهي عبارة عن تخيير المولى عبده بين الفعل والترك فلا بعث ولا زجر من قبل المولى تجاه عبده . وذلك كالنوم والأكل والشرب والمشي ووو في الحالات الاعتيادية والعناوين الأولية فان هذه الأمور ليست محكومة بوجوب لعدم البعث الملزم نحوها ولا استحباب لعدم البعث غير الملزم نحوها ولا محكومة بحرمة لعدم الزجر الملزم نحوها ولا كراهة لعدم الزجر غير الملزم نحوها بل حكمها الإباحة لأن المولى خيّر عبده فيها بين الفعل والترك .
نعم قد يكون لها أحكام ثانوية تقتضي الوجوب او الحرمة او الاستحباب او الكراهة وذلك عندما تطرأ عليها عناوين ثانوية ، كالأكل على الشبع فإن حكمه الكراهة وللتّقوي على العبادة فان حكمه الاستحباب ولإنقاذ النفس من الهلكة فان حكمه الوجوب وبأكل ما يحرم أكله فحكمه الحرمة ولكن هذا لأجل العناوين الأخرى للأكل الطارئة عليه وليس لذات الأكل فإن حكمه الإباحة .
الحكم الوضعي : وهو كل حكم شرعي كان الغرض من جعله من قبل الشارع تشريع وضعٍ معين يكون له تأثير غير مباشر على سلوك الإنسان ( لاحظ دروس في علم الأصول ح 1 )
او قل : هو الحكم الشرعي الذي لا يتعلق بأفعال الإنسان كما هو الحال في الحكم الشرعي التكليفي بل هو الحكم الشرعي الذي جُعِل لتشريع بعض العلاقات والوضعيات وحالات معينة ككون شيء سبباً لشيء آخر او شرطاً له او جزءً منه او مانعاً عنه او كونه صحيحاً او فاسداً ، طاهراً او نجساً وهكذا ، من قبيل حكم الشارع بالملكية والغصبية والزوجية والبينونة والجزئية والمانعية والشرطية والرقية والحرية والطهارة والنجاسة وهكذا حكمه بالأبوة والبنوة والأخوة والأمومة ونحوها من الأحكام
فإذا تم البيع بين طرفين بشرائطه حكم الشارع بملكية البائع للثمن وملكية المشتري للمثمن ويسمى حكمه هذا بالملكية حكماً وضعياً فإذا قال مثلاً إذا تم البيع فالبائع مالك للثمن والمشتري مالك للمثمن فهذا الحكم بملكية أحدهما للثمن وملكية الآخر للمثمن حكم شرعي وضعي .
وإذا تم عقد النكاح بين طرفين حكم الشارع بالزوجية بينهما وهذا حكم وضعي ، واذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً صحيحاً حكم الشارع بالبينونة والانفصال بينهما وارتفاع الزوجية وهو حكم وضعي ، وإذا توضأ الإنسان وضوءاً صحيحاً حكم الشارع بطهارته الحكمية وهذا الحكم وضعي ، وإذا سقطت نجاسة على الثوب او البدن حكم الشارع بالنجاسة وتنجُّس ذلك الشيء وهذا حكم وضعي ، وهكذا الحكم بصحة الشيء او فساده شرعاً فهو حكم وضعي يقتضي كون الشيء صحيحاً او فاسداً ، وحكم الشارع بشرطية الاستطاعة في وجوب الحج ، وحكمه بسببية السرقة لقطع اليد وزنا المحصن للرجم ، وحكمه بمانعية القتل والكفر عن الإرث كلها أحكام وضعية الى ما شاء الله تعالى من الأحكام الوضعية الكثيرة في الشريعة .
وبشكل عام الحكم الوضعي كل حكم للشارع لم يكن أحد الأحكام التكليفية الخمسة ، فالحكم الوضعي هو الحكم بصحة الأشياء او فسادها أو شرطيتها او مانعيتها او سببيتها او جزئيتها ونحو ذلك ، لا بوجوبها أو حرمتها او بإستحبابها أو كراهتها او بإباحتها .
