في تقدم الشيعة في تأسيس علم دراية الحديث وتنويعه إلى الأنواع المعروفة
فأول من تصدى له أبو عبد اللّه الحاكم النيشابوري، وهو محمد بن عبد اللّه المشهور، المتوفى سنة خمس وأربع مائة هـ، صنف فيه كتاباً سماه «معرفة علوم الحديث» في خمسة أجزاء، ونوع فيه الحديث إلى خمسين نوعاً، وقد نص على تقدمه في ذلك في «كشف الظنون» قال: أول من تصدى له الحاكم، وتبعه في ذلك ابن الصلاح
وما ذكره الحافظ السيوطي في «الوسائل في الأوائل» أن أول من رتب أنواعه ونوع الأنواع المشهورة الآن: ابن الصلاح، المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة في مختصره المشهور، لا ينافي ما ذكرناه، لأنه يريد: أول من فعل ذلك من أهل السنة - والحاكم من الشيعة - باتفاق الفريقين، فقد نص السمعاني في «الأنساب» والشيخ أحمد بن تيمية، والحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» على تشيعه، بل حكى الذهبي في «تذكرة الحفاظ» عن ابن طاهر أنه قال: سألت أبا إسماعيل الأنصاري عن الحاكم فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث.
قال الذهبي: ثم قال ابن طاهر: كان الحاكم شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً عن معاوية وآله، متظاهراً بذلك ولا يعتذر منه.
قلت: وقد نص أصحابنا على تشيعه، كالشيخ محمد بن الحسن الحر في آخر الوسائل، وحكى عن ابن شهراشوب، في معالم العلماء في باب الكنى،
أنه عده في مصنفي الشيعة، وأن له «الأمالي» وكتاباً في «مناقب الرضا» وذكروا له كتاب «فضائل فاطمة الزهراء عليها السلام» وقد عقد له المولى عبد اللّه افندي في كتابه «رياض العلماء» ترجمة مفصلة في القسم الأول من كتابه المختص بذكر الشيعة الإمامية، وذكره في باب الألقاب، وباب الكنى، ونص عليه وذكر له كتاب أصول علم الحديث، وكتاب المدخل إلى علم الصحيح، قال: واستدرك على البخاري في صحيحه أحاديث منها في أهل البيت حديث «الطير المشوي» وحديث «من كنت مولاه».
وصنف بعد أبي عبد اللّه الحاكم في علم دراية الحديث، جماعة من شيوخ علم الحديث من الشيعة، كالسيد جمال الدين أحمد بن طاوس أبو الفضايل، وهو واضع الاصطلاح الجديد للإمامة، في تقسيم أصل الحديث إلى الأقسام الأربعة: الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف، كانت وفاته سنة 673 هـ.
ثم صنف السيد العلامة علي بن عبد الحميد الحسني شرح أصول دراية الحديث، يروي عن الشيخ العلامة الحلي بن المطهر وللشيخ زين الدين، المعروف بالشهيد الثاني «البداية في علم الدراية» وشرحها المسمى بالدراية، وللشيخ الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني «وصول الأخيار إلى أصول الأخبار» وللشيخ أبي منصور الحسن بن زين الدين العاملي مقدمة المنتقى، ذكر أصول علم الحديث، وللشيخ بهاء الدين العاملي كتاب «الوجيزة» في علم دراية الحديث، وقد شرحتها أنا، وسميت الشرح «نهاية الدراية» وقد طبعت بالهند ودخلت المدارس.
في أول من دون علم رجال الحديث وأحوال الرواة
فاعلم إنه أبو عبد اللّه محمد بن خالد البرقي القمي، كان من أصحاب الإمام موسى بن جعفر الكاظم، كما في كتاب الرجال للشيخ أبي جعفر الطوسي وذكر تصنيفه في الرجال الرواة أبو الفرج ابن النديم في الفهرست، في أول الفن الخامس في أخبار فقهاء الشيعة من المقالة السادسة.
قال: وله من الكتب كتاب «العويص»، كتاب «التبصرة»، كتاب «الرجال» فيه ذكر من روى عن أمير المؤمنين رضي اللّه عنه، انتهى.
ثم صنف بعده أبو محمد عبد اللّه بن جبلة بن حيان بن أبحر الكناني، صنف كتاب «الرجال»، ومات سنة تسع عشرة ومائتين عن عمر طويل.
