|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 10716
|
الإنتساب : Oct 2007
|
المشاركات : 21,590
|
بمعدل : 3.39 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نور المستوحشين
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 05-04-2009 الساعة : 12:47 AM
كان المدرس البريطاني يتحدث في شعبة "سعيد" بينما "سعيد" غارق في كتاب القواعد الإنجليزي يرسم حروف كلمة "حسن" باللغة الإنجليزية ، كان شارد الذهن ، يحيا في عالم لا يمت للواقع بصلة ، يتفكر في محاولاته اليائسة للفت نظر حبيبه الذي لا يعلم عنه ، و فشله الذريع في التوصل لخيط يقربه من "حسن" ، كان "صالح" في كل يوم يأتيه بأنباء و أخبار تقرب له الفرج ، فيعلق آمالا هي غاية حياته في تلك الفترة ، كان آخرها في فترة الغذاء يوم الأربعاء عندما كان جالسا في القاعة الزرقاء من مطعم الجامعة و دخل "حسن" ليجلس في طاولة يستطيع أن يراها "سعيد" ليترك "سعيد" وجبته و يبقى مركزا بصره في محبوبه ، ابتسم "صالح" و قال:
- سوف تتعرف عليه عصر اليوم ، ستزوره في منزله...
- كيف يا "صالح"؟
- ستذهب برفقتي و لن تتحدث... سوف أرتب الأمر..
- شكرا يا صديقي الوفي..
أحس "صالح" بالوخز في قلبه ، كأنه قد سمع "يا كلبي الوفي" ، كان يقول في نفسه ، لو لم أعمل على تقريبك لصاحبك فسوف أكون عدوك اللذوذ ، نهض "صالح" وهو يهتف:
- لم يبق عن الحصة شيء...
************
رسالة و بيان لحشد الحشود يتم تداولها بين البنات في المدرسة الثانوية الأولى ، الإشاعات تنتشر بأن ثمة معركة ستتم بعد انتهاء الدوام ، وصلت الرسالة للفصل الثالث ثانوي علمي أول ، بدت كفسحة من تعب المواد العلمية ، تجمعت الفتيات عند قارئة الرسالة ، حاولن أن ينتزعنها منها ، كادت أن تتمزق بين جذبهم ، ارتفع صوتها :
- دعوها و سأتلوها لكم... قبل أن تدخل المعلمة..
عاد الهدوء للفصل ، انتظمت الطالبات في مقاعدهن ، الآذان صاغية ، بدأت حاملة الرسالة بقراءتها :
- من أراد أن يرى بهدلة الحقيرة هدى ، و يسلم من أذى الزعيم عبير ، فليتجمع في ساحة المدرسة أمام البوابة الكبيرة ، و ستستخدم كل الأسلحة المتاحة لتأديب من تعدت على زعامة أحلى البنات و أفضلهن على الدوام ، الزعيمة عبير تدعوكن للانظمام لحفل المشاهدات و التفرج على شجاعتها و بسالتها في القضاء على الجبانة "هدى" ، التوقيع : بنات أرض المرح و اللعب...
****************
كانت "هدى" تحيا يوما روتينيا في المدرسة لولا بعض الهمس و اللمز الذي تشاهده من بنات ركن البيتزا اللاتي تكاثرن على رصيف الزعتر ، كانت "أمل" الواقفة بجانبها في الفسحة تشعر بالارتياب من الأمر ، قالت بشك :
- الجراد يتواجد بكثرة هنا
- كنت أقول ذلك في نفسي... هؤلاء لا يبذر منهن إلا الشر...
- الله يستر... كثرتهن تبشر بسوء... لنرحل عن هذه البقعة ، لم تعد صالحة للوقوف ، و لنغير الطريق احتياطا...
- لكن لم أنتهِ من تناول شطيرتي
- لن تموتي جوعا، دعينا ننجو بأنفسنا
سلكا طريقا مغايرا ، كانت الأعين تتفحص وجهيهن كفريسة قرب الإنقضاض عليها ، بعض النظرات بها شماتة و الأخرى بها شفقة ، وصلتا لفصل "هدى" فودعتها "أمل" و اتجهت لفصلها فإذا بإحدى الفتيات تريها الرسالة ، تهتف بتحذير يشوبه سخرية :
- يبدو أن صديقتكِ لن تنجو اليوم..
- ماذا جنت صديقتي؟
- لا أعلم... أعلم أن الرسالة موقعة بتوقيع رفيقات "عبير"
عادة "أمل" بسرعة لفصل "هدى" ، وقفت تلتقط أنفاسها لكن أنفاسها تتصاعد أكثر فأكثر ، خرجت لها "هدى" ، انتحتا في ركن قصي ، سألتها "هدى" :
- يكاد قلبي يقف ، ماذا هناك؟
- قليلة الحياء...
- أي واحدة؟
- عبير..
- ماذا بها؟
- تضمر لكِ نية ، تعد لمعركة مع نهاية الدوام...
- هذا تفسير النظرات إذا..
- يقال أن بحوزتها أسلحة..
- و أنا عندي أسلحتي...
- ماذا تقصدين؟
- لا تشغلي بالكِ..
- أنا أقول أن تخبري الإدارة...
- سوف أأدبها بنفسي...
