حكى دعبل الخزاعي قال : دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا (ع) فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله فلما رآني مقبلاً قال لي مرحباً بك يا دعبل مرحباً بناصرنا بيده ولسانه ، ثم إنه وسع لي وأجلسني إلى جانبه ثم قال لي يا دعبل أحب أن تنشدني شعراً فإن هذه الأيام أيام حزن كانت على أهل البيت وأيام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني أمية ، يا دعبل من بكى أو أبكى على مصابنا ولو كان واحداً أجره على الله ، يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا يا دعبل من بكى على مصاب جدي الحسين غفر الله ذنوبه ، ثم إنه (ع) نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه وأجلس أهل بيته من ورائه ليبكوا على مصاب جدهم الحسين (ع) ثم التفت إلي وقال لي يا دعبل ارث الحسين (ع) .
فأنشد دعبل أبياتاً منها :
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً وقد مات عطشاناً بشط فـرات
إذاً للطمت الخد فاطم عنـده وأجريت دمع العين في الوجنات
بنات زياد في القصور مصونة وآل رسول الله منهـتكــات
وآل زياد في الحصون منيعـة وآل رسول الله في الفـلـوات
ديار رسول الله أصبحن بقلعاً وآل زيد تسكن الحـجــرات
وهذه هي القصيدة كاملةً
قصيدة ( أفاطم لو خلت الحسين )
دعبل بن علي الخزاعي
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا* وقد مات عطشانا بشط فرات
إذا للطمت الخد فاطم عنده* وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي* نجوم سماوات بأرض فلات
قبور بكوفان واخرى بطيبة* واخرى بفخ نالها صلواتي
واخرى بأرض الجوزجان محلها* وقبر ببا خمرى لدى الغربات
وقبر ببغداد لنفس زكية* تضمنها الرحمن في الغرفات
وقبر بطوس يا لها من مصيبة* ألحت على الاحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما* يفرج عنا الغم والكربات
علي بن موسى أرشد الله أمره* وصلى عليه أفضل الصلوات
فأما الممضات التي لست بالغا* مبالغها منى بكنه صفات
قبور ببطن النهر من جنب كربلا* معرسهم منها بشط فرات
توفوا عطاشا بالفرات فليتني* توفيت فيهم قبل حين وفاتي
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم* سقتني بكأس الثكل والفظعات
أخاف بأن ازدارهم فتشوقني* مصارعهم بالجزع فالنخلات
تغشاهم ريب المنون فما ترى* لهم عقرة مغشية الحجرات
خلا أن منهم بالمدينة عصبة* مدينين أنضاء من اللزبات
===============
قليلة زوار سوى أن زورا* من الضبع والعقبان والرخمات
لهم كل يوم تربة بمضاجع* ثوت في نواحي الارض مفترقات
تنكبت لاواء السنين جوارهم* ولا تصطليهم جمرة الجمرات
وقد كان منهم بالحجاز وأرضها* مغاوير نجارون في الازمات
حمى لم تزره المذنبات وأوجه* تضئ لدى الاستار والظلمات
إذا وردوا خيلا بسمر من القنا* مساعير حرب أقحموا الغمرات
فان فخروا يوما أتوا بمحمد* وجبريل والفرقان والسورات
وعدوا عليا ذا المناقب والعلى* وفاطمة الزهراء خير بنات
وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى* وجعفرا الطيار في الحجبات
اولئك لا ملقوح هند وحزبها* سمية من نوكى ومن قذرات
ستسأل تيم عنهم وعديها* وبيعتهم من أفجر الفجرات
هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم* وهم تركوا الابناء رهن شتات
وهم عدلوها عن وصي محمد* فبيعتهم جاءت عن الغدرات
وليهم صنو النبي محمد* أبوالحسن الفراج للغمرات
ملامك في آل النبي فانهم* أحباي ما داموا وأهل ثقاتي
تخيرتهم رشدا لنفسي إنهم* على كل حال خيرة الخيرات
نبذت إليهم بالمودة صادقا* وسلمت نفسي طائعا لولاتي
فيا رب زدني في هواي بصيرة* وزد حبهم يا رب في حسناتي
سأبكيهم ما حج لله راكب* وما ناح قمري على الشجرات
وإني لمولاهم وقال عدوهم* وإني لمحزون بطول حياتي
بنفسي أنتم من كهول وفتية* لفك عتاة أو لحمل ديات
وللخيل لما قيد الموت خطوها* فأطلقتم منهن بالذربات
احب قصي الرحم من أجل حبكم* وأهجر فيكم زوجتي وبناتي
===============
وأكتم حبيكم مخافة كاشح* عنيد لاهل الحق غير موات
فيا عين بكيهم وجودي بعبرة* فقد آن للتسكاب والهملات
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها* وإني لارجو الامن بعد وفاتي
إلم تر أني مذ ثلاثون حجة* أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسما* وأيديهم من فيئهم صفرات
وكيف اداوي من جوى بي والجوى* امية أهل الكفر واللعنات
وآل زياد في الحرير مصونة* وآل رسول الله منهتكات
سأبكيهم ما ذر في الافق شارق* ونادى مناد الخير بالصلوات
وما طلعت شمس وحان غروبها وبالليل أبكيهم وبالغدوات
ديار رسول الله أصبحن بلقعا* وآل زياد تسكن الحجرات
وآل رسول الله تدمى نحورهم* وآل زياد ربة الحجلات
وآل رسول الله يسبى حريمهم* وآل زياد آمنوا السربات
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم* أكفا عن الاوتار منقبضات
فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غد* تقطع نفسي إثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج* يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل* ويجزي على النعماء والنقمات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس فابشري* فغير بعيد كل ما هو آت
ولا تجزعي من مدة الجور إنني* أرى قوتي قد أذنت بثبات
فيا رب عجل ما اؤمل فيهم* لاشقي نفسي من أسى المحنات
فان قرب الرحمان من تلك مدتي* وأخر من عمري ووقت وفاتي
شفيت ولم أترك لنفسي غصة* ورويت منهم منصلي وقناتي
فاني من الرحمن أرجو بحبهم* حياة لدى الفردوس غير تباتي
عسى الله أن يرتاح للخلق إنه* إلى كل قوم دائم اللحظات
===============
فان قلت عرفا أنكروه بمنكر* وغطوا على التحقيق بالشبهات
تقاصر نفسي دائما عن جدالهم* كفاني ما ألقى من العبرات
احاول نقل الصم عن مستقرها* وإسماع أحجار من الصلدات
فحسبي منهم أن أبوء بغصة* تردد في صدري وفي لهواتي
فمن عارف لم ينتفع ومعاند* تميل به الاهواء للشهوات
كأنك بالاضلاع قد ضاق ذرعها* لما حملت من شدة الزفرات