|
شيعي محمدي
|
رقم العضوية : 30624
|
الإنتساب : Feb 2009
|
المشاركات : 3,716
|
بمعدل : 0.63 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
تشرين ربيعة
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
بتاريخ : 04-10-2009 الساعة : 07:00 AM
الحلقة الرابعة والعشرون
رأينا فى الحلقه السابقه كيف إنتظر التركمان بفارغ الصبر إقتراب ذكرى عيد الثوره الأول وأخذوا يعدون العده لإقامة إحتفالات تليق بهم وبثقلهم السكاني داخل لواء كركوك، وليفوتوا الفرصه على أعداء الوطن والشعب الذين سعوا لتعكيرالأجواء بينهم وبين الحكومه محاولين إظهارهم بمظهر المعادي للثوره، ولم يكن هؤلاء الوشاة إلا الملا مصطفى البرزاني وجماعة الأكراد البارتيين فهم الوحيدين أصحاب المصلحه في تعكير تلك الأجواء لما لديهم من رغبه فى الهيمنه على كركوك وشعور بأن التركمان هم العقبه الكؤود فى طريق الإنفصال وتحقيق حلم الدوله الكردية.
ولهذا عملوا بدأب على تهميش التركمان وبذلوا الجهد كي لايبز لهم دور فى تلك الإحتفالات، وقد خطط الملا البرزاني وأتباعه أن تجرى المسيرات والمواكب تحت قيادة البارتيين والشيوعيين، غير أن التركمان أصروا على أن يكون لهم دورهم المتميز وألا ينضووا تحت أي راية إنفصاليه أوشيوعية، ولهذا نشط أغنياؤهم فى التبرع بالأموال ونصب الأقواس وشراء اللافتات ونحر الذبائح مبرزين هويتهم ومؤكدين على خصوصيتهم، وقد وجد الملائيون فى هذا الإصرار التركمانى على إبراز خصوصيتهم المتميزه والتأكيد على هويتهم القوميه والعمل منفردين بعيدا عنهم عصيانا يستحقون عنه الموت ومن ثم عزموا على قتل التركمان وسحلهم أثناء تجمعهم فى مسيرات عيد الثورة وخططوا لحصد أكبر عدد من الأرواح وإحداث أكبر قدر من الدمار فى الأموال والممتلكات وإثارة أكبر قدر من الرعب والفزع فى النفوس.
وكانت قيادة الفرقة على علم تام بنوايا الزمره الملائيه ولهذا تدخلت فى رسم طريق المسيرات ومواكب الإحتفال ومارست الضغوط على البارتيين وحلفائهم الشيوعيين من أجل الإلتزام بهذا الخط المرسوم، ولكن هيهات لهؤلاء أن يلتزموا إلا بالخط المرسوم والمخطط المعلوم: خط القضاء على التركمان و مخطط تنفيذ المجزره الرهيبه، ولنترك المؤرخ شاكر صابر الضابط وهو احد شهود المجزره يقص علينا جانبا مما جرى فى تلك الأيام حالكة السواد من تاريخ العراق.. يقول:
"إستيقظت كركوك فجر الرابع عشر من تموز الخالد على نسمات عذاب عطرها شذى الفجر المشرق، وانطلقت مع بواكير الصباح لتكتمل عدتها وزينتها النهائيه، لتحتفل مع الشعب - شعب ١٤ تموز - بأعز ذكرى وأقدس مناسبه، مع الشعور بالفرحه تغمر الأفئده المؤمنه المخلصه لهذا الحبيب، تجاوب التركمان فى كركوك مع إخوانهم بقية القوميات من أبناء وطننا الغالي، وأخذوا يسابقون الوقت إنتظارا للساعه المحدوده للإحتفال بالعيد الأغر للذكرى المجيده.
وفى غمرة الإحتفالات الكبرى بعيد التحرير والإنعتاق، وفى غفله من مواكب الشعب المتدفقه حماسه ووطنيه وبهجه، وقعت النكبه، ولعلع الرصاص وأسقط فى أيدي المحتفلين فأريقت دماء الأبرياء جهارا، وإذا بالدائره تدور على المواطنين التركمان، وإذا برهط منهم يتساقطون كالشهب النيره، صرعى الظلم والغدر والفوضويه، ولم تقف المأساه عند هذا الحد - حد الشارع والسوق - بل تجاوزتها إلى البيوت والدور فروعت الأطفال والشيوخ والنساء وكان ماكان به النكبه، دماء وأشلاء وضحايا، فنهبت الدور والمخازن والمحلات العامه، واضطرب حبل الأمن وعمت الفوضى واستشرت الجريمه.. لماذا هذا الغدر؟ يغتال من بيننا إخواننا الكرماء الأعزاء؟ ولماذا هذا الإجرام ينصب فوق رؤوسنا دون سبب أو مبرر؟ لماذا يستحيل عيدنا مأتما؟ وفرحتنا نكبه وابتساماتنا دموعا وعويلا؟
حلت الذكرى الأولى للثوره، واستعد الشعب لإستقبالها واقيمت الأفراح والزينه فى كل مكان، وجاء دور التركمان فى الإحتفال بعيد الثوره الأولى، وقد أقاموا أقواس النصر فى مدنهم وقراهم وخاصة كركوك، حيث زاد عدد الأقواس على مائه ١٥٠ قوسا زينوها بالشعارات الوطنيه وانصرفوا يتهيئون للعيد عيد الشعب، عيد الحريه، عيد الإستقلال.
