(زعل) النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عائشة لمدة شهر:
جاء في صحيح البخاري ج 5 ص 59:
قالت ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشئ.
فهل يمكن القبول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المبعوث رحمة للعالمين ، من أجل اشاعات لا اساس لها من الصحة صيغت على أيدي منافقين وقويت على يد آخرين ، وقبل أي تحقيق ورعاية حق ، ترك زوجته و(زعل) منها لمدة شهر؟!!!
وهو الذي يقول بشأنه تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين . سورة الأنبياء / 107 .
نعم هكذا ينسب علماء السنة امورا مرفوضة الى رسول الله صلى الله وآله وسلم الذي يقول عنه رب العزة:
وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى . سورة النجم / 3و4 .
عدم نقل القصة بواسطة الصحابة:
لماذا لم نسمع عن نقل هذه القصة المهمة التي كانت حديث المجالس لمدة شهر من الصحابة المهاجرين منهم والانصار ؟!! فحتى ولو نفر واحد من اولئك لماذا لم يستطع نقلها!!!
ألا يدل على أن هذا الأمر من اختلاقات عائشة؟؟!!!
أين الفضيلة:
وعلى فرض أن هذه القصة السابقة صحيحة ، ألا تثبت تلك الآيات النازلة أنه لا زنا حدث بين عائشة وصفوان؟ فهل هذا يعتبر فضيلة لأيهما؟!!!
وبما ان جميع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل جميع نساء الأنبياء عليهم السلام وسائر نساء المؤمنين مبرئون من هذه التهمة ، فلماذا تحتسب هذه البرائة فضيلة لعائشة فقط؟!!!
شأن النزول في آيات الافك :
نقل الحاكم النيشابوري في المستدرك عن عايشة رواية تشير فيها بوضوح على من اورد اهل الافك اتهامهم ، ولكنه لم تذكر أسماء اولئك الذين هم مصداق (العصبة) ، ومن المعلوم انهم هم ممن عند اهل السنة يجب أن يحفظ ماء وجههم فلم يذكروهم!!
عن عايشة قالت : اهديت مارية إلى رسول اللّه ومعها ابن عم لها . قالت : فوقع عليها وقعة فاستمرت حاملا . قالت : فعزلها عند ابن عمها [في مشربة ام ابراهيم] .
قالت : فقال اهل الافك والزور : «من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره» وكانت امّه [تعني مارية] قليلة اللبن فابتاعت له ضائنة لبون فكان يغذى بلبنها فحسن عليه لحمه .
قالت عايشة : فدخل به عليّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فقال : «كيف ترين»؟ فقلت : من غذى بلحم الضأن يحسن لحمه .
قال : «ولا الشبه» قالت : فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت : ما أرى شبها . قالت : وبلغ رسول اللّه ما يقول الناس فقال لعلي ... ».
1 ـ المستدرك ج 4 ص 39 ، باب انفاق ابي بكر و عمر على مارية ؛
2 ـ إمتاع الأسماع ، المقريزي (المتوفى 845) ج 5 ص 336 ، الناشر: دار الكتب العلمية ، بيروت، 1999؛
وسنتم الحديث بما جاء في صحيح مسلم لاحقا...
ولابد من اشارة الى امور في نقل الحاكم النيشابوري :
1 ـ كان اتهام اهل الافك بالزنا لمارية وليس لعائشة!
2 ـ إن عائشة لم تستطع القول بشبه (ابراهيم) من أبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما داخلها من حسد وغيرة!
3 ـ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث عليا في مأمورية للتحقيق....!
نقل مسلم النيشابوري ـ في عرض 10 صفحات ـ حديث الافك عن عائشة ، وفي آخر الحديث ينقل رواية عن أنس :
عن انس أنّ رجلا كان يتهم بأم ولد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : اذهب فاضرب عنقه فأتاه علي فاذا هو في ركيّ يتبرد فيها فقال له علي أخرج فناوله يده فأخرجه فاذا هو مجبوب ليس له ذكر فكف عليّ عنه ثمّ أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللّه انّه لمجبوب ما له ذكر .
1 ـ صحيح مسلم ج 8 ص 119 كتاب صفات المنافقين و احكامه؛
2 ـ الاستيعاب ، ابن عبدالبر (المتوفى 463) ج 4 ص 1912، الناشر: دار الجيل، بيروت 1412.
