|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 23036
|
الإنتساب : Sep 2008
|
المشاركات : 9,776
|
بمعدل : 1.63 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
عاشق الامام الكاظم
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 20-07-2009 الساعة : 01:30 AM
هذا ما لا تجري به القوة البشرية.
فالإنسان اللبيب القادر على تعقل هذه المعاني لا يشك في أن هذه المزايا الكلية وغيرها مما اشتمل عليها القرآن الكريم كلها فوق القوة البشرية، ووراء وسائل الطبيعة المادية.
فهذا ما تحدى به القرآن تحدياً عاماً لكل فرد في كل مكان وزمان(9) وقد مضى على هذا التحدي أربعة عشر قرناً، وقد تقدم العلم وتقاربت البلدان وسهلت وسائل الاجتماع وكثر أعداء الإسلام كما هو المشاهد بالعيان.
فهل استطاعوا حتى الان أن يأتوا بمثل هذا القرآن ؟ …
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) [الإسراء/ 90].
التحدي بعشر سور من القرآن
بعد أن تحدى القرآن الكريم في سورة الإسراء الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، وأخبر أنهم (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)… خاطب العرب الذين زعموا أن القرآن افتراء محمد(صلى الله عليه و آله) وجاء به من عنده وادعى أنه من عند الله …
العرب الذين برعوا في البلاغة وامتازوا بالفصاحة، وبلغوا الذروة في فنون الأدب حتى عقدوا النوادي وأقاموا الاسواق للمباراة في الشعر والخطابة، وبلغ من تقديرهم للشعر أن عمدوا لسبع قصائد من خيرة الشعر الجاهلي وكتبوها بماء الذهب في القباطي(10) وعلقت على الكعبة، فكان يقال هذه مذهبة فلان إذا كانت أجود شعره(11).
هؤلاء النابغون في الفصاحة والأدب، وهؤلاء الذين زعموا أن القرآن مفترى، خاطبهم يومئذ وتحداهم في أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات وأن يدعوا كل من يستطيعون دعوته من دون الله تعالى من أوثانهم التي يزعمون أنها آله تقضي لهم الحاجات والمهمات وغيرها من سائر المخلوقين حتى تتم لهم جميع الأسباب والوسائل، ولا يبقى أحد ممن يطمعون في تأثير إعانته أو يرتجون الانتفاع به في ذلك إلا استعانوا به أن كانوا صادقين.
قال تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [هود/ 14-15].
ولا يتوهم فيما قدمنا بأن خطاب الآية للعرب الذين برعوا في فنون الفصاحة والبلاغة والادب، وأن التحدي أيضاً خاص بفصاحة عشر سور وبلاغتها فحسب. بل الحقيقة أن التحدي بالإتيان بما يماثل تماماً عشر سور من القرآن من كبار السور أو من صغارها فيما اختصت به السور من الفصاحة والبلاغة، وما تضمنته أيضاً من المعارف الحقيقية والحجج والبراهين الساطعة والمواعظ الحسنة والأخلاق الكريمة والتشريعات الإلهية، وتجدد المعارف التي لم يكشف البشر حين النزول عن وجهها النقاب، وانتفاء الاختلاف فيها(12) وغير ذلك مما اختصت به السور القرآنية.
وهذا المعنى هو المتبادر إلى الذهن حينما يقال (هذا الشيء مثل هذا) أي هو مساو له في خصائصه ومماثل له في مزاياه، وهو غيره.
هذا، والخطاب وإن كان موجهاً حين النزول إلى العرب ولكنه لا يزال يخاطب كل من يزعم أن القرآن مفترى حتى قيام الساعة(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [هود/ 15].
نعم إن الله تعالى هو وحده القادر على أن ينزله، وعلم الله وحده هو الكفيل بأن يكون على هذا النحو مما اختص به من دلائل العلم الشامل لسنن الكون وأحوال البشر وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم وما يصلح لهم في نفوسهم وفي معاشرهم(لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
التحدي بسورة من القرآن وبحديث مثله:
شاءت حكمة الله لاثبات الحجة على عباده أن يكرر النداء والمصارحة في الاحتجاج، والتحدي لجميع المنكرين والمرتابين، بكون القرآن من عند الله تعالى ومعجزاً لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم. فكرر التحدي عليهم ولهم مرة بعد أخرى، فتارة يتحداهم في أن يأتوا بمثله، وأخرى يتحداهم أن يأتوا ولو بسورة واحدة مثل سوره مما اختصت به السورة من بيان غرض تام جامع من أغراض الهدى الإلهي، مع الارتباط التام بين أهداف آياتها ومراعاة الفصاحة والبلاغة والسبك في ألفاظها.
