|
شيعي محمدي
|
رقم العضوية : 30624
|
الإنتساب : Feb 2009
|
المشاركات : 3,716
|
بمعدل : 0.63 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
تشرين ربيعة
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
بتاريخ : 03-10-2009 الساعة : 10:25 PM
الحلقة التاسعة عشرة
إستعرضنا في الحلقه السابقه شهادة العقيد الركن عزيز قادر فتح الله والتي تناول فيها النتائج التي ترتبت على إبعاد الزعيم الركن ناظم الطبقجلي عن كركوك وإحلال العميد الركن الشيوعي داؤود الجنابي محله، وما تلى ذلك من إبعاد كافة العناصر العربيه والتركمانيه عن قيادة الفرقه الثانيه ووضع زمام الفرقه في يد العناصر البارتيه والشيوعيه الكارهه والحاقده على القوميتين العربيه والتركمانيه، وأنه بذلك تكون الإدارتين المدنيه والعسكريه فى المدينه قد وضعت في يد قيادات عنصريه مشبعه بأفكار إنفصاليه بغيضه تسعى لتهميش وإقصاء الآخر المختلف عرقيا ولاترغب فى الإعتراف بالواقع الديموغرافي الذي يؤكد حقيقة أن التركمان هم أصحاب الأغلبيه في المدينه ورغم أن الأكراد كانت قد تكثفت هجرتهم للمدينه مع نمو صناعة النفط إلا أن عددهم لم يزد مع حلول عام ١٩٥٩ عن ثلث سكانها.
ولم تكن هذه القيادات المتعصبه التى أفسد عقولها الملا البرزاني بأفكاره العنصريه وشعاراته الحاقده تريد أن تعترف بهذا الواقع الديموغرافي ولم ترض إلا بتطهير المدينه من القوميات الأخرى وإخلائها من سكانها الأصليين كى يتثنى تحقيق حلم الملا فى أن يصبح زعيما لدوله كرديه كان يدرك تمام الإدراك أنها لن تقوم بغير كركوك الغنيه بالنفط، وهكذا كانت القيادات الجديده لكركوك تنتمي فكريا لمدرسه عنصريه ملائيه شعارها "كركوك كردية ولو بكردي واحد" ومن ثم أخذت فى العمل من أجل خلق المضايقات وإثارة الإستفزازات لكل عنصر غير كردي، وعملت على التحرش بالمواطنين وإفتعال المناوشات والأزمات وإثارة الفتن بقصد دفع التركمان سكان المدينه الأصليين لتركها والرحيل عنها أومواجهة خطر الموت والإباده العرقيه.
وعن الأحداث التى تلت إبعاد الطبقجلي عن كركوك وتعيين العميد الركن داؤود الجنابي وما ترتب على ذلك من نتائج يقول المؤرخ حنا بطاطو مايلي:
"وعلى العموم، وبشكل عام، كانت جذور الضراوه الوحشيه التي أمسكت بتلابيب المدينه تعود إلى العداوه المتأصله بين الأكراد والتركمان، وكان للشيوعيين دور ناشط فى إنفجار الأحداث ولكن كأكراد لا كشيوعيين، ولم تكن الأهداف التى سعى هؤلاء لتحقيقها أهدافا شيوعية، بل كرديه.
وكانت شيوعيتهم فى معظم الحالات شيوعيه سطحية، ويبدو أن ماحدث فى الواقع كان أن الأكراد طوعوا كل المنظمات المساعدة للحزب الشيوعي لخدمة أغراضهم، أى لخدمة نزاعهم القاتل مع منافسيهم التركمان.
وتقع كركوك، وهى مركز نفطي، على بعد ١٨٠ ميلا (٢٨٠ كيلومتر) إلى الشمال من بغداد. وكانت مدينه تركيه بكل مافي الكلمه من معنى حتى ماض غير بعيد، وانتقل الأكراد تدريجيا من القرى إلى هذه المدينة وتكثفت هجرتهم إليها مع نمو صناعة النفط، وبحلول العام ١٩٥٩ كان الأكراد قد أصبحوا يشكلون حوالي ثلث السكان، بينما إنخفض عدد التركمان إلى مايزيد قليلا عن النصف، وكان الآشوريون والعرب هم بقية السكان أساسا، الذين يصل مجموعهم إلى حوالي ١٢٠ ألف نسمة."
ويستطرد حنا بطاطو قائلا:
" وكان من الطبيعي أن يصبح الوضع شديد التوتر. وفى الأسبوع الأخير من تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٥٨ وقعت صدامات خطيره. وانقسمت القوات التى أمرت بإحلال السلام على أساس عرقي، فانضم الجنود الأكراد إلى إخوتهم فى الدم ضد التركمان. وعندما إنتهت الإضطرابات حاول القائد المحلي العربي، الزعيم الركن ناظم الطبقجلي، إقناع الفريقين بالعمل معا من خلال " لجنة التعاون الوطنيه ". ولكن كانون الثاني (يناير) التالي شهد إضطرابات أخرى كان من الواضح هذه المره أنها جاءت نتيجه لإنقضاض أكراد مسلحين على احياء تركمانيه. وأفيد عن مقتل سكان عديدين.