نسألكم بالله تعالى هل يوجد انسجام بين هذه القصص وبين مقام نبي قال في حقه رب الجلالة:
وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحي . سورة النجم / 3و4 .
نعم ، اذا كان من المقرر نزول آيات لتبرئة شخص ، فذلك الشخص هو مارية القبطية ، حيث كان الاتهام بأن ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابراهيم ولد على فراشه.
حسد عائشة لمارية:
إن كان واقعا قد وردت مثل هذ الروايات عن عائشة ، فإن علة نسبة آية الافك لها لم يكن الا من حسدها على أَمة النبي التي جذبت اهتمامه وولدت له ولده ، في حين نجد أن عائشة التي وبعد سنوات من العيش مع النبي لم تلد وبقت بدون أطفال، وفي ما سننقله من روايات فإن عائشة هي تصرح بحسدها:
أخبرنا محمد بن عمر حدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت : ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية ؛ وذلك أنها كانت جميلة من النساء ، جعدة، وأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان ، فكانت جارتنا ، فكان رسول الله عامة النهار والليل عندها ...ثم رزق الله منها الولد وحرمنا منه.
الطبقات الكبرى ، محمد بن سعد ، (المتوفى230) ، ج 8 ، ص 212 ـ 213. الناشر: دار صادر ، بيروت.
ولا بأس هنا من نقل جملة ذكرها ابو داوود في سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تدل على أسباب حسد عائشة:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال ، وإنها لا تلد ، أفأتزوجها ؟ قال : لا . ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة فقال : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
سنن ابي داوود ، سليمان بن الاشعث السجستاني (المتوفى 275) ج 1 ص 455 كتاب النكاح. الناشر: دار الفكر، بيروت 1990.
وينقل عن عمر انه قال:
حصير في البيت خير من امرأة لا تلد .
سنن ابي داوود ج 2 ص 232 كتاب الطب باب في الطيرة.
اخبار الرسول ببرائة مارية:
إن جبريل أتاني فأخبرني أن الله قد برأ مارية وقريبها مما وقع في نفسي ، وبشرني أن في بطنها مني غلاما وأنه أشبه الخلق بي ، وأمرني أن أسميه إبراهيم وكناني بأبي إبراهيم ...
1 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر ، (المتوفى 571) ج 3 ، ص 46 ، الناشر دار الفكر، بيروت 1995؛
2 ـ كنز العمال ، المتقي الهندي ، (المتوفى 975) ج 11 ، ص 471 ، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت 1989.
تداوم اطلاق الشائعات حتى بعد وفاة ابراهيم:
فلما توفى إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ان إبراهيم ابني وانه مات في الثدي وان له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة.
1ـ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 76 ـ 77؛
2 ـ مسند أبي يعلى الموصلي (المتوفى 307) ، ج 7 ، ص 205 ، الناشر: مكتبة در الاقصى، الكويت1405؛
3 ـ صحيح ابن حبان (المتوفى 354) ج 15 ، ص 401 ، الناشر: مؤسسة الرسالة1993؛
4 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير (المتوفى 774) ، ج 5 ، ص 331 ، الناشر: دار احياء التراث العربي، بيروت 1988.
من هم الذين اتهموا في قصة الافك على عائشة:
ان واحدة من الامور التي تم التصريح بها في هذه الروايات هو اسماء الذين أشاعوا الاتهام ، وستصيب الحيرة من يلاحظ تلك الاسماء ، ولن يستطيع عقله قبول ذلك:
قال عروة أيضا لم يسم من أهل الإفك أيضا الا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى وان كبر ذلك يقال عبد الله بن أبي ابن سلول.
صحيح البخاري ج 5 ص 56 كتاب المغازي باب حديث الافك.
فكيف يمكن قبول أن مسطح ابن اثاثة ، ربيب نعمة ابي بكر ، أن يتهم ابنة ولي نعمته تبعا لقول واحد من المنافقين؟!
وكيف يمكننا القبول بأن حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يتهم زوجة النبي بهذه التهمة؟!
وكيف يمكن قبول أن حمنة زوجة طلحة بن عبيد الله تتهم ابنة عم زوجها وتشيع هذا الكلام الغير لائق بحقها ويبقى طلحة في صمت؟!!
اطلالة على معنى العصبة:
جاء في القرآن الكريم التعبير بـ(العصبة) على فريق الاتهام.
