|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 18676
|
الإنتساب : Apr 2008
|
المشاركات : 7,218
|
بمعدل : 1.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نسايم
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 02-12-2009 الساعة : 05:01 AM
فهذه الدنيا أيها الملك التي أخبرتك أنها لا شئ فهذا نسبها وحسبها ومسيرها إلى ما قد سمعت ، قد رفضتها لما عرفتها ، وأبصرت الامر الذي هو الشئ فإن كنت تحب أيها الملك أن أصف لك ما أعرف عن أمر الاخرة التي هي الشئ فاستعد إلى السماع ، تسمع غير ما كنت تسمع به من الاشياء .
فلم يزده الملك عليه إلا أن قال له : كذبت لم تصب شيئا ، ولم تظفر إلا بالشقاء والعناء ، فاخرج ولا تقيمن في شئ من مملكتي ، فإنك فاسد مفسد .وولد للملك في تلك الايام بعد إياسه من الذكور غلام لم يرالناس مولودا مثله قط حسنا وجمالا وضياء ، فبلغ السرور من الملك مبلغا عظيما كاد يشرف منه على هلاك نفسه من الفرح ، وزعم أن الاوثان التي كان يعبدها هي التي وهبت له الغلام ، فقسم عامة ما كان في بيوت أمواله على بيوت أوثانه ، وأمر الناس بالاكل والشرب سنة وسمى الغلام يوذاسف ، وجمع العلماء والمنجمين لتقويم ميلاده ، فرفع المنجمون إليه أنهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف والمنزلة مالا يبلغه أحد قط في أرض الهند ، واتفقوا على ذلك جميعا ، غير أن رجلا قال : ما أظن الشرف والمنزلة والفضل الذي وجدناه يبلغه هذا الغلام إلا شرف الاخرة ولا أحسبه إلا أن يكون إماما في الدين والنسك وذا فضيلة في درجات الاخرة لاني أرى الشرف الذي تبلغه ليس يشبه شيئا من شرف الدنيا وهو شبيه بشرف الاخرة .
فوقع ذلك القول من الملك موقعا كاد أن ينغصه سروره بالغلام ، وكان المنجم الذي أخبره بذلك من أوثق المنجمين في نفسه وأعلمهم وأصدقهم عنده ، وأمر الملك للغلام بمدينة فأخلاها وتخير له من الظؤرة والخدم كل ثقة وتقدم إليهم أن لا يذكر فيما بينهم موت ولا آخرة ولا حزن ولا مرض ولا فناء حتى تعتاد ذلك ألسنتهم وتنساه قلوبهم ، وأمرهم إذا بلغ الغلام أن لا ينطقوا عنده بذكر شئ مما يتخوفونه عليه خشية أن يقع في قلبه منه شئ فيكون ذلك داعية إلى اهتمامه بالدين والنسك ، وأن يتحفظوا ويتحرزوا من ذلك ، ويتفقد بعضهم من بعض ، وازداد الملك عند ذلك حنقا على النساك مخافة على ابنه .وكان لذلك الملك وزير قد كفل أمره وحمل عنه مؤونة سلطانه ، وكان لا يخونه ولا يكذبه ولا يكتمه ، ولا يؤثر عليه ، ولا يتواني في شئ من علمه ، ولا يضيعه ، وكان الوزيز مع ذلك رجلا لطيفا طلقا معروفا بالخير يحبه الناس ويرضون به إلا أن أحباء الملك وأقربائه كانوا يحسدونه ، ويبغون عليه ، ويستثقلون بمكانه .
