مِحبرةُ المآسي (كربلائية)
ألا يالائماً حُزني ودمعي
ووجناتٍ تُغسّلها الدموعُ
ولائمَ صرختي الحرّى ولطمي
على صدرٍ بهِ اشتعلتْ ضلوعُ
تلومُ، وتدّعي الإسلامَ؟! هذا
عجيبٌ، بل هو الأمرُ المُريعُ !
أتعرفُ كربلاءَ ومادهاها
بشهرِ محرّمٍ ياذا الرقيعُ ؟!
أمانةُ أحمدٍ قد ضيّعوها
أمانةُ أحمدٍ!! عَجَباً تضيعُ !!
دماءُ المصطفى تلك الأريقتْ
ونحرُ المصطفى ذاكَ القطيعُ !!
فَكمْ قالَ الرسولُ: حسينُ منّي
وإنّي منهُ. قد سمعَ الجميعُ
فإنْ يمسي الحسينُ صريعَ طَفٍّ
فإنّ المصطفى لهُوَ الصريعُ !!
* * * * * *
تعدّى اللومَ قومٌ. إنّ شمساً
لتُقهرُ أنها لهمُ سطوعُ
فعدّوا الطفَّ في الأيام عيداً
عجيبٌ ظلَّ في الصبحِ الطلوعُ؟!
أعيدٌ حينما الزهراءُ ثكلى؟!
وإذْ للمصطفى قلبٌ فجيعُ ؟!!!
ذيولُ أميّةٍ، وإذا خريفٌ
يحلّ بأحمدٍ، فلهمْ ربيعُ !!
هي الدنيا اختبارٌ في اختبارٍ
ولولا ذاكَ فالأخذُ السريعُ
وبعضُ الحقِّ في قلبٍ نظيفٍ
سيكفيهِ لتنهملَ الدموعُ
ولا تنمو الهدايةُ في قلوبٍ
بقسوتها هي القَفرُ الشنيعُ
أما بكتِ السماء بيوم طفٍّ
وإنّ دموعَها الحرّى نجيعُ !!
وأيّ مدامعٍ ستطيقُ صبراً
إذا ما قصَّ قصّتَه الرضيعُ ؟!
وهل تبقى الضلوعُ بلا اضطرابٍ
وصخرُ الكونِ دكتُه الصدوعُ ؟!
* * * * * *
يقولون: المصابُ قديمُ عهدٍ
وإنْ هو فادحٌ صعْبٌ فظيعُ
أطيعونا بكفٍّ عن بكاءٍ
يفزْ بمحبّةٍ منّا المُطيعُ.
أقولُ: إذا استطعتم حذفَ آيٍ
مودتُهم بها. فسنستطيعُ
وإنْ سُقتم دليلاً أنّ طه
يقرُّ كلامَكم، إنّا نطيعُ
وهيهاتَ الرسولُ يقرّ عيداً
به عَطشٌ لعترته وجوعُ
به قتلٌ به ذبحٌ وسبيٌ
به قلبُ السماء لهم وَجوعُ
فما عاشورُكم عاشورُ طه
ولا تاسوعُكم ذاك التسيعُ
أفَحْتجتم لأمرٍ من إلهٍ
ليُعشقَ في عيونِكمُ الربيعُ؟
ونحنُ الآلُ نعشقُهم، لأنّا
بدون هُداهُمُ قَفرٌ شنيعُ
ألا نحتاجُ مِن ذنبٍ شفيعاً؟!
وآلُ البيتِ هم ذاك الشفيعُ
سنبكيهم ونبكيهم دموعاً
وإنْ جفّتْ ستنصهرُ الضلوعُ
فحبُّ الآلِ نجمٌ في الأعالي
ولن يرقى لموضِعِه الوضيعُ
* * * * * *
ألا تُبكى رقيّةُ؟! أيُّ جَفنِ
إذا قُصّتْ وتُعوزُه الدموعُ ؟!
رقيّةُ مَنْ بكتْ تبغي أباها
فقُرِّبَ نحوها الرأسُ القطيعُ !!
فماتتْ فوقَه! فالرأس نجمٌ
صريعٌ، فوقَه بدرٌ صريعُ !!
* * * * * *
ألا تُبكى العليلةُ دون أهلٍ
وعيناها بمدمعِها ضروعُ !
تشبّثُ بالدروبِ فكلُّ رَكْبٍ
يرافقُه تساؤلُها الوجيعُ
وتلتحفُ الحنينَ تصبُّ دمعاً
كما من حُرقةٍ تهمي الشموعُ
قضتْ عاماً تحنُّ إلى رجوعٍ
لوالدها. فما بزغ الرجوعُ
* * * * * *
ولا أنسى سكينةَ إنّ قلبي
لنبتِ الحُزنِ إنْ ذُكِرتْ ربوعُ
فما تمّ النهارُ هناك إلاّ
وقدْ يَتِمتْ وما يَتِمتْ دموعُ !
