|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 10716
|
الإنتساب : Oct 2007
|
المشاركات : 21,590
|
بمعدل : 3.39 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نور المستوحشين
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 01-04-2009 الساعة : 06:31 PM
كل شيء كئيب ، الفصل الدراسي و المدرس الأبله الذي جاء بشهادة أنه أجنبي ، المحاولات البهلوانية التي يفعلها لتضيع الحصة ، الضحكات المنطلقة بلا معنى هنا وهناك ، العيون التي تسترق النظر لوجه "حسن" و هو ساهم الفكر ، أصعب أمر هو أن تشعر بأن الآخرون يحملون لك الشفقة في نظراتهم ، يود لو يكسر ذلك الوضع و يود لو يبقى ، الموت الرهيب يخرس الألسن و يكتم الأنفاس ، أن تتصور ذلك الشاب الحيوي الذي يتنقل في أرجاء الأوريا و قد اختطفه من لا يرجعه ، ثم ترى من يلازمه في الذهاب و الإياب فيتولد عندك شعور بالحزن ، انتهت الفترة الثانية و حصة الرياضيات فبدأت ساعتان من الفراغ ، كان "حسن" عملي جدا ، من القلائل الذين يعدون الوقت من ذهب فلا يفوته أن يقسم ذلك الوقت إلى نصف ساعة فطور و تأمل و ساعة من الاستذكار و إكمال الواجبات و نصف ساعة للصلاة و التنقلات ، كانت الساعة الحادية عشر هذه المرة مختلفة ، كان قد اعتاد على أن لا يلتفت يمينا أو شمالا يخرج حاملا كتابين هزيلين جدا و يجدّ الخطى صوب البوفيه ، أما اليوم فقد رفع رأسه والتقت عيناه بأعين أبناء البلد ، كان يقرأ الحزن و الشفقة و يجرع الحزن و الغصة و المرارة ، لم يجرؤ أحد أن يحدثه أو يربت على كتفه معزيا ، المسافة بينه و بين الآخرين متسعة ، عندما دخل البوفيه كان الصخب عاليا جدا ، النكات و الضحك و الإستهزاء و ما أن أطل من بابها الغربي حتى حلّ الصمت كأن ملك الموت قد مرّ عليهم ، الهدوء و الحزن و الأسى و الأعين المتشفقة التي تشيعه إلى الركن الأعزل ، لم يضع الكتابين على الطاولة بل رجع أدراجه ليخرج من الباب الذي دخل منه و يضغط على زر استقطاب المصعد ، كان يفكر في حالة الهدوء الذي أصاب القوم ، لاحظ أنه لا يوجد في البوفيه سوى أهل القطيف فقط ، ربما لأنها و قاعة المذاكرة المأوى الوحيد لهم بعد أن تنكرت لهم غرف السكن و منعوا من السكن داخل الحرم الجامعي ، الروايات تدعي أن القصد من منعهم عن السكن هي مخطط للتقليل من كثافتهم فوق الجبل رغم أن السبب الظاهري هو عدم اتساع السكن لاحتواء الطلاب جميعهم ، طلاب السنة التحضيرية من خارج القطيف ينقسمون إلى قسمين رئيسين ، الأول هم من يدرسون دون الحاجة للدراسة أو من جذبتهم مظاهر المدينة الجذابة و هؤلاء يقضون تسكعهم في مجمع الراشد التجاري ليغذوا أنظارهم بالأجنبيات أو في القهوة ليغذوا أنفاسهم بأنواع التدخين ، القسم الآخر هم من يسمون بآلات دراسية بحتة ، يخرجون من الغرفة للدراسة و يخرجون من الدراسة للغرفة ، لا وقت للمظاهر أو العلاقات أو غيرها ، أما أهل القطيف فينقسمون إلى ثلاث مجموعات ، مجموعة تتسكع في البوفيه لتعرف الداخل و الخارج ، و مجموعة تتسكع في قاعة كبيرة في الطابق الرابع خصصت للمذاكرة حيث يتسنى لهم نسخ الواجبات المنزلية و العبث و المزح و التنذر على الآخرين ، المجموعة الثالثة فتجلس لتفطر في البوفيه ثم تصعد لتذاكر في القاعة وهؤلاء لا يتعدون عدد الأصابع أحدهم "حسن" الذي أخرس بدخوله القاعة كل من فيها و تكرر مشهد الشفقة في الوجوه فخرج حزينا لا يلوي على شيء ، كان يسمع الحوار و هو خارج :
- مسكين
- الله يربط على قلبه...
- كان ظله الذي يمشي معه...
- أتمنى أن أستطيع مواساته...
- انتبهوا... أشعر أنّه سمعكم... لقد خرج بسبب نظراتكم...
- لم نضربه على رجليه... خرج بنفسه...