- هل هذا يعني؟
- نعم...
- الله يهديكِ ، لقد حذرتكِ
- شكرا لتحذيرك ، لا تقلقي...
تركت "أمل" "هدى" و عادت تتحسب و تدعو بالهداية "لهدى" ، فدخلت "هدى" فصلها و أخذت تجهز للمعركة ببري الأقلام و تجهيز الأقلام الحبر ...
************
كانت "عبير" قد أتت بسكينة و عدد من مفتاح البراغي و وزعتها على رفيقاتها و طلبت منهن أن يبقين في تأهب تام ، و جلست شارذة الذهن تتخيل نصرها على غريمتها ، و ما إن انتهت الحصة الأخيرة حتى تجمهرت الطالبات في الساحة و وقفت "عبير" و رفيقاتهاا تراقبن الباب بانتظار فريستهن المسكينة ، التشجيع و الحماسة تدب في "عبير" و صديقاتها ، خرجت "هدى" تحمل في يدها أسلحتها ، فهتفت "عبير" :
- ههه ، ماهذا؟ رجل في مدرستنا...
قهقهت صديقات "عبير" و انفجرت الجماهير بالضحك...
- هل تعرفين الآيس كريم؟
- لا... بل أعرف الرقص و الاستهتار..
انفجر الجمهور بالضحك مرة أخرى و استشاطت رفيقات "عبير" غضبا :
- تجرؤين على الزعيم..
- لم أطلب منكن أن تتدخلن..
- ما هذه الشجاعة التي تدعين ؟ عشر على واحدة؟
أحست "عبير" بأن الجمهور بدأ يتعاطف مع "هدى" و لابد لها من الاستغناء عن رفيقاتها في هذه اللحظة ، هتفت:
- ياصديقاتي المحترمات ، طلبت العدو طلب و أنا لكرمي ألبي أول طلب لكل عدو ، فلا يتدخل منكن أحد في هذه المعركة ...
- ما شاء الله...
- احترمي حالكِ
- أنا في قمة الاحترام لحالي..
تأهبت الأيدي ، كان في يد "هدى" قلم رصاص و فرجار و في يد "عبير" سكينة صغيرة و مفتاح البراغي ، انقضت "عبير" على "هدى" فرفعت "هدى" مريولها و ركلت " يد "عبير" فانفلت السكين و مفتاح البراغي من يدها ، و تركتها تطلب المدد من أقرب رفيقاتها ، و لم تعد لتهجم إلا و طابور من المعلمات تخرج من الباب و صوت المشرفة يهتف:
- لتقف كل طالبة مكانها
************
في غرفة المديرة مكتب مرتب و رمز سيفين و نخلة معلق على الجدار ، و خلف المكتب تجلس إمرأة ثلاثينية مقطبة الجبين ، يقدح الشرر من جبينها ، لكنها لم تكسر حاجز الصمت الذي التزمته منذ خمس دقائق ، أمام المكتب يتقابل كرسيان جلست "عبير" على أحدهما و هي تحاول أن تبدو لا مبالية متحاشية أن تقع عيناها على عيني المديرة أو غريمتها التي تقابلها على الكرسي الآخر و دموعها تكاد تنهمر من عيونها ، في الممر القريب من الباب المفتوح تتحرك "أمل" بخطوات قلقة فتبعث خطواتها المزيد من التوتر إلى "هدى" ، كأن المديرة تتلذذ بسماع دقات القلوب لا تريد أن تفقد تلك المتعة ، بعد مضي دقائق خرجت من المكتب و تركتهما تنتظران مصيريهما ، تنبأت "هدى" داخلها بعقوبات تتبعها عقوبات ، فالمدرسة لابد من أن تفصلها و تشتهر في قريتها ، و الأهل قد يقترب عقابهم من القتل لكن لا يصل ، و ألسن العجائز لن يرحمها لا محالة ، أما "عبير" فكانت على ثقة من أن نفوذ أمها و تسلط لسانها سيقف سندا و ينتصر لها من "هدى" ، كانت تخدر نفسها بكلمات تقيها من القلق ، جاءت المشرفة لتأخذهما إلى مكتبها ، و في طريقها طلبت من "أمل" أن ترحل إلى منزلها.
كان مكتب المشرفة أقل ترتيبا و أكثر تواضعا ، أذنت لهما بالجلوس ، و بدأت خطبة طويلة تتحدث عن الأخلاق و الطبقات و محاربتها و الإسلام ، و كانت الفتاتان تصغيان لأسلوبها المؤثر ، بعد نصف ساعة من الخطابة تنهدت و سألتهما :
- ما رأيكما الآن ؟
- ...
- أتريدان العقاب أم؟
- ...
- أمهلكما إلى يوم السبت ، لا تذهبا إلى الفصل يوم "السبت" ، أريدكما في مكتبي...
أقلتهما المشرفة معها إلى منزليهما فأنزلت "عبير" أولا ، وعندما خلت بـ "هدى" همست:
- الخطأ لا يقابل بخطأ يا "هدى"...
- إن شاء الله يا معلمة
- إذهبي الآن إلى منزلك فلابد أن أمك في قلق عليكِ ، يوم السبت سأحل المشكلة...
- شكرا يا معلمة..
|
|
|
|
|