|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 52510
|
الإنتساب : Jul 2010
|
المشاركات : 95
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
الكمال الحقيقي ليس في المال والجاه
بتاريخ : 18-08-2010 الساعة : 11:03 PM
الكمال الحقيقي في العلم و القدرة لا المال و الجاه
لما عرفت ان المحبوب عند الانسان هو العلم و القدرة و المال و الجاه لكونها كمالا، فاعلم انه اشتبه الامر عليه باغواء الشيطان، حيث التبس عليه الكمال الحقيقي بالوهمي، و تيقن بكون جميع ذلك كمالا و احبه. اذ التحقيق ان بعضها كمال حقيقي و بعضها كمال وهمي لا اصل له، و السعي في طلبه جهل و خسران و تضييع وقت و خذلان.
بيان ذلك: انه لا ريب في عدم كون المال و الجاه كمالا، لان القدرة و الاستيلاء على اعيان الاموال بوجوه التصرف و على القلوب و الابدان بالتسخير و الانقياد ينقطع بالموت، فمن ظن ذلك كمالا فقد جهل. فالخلق كلهم في غمرة هذا الجهل، فانهم يظنون ان القدرة على الاجساد بقهر الحشمة، و على اعيان الاموال بسعة الغنى، و على تعظيم القلوب بسعة الجاه كمال، و لما اعتقدوا كون ذلك كمالا احبوه، و لما احبوه طلبوه، و لما طلبوه شغلوا به و تهالكوا عليه، فنسوا الكمال الحقيقي الذي يوجب القرب من الله، اعنى العلم و الحرية كما ياتي. فهؤلاء هم الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، فلا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينصرون، و هم الذين لم يفهموا قوله تعالى:
«المال و البنون زينة الحياة الدنيا، و الباقيات الصالحاتخير عند ربك ثوابا» (5) .
فالعلم و الحرية و فضائل الاخلاق هي الباقيات الصالحات التي تبقى كمالا للنفس بعد خراب البدن، و المال و الجاه هو الذي ينقضى على القرب و هو كما مثله الله تعالى، حيث قال:
«انما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلطبه نبات الارض. . . » (6) .
و كل ما تذروه رياح الموت فهو زهرة الحياة الدنيا، و كل ما لا يقطعه الموت فهو من الباقيات الصالحات.
فقد ظهر ان كمال القدرة بالمال و الجاه كمال وهمي لا اصل له، و ان من قصر الوقت على طلبه وظنه مقصودا فهو جاهل، الا قدر البلغة منها الى الكمال الحقيقي.
و اما العلم، فلا ريب في كون ما هو حقيقة العلم كمالا حقيقيا، اذ الكمال الحقيقي هو الذي يقرب من يتصف به من الله و يبقى كمالا للنفس بعد الموت. و لا شك في ان العلم بالله و بصفاته و افعاله و حكمته في ملكوت السماوات و الارض و ترتيب الدنيا و الآخرة و ما يتعلق به هو المقرب للعبد الى الله، اذ هو علم ثابت لا يقبل التغيير و الانقلاب، اذ معلوماته ازلية ابدية و ليس لها تغيير و انقلاب، حتى يتغير العلم بتغيرها مثل التغيرات التي يتغير العلم بها بتغيرها و انقلابها، كالعلم بكون زيد في الدار.
فهو علم ثابت ازلا و ابدا من دون تغير و اختلاف، كالعلم بجواز الجائزات و وجوب الواجبات و استحالة المستحيلات. فهذا العلم-اعنى معرفة الله و معرفة صفاته و افعاله-هو الكمال الحقيقي الذي يبقى بعد الموت و ينطوى فيه العلم بالنظام الجملي الاصلح و جميع المعارف المحيطة بالموجودات و حقائق الاشياء، اذ الموجودات كلها من افعاله، فمن عرفها من حيث هي فعل الله و من حيث ارتباطها بالقدرة و الارادة و الحكمة، كانت هذه المعرفة من تكملة معرفة الله التي تبقى كمالا للنفس بعد الموت، و تكون نورا للعارفين بعد الموت يسعى بين ايديهم و ايمانهم: «يقولون ربنا اتمم لنا نورنا» ، و هي راس ما يوصل الى كشف ما لم ينكشف في الدنيا، كما ان من معه سراج خفى، فانه يجوز ان يصير ذلك سببا لزيادة النور بسراج آخر يقتبس منه، فيكمل النور بذلك النور الخفي على سبيل الاستتمام، و من ليس معه اصل السراج لا مطمع له في ذلك. فمن ليس له اصل معرفة الله لم يكن له مطمع في هذا النور، بل هو في «ظلمات في بحر لجى، يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض» .
و ما عدا هذه المعرفة من المعارف، اما لا فائدة فيه اصلا، كمعرفة الشعر و انساب العرب و مثلها، اوله منفعة في معرفة الله، كمعرفة لغة العرب و التفسير و الفقه و الاخبار، و معرفة طريق تزكية النفس التي تفيد استعدادا لقبول الهداية الى معرفة الله، كما قال تعالى:
«قد افلح من زكاها»(7) . و قال: «و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (8) .
