|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 480
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 18,076
|
بمعدل : 2.74 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
melika
المنتدى :
المنتدى الإجتماعي
بتاريخ : 13-04-2007 الساعة : 11:21 AM
ثانياً : استثارة الوازع الأخلاقي :
أراد الأئمة ( عليهم السلام ) أن تبقى منظومة الأخلاق في الأمة حيَّة فعالة ، انطلاقاً من حِرْصهم الدائم على سلامة المجتمع الإسلامي ، حتى لا يتردَّى أفراده في مهاوي القلق والضياع ، وعليه فقد حثّوا على التمسك بالقِيَم الأخلاقية في تعامل الأولاد مع والديهم ، بحيث تتحول إلى طبع يطبع سلوك الأبناء ، وفي هذا الصدَد يقول الإمام علي ( عليه السلام ) : ( بِرُّ الوَالِدَينِ مِنْ أكْرَمِ الطِّبَاعِ ) .
ويقول حفيده الإمام الهادي ( عليه السلام ) : ( العقُوق ثكْلُ مَنْ لَم يُثكَل ) .
ثالثاً : تحديد الحكم الشرعي :
لم يبقَ آل البيت ( عليهم السلام ) مسألة حقوق الوالدين في إطار التوجهات القرآنية أو مجرَّد استثارة الدوافع الأخلاقية ، بل حدَّدوا الحكم الشرعي لهذه المسألة الحيوية ، واعتبر الإمام علي ( عليه السلام ) بِرّ الوالدين أكبر فريضة .
ويقول الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( ثَلاث لَمْ يَجْعَل الله عَزَّ وَجَلَّ لأحدٍ فيهِنَّ رُخصة : أدَاء الأمَانة إلى البرِّ والفَاجِر ، والوفَاءِ بالعَهْد للبرِّ والفَاجِر ، وبِرّ الوَالِدَين بِريْنَ كَانَا أو فَاجِرَين ) .
والجدير بالذكر أن الإسلام لم يربط حقوق الوالدين بقضية الدين ، وضرورة كونهما مسلمين ، بل أوجب رِعاية حُقوقهم بمعزَلٍ عن ذلك .
فيقول الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( بِرّ الوالِدَين وَاجِبٌ وإن كَانَا مُشرِكَين ، ولا طَاعَة لهما في معصية الخالق ) .
ولم يكتَفِ الإمام الرضا ( عليه السلام ) بِتبْيَان الحُكم الشرعي ، بل كَشَف عن الحكمة من وراء هذا التحريم بقوله : ( حَرَّم الله عُقوق الوَالِدين لمَا فِيه مِنَ الخُروجِ مِن التَّوفِيقِ لِطَاعَةِ الله عَزَّ وجَلَّ ، والتوقيرِ للوَالِدَينِ ، وتَجَنُّب كُفر النِّعمَة ، وإبْطَال الشُّكْرِ ، ومَا يَدعُو مِن ذلكَ إلى قِلَّة النَّسل وانقِطَاعِه ، لِمَا فِي العقُوقِ من قِلَّة توقير الوالدين ، والعرفان بحقهما ، وقطع الأرحام ، والزُّهد من الوالدين في الولد ، وتَرك التربية بِعِلَّة ترك الولد برهُمَا ) .
رابعاً : تحديد الحقوق المترتبة للوالدين :
تتَّسع عدسة الرؤية للحقوق في مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) عن غيرها من المدارس والمذاهب القانونية والاجتماعية ، فهي تركِّز في توجهاتها على الحقوق المعنوية ، وتضعها في سُلَّم الأولوية ، ولا يعني ذلك إهمال الحقوق المادية .
فإذا كانت النظرة المتعارفة للحق أنه حق مادِّي بالدرجة الأساس ، فإن مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) تنظر للحق نظرة أرحب وأشمل ، هي نظرة الإسلام العميقة التي تقدم الجانب المعنوي على المادي .
وعلى هذا الأساس نلاحظ أن أكثر توصيات وأحاديث الأئمة ( عليهم السلام ) تنصب على رعاية الحقوق المعنوية ، كالطاعة للوالدين ، والشكر والنصيحة لهما .
فيقول الإمام علي ( عليه السلام ) في نهج البلاغة : ( إنَّ للوَلَدِ على الوالِدِ حق أن يطيعَه في كل شيء ، إلا في مَعصِية الله سبحانه ) .