فحينئذ لهم أن يختاروا للمعارضة والمماثلة أي سورة شاءوا، حتى ولو كانت أقصر سورة كسورة الكوثر أو الإخلاص أو العصر أو غيرها من سور القرآن، وآونة يتحداهم في أن يأتوا بحديث مثل حديثه. والتحدي بالحديث يعم التحديات الثلاثة السابقة، لان الحديث يعم السورة والعشر سور والقرآن كله، فهو تحد بمطلق الخاصة القرآنية.
هذا وقد جعل الله تعالى لهم إن استطاعوا أن يأتوا بشيء من ذلك أن تسقط عنهم هذه الدعوة، ويستريحوا من ثقلها الباهظ لضلالهم واتباع أهوائهم، كما جعل لهم المهلة والأناة ليعدوا عدتهم في المظاهرة والتعاون وهذا كله من باب المماشاة والمجاراة في الحجة، ولكن أنى لهم أن يأتوا بما هو مستحيل عليهم، قال تعالى وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) [يونس/ 38-40].
وقال تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) [البقرة/ 24-25].
وقال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ(33)فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) [الطور/ 34-35].
وهكذا تكرر التحدي في القرآن الكريم، وتلقاه المنكرون عاجزين ووقفوا تجاهه صاغرين، وهكذا يقف أمامه كل أحد إلى يوم الدين تصديقاً لقوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ).
تفسير آية التحدي:
قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم وأعوانكم عليه وتبين لكم عجزكم وعجز جميع الخلق عنه وعلمتم أنه من عندي فلا تقيموا على التكذيب به.
وقوله تعالى: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أي ولن تأتوا بسورة مثله أبداً لان (لن) تنفي على التأبيد في المستقبل، فهذا الأخبار عن المستقبل أمر غيبي، وهو معجز خالد لصحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وأن الكتاب الذي جاء به هو من عند الله عز وجل، إذ لم يأتوا حتى الآن بسورة من مثله.
وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) أي احذروا إذن النار المعدة للكافرين بمحمد(صلى الله عليه و آله) ومعجزه الذي هو القرآن الكريم، لأنكم علمتم أنه من عند الله تعالى، فاتقوا النار إذن لتنجوا بأنفسكم من عذابها.
يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وهو الأب الثاني لهذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله والشفيق عليها والحريص كل الحرص على نجاتها، يقول في بعض خطبه:
(عباد الله، الله الله في أعز الانفس عليكم وأحبها إليكم، فإن الله قد أوضح لكم سبيل الحق، وأرانا طرقه، فشقوة لازمة، أو سعادة دائمة)(13).
نصيحة توجيهية موجزة:
فيا أيها الإنسان العاقل الشفيق على نفسه التي هي أعز الأشياء عليه، فكر في مستقبل أمرك لدنياك وآخرتك، ولا تقصر تفكيرك لدنياك الفانية فقط، وأنت تعلم علم اليقين بأنك غير خالد فيها، وقد علمت بإقامة الحجة عليك، وأمامك مسؤولية كبرى بين يدي جبار السماوات والأرض، الخالق المنعم المتفضل.
تعصيه لا أنت في عصيانه وجل*** من العقاب ولا من منه خجل(14) فما يكون جوابك وعذرك غداً أمام تلك المحكمة الكبرى، وقد أتم الله عليك الحجة وأوضح المحجة ؟ …
فأمن يا أخي بالله وبخاتم الأنبياء وبكتابه وخلفاء أنبيائه من بعده وباليوم الآخر، واثبت على ذلك واطلب من الله تعالى العون، وجاهد نفسك – الأمارة بالسوء – بأن تعمل صالحاً وتتقي الله ما استطعت بإقامة الفرائض الواجبة وترك النواهي المحرمة لتحظى بخير الدنيا والآخرة(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأرض لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأرض وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف/ 97].
لا تبق مصراً على التكذيب والتشكيك، لا تصر على ترك واجب وفعل محرم، لا تستمر مكبا على الذنوب والخطايا ليلا ونهاراً ومصبحاً ممسياً لا تندم ولا تتوب وباب التوبة مفتوح للتائبين (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [الأعراف/98-101].
