عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية حيدر القرشي
حيدر القرشي
شيعي حسني
رقم العضوية : 24389
الإنتساب : Oct 2008
المشاركات : 5,056
بمعدل : 0.85 يوميا

حيدر القرشي غير متصل

 عرض البوم صور حيدر القرشي

  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : حيدر القرشي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 10-09-2009 الساعة : 02:41 PM


بيان قوله: ولا تمكر بي في حيلتك


(ولا تمكر بي في حيلتك) الحيلة بمعنى: الحذاقة وحدّة النظر وقوّة الذهن, يقولون: إنّ الإنسان يحتال في عمله, والمعنى الأصلي: هو أنّه يتمركز ويركّز نظره, وأنّه يريد أنْ يفهم المسألة بشكل حادّ ودقيق.
إلهي! لا تمكر بي بواسطة ما تمتلكه من الحيلة والحذاقة والتسلّط على أموري, أي: تدبيرك المنصبّ على أموري وحذاقتك وحدّة تسلّطك وإشرافك على أموري, فـ (مَكَرَهُ) و (مَكَرَ به) بمعنى واحد, و (لا تمكر بي) أي: لا تمكرني, ولا تخدعني.


المراد من مكر اللّه ومخادعته


ما معنى الخدعة؟ أفهل يخدع الله؟! لا, فالخدعة التي يقوم بها الله هي بعكس الخدعة التي يقوم بها الإنسان مع إنسان آخر, خدعة الله هي: أنْ يقوم الإنسان بخدعة الله ويخادع الله, حينئذٍ لا يعود الله يوضّح للإنسان مخادعة الناس له ولا ينبّهه عليها, وإنّما يتركه, فخداع الإنسان لا يصل إلى الله ولا يناله, بل يرجع عليه هو ويمسك بخناقه! لأنّ الإنسان غير خارج عن حكومة الله, وليس له أن يمتلك علماً أو خطّة أو خدعة يغلب بواسطتها المخطّط الإلهي ويخادع بها الإرادة الإلهيّة, لا.. ليس الأمر كذلك! كلّما يخادع الإنسان فإنّ الله هو الحاكم والمهيمن على هذه الدائرة أيضاً, وهو الحاكم عليها, فالخدعة مع الله تعني: أنّي أريد أنْ أخدعك وأتجاوز عن أمرك, وهذا ما لا يمكن أن يتحقّق أصلاً. فإذن هذا ناشئ من عدم فهمه وجهله, وهذا الجهل في حدّ نفسه يسبّب له البلاء ويوجب له الوقوع في المصائب.
إذن, من يريد أنْ يخادع الله, فإنّه يقوم بخداع نفسه, فلا تصل الخدعة إلى الله! حينئذٍ, لو ينبّه الله الإنسان على حقيقة هذه الخدعة, ويستغفر الإنسان ويتراجع, ويغيّر أسلوبه ويصلح ممشاه, ويغيّر نفسه ولا يعود يخادع, فهو وإلاّ فلو لم يتنبّه فسوف يتركه الله ويهمله, وهذا هو ما نسمّيه بخداع الله للإنسان, يعني: يلقي العنان على عهدة الإنسان نفسه, يكل الأمر إالى الإنسان ذاته.