تُقلّمُ مَتنَها أسواطُ حِقدٍ
فماذا يكتبُ القلمُ الفجيعُ ؟!!
* * * * * *
ولا أنسى الربابَ بقربِ مهدٍ
له خَشبٌ بمدمعِها دميعُ
رضيعُكِ شَبَّ لا بالعُمْرِ لكنْ
على رمحٍ له رأسٌ رفيعُ !!
يُغذّى بالحليبِ لهم رضيعٌ
ويرضعُ نزفَه هذا الرضيعُ !!
* * * * * *
ألا يُبكى لزينبَ؟! أيّ عينٍ
رأتها ثمّ تعصيها الدموع ؟!
فكلُّ مصيبةٍ فَرْعٌ. ولكنْ
مصائبُ زينبٍ فهي الجُذوعُ
ولي قَلمٌ شجاعٌ في القوافي
ولكنْ في مصائبها جَزوعُ !
حقيقٌ بالثكالى عند ذِكرٍ
لزينبَ ذلك الصبرُ الوديعُ
بحادي عشْرِها صبْحٌ تبدّى
وزينبُ ليس عتمتُها تطيعُ !
فبعضُ مصائبِ الحوراء تكفي
ليهويَ إثْرَها الطودُ المنيعُ !
وأعظمُها على الأيام سبْيٌ
له أيامُنا شوكٌ ضريعُ
* * * * * *
ألا يُبكَى أشدُّ الناسِ شِبهاً
بأحمدَ إذْ تقطّعُه الجُموعُ ؟!
فلم يشفعْ له شِبهٌ ونُطقٌ
بلِ الأسياف زاد بها الشُروعُ !!
* * * * * *
ألا تبكي لعبّاسٍ جفونٌ
وعباسٌ هو البدرُ اللميعُ
غيورٌ رامَ للأطفال رِيّـاً
فروّى حزنَنا الكفٌّ القطيعُ
أتى ماءَ الفراتِ ولم يذقْهُ
وقد حرقَ الحشا العطشُ الكتيعُ
فروّى عندها الدنيا وفاءً
وحلَّ بكفِّه البحرُ الوسيعُ
ولمْ يروِ الفراتُ كمثل ريٍّ
لعباسٍ ولا نبعٌ نبيعُ
* * * * * *
ونجلُ المجتبى حَدَثٌ صغيرٌ
ولكنْ قتلُهُ حَدَثٌ فظيعُ
فما أنساهُ إذْ ضربوا جبيناً
له كالبدْرِ فانطفأ السطوعُ
شبيهُ المُجتبى خُلُقـاً وخَلْقاً
عِمامتُهُ ومَظهرُه الينيعُ
وإذْ بالمُجتبى اجتمعتْ عليهِ
سيوفُ الطفِّ والسُمُّ النقيعُ !
* * * * * *
ولا أنسى وإنْ أُنسيتُ نفسي
عليلَ الطفِّ يغلبُه الوقوعُ
يرى كلَّ البدورِ على العوالي
ولكنْ ليلُه الليلٌ الذريعُ !
فصارَ سحابةً للدمعِ تهمي
وفي كلّ الفصولِ لها هُموعُ !
* * * * * *
وسبطُ المصطفى بينَ الأعادي
جذوعُهمُ تعاضُدها الفروعُ
ألوفٌ من صفوفٍ في صفوفٍ
خَذولٌ أو حقودُ أو خَنوعُ
ينادي يطلبُ الأنصارَ لكنْ
يلبّي صوتَه السهم السريعُ !!
فيُمسي جسمُه للطعنِ كهفاً
وتاجاً للقنا الرأس الخَشوعُ !!
ويمسي صدرُه صفحاتُ رُزءٍ
تسطّرها السنابكُ والنجيعُ !
وقد تركوه عُرياناً ثلاثاً
برملٍ، واللهيبُ له ضجيعُ
وقد خذلوه سمعاً لابن هندٍ
وكلّهمُ لحجتِه سميعُ !!
وما في الأرض يومئذٍ إمامٌ
ولا سِبطٌ سواهُ، ولم يطيعوا !!
أطاعوا الجبتَ إذْ سكنتْ رؤوساً
لهم بَدَلاً من العقلِ الشُسوعُ !
* * * * * *
ولا تبكي؟!! أصخرٌ أم فؤادٌ
بصدرِك أم بأضلُعكَ الصقيعُ ؟!!
* * * * * *
وإنْ تقنعْ يراعي من نشيجٍ
فما جفني ولا قلبي قنوعُ
سأبكيهم مدى عمري كأنّي
يسيلُ الآنَ في نظري النجيعُ
وإنّ الطفَّ مِحبرةُ المآسي
بها قلمي كما قلبي نقيعُ
خادم الحسين
مرتضى شرارة العاملي
9محرّم 1431هـ