إلى هنا وكل شيىء على مايرام، والى هنا والتركمان آمنون مطمئنون لم يشغل بالهم شاغل، ولم يصرف تفكيرهم عن مباهج العيد شعور بشيىء من قلق أو خوف. ولكن الرياح جرت على غير ما تشتهي السفن.. وإذا النكبه تدهم التركمان فى كركوك وهم فى غمرة أفراح العيد، وإذا الجريمه تجتاح كركوك بالإعصار المدمر فتصيبها فى الصميم، وكان ماكان.
لماذا كل هذا ولمصلحة من دبرت هذه الجريمه؟ هل يستحق التركمان هذه المأساه تنصب على رؤوسنا كالصاعقه فتزهق الأرواح البريئه، وتدفن الأحياء وتسفك الدم الحرام على أرض العراق الطهور. لم يكن إستعداد التركمان للإحتفال بعيد الثوره الأغر إلا إستجابه وجدانيه للمناسبه السعيده، ويبدو ان هذه الإستجابه بما إنطوت عليه من معاني الإخلاص والولاء للجمهوريه وصرفت تفكيرهم عن كل مالايتصل بخدمة الجمهوريه بسبب أو أسباب، فأبوا أن يسايروا أي تيار لايستهدف خدمة الجمهوريه، شأنهم فى ذلك شأن جميع المواطنين المخلصين في شتى أرجاء عراقنا الحبيب.
أثارت حفيظة الموتورين الذين إستكثروا على الشعب وحدته فى ظل الجمهوريه الخالده فعمدوا إلى تفريق الصفوف بالشغب والدس على التركمان، وإثارة الشكوك فى إخلاصهم وتعلقهم بالجمهوريه وفنائهم فى سبيل دعمها والحفاظ على مكتسباتها التى هى فى الواقع من مكتسبات الشعب. ولقد كان ثبات التركمان بوجه المناورات التى لعبت دورها فى كركوك سببا مباشرا لما حل بهم خلال تلك الفتنه اللئيمه الرعناء، فقد عز على مفرقي الصفوف أن لا ينصاع التركمان لأهوائهم وإغوائهم واتجهاتهم، واستكثروا عنادهم للفتنه، وإصرارهم على نبذ كل مالا يتفق معهم ومصلحة الجمهوريه. فكان ذلك الذنب الوحيد الذى من أجله وقعت الواقعه وأريقت خلالها الدماء."
وهكذا لخص المؤرخ شاكر صابر الضابط الأسباب التى دعت الحاقدين على التركمان لإرتكاب جريمتهم، فهم لايرغبون فى أن يعبر التركمان عن ولائهم للجمهوريه حتى يثيروا حولهم الأقاويل ويشككوا فى ولائهم للوطن ويسوقوا المبررات للتنكيل بهم وقتلهم والقضاء عليهم، أضف إلى ذلك أن التركمان كانوا هم القوميه الوحيده التي إنعقد إجماعها على عدم الإنخراط فى النشاطات الشيوعيه والوقوف بصلابه ضد العصابات الملائيه والأفكار الإنفصاليه وعارضوا مختلف الأفكار والأنشطه الهدامه االتى يسعى مروجوها لتقويض أسس الدوله وتشبثوا بالدفاع عن مدينة كركوك.
ومن ثم رأت هذه العصابات ضرورة تنفيذ تلك المجزره بحقهم حيث قاموا خلالها بقتلهم بلا رحمه.. رجالا ونساء وأطفالا.. شيبة وشبابا، وكان فى حسبان الملا أن المذابح الجماعيه التى يتكاتف على تنفيذها الرفاق الحمر ودعاة الإنفصال هى اقرب الطرق لتحقيق الأهداف الإنفصاليه والمرامي العنصريه.. ولكن هيهات لشعب أصيل كالشعب التركماني أن يترك وطن الآباء والأجداد تحت أى ظرف من الظروف ومهما تعاظمت الأخطار وتكاثرت المآسي والأهوال..
فى الحلقه القادمه نستكمل بقية الشهادات والوثائق حول المجزره الرهيبه....
وللحديث بقيه
(وردت هذه الشهاده فى كتاب: موجز تاريخ التركمان فى العراق، الجزء الأول، المؤرخ العراقي شاكر صابر الضابط، مطبعة المعارف بغداد ١٩٦٠، الصحيفه من ١٥٨ إلى ١٦٠)
|
|
|
|
|