كانت هذه آخر كلمة سمعها و المصعد يهبط به إلى الأسفل ، خرج من مبنى المكاتب ليتجه صوب الفصول الدراسية ، نقل بصره يمينا شمالا من بداية الجهة الشرقية الواقعة بالقرب من مبنى الورشة متجها إلى الغرب ، في منتصف ذلك المبنى وجد غرفة فاضية فدخل فيها و أغلق الباب و جلس على كرسي المدرس ثم فرش كتبه و بدأ يراجع كتاب المفردات ، كانت هذه عزلة على عزلة بدأها ذلك اليوم لكنه قرر أن ينفتح قليلا على المجتمع لوقت الحاجة...
مراهقة
منطقة البحر مزيج راقي من العلم و العبادة ، في قلبها تتجمع المدارس و تتناثر ، كما تجتمع الحسينيات و المساجد و تتزاحم ، في الجزء الشرقي من ذلك القلب تقع حسينية السنان و إلى شرقها مدرستي ذات الصواري الابتدائية و ابن كثير المتوسطة ، و على بعد أمتار يقع مجمع من مدارس البنات ، الغريب في الأمر أن المدارس قسمت إلى ابتدائية و متوسطة و ثانوية لأسباب عدة أحدها فصل الطفولة عن المراهقة لكن المراهقة و الطفولة يلتقيان كثيرا في مدرستي ذات الصواري و ابن كثير ، الأغرب هو فصل الجنسين عن بعضهما ثم تركهما يختلاطان كيفما يشاءان عند الانصراف...
عندما أصرّ "حسين" على التسجيل في مدرسة ابن كثير المتوسطة بعد تخرجه من الابتدائية رغم قرب النموذجية المتوسطة من منزله كان يبحث عن أصدقائه الذين اتفقوا على الذهاب لمدرسة ابن كثير ، كان ينتمي لمجموعة من الأصدقاء الذين يتنافسون على المراكز الأولى و كان يأمل أن يكمل مسيره في المتوسط و الثانوي كما كان في الابتدائية ، لكن الأحلام البريئة قد تبدل مع نهاية الصف الأول المتوسط عندما استلم النتيجة و لم تتجاوز التسعين نسبة مئوية إلا بفاصلة واحدة ، و عندما غاب عن أول يوم دراسي في الصف الثاني المتوسط شغرت كل المقاعد الأمامية فوجد نفسه يقبع في آخر مقعد إلى جوار طالب ألف هذا الفصل منذ أعوام ، كانت هذه نقطة التحول في حياة "حسين" و تبدلت أحلامه تماما ، لم يعد الطالب الذي يطمح في إحراز العلامة الكاملة بل أصبح همه المتعة و السعادة و السيارات ، و افترق عن الأصدقاء الذين سجل في المدرسة من أجلهم ، و في الوقت الذي ظل أصدقاؤه السابقون يتنافسون على المراكز الأولى ، نجح في الصف الثاني المتوسط بتقدير "جيد" ، أما في الصف الثالث فقد اختار لنفسه الركن الأيمن في مؤخرة الفصل إلى جانب "عصام" و "ممدوح" ، كان "عصام" قد قضى سبع سنوات متفرقة في المدرسة ، ففي الصف الأول أمضى عامين بسبب الإنجليزي و في الصف الثاني أخفق في جميع المواد ما عدا الرياضة حيث حقق علامة النجاح - 50 درجة – ثم أعاد الكرة و حقق تقدما في جميع المواد ما عدا المواد الإسلامية و الانجليزي و الرياضيات ثم نجح بمعدل 75 في المائة في السنة الثالثة ، عندما دخل الصف الثالث لم يعد يهتم بالنجاح ، فقد كان أحرص على التسلي بالعبث مع المدرسين ، أما "ممدوح" فهو في سن "حسين" تقريبا ، لم يخفق في مراحله الثمان السابقة ، لكنه لم يهتم بدراسته طيلة السنوات الثمان السابقة أيضا ، كان يعتمد المقولة التي يعشقها الشباب دائما "فلها و ربك يحلها" ، و الحق أنه نجا من عدة إخفاقات خلال الثمان سنوات السابقة ، و تكونت جماعة جديدة همها الأكبر المتعة ، و عندما كان "عصام" يملك سيارة "سيليكا" مصنوعة في بدايات الثمانينات الميلادية ، كان "ممدوح" و "حسين" يحلمان بسيارات تماثل سيارة "عصام" ، بل أن الحديث عن محاولات "ممدوح" لشراء سيارة ولّد في نفس "حسين" الرغبة الجامحة في شراء سيارة ، فتارة يتعلل ببعد المدرسة و أخرى يتحدث عن أسعار السيارات أمام أمه ، و لم تكن المرة الأخيرة عندما غضبت "أم حسن" إلا تصعيدا من "حسين" بعد تحريض رفيقيه...
|
|
|
|
|