وقال السيوطي في كتاب الأوائل: أول من تكلم في الرجال شعبة وهو متأخر عن ابن جبلة، فإن شعبة مات سنة ستين ومائتين، بل تقدمه منا بعد ابن جبلة أبو جعفر اليقطيني صاحب الإمام الجواد محمد بن علي الرضا، فإنه صنف كتاب «الرجال» كما في فهرست النجاشي، وفهرست ابن النديم.
وكذلك الشيخ محمد بن خالد البرقي، كان من أصحاب الإمام موسى بن جعفر والرضا، وبقي حتى أدرك الإمام أبا جعفر محمد بن الرضا عليه السلام وكتابه موجود بأيدينا. فيه ذكر من روى عن أمير المؤمنين عليه السلام، ومن بعده، وفيه الجرح والتعديل كسائر الكتب المذكورة.
ثم صنف أبو جعفر أحمد بن خالد البرقي كتاب «الرجال» وكتاب
«الطبقات» وتوفي سنة 274 هـ والشيخ أبو الحسن محمد بن أحمد داود بن علي القمي المعروف بابن داود شيخ الشيعة، له «كتاب الممدوحون والمذمومين من الرواة» مات سنة ثمان وستين وثلثمائة هـ.
وللشيخ أبي جعفر محمد بن بابويه الصدوق كتاب «معرفة الرجال» وكتاب «الرجال المختارين من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم»، توفى سنة 381 هـ، وللشيخ أبي بكر الجعاني- قال ابن النديم: كان من أفاضل الشيعة - كتاب «الشيعة من أصحاب الحديث وطبقاتهم»، قال النجاشي: وهو كتاب كبير وللشيخ محمد بن بطة كتاب «أسماء مصنفي الشيعة» وتوفى سنة أربع وسبعين ومائتين، وللشيخ نصر بن الصباح أبي القاسم البلخي شيخ الشيخ أبي عمرو الكشي، له كتاب «معرفة الناقلين من أهل المائة الثالثة» مات فيها، ولعلي ابن الحسن بن فضال كتاب «الرجال» وهو في طبقة الذي قبله، وللسيد أبي يعلي حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس ابن علي بن أبي طالب عليه السلام كتاب «من روى عن جعفر بن محمد من الرجال» قال النجاشي: وهو كتاب حسن، روى عنه التلعكبري إجازة، فهو من العلماء المائة الثالثة، وللشيخ محمد بن الحسن بن علي أبي عبد اللّه المحاربي كتاب «الرجال من علماء الثالثة» وللمستعطف عيسى بن مهران كتاب «المحدثين» وهو من المتفدمين، ذكره الطوسي في الفهرست، وقد ذكرت الأصل في مصنفات الشيخ الطوسي والنجاشي والكشي والعلامة أبن المطهر الحلي وابن داود وطبقات ممن صنفوا في الرجال، وكتبهم عليها المعول في الجرح والتعديل إلى اليوم فراجع، ولأبي الفرج القناني الكوفي أستاذ النجاشي كتاب «معجم رجال المفضل» رتبه على حروف المعجم.
أول من صنف في طبقات الرواة
فاعلم أن أول من صنف الطبقات أبو عبد اللّه محمد بن عمر الواقدي، المتولد سنة ثلاث ومائة، عمر78، ونص على تصنيفه الطبقات ابن النديم في فهرست كتبه، كما سيأتي تفصيلها في الصحيفة الرابعة من الفصل الثامن في ترجمته، ولابن الجعابي القاضي أبي بكر عمرو بن محمد بن سلام بن البراء المعروف بابن الجعابي كتاب «الشيعة من أصحاب الحديث وطبقاتهم» وهو كتاب كبير، وكتاب المولى والأشراف وطبقاتهم، كتاب من روى الحديث من بني هاشم ومواليهم، كتاب «أخبار آل أبي طالب»، كتاب «أخبار بغداد وطبقاتهم وأصحاب الحديث بها» قال ابن النديم في الفهرست: وكان من أفاضل الشيعة، وخرج إلى سيف الدولة فقربه وخص به، قلت، روى عنه الشيوخ كالشيخ المفيد وأمثاله، توفى بعد المائة الثالثة سنة 355 هـ، وللشيخ أبي جعفر البرقي أحمد أبن محمد بن خالد - صاحب المحاسن - كتاب «الطبقات»، وكتاب «التاريخ» وكتاب «الرجال»، مات سنة أربع وسبعين ومائتين، وقيل سنة ثمانين ومائتين.
بقلم:
صاحب السماحة آية اللّه الشيخ مرتضى آل يس قدس بتصرف