جوهرةُ.. الكون
جوهرةُ الكون
في مناسبة ذكرى الزهراء عليها السلام
وتشرق شمس العشرين من شهر جمادى الآخرة، ترسل أشعتها الذهبية على قمم الجبال والسهول والأودية؛ وقافلة البشرى تطوي الفيافي نحو مكة؛ وكأن الأرض تفتح ذراعيها للسر المكنون؛ ونسيم الصباح يفوح في أرجاء الكون؛ إذ أزهر مولد الصدّيقة المباركة، الطاهرة المطهَّرة، الراضية المرضيَّة، البتول المحدِّثة، الريحانة الزاكية، العذراء الحوراء، سيدة النساء، حبيبة قلب خاتم الأنبياء، فاطمة الزهراء، عليها وعلى أئمتنا العظام أزكى الصلاة والسلام.
«زَهْراءُ» قَدْ أنار الوُجُودَ ضِياها
وَالكَوْنُ تعطر مِنْ عَبِيرِ شَذاها
**
قَرَّتْ بِمَوْلِدِها عُيُونُ «المُصْطَفَى»
صَلُّوا عَلَى خَيْرِ البَرِيَّةِ «طَهَ»
**
شَمسُ الرِّسالةِ زَفَّتْ لِلْمَلا البُشْرى
والنُّورُ أَضفى على قلبِ الثَّرى البِشْرا
**
والوَحيُ هلَّلَ، والأملاكُ في طَرَبٍ
قامتْ تُهنِّئُ أحلامَ الورَى تَترَى
**
والنُّجْمُ من شعلةِ الأنوارِ غائرةٌ
ثُمَّ الغيومُ حياءً أخْفتِ البَدْرا
**
والطَّيْرُ أَمْطرَ لَحْنَ الشَّوقِ سَلسَله
وانْسابَ يُجْري على إِيقاعِهِ النَّهْرا
**
والوردُ فَتَّحَ أَكمامَ الشَّذا جَذَلاً
والرِّيحُ سابحةً تَستَنْشِقُ العِطْرا
**
والعينُ تَختالُ في الآفاقِ حائرةً
تُسائلُ الشُّهبَ كيْما تَكْشِفَ السِّرَّا
**
وإذْ بصوتِ ملاكِ البِشْرِ مُخترِقٌ
حُجْبَ المَسامعِ يشْدو في العُلى جَهْرا
**
لا غَرْوَ أنْ تَرقُصَ الأفلاكُ زاهِيةً
فاليومَ ضاءتْ ثُرَيَّا «فاطِمَ الزَّهْرا»
**
هَلَّتْ مشعشْعةً أحداقُ «فاطمة»
فالكونُ مُؤتلِقٌ بالطَّلعةِ الغَرَّا
**
مَرْحَى بِرَيحانةِ «المُختارِ» بَضْعتِهِ
في عيدِ مولدِها طابتْ لنا الذِّكْرَى
**
اللهُ أنعمَنا، باليُمنِ أَكرَمَنا
إِزاءَ نِعمتِهِ نُزْجِي له شُكْرا
**
«بَتولُ، طاهرةٌ، زَهراءُ، زاكِيَةٌ
عَذْراءُ، راضِيَةٌ، إِنْسِيَّةٌ، حَوْرا»
**
يَجثو البَهاءُ على أَعتابها خَجَلاً
لَفَّ المَدَى حُسْنُها، فاقَ السَّنا سِحْرا
**
يَبْرَى الجَدِيدانِ والدُّنيا بِرُمَّتِها
ونُورُها سَرْمَدٌ هيهاتَ أنْ يُبْرَى
**
طُوبى لها فُطِمتْ عن كُلِّ شائبةٍ
تَجلَببتْ ثوبَ هَدْيٍ وارْتَدتْ طُهْرا
**
اللهُ توَّجَها فضلاً ومأثُرةً
حتَّى تَسامتْ على كلِّ النِّسا قَدْرا
**
«زْهراءُ» أَنتِ مَلاذُ العُمْرِ مَلْجَؤُهُ
مِنَ البَلاءِ فهاكِ الرُّوحَ والعُمْرَا
**
«زهراءُ» أَنتِ نَمِيرُ الخُلْقِ صَفوتُه
بلْ كوثَرٌ نَستقي منْ حوضِه النَّشْرا