وعن سيطرة الأكراد والشيوعيين على مجريات الأمور فى كركوك عقب رحيل الطبقجلي يقول حنـا بـطـاطـــــو مايلي:
"ومن وجهة الأكراد، لم يكن قد بقى للعنف أى معنى لأنهم لم يكونوا يسيطرون على اللجنة المحلية الشيوعيه فحسب، بل وأيضا على جزء كبير من الحكم فى كركوك، وكان معروف البرزنجي السكرتير الشيوعي لأنصار السلم هو رئيس البلدية، وكان عوني يوسف من الديمقراطيين الأكراد رئيسا للمحكمة، والرئيس الكردي الشيوعي مهدي حميد قائدا لقوات المقاومة، وكان الزعيم الركن العربي داوود الجنابي الذى تسلم قيادة الوحدات فى ١٤ آذار مارس ينتمي - كما أشير فى مكان آخر من هذا الكتاب - إلى الشيوعيين.
ونظرا لأن الأكراد كانوا قد وقفوا منذ البدايه إلى جانب حزبه وصاروا يشكلون الآن مصدر دعم طبيعي له، فإنه لم يكن يترك رغبه أو طلبا لهم إلا ويلبيه، وباختصار فقد كان الأكراد يحكمون عمليا ولا من يعارضهم، وكان لديهم تحت تصرفهم تقريبا كل الآله القانونيه والسياسيه للمدينه اللازمه لحل نزاعهم التاريخي مع التركمان وبدأوا فعلا فى تسخيرها لأغراضهم"
وهكذا أوضح حنا بطاطو أن الوافدين الجدد على كركوك (الأكراد) الذين قدموا إليها مع نمو صناعة النفط والذين لم يزد عددهم مطلع عام ١٩٥٩ على ثلث السكان أخذوا في إثارة المشاكل لسكان المدينه الأصليين من التركمان والعرب والآثوريين، وأن المدينة التى كانت وإلى وقت قريب مدينه ذات صبغه تركمانيه خالصه إنخفض عدد سكانها من التركمان إلى مايزيد قليلا عن نصف مجمل السكان بعد أن تدفق عليها الأكراد من القرى والأقضية الأخرى.
و بالرغم من أن الأكراد كانوا أقليه فى المدينه إلا أنهم سيطروا على جميع المواقع القياديه ومراكز صنع القرار فيها وأخذوا فى تطويع أجهزة الدوله لخدمة مراميهم الإنفصاليه وأهدافهم العنصريه، وأن الزعيم الركن داؤود الجنابي الذى تولى القياده خلفا للزعيم ناظم الطبقجلي لم يكن يهمل لهم طلبا أو رغبه إلا ويحققها بحكم التحالف بين الأكراد والحزب الذي ينتمي إليه (الحزب الشيوعي) وأن الأكراد صاروا عمليا يملكون الآله القانونيه والسياسيه اللازمه لحل خلافهم التاريخي مع التركمان وأنهم بالفعل أخذوا في تسخير هذه الآله لهذا الغرض، ومن ثم لم يكن هناك أي معنى - حسب قول بطاطو - لإسرافهم وتوجههم نحو إستخدام العنف مع التركمان على نحو مافعلوا فى مجزرة كركوك.
وإذا كان ما ذكره بطاطو صحيحا حول سيطرة الأقلية الكردية على مجريات الأمور داخل المدينة وبطريقة لم تجعل للعنف من جانبهم أي معنى، إلا أن ما غفل عنه هو أن العنف وثقافة السحل ولف الحبال حول رقاب الخصوم كانت هي جوهرالأفكار الملائية العنصرية والشيوعية الحمراء، فالفكر الذى تبناه الملا البرزاني ولقنه لأتباعه لا يعترف بوجود الآخر عربيا أو كرديا أو تركمانيا أو آشوريا، فكركوك قدس كردستان، وكركوك كرديه ولو بكردي واحد، وكركوك للأكراد.
كل هذا مع أن الأكراد وافدون جدد على المدينه ولايزيد عددهم على ثلث سكانها، ولايخفى على كل فطن أن هذه الأفكار الملائيه العنصريه البغيضه هي التي أحدثت الفتنه فى كركوك و جرت النكبات على البلاد وأفسدت العلاقات الأخويه بين القوميات وأشاعت الفوضى وعدم الإستقرار في ربوع العراق لسنوات طويله، ولا زالت حتى يومنا هذا.
في الحلقه القادمه نستكمل شهادات معاصري الأحداث حول دور الملا البرزاني في مجزرة كركوك الدامية.
وللحديث بقية
(إقتبست هذه الشهاده للمؤرخ حنا بطاطو من موضوع منشور له بمجلة قارداشلق (الإخاء) تحت عنوان: كركوك تموز (يوليو) ١٩٥٩، عدد ٧، السنه ٢، تموز (يوليو) / أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٠، صفحه ٦٢، ٦٣)
|
|
|
|
|