الفأرة في مقابل القطّة لا تقدر على الفرار, فتلعب القطّة بالفأرة, القطّة من هذه الجهة والفأرة من ذاك, فتجلس القطّة بهدوء وتنظر, وفي بعض الأحيان تدير عينها لترى ما الذي سوف تفعله الفأرة, والفأرة غارقة في عالمها وتريد أن تخدع القطّة لتجعلها غافلة كي تهرب منها, فتبقى الفأرة ثابتة ولا تتحرّك, فلا تتحرّك, لا تتحرّك, ثمّ تخدع القطّة فجأة وتهرب منها, ثمّ يخال لها أنّها تخادع القطّة واقعاً وأنّ القطّة قد انخدعت بها, غير ملتفتة إلى أنّ القطّة تنظر إليها بخفاء, وأنّ من كلّ روحها متعلّقة باصطياد الفأرة وأنّ قلبها يخفق عليها, فلم تتنبّه أنّها قد أخرجت جميع مخالبها وأظافرها, وأنّها بقفزة واحدة تجعلها فريسة وصيداً لها, فما إنْ تشرع هذه الفأرة بخداع القطّة, حتّى تقفز القطّة عليها وتضربها ضربة على رأسها, ولكن لا تقتلها, ثمّ تعود ثانية وتجلس مكانها, وتقول: اسكتي! لا تتحرّكي! إلى أين فررتِ! فتلاعبها بهذا الشكل مراراً وتكراراً, وتلعب وتلعب حتّى تعلم هذه الفأرة المسكينة أنّها من الأفضل لها أنْ تسلّم من الجولة الأولى, ولكن لا تسلّم! فلا تسلّم من الجولة الأولى, فتبقى تخادع هكذا.
إلهي! نحن فهمنا أنّ كلّ شيء بيدك, فلماذا يتلاعب الإنسان مع الله؟! وحينما نشاهد أنّ كلّ عمل يعود إلى الله ولا يصدر من عند غير الله, فلماذا نمتحن الله بشكل دائم؟!
أنتم تتصوّرون أنّنا نحن لا نمتحن الله؟! ففي كلّ يوم ألف مرّة!! نمتحنه مراراً حتّى نرى هل كانَ صادقاً معنا؟ هل صدق معنا؟ فدائما نتوكّل على الله كي نرى ما إنْ كان التوكّل يثمر شيئاً!! ونكل أمورنا إلى الله ونرصد النتائج هل أنّها تأتي صحيحة أم لا؟ فكلّ ذلك امتحان, ولكنّه إلى أيّ حدّ هو كبير ومتعال؟! وواقعاً هو كبير متعال. عجيب! فالله كبير ومتعال إلى الحدّ الذي نقوم بامتحانه جميعنا, لكنّه لا هو يلتفت إلينا!! ولا يقول لنا: أيّها العبد, إنّك تقوم بامتحاني! بل هو كبيرٌ إلى حدٍّ أنّنا نواجهه بأنّنا نحن نقوم بامتحانك, أنا أقوم بامتحانك. فهو كبير ومتعال جدّاً! تماماً كما لو كان هناك طفلٌ يتطاول على أبيه ويتجرّأ على أمّه, إلاّ أنّ أبويه لا يلتفتون إلى أنفسهم, وإنّما يقولون له: نحن نريد أنْ نعتذر منك على تلك الحادثة وتلك المسألة, فنحن قد تجرّأنا عليك ولم نكن مؤدّبين معك!!
نحن نقوم بخداع الله, وفي كلّ عمل وكلّ مرتبة نتمادى ونقول: إن شاء الله لا يفهم الله, ليس مهمّا, هذا العمل, ذاك العمل, وذاك العمل, والله العليّ الأعلى حاذق في نظره, وهو المطّلع العليم {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [3] فجميع الأفعال بيده, في قبضته, تحت مشيّته, وإنْ ينظر إلينا بنظر الرحمة فإنّه ينبّهنا ولو بواسطة العقوبة, وذلك لأنّ الأدب ولو بواسطة العقوبة أفضل من أنْ لا يؤدّبنا أصلاً وينجر الأمر بالإنسان إلى مرحلة الاستدراج حتّى يصل إلى مرحلة أسفل سافلين.
