|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 10716
|
الإنتساب : Oct 2007
|
المشاركات : 21,590
|
بمعدل : 3.39 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نور المستوحشين
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 03-04-2009 الساعة : 01:42 AM
الحب من أول نظرة موجود في كل المجتمعات ، قد يكون المحب قد رأى المحبوب عدة مرات لكنه لم يره بالشكل الذي أحبه إلا تلك اللحظة ، كان "سعيد" يجلس في بوفيه السنة التحضيرية ، يتسقط أخبار الفتى الذي ذاب في حبه ، يتنقل من طاولة إلى أخرى يتبادل مع الآخرين قصة الحادث المؤلم الذي فجعت به الجامعة ، يبحث عن خيوط تقربه من المحبوب ، يحاول أن يخفي حبه لكنه يحول مجرى الحديث ليصل لمغزاه ، استطاع أن يعرف كل شيء عن محبوبه الذي لم يحدثه مرة واحدة ، لم يفطن أحد لما يدور بخلده إلا "صالح" صديقه و رفيق دربه ، كان "صالح" يحب "سعيد" لكنه لا يبوح بحبه ، يرى "سعيد" يتنقل من قصة حب فاشلة إلى قصة حب أكثر فشلا و هو يتعذب بصمت ، يعرف كل ما يدور بخلد "سعيد" بل أن سعيد لا يلبث أن يفضح نفسه ، عندما حاول "سعيد" انكار الحب واجهه "صالح" بأنه أكثر من عاشق هذه المرة ، رغم كل ما يشعر به من الغيرة و الألم تمكن من مساعدة "سعيد" على الاعتراف بوقوعه في الحب ، التضحية تحثه على أن يرشد "سعيد" للطريقة التي يستطيع بها أن يصل لقلب من يحب دون أن يخبره بأنه جاء بواقع الحب ، حذره من البوح بالمشاعر للمحبوب قبل أن يتأكد من المحبوب يبادله نفس المشاعر...
في الأيام الأولى من السنة التحضيرية يصعب التنبؤ بالعلاقات ، فكم من علاقة أصبحت متينة و تأصرت وقد كانت بعيدة جدا ، و كم من علاقة كانت متينة فماتت ، الانفتاح على مجتمع ضخم مختلف تماما عن المدرسة و تعدد العروق و الانتماءات و الصفات يصنع صنيعه ، الأيام الأولى متروكة للتعارف و التآلف بين الجموع و أبناء القرى ، لا يختلف الأمر كثيرا و لا يتباين إلا بعد مرور شهر إذ يتكيف الطلاب مع الوضع الجديد و يستلامون أول المكافآت، المكافآت تغير أشكال و تفكير و علاقات كذلك ، كان "حسن" يمتلك ملامح مليحة لكن لباسه خلال الشهر الأول جعله غير ملفت للانتباه ، لكنه مع استلام المكافأة قد غير كثيرا من مظهره و استطاع أن يظهر ما يجهله من جماله ، بدا كأنه قد التحق بالجامعة بعد الشهر الأول مباشرة ، و قد التقى "بسعيد" كثيرا لكنه لم يلفت انتباهه إلا بالمظهر الجديد ، العائق الذي يمنع "سعيد" من الدخول في حياة "حسن" هو العزلة التي غلف بها "حسن" نفسه و التزامه بمرافقة "مصطفى" يرحمه الله ، أحس "سعيد" منذ البداية بأن أكبر عقبة في طريق حبه الجديد هو "مصطفى" و كانت أحواله تتغير في حالتين ، عندما يكون في مبنى واحد مع "حسن" إذ يفعل الحب فعلته فيه و يتصرف دون شعور و تعتريه حمرة خفية لا يلحظها سوى "صالح" ، الحالة الثانية هي أن يلتقي وجها بوجه مع "مصطفى" ثم يغيب عنه ، الغيرة التي تولدت من علاقة "مصطفى" "بحسن" تجعله كئيبا مزاجيا لا يستطيع البوح بتلك الغيرة و لا تبرير تصرفاته ، خبر وفاة "مصطفى" أحزن الجامعة بأسرها بما فيهم "سعيد" ، كان حزينا لأن غريمه الذي يشعله غيرة قد رحل ، الساحر الذي كلما مر بجانبه أو التقى به قلب أحواله ، تفسير "سعيد" علاقة "مصطفى" بـ "حسن" علاقة حب و تسلط جعلته لا يفهم "مصطفى" ، الحزن لأنه لن يرى ذلك الشاب الذي طالما التقاه بصمت و تركه بصمت ، السعادة حاولت هي الأخرى أن تتسلل لقلب "سعيد" ، الشيطان يهمس في أذنه :
- ابتهج... مصائب قوم عند قوم فوائد...