والعلاقة وطيدة بين الحكم التكليفي والوضعي فمتى ما حكم الشارع بحكم وضعي ترتب عليه حكمه بجملة من الأحكام التكليفية وغالباً ما يكون الحكم الوضعي موضوعاً للحكم التكليفي ، فعندما يحكم بملكية البائع للثمن يحكم بحرمة التعدي على ذلك المال وغصبه وحرمة التصرف فيه من دون اذن ووجوب تخميسه لو فاض عن المؤونة واستحباب التصدّق به وحرمة التبذير به واستحباب إقراضه وإباحة إهدائه الى غير ذلك من الأحكام وكلها تكليفية ، وعندما يحكم بالزوجية بين شخصين يحكم بوجوب النفقة على الزوج ووجوب التمكين على الزوجة وحرمة خروجها من غير إذن وغير ذلك من الأحكام التكليفية .
.
هذا وللكلام تتمة تأتي إن شاء الله تعالى
.
.
.
.
--------------
(1) تعددت التعاريف للحكم الشرعي فالمنسوب الى المشهور أنه « خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين » الأحكام للآمدي 1 : 95 ، وعُرّف بأنه « التشريع الصادر من الله لتنظيم حياة الأنسان » دروس في علم الأصول 1 : 52 ، وعُرّف أيضاً بأنه « الاعتبار الشرعي المتعلق بأفعال العباد تعلقا مباشرا أو غير مباشر » الأصول العامة للفقه المقارن / 55 وعُرّف بغير ذلك . أقول وبقطع النظر عما يلاحظ على كل تعريف وعن كونها تعاريف حقيقية فإنها تشترك جميعاً في المعنى الإجمالي للحكم الشرعي وهو عبارة عن القانون والتشريع الإلهي .
(2)هناك اتجاه شاذ ينكر كون الحكم الوضعي قسماً للحكم الشرعي حيث خص أصحابُه الحكم الشرعي بالتكليفي لأنه عبارة عما تعلق بأفعال المكلفين مباشرة وما كان كذلك هو الحكم التكليفي فقط دون الوضعي فإن تعلقه بأفعال المكلفين غير مباشر وأن إطلاق لفظ الحكم على الوضعي مجاز ، وردّ بأن التجوز خلاف الأصل ولا قرينة ولا موجب لحصر الحكم الشرعي بما تعلق بأفعال المكلفين مباشرة بل الحكم الشرعي كل ما كان صادراً عن الله تعالى من تشريعات أياً كان متعلقها .
(3) هناك اتجاه ينكر كون الإباحة حكماً تكليفياً ويحصر الحكم التكليفي بالأربعة أي الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة بل وليست حكماً شرعياً أصلاً ولذا عرف أصحاب هذا الاتجاه الحكم الشرعي بأنه ( خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين من حيث الاقتضاء او الوضع ) وعنوا بالاقتضاء الأحكام التكليفية الأربعة وبالوضع الحكم الوضعي ولم يشملوا الإباحة في تعريفهم ، ووجه هذا الاتجاه أن الحكم الشرعي هو الجعل والتشريع والإباحة ليست جعلاً ولا تشريعاً بل هي عدم جعل فإنها عبارة عن عدم طلب الفعل وعدم طلب الترك او بعبارة أدق هي عبارة عن عدم الجعل لا بعثاً ولا زجراً ، فالحكم الشرعي أمر وجودي والإباحة أمر عدمي ، وبعبارة أخرى الأحكام التكليفية مأخوذ فيها الكلفة والمشقة على المكلف والإباحة لا كلفة فيها بل هي مبنية على التوسعة على المكلف فهي ليست حكماً تكليفياً وهذا وجه عدم كونها حكماً تكليفياً والسابق وجه عدم كونها حكماً شرعياً أصلاً . وجوابه / أن الإباحة جعل لكنها جعل لتساوي طرفي الفعل والترك او قل هي جعل للتخيير في مقام العمل ، فهي ليست عدم جعل حتى يقال أنها أمر عدمي بل هي جعل للعدم أي عدم واحد من الأحكام التكليفية الأربعة الأخرى وبعبارة واضحة الإباحة هي جعل للتخيير والتوسعة على المكلف ، ونسب الى بعض العامة عدّ الإباحة من الحكم الوضعي .