فهل تعرفون ماذا يعني: الاستدراج؟ يعني: أنْ يلقوا العنان على رقبة الإنسان, ليصبح الإنسان حرّاً متشبّثاً برأيه!! وذلك درجة درجة, قليلاً قليلاً, رويداً رويداً, فينحدر إلى الأسفل, إلى درجة لا يعود يشعر من نفسه أنّه قد تدنّى إلى الأسفل!! فيقول: الحمد لله, حالي جيّد, و معنويّاتي جيّدة, ودنيايَ جيّدة, وآخرتي كذلك جيّدة, ومن أحسنُ منّي؟! لكنّه لا يفهم أيّ بلاء ينزل عليّه ويحلّ به! فلو كانَ إنزاله بشكلٍ دفعيّ دفعة واحدة, فسوف يهتزّ لذلك ويتنبّه, ولكن لا ينزلونه عليه بشكل دفعيّ, وإنّما رويداً رويداً, حتّى يصبح في الأسفل دون أن يلتفت إلى نفسه, والاستدراج هو أكبر عذاب! يعني: ينزلق الإنسان درجة بعد درجة دون أنْ يحسّ أو يلتفت. ولكنْ حيث إنّ الله العليّ الأعلى ما زال ينظر بعين الرحمة إلى ذاك الإنسان الذي يخادع الله ويحتال عليه, والذي يخادع الله ويمرق عن أمره, فإنّ الله ينبّهه بشكل جيّد. وأمّا لو لم ينبّهه الله العليّ الأعلى, فسوف ترجع هذه الخدعة التي يخادع الإنسان بها الله على الإنسان نفسه, وهو حقيقة المكر الإلهيّ:
{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [4]
أي: هؤلاء الناس, هؤلاء الأعداء يمكرون, والله كذلك يمكر, إلاّ أنّ المكر الإلهيّ محلاّ للرحمة والحسن) فمكر الله ليس كمكرنا.. يعني: إنّه يُرجع مكرنا علينا.
{يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [5] فهؤلاء يريدون أن يخادعوا الله, ولا يعلمون أنّ الله هو الذي يخدعهم), أي نفس هذه الخدعة التي يريدون أن يخدعوا الله بها يقوم الله بخداعهم بواسطتها, فهم يريدون أن يعمدوا إلى القيام بفعل لا يفهمه الله, ولكنّهم غير ملتفتين إلى أنّ نفس هذا الذي يصدر عنهم من دون فهم والتفات هو خدعة لأنفسهم؛ لأنّ هذا العمل الذي يقوم به الإنسان دون توجّه وفهم, ليس بعيداً عن مرأى ومسمع الله, فهم صمٌّ وعميٌ يصدر منهم العمل من جهة عماهم وجهالتهم.
فطائر الحجل الذي يُخفي نفسه من أن يصل الصيّاد إليه في فصل الشتاء ويدخل رأسه في الثلج, فإنّه إنّما يغرس رأسه في الثلج كي لا يراه الصياد, مع أنّ المسكين لا يعلم أنّه بإدخال رأسه في الثلج بغية التخفّي من الصيّاد يكون قد أعطى علامة وإشارة للصيّاد لكي يراه, بل نفس هذه الطريقة من التخفّي علامة وإشارة للصيّاد كي يرمي عليه ويصطاده! فيأتي الصيّاد ويأخذه بكلّ سهولة. فلو أردت أن تتخفّى من الصيّاد عليك أن تخفي بدنك في الثلج, وترفع حافّة عينيك خارجاً لتراقب الصيّاد, لا أنْ تدخل رأسك في الثلج؛ إذ إدخال رأسك في الثلج يؤدّي إلى إعماء نفسك لا الصيّاد! إذنْ هو لا يعلم أنّه قد أوقع نفسه في قبضة الصيّاد بواسطة نفس هذا الفعل الذي يريد من خلاله أنْ ينجو من الصيّاد.
وهذه حقيقة الخدعة التي لا يزال الناس يواجهون الله بها, وهم لا يعلمون أنّهم بنفس هذه الخدعة يخدعون أنفسهم ويمكرون بها, أي: الخدعة التي يخدعهم الله بها إنّما هي ردّة فعل لخدعتهم, والأثر المعاكس لخداعهم.
