|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 14474
|
الإنتساب : Dec 2007
|
المشاركات : 411
|
بمعدل : 0.06 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
فطومة الحلوة
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 11-04-2009 الساعة : 04:07 PM
... الجـــــزء الأخيـــــر ...
... كوثـــــر البـــــرزخ ...
ثم وصلنا نهرا جميلا وعجيبا لم أرى مثله طيلة حياتي , بل لم أكن أتصوره حتى في عالم الخيال , ففي جانب منه ماء زلال وفي الجانب الآخر يجري لبن سائغ أكثر بياضا من الصقيع , والأعجب من ذلك هو جريان شراب بينهما يشبه في حمرته الياقوت قل نظيره بالجمال , ونظرت إلى بداية النهر ونهايته فلم أجد له بداية أو نهاية . ووقعت عيناي على أشجار ورياض على جانبي النهر كانت مناظرها من الدهشة بحيث أنني لم أرى مثلها ولم تخطر على بالي حتى في عالم الرؤيا . تعلقت عيناي بالنهر فسألت عن منبعه , فأجابني (( حسن )): إنه نهر الكوثر الذي ورد الحديث عن منابعه في القرآن الكريم وهو يجري على امتداد وادي السلام , في كل منطقة يتميز بطعم خاص , قلت : ولماذا ؟ قال : كلما تسامت منزلة المؤمن ازداد مستقره روعة وبذلك يزداد نهر الكوثر جمالا . ثم حلق ببصره إلى آخر النهر فقال : عندما يمر النهر من وادي الشهداء فإنه يصبح جميلا لطيفا بحيث تقصر الأبصار عن النظر إليه , سألته متعجبا : إذا كان الأمر كذلك فكيف يكون عبوره عند الأئمة ـ عليهم السلام ـ؟ أدار (( حسن )) ببصره نحوي وقال : ماذا تقول ؟ إنهم في غنى عن هذا النهر , فكل ما في هذا النهر من لذة وحلاوة ورقة إنما هو ببركة الأئمة والأنبياء ـ عليهم السلام ـ.
سكت هنيئة ثم واصل كلامه : هناك تقع منابع النهر ونحن الآن نقف على بقعة صغيرة منه . وبعد قليل قال (( حسن )): أتريد أن تشرب منه ؟ وحيث أن ذلك لم يخطر ببالي بسبب انشغالي بجمال المنظر . قلت بكل سرور : بالطبع بالطبع , ولم أكن بالمرة منتبها إلى إمكانية الشراب من هذا النهر , فابتسم (( حسن )) وقال : إذن هيا بنا إلى مستقرك فهناك الكوثر أكثر عذوبة .
أخذنا نسير على ضفة النهر بحيوية ونشاط بالغين , وقد شدني جمال الكوثر عن المناظر المحيطة به , وكلما تقدمنا أكثر ازداد جمالا وروعة . وفي كل آن تزداد عندي اللهفة لإرتشاف جرعة من النهر حتى بلغنا منطقة توقفت عن الحركة فجأة وتوجهت نحو (( حسن )) وقلت له : لن أتقدم خطوة واحدة إن لم أشرب من هذا النهر ! فرد علي قائلا : إنك الآن في دار السلام الخاص بك وبإمكانك الإرتشاف ما شئت هنيئا مريئا , فأخذت أفكر في كيفية تناولي منه فأشار (( حسن )) إلى أعلى شجرة وقال : أطلب من تلك الحورية التي تجلس على الغصن لترويك , نظرت إلى الأعلى فشاهدت حورية غاية في الجمال وقد أمسكت بكأس رائع في يدها , ولما أجلت بنظري إلى الأشجار وجدت فوق كل شجرة حورية تحاول خطف فؤادي بدلالها وغزلها , وبإشارة خاطفة ملأت إحداهن ذلك الكأس الظريف بماء الكوثر وقدمته لي وهي تبدي دلالا واحتراما وأدبا , وما أن ارتشفت جرعة منه حتى أصابني السكر فلم أعد أشعر بوجود أدنى ألم ووجع في بدني من رحلتي تلك .
... زيـــــارة للعائلـــــة ...
هنا تذكرت أسرتي فقلت لـ(( حسن )): أريد بأي نحو كان المرور على الدنيا لأوقظ أهلها من غفلتهم ليعلموا أن الموت يعني الخلاص , خلاص من الآلام والعذاب التي يعج به ذلك العالم , فإذا عرفوا بالصفاء الذي يسود هذا العالم لم يعد الموت مرا بالنسبة لهم .
رد (( حسن )) علي قائلا : لا إذن لك في إخبارهم عما يدور هنا , لكنك تستطيع زيارتهم . فقلت مسرورا : وكيف ؟
قال : لكل واحد من أهل البرزخ الإذن في زيارة أهله على هيئة طائر جميل , ومدة هذه الزيارة تتناسب مع استحقاقهم , فبعضهم يزورون أهلهم كل يوم جمعة , وآخرون كل شهر , وطائفة يحصلون على إذن الزيارة كل عام مرة واحدة .
ربت (( حسن )) على كتفي وقال : تأهب , لأنك تستطيع الآن زيارة أهلك . كان ظلام الليل قد ألقى بأجنحته على الدنيا , جلست على جدار وأخذت أراقب حركاتهم عبر زجاجة النافذة , فكانت زوجتي منهمكة بالأعمال المنزلية وأولادي كل منهم منهمك بشأنه , ثم مررت على دار ولدي الكبير وابنتي الكبيرة ومن هناك توجهت إلى بيوت إخوتي وأخواتي , وقد سررت كثيرا لعدم ارتكابهم الذنوب . ولنفاذ صبري على المكوث في الدنيا أكثر من ذلك فقد عاودت الرجوع إلى مستقري في وادي السلام .
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
تمت بحمد الله
|
|
|
|
|