ثم إن الملك خرج ذات يوم إلى الصيد ومعه ذلك الوزيرر فأتى به في شعب من الشعاب على رجل قد أصابته زمانة شديدة في رجليه ، ملقى في أصل شجرة لا يستطيع براحا فسأله الوزير عن شأنه فأخبره أن السباع أصابته ، فرق له الوزير فقال له الرجل : ضمني إليك واحملني إلى منزلك فإنك تجد عندي منفعة فقال الوزير : إني لفاعل وإن لم أجد عندك منفعة ، ولكن يا هذا ما المنفعة التي تعدينها ، هل تعمل عملا أو تحسن شيئا ؟ فقال الرجل : نعم أنا أرتق الكلام فقال ، وكيف ترتق الكلام ؟ قال : إذا كان فيه فتق أرتقه حتى لا يجيئ من قبله فساد ، فلم ير الوزير قوله شيئا ، وأمر بحمله إلى منزله وأمر له بما يصلحه حتى إذ كان بعد ذلك احتال أحباء الملك للوزير وضربوا له الامور ظهرا وبطنافا جمع رأيهم على أن دسوا رجلا منهم إلى الملك ، فقال له : أيها الملك إن هذا الوزير يطمع في ملكك أن يغلب عليه عقبك من بعدك فهو يصانع الناس على ذلك ، ويعمل عليه دائبا ، فإن أردت أن تعلم صدق ذلك فأخبره أنه قد بدالك أن ترفض الملك وتلحق بالنساك ، فإنك سترى من فرحه بذلك ما تعرف به أمره ، وكان القوم قد عرفوا من الوزير رقة عند ذكر فناء الدنيا والموت ولينا للنساك وحبا لهم فعملوا فيه من الوجه الذي ظنوا أنهم يظفرون بحاجتهم منه ، فقال الملك : لئن هجمت منه على هذا لم أسأل عما سواه ، فلما أن دخل عليه الوزير قال له الملك : إنك قد عرفت حرصي على الدنيا وطلب الملك وإني ذكرت ما مضى من ذلك فلم أجد معي منه طائلا ، وقد عرفت أن الذى بقي منه كالذي مضى فإنه يوشك أن ينقضي ذلك كله بأجمعه فلا يصير في يدي منه شئ ، وأنا اريد أن أعمل في حال الاخرة عملا قويا على قدر ما كان من عملي في الدنيا وقد بدالي أن الحق بالنساك واخلي هذا العمل لاهله فما رأيك ؟ قال : فرق الوزير لذلك رقة شديدة حتى عرف الملك ذلك منه ، ثم قال : أيها الملك إن الباقي وإن كان عزيزا لاهل أن يطلب وإن الفاني وإن استمكنت منه لاهل أن يرفض ونعم الرأي رأيت ، وإني لارجو أن يجمع الله لك مع الدنيا شرف الاخرة ، قال : فكبر ذلك على الملك ووقع منه كل موقع ولم يبدله شيئا غير أن الوزير عرف الثقل في وجهه فانصرف إلى أهله كئيبا حزينا لا يدري من أين أتي ولا من دهاه ولا يدري ما دواء الملك فيما استنكر عليه فسهر لذلك عامة الليل ، ثم ذكر الرجل الذي زعم أنه يرتق الكلام فأرسل إليه فاتي به فقال له : إنك كنت ذكرت لي ذكرا من رتق الكلام فقال الرجل أجل فهل احتجت إلى شئ من ذلك ؟ فقال الوزير : نعم اخبرك أني صحبت هذا الملك قبل ملكه ومنذ صار ملكا فلم أستنكره فيما بيني وبينه قط لما يعرفه من نصيحتي وشفقتي وإيثاري إياه على نفسي وعلى جميع الناس ، حتى إذا كان هذا اليوم استنكرته استنكارا شديدا لا أظن خيرا عنده بعده ، فقال له الراتق : هل لذلك سبب أو علة ، قال الوزير : نعم دعاني أمس وقال لي كذا وكذا فقلت له كذا وكذا ، فقال : من ههنا جاء الفتق وأنا أرتقه إن شاء الله .
إعلم أن الملك قد ظن أنك تحب أن ينجلي هو عن ملكه وتخلفه أنت فيه فإذا كان عند الصبح فاطرح عنك ثيابك وحليتك وألبس أوضع ما تجده من ذي النساك واشهره ثم احلق رأسك وامض على وجهك إلى باب الملك فإن الملك سيدعو بك ويسألك عن الذي صنعت فقل له : هذا الذي دعوتني إليه ولا ينبغي لاحد أن يشير على صاحبه بشئ إلا واساه فيه وصبر عليه ، وما أظن الذي دعوتني إليه إلا خيرا مما نحن فيه ، فقم إذا بدالك ، ففعل الوزير ذلك فتخلى عن نفس الملك ما كان فيها عليه .
ثم أمر الملك بنفي النساك من جميع بلاده وتوعدهم بالقتل ، فجدوا في الهرب والاستخفاء ، ثم إن الملك خرج ذات يوم متصيدا فوقع بصره على شخصين من بعيد فأرسل إليهما فاتي بهما فاذا هما ناسكان فقال لهما : ما بالكما لن تخرجا من بلادي قالا : قد أتتنا رسلك ونحن على سبيل الخروج ، قال : ولم خرجتما راجلين ، قالا : لانا قوم ضعفاء ليس لنا دواب ولا زاد ولا نستطيع الخروج إلا بالتقصير ، قال الملك : إن من خاف الموت أسرع بغير دابة ، ولا زاد فقالا له : إنه لا نخاف الموت بل لا ننظر قرة عين في شئ من الاشياء إلا فيه .
تابع ....
|
|
|
|
|