كان "صالح" قد مر بالغرفة التي اختلى فيها "حسن" لاسترجاع الدروس ، أحسّ بالألم يقطع قلبه ، شعور ممتزج بين الحزن و الغيرة ، بدا له أن "حسن" ذكرى الشاب الراحل ، و تذكر أنه الفتى الذي سيسرق قريبا من أحب ، يؤمن أن الحب تضحيات ، و سيقدم لمحبوبه كل المساعدة لكي يحصل على مراده ، بحث عن "سعيد" في أرجاء السنة التحضيرية ، اختلى به عند عتبات قاعة المحاضرات القديمة ، هتف :
أهلا "سعيد"
- هلا بك..
- فرصتك... حبيب القلب يجلس وحيدا في أحد الفصول...
- و ماذا تطلب مني؟ أن أرقص؟
- اذهب له بدافع تأدية الواجب... تعرف عليه... فرصة لا تعوض... إنها تمر مر السحاب...
- مستحيل...
- لماذا؟ هل جننت؟
- أنت الذي جننت... لا أستطيع رؤيته..
- أ تخشى أن يكتشف أمرك؟ أن تتلعثم و يقرأ في جبينك عاشق؟
- عما تتحدث؟ أي أمر الذي يكشفه؟ ثم ما دخلي أنا؟ أنا لا أعشق أحدا... هل فهمت؟ لا أعشق أحدا..
- أحقا لا تعشق أحدا؟ أ تظن أني لا أعرفك؟ أتريد أن أخبرك كيف تفكر... أنت هذه المرة أكثر من عاشق... أنت مجنون حب...
- هذه أوهامك... تتخيلها أو تحلم بها... ثم لماذا أضيع وقتي معك... الوقت كالسيف.. سوف أختلي بنفسي لأذاكر....
- لا تنسَ أن تقطع الوقت قبل أن يقطعك... ذاكر في فصول الرياضيات... يقال أنها تنشط الذهن... قصدي... القلب...
كان "سعيد" قد اتجه صوب مبنى الفصول الدراسية بينما دخل "صالح" البوفيه ، تيقن "صالح" بأن "سعيد" لن يفتح كتاب ، و أضمر "سعيد" أنه لن يفكر في المذاكرة ، عندما فتح "سعيد" باب المبنى أحس بدقات قلبه تتسارع ، العرق يتصبب من كل أعضائه ، أخذ يحوم حول الفصل الذي فيه "حسن" كالطير الفاقدة فلذة كبدها ، شجع نفسه على الدخول ، صاح في أعماقه:
- لن تموت... توكل على الله و اكسر القيد الذي يكبلك
فتح باب الغرفة بهدوء و خوف ، القلب قد صعد ليستقر في أذنه ، رفع "حسن" رأسه ، قال "سعيد":
- السلام عليكم...
أجاب "حسن" وقد عاد يقرأ في كتابه :
- وعليكم السلام...
أحس "سعيد" بصعوبة الاستمرار ، تظاهر بأنه جاء لحجز مقعده في الصف الأول ، رمى كتبه على أحد الأدراج ، و خرج يجر رجليه ببطء و أذيال الخيبة...
|
|
|
|
|