قصيدة غراء للسيد الحيدري:
وبودي أن أختم هذه النصيحة باختيار المقطعين الأولين من مقاطع القصيدة العصماء التي ألقاها صديقنا العلامة الأستاذ الشاعر السيد محمد الحيدري معتمد مكتبة أهل البيت العامة في المهرجان العظيم الذي أقامته مدينة كربلاء المقدسة في ذكرى ميلاد سيد الأوصياء علي(عليه السلام) سنة 1380هـ والتي اهتز لها الحفل وقوبلت باستحسان بالغ، وإليك المقطعين:
بـالـديــن تـبـلـغ مجدها الأوطان*** فـاخـتـر ســـبيلك أيـــها الإنسان
لا تـنـحـرف عــن منهج قد سنه*** لك فـي الـسـماء الـخالق الديان
فـكـر فـــإنـك قـــد خلقت مـفـكراً*** وزن الأمــور وعـقـلـك الميزان
وانظر بعقلك كيف كانت هذه الدنيا وقامت هذه الأكوان
وانظر بـعــيـنـك للسماء مفكـراً*** فـبــها العــــقـول تحار والأذهان
فانظر إلى هذي النجوم مضيـئة*** فــكـأنـهــا الـيـاقــوت والمرجان
ثم انحدر للأرض وانظر ما بـها*** فــلــسـوف يـــغمر قلبك الإيمان
فــالله مـا تــرك الـعـبـاد بـحــيرة*** هيــهـات وهـو الـمحسن المنان
بــل إنــه مــلا الـوجـود عــجائباً*** وهـي الـدلـيــل عليه والبرهـان
أ تـراه يـخـلـق ثـم يـتـرك خــلقه*** عبثاً ؟ فأين اللــطف والإحـسان
آيــات ربـك أيـنـمـا وجد الـورى*** ودلائــل الـتـوحــيــد أنـى كـــانوا
لـكـنـمـا الإنـســان دون بـصـيرة*** وعــقــيــدة يحــــلو لها النكران
لـيعيش في هـذي الحياة بعيـشة*** لا يــرتــضــيها العقل والوجدان
أهــدافــه سـحـق البلاد وقصـده*** مـحــق الرشاد وشأنه العصيان
لــم يـرع أنظمة الحياة بـأسرها*** فكــأنــه فــي طــبـعـــه (حيوان)
قــالــوا بـغــيــر تــدبــر وتـفــكر*** مــا تــقــشــعــر لـهــوله الأبدان
(الدين أفيون الشعوب) وليـتهم*** سكتوا ولكن أوضـحــوا وأبانوا
وبـدت لنـا أفـكـارهــم مكشـوفة*** لا يـعــتــريــهـا اللبس والكتمان
اثنان قد راموا القضاء عليهما*** وهـــمــا هـما الأديان والأوطان
وخـصومهم بين الشعوب ثلاثة***(الله) و(الإســلام) و(الــقــــرآن)
وتـجـلت الآراء وانكشف الغطا*** وهوى الضلال وزلزل الـطغيان
ورسـت قــواعـد ديننا وتوطدت*** أركــانــه وعـلا لـه ســـلــطــان
وتـعــززت أنـصــاره وتـــلألأت*** أنــــواره وتــــــركــز الإيـــمـان
نــادى وقد وقف الوجود بأسره*** يصــغـــي لتسمع صوته الأذان
ودعا الأنام إلى السلام فإنه الرمز الرفيع إليه والعنوان
وإلـــى العلـوم فكل شعب رازح*** فــي جهله فمصيره الخسران
وإلى التـطـــور والتحرر والعلا*** فــبــهـا يقوم المجد والعمران
وإلى العدالـة فهي روح نظامه*** وبـهـــا حقوق العالمين تصان
هــذا هـو الإســلام ديــن محمد*** فـعــلام بـيـن الـمسلمين يهان
* * * نعم … هذا هو الإسلام، دين السلام والأمان، دين العلوم والمعارف، دين التطور والتحرر، دين العدالة التامة التي بها تصان حقوق العالمين أجمعين، وبالتالي فهو دين الحياة القويم الذي أمر بكل خير وحث عليه ونهى عن كل شر وحذر منه.
ولذا كان الدين الخالد الذي بشر به الأنبياء والمرسلون أممهم لتكون متمسكة به على علم وبصيرة وتكون بذلك(خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران/110].
وعلى هذا نرى أن الله تعالى لما وصف نبيه محمداً(صلى الله عليه و آله) بالرسالة والنبوة والأمية التي بها ظهر برهان رسالته وتحقيق إعجاز كتابه، وصفه بعد ذلك بكونه مبشراً به في التوراة والإنجيل وترى التفصيل في الفصل آلاتي.
