بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لا زالت ذكرى استشهاد الإمام الحسين الأليمة تلقي بظلالها القاتمة على قلوبنا العاشقة فتذرف العين الدم بدل الدموع ويحف النفس زهدا وانسلاخا عن الدنيا وزخرفها طمعا بعاقبة خير ومفازة من الله أكبر, ورب سائل يسأل ما سر الحسين وما سر حرارة ثورته واشتعالها إلى يومنا هذا
السر هو في ربانية أهدافها وسمو قيمها وارتباطها بالمستقبل، فثورة الحسين محطة مفصلية في تاريخ العالم الإسلامي ومناراً لكل حركات التحرير في العالم وهذا ما سأذكره في افتتاحيتي التالية حيث أبين دور ثورة الحسين في تقويم مسيرة الأمة التي انحرفت عن دينها فحينما تتعطل الأمة عن حراكها التصاعدي وتفقد استعداداتها الفطرية نحو الكمالات وتنحدر في الضلال والفساد، ويبلغ الإنسان في انحطاطه إلى مستوى (الهمج الرعاع)،
لابد من هزة عنيفة تنفضه، وصعقة كهربائية توقظه ليصحو من الموات، لتدب فيه الحياة.. ليسترد وعيه كي يمضي في مسار النهضة، ذلك المسار المخطط ضمن إستراتيجية إلهية اقتضت أن تعيش البشرية حياة العزّة والكرامة تحت مظلة الأديان السماوية بقيادة الأنبياء والرسل والأئمة والقادة في سياق منهج سليم يدفع الإنسان والكائنات والتاريخ في حراك ديناميكي فاعل، وقد مرّ المجتمع الإنساني في أسوأ حقبات عرفها التاريخ فتعطل حراكها المنشود وسنعرف دور الحسين الثوري في الانقلاب السياسي والاجتماعي والعقائدي للأمة الإسلامية وذلك عبر
المحطات التالية :
· المحطة الأولى: (جاهلية قبل الإسلام):
ونعرف كيف عاش الإنسان في العصر الجاهلي بغياب القوانين العقلائية الرادعة التي تحفظ كرامته وتصون حقوقه حتى كان الانبعاث الروحي لهذا الهيكل الهامد وتفسخ نسيجه المغزول بالأنانيات والقوميات والعصبيات النتنة.
فانبلاج صبح الإسلام قشع حجب الظلام وبدد العتمة فانبعثت الروح في الحياة الجدباء وربت بمنهج الله المترع بالقيم الإنسانية والمُثل.
· المحطة الثانية: (جاهلية بني أميّة):
وحكم الطاغية (يزيد) وانحراف الأمة وضياعها وانغماسها في هموم الدنيا المعاشية الآنية التي استحوذت هذا المجتمع وسلبت همته وإرادته وعزمه مستسلماً لحياة الذل والخنوع مسترخصا قيم العزة والكرامة، إذ كان ينعق مع غربان يزيد ويطبل ويزمر لتصريحاته السياسية الكاذبة حتى خبث ضميره وفسدت سريرته فطبع الله على قلبه لأنه سلم قياده لحاكم منحرف نهش وأتباعه في حكم الله وشرعه كالذئاب المسعورة.
هذا المجتمع ارتكب أفظع كارثة عرفتها البشرية دفع بعدها الأثمان باهظة، إذ قتل (الحسين) حفيد رسول الله مكراً وغدراً، رغم أنه انطلق في قافلة الشهادة منقذاً ومصلحاً لدنيا وآخرة هذا المجتمع.
ولماذا الحسين؟
لأنه الشخصية التي امتلكت مؤهلات القائد الحكيم الذي يعرف كيف يزلزل الأرض تحت أقدام هذا المجتمع ويفجر لُغم الصحوة وينسف قيود الإذلال والخنوع عنه، ليبعث فيه الروح، ليرتج ذهنه المغيب ويعود إلى الصواب، فهو حجة الله على الأرض وإمام الزمان المنصوص عليه من السماء.
فثورة الحسين ديناميكية ملتهبة، يلفظ بركانها حمماً من الشهامة والشجاعة، سعاراً من الغضب الأشر، مجزرة دراماتيكية حيّرت العقول وسحرت الألباب بزخم عطاءاتها وكمالاتها الروحية.
في (كربلاء) انتصر الدم الشريف على سيف الباطل، وانقلبت المفاهيم المحرفة وتأسست حياة حرة شريفة اختصرها أبو الأحرار في ندائه الأبي:
(كونوا أحراراً في دنياكم)
وتقود زينب عقيلة بني هاشم عليها السلام بعد استشهاده قافلة الإباء لترسخ مفاهيم النهضة الحسينية في المجتمع المنكسر، وتؤلب الرأي العام ضد السلطة الجائرة، وتجند أدواتها الإعلامية آنذاك باتجاه النصر الإلهي وتعززه في مواقفها البطولية التي يشهد لها التاريخ.
هذه المفاهيم تعبر عن خواص المجتمع الحضاري والممثلة بالحرية، بالعزة، بالكرامة، بالقيم الإنسانية التي غيبتها السلطة عن وعي المجتمع لتخضعه تحت سلطانها فتقوده كالأنعام.
· الجاهلية الثالثة:
جاهلية عصرنا الحاضر والتي لا تختلف بصفاتها ونسيجها عن الجاهليتين السابقتين، فها نحن نعيش تحت هيمنة الإمبريالية والصهيونية وعملائها في العالم، وعولمة تروج لفكر منحل قائم على الانتهازية والنفعية فتعطلت أحكام الله وانحدرت البشرية في الفساد والظلم والضياع، فالأنظمة السياسية الطاغية تكيل بمكيالين وتحكم بمعايير مزدوجة، فاستشرى الفساد السياسي والاجتماعي والثقافي، وطورد على أثر ذلك الأحرار والشرفاء وزجوا في السجون والمعتقلات، بينما الشعوب موغلة في الصمت الأبله يكبلها الخوف الساذج،
هذه الجاهلية بانتظار المخلص (الحجة قائم آل محمد عجل الله فرجه الشريف) هو من سيقود حركة التحرير العالمية في سياق حراك جديه المصطفى (ص) والإمام الحسين (ع) ولكن بشكل أشمل وأعم ليؤسس المجتمع المعصوم، حلم البشرية الموعود، حيث ينتصر في نهاية التاريخ الحق على الباطل وتعلو كلمة الله خفاقة على كل الأديان والمناهج والأيديولوجيات الوضعية.
إذن، هذه المحطات المفصلية الثلاث تكرس في ضميرنا إيماناً راسخاً وقاطعاً بأن هناك ارتباط استراتيجي وثيق بين ثورة الحسين وثورة الحجة العالمية، فشعاره المؤكد في كل الروايات (يا لثارات الحسين) وهنا تتأكد حقيقة دامغة مفادها أن الحسين (ع) هو الحلقة الأساسية والأهم في حفظ مسيرة الإنسان العالمية، فلولا تضحياته وحركته الثورية لفقدت هذه اللحمة فضاع المقصود وتبعثرت الحقيقة في ظلام التاريخ، فأي دور نهضوي عظيم اضطلع فيه أبي الأحرار وسيد الشهداء ورائد حركات التحرير في كل بقاع الأرض..
فالسلام عليك يا سيدي يا أبا عبد الله.
السلام عليك وعلى أم المصائب زينب.
السلام عليك وعلى الأرواح التي حّلت بفنائك.
السلام عليك وعلى الشهداء الأبرار.
الذين بذلوا أرواحهم دونك.
السلام عليك يا مولاي ورحمة الله وبركاته.