يقول الإمام: إلهي! لا تمكر بي في حيلتك, أيّ: بواسطة حدّة نظرك ودقّة اطّلاعك على أموري.فماذا يعني ذلك؟ يعني: أنا الذي أقوم بالمكر بك أنا جاهل, أنا عبد, أتركني واعف عنّي, لا تُرجع مكري عليّ, لا تلقِ بآثار مكرنا علينا. فإنْ عاودته وأرجعته علينا فإنّنا مساكين ضعفاء عاجزون كثيراً.. وأمّا إذا عاملتنا برفعتك وعلوّك ولم ترجع مكرنا علينا, ثمّ لفتَّ نظرنا وتعاملت معنا على أنّنا عبيد جاهلون, وأدّبتنا سواء بواسطة العقوبة أو بدونها فهو أفضل من أن تمكر بنا: بأنْ تلقي زمام الأمور على عاتقنا ولا تنبّهنا على خدعتنا, بل ترجع خداعنا علينا, فحينذٍ سوف نسير في عالم مظلم لا رؤية فيه. فنمضي عمرنا في عالم العمى والضلال, ولا ندري حينئذ كيف نخرج من هذه الورطة, فنتخيّل أنّنا نقوم بعمل حسن, ونتوهّم أنّنا موفّقون في حياتنا وعمرنا, ولا نلتفت إلى أيّ جهة نحن نتوجّه إليها! هذا هو المكر الذي يوقعه العليّ الأعلى بالإنسان.
ثمّ إنّ الإنسان الذي يريد أنْ يحتال على الله تارة يقول الله له فوراً: لا تحتل يا فلان! فيقول: سمعاً وطاعة, سمعاً وطاعة, أنا أعتذر, لا أعود إلى ذلك. وتارة يخادع الله, وحينئذٍ يبتليه الله بحالة عدم الفهم, فيقول له: وجهة نظرك هي ذلك؟! فيجيب: نعم نعم! فيقول له: حسناً, شكراً جزيلاً, لقد تفضّلت علينا كثيراً. فهو يريد أن يتلاعب ويُعمل حيلته ولكن من خلال إظهار الملايمة والمحبّة وإبداء الخدمة! وهو بدوره ينقلها إليه بشكل هادئ وبمظهر الخدمة والمحبّة! فينزل عليه البلاء بهذا الشكل.
وأمّا إذا نبّهه بأن يا فلان, عملك هذا فيه اشتباه, في ذاك المكان كان عملك اشتباها, أو عملك الفلانيّ كان فيه رياء, عملك الفلانيّ كان سمعة, في ذاك القسم كان فيه استكباراً, في تلك المسألة كان فيها شائبة اثنينيّة ونفاق, فحينئذٍ يلتفت هذا الشخص. وأمّا لو لم يلتفت الإنسان وبقى يتمادى ويتمادى ويعمل ويصرّ ويتقدّم في حيلته, فتتكدّس الأمور وتتراكم, حتّى تصبح كلّ حياته وعلمه وقدرته وثروته وعمره وعزّته ومن جميع الجهات بوّابة ووسيلة لكسب جهنّم, ويبقى غير ملتفت إلى أنّه سائرٌ نحو جهنّم, وهذا هو المكر في الحيلة.


توقيع : حيدر القرشي
بِنْتُ مَنْ أُمُ مَنْ حَلِيلَةُ مَنْ *
ويْلٌ لِمَنْ سَنَ ظُلْمَهَا وأَذَاهَا
لا نَبِيُ الهُدَىَ أُطِيعَ ولا *
فاطمةٌ أُكْرِمَتْ ولا حَسَنَاهَا
ولأي الأمور تدفن سرا *
بضعة المصطفى ويعفى ثراها
فرار الدمشقية من المناظرة!!
من مواضيع : حيدر القرشي 0 شبهة : مـعصــــوم يــؤذي طــائــر الخـــطاف و معصـــوم ينهـيـــه!
0 شبهة : مـعصــــوم يــؤذي طــائــر الخـــطاف و معصـــوم ينهـيـــه!
0 كيفيّة إحياء مجالس عزاء سيّد الشهداء عليه السلام
0 حوار هادئ حول الامامة
0 عيد الغدير يوم غلبة العقل على الإحساسات
التعديل الأخير تم بواسطة حيدر القرشي ; 10-09-2009 الساعة 02:43 PM.

رد مع اقتباس