1- يوم الدحو هو كما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام – هو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة الحرام، وهو من الايام المباركة والمفضلة، ويستحب قيام ليله وصيام نهاره شكراً لله تعالى على ما أنعم فيه على عباده.
روى شيخنا الكليني في الكافي بسنده عن محمد بن عبد الله الصقيل قال: خرج علينا أبو الحسن – يعني الرضا (ع) – بمرو في يوم خمس وعشرين من ذي القعدة فقال: صوموا فإني أصبحت صائماً. قلنا: جعلنا فداك أي يوم هو ؟ قال: يوم نشرت فيه الرحمة ودحيت فيه الأرض ونصبت فيه الكعبة وهبط فيه آدم صلى الله عليه – الحديث، راجع مفتاح الجنات 3/337.
وقد ذكرنا في بعض محاضراتنا الدينية في المجالس الحسينية فضل شهر ذي القعدة وما وقع فيه من الحوادث والذكريات الإسلامية في بحوث قوله تعالى في سورة التوبة/ 37: (عن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم).
2- علل الشرائع ج1 ص125.
3- مجمع البيان 4/287.
4- المقصود: قبل إرساله بالنبوة.
5- حديث نبوي متفق عليه.
6- سورة الإسراء: 89، والظهير هو المعين، مأخوذ من الظهر، كالرئيس من الرأس والضمير في قوله تعالى (بمثله) عائد على القرآن.
7- المؤودة هي البنت المدفونة حية، وقد كان عرب الجاهلية يفعلون ذلك لإيثارهم الذكر على الانثى، بل كانوا يرون وجود البنت عاراً عليهم، كما أخبر جل وعلا موبخاً لهم بقوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالانثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)[سورة النحل/ 59 – 60]، وقد نقم الله عليهم وأدهم للبنات أيضاً بقوله عز وجل: (وَإِذَا الْمَؤُْودَةُ سُئِلَتْ(8)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [سورة التكوير/ 10 – 11].
8- وهي التي خطبتها بمسجد أبيها رسول الله (ص) بمحضر من المهاجرين والانصار وغيرهم فقالت:
(وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونزهة الطامع، وقبسة العجلان وموطئ الاقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي محمد صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي …)
وأما سبب الخطبة ومصادرها فإليك تفصيلها:
لما منعت فاطمة الزهراء(عليها السلام) فدكاً بعد وفاة أبيها رسول الله(صلى الله عليه و آله) خطبت خطبة طويلة عظيمة جليلة في غاية الفصاحة والبلاغة والمتانة وقوة الحجة، حيث أقامت على إرثها آيات محكمات، هن أم الكتاب حججاً لا ترد ولا تكابر.
قال علي بن عيسى الاربلي في كتابه (كشف الغمة) ج2 / 105: (فإنها من محاسن الخطب وبدائعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرج الرسالة).
وقد رواها علماء المسلمين من الشيعة وأهل السنة بطرق عديدة، وإليك بعض مصادرها من طرق أهل السنة:
1- رواها أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور المولود ببغداد سنة 204 والمتوفى سنة 280 في كتابه (بلاغات النساء)، رواها من طرق ثلاثة:
الطريق الاول والثاني: (ص12) عن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام وأنه قال: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه (أي كلام فاطمة) عن آبائهم ويعلمونه أبناءهم وقد حدثنيه أبي عن جدي يبلغ به فاطمة على هذه الحكاية…ثم قال: وقد حدث به الحسن ابن علوان عن عطية العوفي أنه سمع عبد الله بن الحسن يذكره عن أبيه، ثم ذكر الخطبة على رواية زيد الشهيد عن أبيه عن جده، وعن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط فراجع.
والطريق الثالث: (ص 14) قال: حدثني جعفر بن محمد، رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة، قال حدثني أبي، قال: أخبرنا موسى بن عيسى، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: أخبرنا جعفر الاحمر، عن زيد بن علي رحمة الله عليه، عن عمته زينب بنت الحسين، قالت: … (وذكر الخطبة بطولها ثانية إلى ص19، فراجع)، والظاهر أن المراد من زينب بنت الحسين عنى فاطمة الكبرى بنت الحسين، الملقبة بزينب الصغرى، راجع معالي السبطين ص 127.