ويقول الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في رسالة الحقوق : ( أمَّا حَقّ أبيكَ فَأن تعلم أنه أصلك ، وأنه لولاه لم تَكُن ، فمَهْمَا رأيت في نفسِكَ مِمَّا يُعجبك ، فاعلَم أنَّ أبَاكَ أصْلُ النِّعمَةِ عَليكَ فِيه ، فاحمدِ الله واشكره على قدر ذلك ، ولا قوة إلا بالله ) .
ويقول ( عليه السلام ) فيما يتعلق بحق الأم : ( أمَّا أمُّكَ فأن تَعلَمَ أنَّهَا حَمَلَتْكَ حَيثُ لا يَحتَمِلُ أحَدٌ أحَداً ، وأعطَتْكَ مِن ثَمَرة قلبها مَا لا يُعطِي أحدٌ أحَداً ، وَوَقَتْكَ بِجَمِيعِ جَوَارِحِها ، ولَمْ تُبَالِ أنْ تَجُوعَ وتُطعِمكَ ، وتَعطشَ وتُسقِيكَ ، وتعرى وتَكسُوكَ ، وتضحي وتظلُّك ، وتهْجر النَّوم لأجْلِكَ ، وَوَقَتْكَ الحَرَّ والبرد يكون لها ، فإنَّك لا تُطيق شُكرَها ، إلاَّ بعونِ الله وتوفيقه ) .
بهذه اللُّغة الوجدانية الشفافة يصوغ الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بنود الحقوق الاعتبارية للوالدين ، وأيضاً ينقل الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) عن جده المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) : ( أنَّ رجلاً سألَ الرسولَ ( صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه ) : مَا حَقّ الوَلَدِ على وَالِدِه ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا يُسَمِّيهِ باسْمِه ، وَلا يَمْش بَينَ يَدَيه ، وَلا يَجْلِسُ قَبْلَه ، وَلا يَسْتَسِبُّ لَه ) .
الآثار السلبية الدنيوية لمن عَقَّ والديه :
ذكرنا فيما سبق بعض الآثار الأخرويَّة المترتبة على عقوق الوالدين ، ولعَلَّ من أبرزِها التعرُّض لِسَخَطِ الله تعالى ، وعدم قبول الطاعات ، وغير ذلك من آثار .
ومن يطَّلع على أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) يجد حشْداً من الأحاديث في هذا المجال ، وهنا سوف نقتصر على إبراز الآثار السلبية في دار الدنيا لمن أساء لوالديه ، ويمكننا تصنيفها حسب النقاط الآتية :
أولها : التعرّض للفقر والفاقة :
يقول الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) في هذا الخصوص : ( أيُّمَا رَجُلٍ دَعَا عَلَى وَالِدِهِ أوْرَثَهُ الفَقر ) .
ثانيها : المقابلة بالمثل :
إنَّ الأولاد الذين يُسيئون التصرف مع آبائهم سوف يُقابلهم أبناؤهم بالمثل ، ولا يقيمون لهم وزناً عندما يكبُرون ، ويؤكِّد هذه الحقيقة ما وَرَد عن الإمام جَعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( برُّوا آبَاءكُم يَبرُّكم أبناؤكم ) .
وقد أثبتَت التجارب العملية هذه الحقيقة ، وغدَتْ من المسلَّمات عَبْر الأجيال ، فالذي يعقُّ والديه يواجه الحالة نفسها مع أبنائه لا مَحَالة .
ثالثها : العقوق يورث الذِّلَّة والمَهانة :
ممَّا لا شَكَّ فيه أن الفرد الذي يعقُّ والديه ينظر له المجتمع بِعَين السخط والاستخفاف ، ويصبحُ منبوذاً مذموماً على الصعيد الاجتماعي ، ولا يُذكَر إلاَّ بالعار والشنار مَهما تستَّر خلفَ سواتِر الأعذار .
فيقولُ الإمام الهَادي ( عليه السلام ) : ( العقوقُ يعقب القلة ، ويؤدِّي إلى الذِّلَّة ) .
ويمكن حَمْل كَلمة القلة في الحديث على إطلاقها ، فتشمل القِلَّة في المال والفقر المعنوي والاجتماعي المتمثل بقِلَّة الأصدقاء والمعارف الذين لا يلقُونَ حبال ودهم إلى من عَقَّ والديه ، وكيف تحصل الثقة بمن قطع حبال الود مع والديه ، وهما من أقرب المقرَّبين إليه ؟ .
م......
|
|
|
|
|