فهو من حيث انه وسيلة الى معرفة الله و الى تحصيل الحرية مما لا بد منه بالعرض.
ثم ان المعرفة التي هي كمال حقيقي للانسان ليس كمال العلم و غايته، اذ لا يتصور كمال العلم و نهايته الا للواجب تعالى، اذ كمال العلم انما يتحقق بامور ثلاثة:
الاول-ان يحيط بكل المعلومات، و لا يتحقق ذلك في علم البشر.
اذ ما اوتى من العلم الا قليلا، بل العلم الذي يحيط بجميع المعلومات هو علم الله تعالى، و علم العبد انما يتحقق ببعض المعلومات، و كلما كانت معلوماته اكثر كان علمه اقرب الى علم الله تعالى.
الثاني-ان يتعلق بالمعلوم على ما هو به، و يكون المعلوم منكشفا واضحا في غاية الانكشاف و الوضوح، بحيث لا يقبل انكشافا اتم منه.
و هذا ايضا غير ممكن التحقيق في حق الانسان، اذ علمه لا يخلو عن كدرة و ابهام، بل الكشف اتام الذي هو غاية الظهور و الانجلاء مختص بعلم الله تعالى، اذ معلوماته مكشوفة باتم انواع الكشف على ما هي عليها، و علم العبد له ببعض مراتب الانكشاف، فكلما كان اجلى و اوضح و اتقن و اوفق للمعلوم في تفاصيل صفاته، كان اقرب الى علم الله.
الثالث-ان يكون باقيا ابد الآباد، بحيث لا يتغير و لا يزول.
و هذا ايضا مختص بعلم الله تعالى، اذ علمه تعالى باق لا يتصور ان يختلف و يتغير و يزول، و علم الانسان يتغير و يزول، فكلما كان علمه بمعلومات لا تقبل التغير و الانقلاب، كان اقرب الى علم الله تعالى.
هذا، و من الكمالات للانسان: التحلى بفضائل الاخلاق و الصفات لا يجابها صفاء النفس المؤدى الى البهجة الدائمية و الحرية، اعني الخلاص من اسر الشهوات و غموم الدنيا و الاستيلاء عليها بالقهر، تشبها بالملائكة الذين لا تستغرقهم الشهوة و لا يستهويهم الغضب، اذ رفع آثار الشهوة و الغضب من النفس كمال حقيقي، لانه من صفات الملائكة. و من صفات الكمال لله سبحانه عدم تطرق التغيير و التاثير على حريم كبريائه، فمن كان عن التغير و التاثر بالعوارض ابعد كان الى الله اقرب.
و اما القدرة، فقد قال بعض العلماء: «اما القدرة فليس فيها كمال حقيقي للعبد، اذ القدرة الحقيقية لله، و ما يحدث من الاشياء عقيب ارادة العبد و قدرته و حركته، فهي حادثة باحداث الله تعالى. نعم، له كمال من جهة القدرة بالاضافة الى الحال، و هي وسيلة الى كمال العلم، كسلامة اطرافه و قوة يده للبطش، و رجله للمشي، و حواسه للادراك، فان هذه القوى آلة للوصول به الى حقيقة كمال العلم، و قد يحتاج في استيفاء هذه القوى الى القدرة بالمال و الجاه للتوصل به الى المطعم و الملبس، و ذلك الى قدر معلوم، فان لم يستعمله للوصول به الى معرفة الله فلا خير فيه البتة الا من حيث اللذة الحالية التي تنقضي على القرب، و لا طريق للعبد الى اكتساب كمال القدرة الباقية بعد موته، اذ قدرته على كل شيء من الارضيات كالمال و الابدان و النفوس، تنقطع بالموت» .
و انتخبير بان تحقق نوع قدرة للعباد مما لا ريب فيه، و ان كانت اسبابها و اصلها من الله سبحانه، الا ان القدرة على الامور الدنيوية الفانية كالمال و الاشخاص و غير ذلك، ليست كمالا حقيقيا، لزوالها بالموت. نعم الحق ثبوت القدرة النفسية للعبد-اعني تاثير نفسه في الغير من الكائنات تاثيرا روحانيا معنويا، كما هو ظاهر من تاثير بعض النفوس في الانسان و الحيوان و النبات و الجماد بانواع التاثيرات، و مثل هذه القدرة تبقى للنفوس بعد الموت و لذا ترى ان من يستغيثببعض النفوس الكاملة من الاموات يرى منها عجائب التاثيرات و الاستفاضات، فما ذكره بعض العلماء من عدم بقاء قدرة للنفوس بعد الموت محل النظر.
و قد ظهر بما ذكر: ان الكمال الحقيقي للانسان هو العلم الحقيقي و فضائل الاخلاق و الحرية و القدرة .
---------------------------------------------------------
5) الكهف، الآية: 47.
6) يونس، الآية: 24.
7) الشمس، الآية: 9.
8) العنكبوت، الآية: 69.
منقول نصا من كتاب جامع السعادات للمولى محمد مهدي النراقي احد اعلام المجتهدين
|
|
|
|
|