2- ورواها أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه (السقيفة) بأسانيده من عدة طرق، عن زينب بنت علي بن أبي طالب وعن الامام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه، وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر، وعن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط أنهم قالوا جميعاً: لما بلغ فاطمة … الخ.
(راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج4 / 78 ط.دار الكتب العربية بمصر).
ثم رواها عن محمد بن زكريا، عن محمد بن الضحاك، عن هشام بن محمد، عن عوانة بن الحكم، قال: لما كلمت فاطمة أبا بكر بما كلمته به، وذكر جواب أبي بكر لها … ورواها عن عمر بن شيبة المتوفى سنة 202 عن رجاله: (كشف الغمة ج2 / 106).
3- ونقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج عن مصادر عديدة، ومنها المصادر السابقة الموثوقة عنده حتى أنه قال ما نصه:
الفصل الاول: فيما ورد من الاخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم، لا من كتب الشيعة ورجالهم، لاننا مشترطون على أنفسنا أن لا نحفل بذلك. وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في (السقيفة). ثم قال: وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدث كثير الادب، ثقة، ورع، أثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته … الخ، ثم روى الخطبة عنه بالمصادر السابقة.
4- ورواها سيدنا المرتضى علم الهدى في كتابه (الشافي) الذي هو رد على (المغني) لقاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي من طرق أهل السنة حيث قال: فقد روى أكثر الرواة الذين لا يتهمون بالتشيع ولا عصبية فيه من كلامها في تلك الحال، وبعد انصرافها عن مقام المنازعة والمطالبة، ما يدل على ما ذكرناه من سخطها وغضبها … (ثم ساق الخطبة) فقال:
أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، قال: حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال: حدثني الزيادي، قال: حدثنا الشرقي بن القطامي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثنا صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: (لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها …).
(قال المرتضى: وأخبرنا المرزباني، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد المكي، قال: حدثنا أبو العيناء بن القاسم اليماني، قال: حدثنا بن عائشة، قال: لما قبض رسول الله(صلى الله عليه و آله) أقبلت فاطمة إلى أبي بكر في لمة من حفدتها …).
ثم اجتمعت الروايتان من هاهنا، ثم ذكر الخطبة، وقال بعد ذكرها: وقد روي هذا الكلام على هذا الوجه من طرق مختلفة ووجوه كثيرة، فمن أرادها أخذها من مواضعها.
(شرح النهج ج4 / 93).
5- ورواها موفق بن أحمد، أخطب خوارزم، الحنفي المتوفى سنة 568 في كتابه (مقتل الحسين) ص77 بسنده عن عروة عن عائشة.
6- ورواها سبط بن الجوزي الحنفي في كتابه (تذكرة الخواص) ص327 قال: قال الشعبي: لما منعت فاطمة ميراثها، لاثت خمارها … الخ.
7- وأشار إليها الزمخشري الحنفي في كتابه (الفائق) ج2 / 231 في باب اللام مع الميم، قال: (وفي حديث فاطمة رضي الله تعالى عنها أنها خرجت في لمة من نسائها تتوطأ ذيلها حتى دخلت على أبي بكر …).
7- وأشار إليها أيضاً ابن الاثير الجزري في كتابه (النهاية) ج4 / 72 في باب اللام مع الميم.
8- وأشار إليها عبد الرحمن بن عيسى الشافعي المتوفى سنة 320هـ في كتابه (الالفاظ الكتابية) وقد استشهد في طي كتابه هذا ببعض كلمات الزهراء في خطبتها التي ألقتها على أبي بكر، وعلى الصحابة في عدة مناسبات، ومن جملتها ما في ص65 قال: (وقالت فاطمة رضي الله عنها للانصار ! أنتم حضنة الإسلام واعضاد الملة …).
اقرأ الخطبة كاملة على رواية عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط عن آبائه في كتاب (الاحتجاج) لشيخنا الطبرسي ج1 / 131 – 146 لتعرف ما كان يومئذ بينها وبين القوم.
9- الميزان في تفسير القرآن 1/57 (بتصرف).
10- القباطي: الثياب القبطية، كان يكتب عليها أيام الجاهلية، تنسب إلى بلاد القبط، ومنها ماريا القبطية أم المؤمنين.
11- العمدة لابن رشيق 1/78 – نقلناه عن البيان في تفسير القرآن ص25.
12- قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا). [النساء/ 83].
13- نهج البلاغة.
14- البيت من قصيدة حكمية لشاعر أهل البيت الشيخ حسن الدمستاني، توجد في الدر النضيد ص174.
|
|
|
|
|