ذكر الراغب في المفردات:
والعصبة جماعة متعصبة متعاضدة ، قال تعالى : ( لتنوء بالعصبة ـ ونحن عصبة ) أي مجتمعة الكلام متعاضدة ، واعصوصب القوم صاروا عصبا ، وعصبوا به أمرا.
مفردات غريب القرآن، الراغب الاصفهاني (المتوفى502)، ص 336 ، الناشر : دفتر نشر الكتاب 1404.
إن عبد اللّه بن ابيّ ومسطح وحمنة ، لم يكن بينهم أي علاقة نسبية أو سببية، ولم يكونوا من قبيلة واحدة ، ولم يكونوا بأجمعهم من المنافقين، وليس جميعهم من الانصار، وليسوا بأجمعهم من قريش!!
فعلى ذلك كيف يمكن لنا أن وتحت أي عنوان أن نجمعهم حتى يصدق عليهم تعبير القرآن الكريم بـ(العصبة)؟! حتى يتناسب مع كلام العرب الفصيح الذي جاء به القرآن الكريم.
أما على رأي الشيعة بأن هذا الأمر كان من مخططات (المنافقين) ، فعليه يكون استعمال اللفظ صحيحا ومطابقا للغة العرب، حينئذ لا يرد الاشكال.
اقامة النبي لحد القذف على المتهمين:
ذكر الترمذي أنه بعد نزول آيات الافك اقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم حد القذف على 3 نفرات هم حسان وحمنة ومسطح:
حدثنا بندار أخبرنا ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت : لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن ، فلما نزل ، امر برجلين وامرأة فضربوا حدهم.
1 ـ سنن الترمذي (المتوفى 279) ، ج 5 ، ص 17، سورة الفرقان ، الناشر: دار الفكر، بيروت 1983؛
2 ـ سنن ابي داوود ج 2 ص 358 باب حد القذف ؛ وذكر ابو داود في حديث بعده اسماء الاشخاص المذكورين اعلاه.
3 ـ سنن ابن ماجة (المتوفى 273) ج 2 ص 857 ، الناشر: دار الفكر، بيروت.
ما يهمنا هنا ، السؤال عن سبب عدم ورود هذا الأمر واجراء النبي لحد القذف على هؤلاء في حديث آخر غير ما روي عن عائشة؟؟!!
ومن ثم ألا يحتاج اجراء الحد عند حاكم الشرع الى شهادة اثنين من العدول؟!! فكيف تم ذلك وبشهادة أهل السنة انه لم يكن يوجد ولا شاهد عادل على هذه القصة؟!! ناهيك عن ان مسطح حسب زعمهم ذكر القصة عند امه فقط؟!!
تناقض واضح:
قالت عائشة في قصة الافك التي تريد انتسابها لها او يريدون نسبها اليها، تقول انها كانت ضعيفة الجسم وخفيفة المحمل فعندما حملوا (الهودج) لم يتبينوا أنها لم تكن فيه وأنهم تركوها غفلة!!
لكنها في نقول اخرى عنها تقول انها كانت (سمينة) عندما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله!!!
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لما أرادوا أن يدخلوني على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم سمنوني بالقثاء والرطب فتسمنت حتى جعل الناس يتعجبون من سمني.
الاحاد والمثاني ، ابن أبي عاصم الضحاك (المتوفى 287) ج 5 ص 397 ، الناشر: دار الدراية، السعودية1991.
فكيف يمكن لهذين النقلين أن يتوافقا؟!!
يعني أنها في بداية زواجها كانت (سمينة) وبعد مدة من زواجها اصابها (الضعف) الى حد أن لم يحسوا بعدم وجودها في (الهودج)!!!
فهل أن رسول الله (والعياذ بالله) آذاها الى هذا الحد الذي أصبح جسمها بالضعف الذي تصف!!
بناءا على ما تقدم ، نترك الحكم لكم سادتي الاكارم في قبول روايات الشيعة عن شأن نزول آية الافك ، او ردها!!
والحمد لله رب العالمين.
ملاحظة:
1 ـ اعتمدنا في نقل المصادر على برنامج مكتبة أهل البيت عليهم السلام.
2 ـ ما جاء بين معقوفتين [ ] توضيح من الكاتب وليس من اصل الكلام المنقول. فتنبه.