**
أُسُّ القداسةِ منْ كفَّيكِ مُنبجس
أُولَى دعائمِه أنْ عانقَ الخِدْرا
**
استلهمتْ منكِ حُورُ العِينِ نَضْرَتَها
ومنْ عفافكِ زانَتْ جِيدَها دُرَّا
***
«زهراءُ» أُمُّ أبيها رحمةٌ مَطَرتْ
أَذابتِ الهَمَّ والإعياءَ والضُّرَّا
**
تَفيضُ كالأُمِّ تَحناناً على جبلٍ
نِعْمَ الكريمةُ بنْتٌ حاكتِ البحرا
**
ثَجَّتْ عواطفُها، بَرَّتْ بِوالِدِها
فانْكبَّ يَغمرُها صَفْوَ الهَوى غَمْرا
**
يا لَلرَّسولِ حباهُ اللهُ مكرُمةً
«زهراءَ» أَغْنَتْه عن زَهْرِ الرُّبى طُرَّا
**
رَعْياً لها بِوَصِيِّ المُصْطَفَى اقْترنَتْ
أَغْنَى الأَنامِ تُقَىً، لمْ يُدْرِكِ الفَقْرا
**
ما كانَ غَيْرُ عَلِيٍّ كُفْءَ فاطِمَةٍ
وأَنهرُ الخُلْدِ أَسداها لها مَهرا
**
المؤمنونَ انْتَشَوْا، والقاسطونَ ثَوَوْا
والأنبياءُ احتَفَوْا في عرسِها دَهْرا
**
من مقلتَيها مصابيحُ الدُّجى انْبَثَقتْ
ومن نَداها أطلَّتْ «زينبُ الكُبرى»
**
أبناؤُها الغُرُّ نُورُ اللهِ آيَتُه
لولاهمُ لارْتوَتْ سُوحُ الدُّنى كُفْرا
**
إمامُنا «الحسَنُ الزَّاكي» سَما فِكْراً
صِنْوُ «الحسَينِ» صدَى الحريَّةِ الحَمْرا
**
«زَيْنُ العبادِ عَلِيٌّ» نبْعُ أَدعيةٍ
و«باقرُ العِلمِ» منْ أعماقِهِ بَقْرا
**
و«صادقُ القولِ» للألبابِ مدرسةٌ
و«كاظمُ الغَيظِ موسى» لازمَ الصَّبرا
**
وقرَّةُ العينِ «الرِّضا» عَلَمٌ
كافي الخلائقِ أَهْمَتْ كفُّهُ بِرَّا
**
ثُمَّ «الجوادُ» غزِيرُ العِلمِ معجزةٌ
و«النَّاصحُ العالِمُ الهادي» عَلا ذِكْرا
**
و«العسكرِيُّ بسامُرَّاءَ» مَفخرةٌ
و«صاحبُ الأمرِ» أضحى للهُدَى ذُخْرا
**
مَحضُ الوَلاءِ «لآلِ المصطفى» أَبداً
أَئمَّةِ الخَلقِ في الأُولَى وفي الأُخرى
**
اليومَ حَنجَرةُ الأشعارِ قد نطقتْ
بالمَكْرُماتِ بلَحنٍ يَشْرحُ الصَّدرا
**
تَسعى على ضِفَّةِ الميلادِ صادحةً
والرَّجعُ يَلثِمُ منْ وجهِ السَّما ثَغْرا
**
لولا «البتولُ» حروفُ الشِّعرِ ما زَهَرَتْ
ولا القوافي اسْتحالتْ دُونَها تِبْرا
**
ولا اليَراعُ هَفا من فَرْطِ فرحتِهِ
يَخُطُّ سَطراً يُناغي نُسْغُه سَطرا
**
قدْ صُغْتُ مِنْ لُؤْلُؤِ «الحَوراءِ» قافِيَةً
ورُحْتُ أَنسجُ منْ أطيافِها شِعْرا
وفي محافلِها غَنَّيْتُ رائعةً
لِعلَّني في هواها أجْتَني أَجْرا
العيدُ مزدهرٌ، والطَّرفُ مُنْبَهِرٌ
والثَّغرُ مُنكسِرٌ، يُبْدِي لها عُذْرا
أزكى الصَّلاةِ إلى «الزَّهراءِ» أُرسلُها
وأَنثرُ العِشْقَ في أكنافِها نَثْرا
*****
منقول من
شاعر موالي