الموضوع: رصيف الزعتر ...
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية نور المستوحشين
نور المستوحشين
شيعي حسيني
رقم العضوية : 10716
الإنتساب : Oct 2007
المشاركات : 21,590
بمعدل : 3.39 يوميا

نور المستوحشين غير متصل

 عرض البوم صور نور المستوحشين

  مشاركة رقم : 19  
كاتب الموضوع : نور المستوحشين المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 01-04-2009 الساعة : 06:30 PM



على طريق الملك عبد العزيز

الساعة السادسة صباحا ، المنبه يصرخ و يسكته "حسن" بلكمة لا إرادية ، يتقلب يمينا و شمالا ، التحف بغطائه ثم تكور و انقلب على بطنه كمن يحاول أن يمنع البرودة من التسلل إلى جسده ، قام "حسين" متثائبا و دخل الحمام و "حسن" يصارع لعله يحظى بغفوة مشبعة ، جاءت "أم حسن" تتثاءب لتقف على الباب وهي تعنفه :

- قم يا "حسن" ، يكاد البيت أن يهوي من صوت المنبه و أنت لا تزال نائم ، لم يبق سواك..
- أماه... دعيني أنام...
- قم لتبحث لك عن ابن الحلال الذي يوصلك الجامعة... قم يا "حسن"...

جملة "أم حسن" الأخيرة أيقضت داخله الهواجس و الحسابات التي أرقته أغلب ليلته تلك ، نهض كأنه قد رشح وجهه بالماء البارد فجأة ، ضم يديه إلى صدره ، مشى إلى الحمام ، وقف ينتظر عند الباب ، الدقائق تتسرب ، الصبر ينفذ بتصرم الوقت و بانتظار المجهول ، طرق الباب طرقا قويا متواصلا كادت له المثبَّتَات أن تجيب متهاوية ، لا صوت بشري يأتي من الداخل فيصبره ، و لا أحد يخرج من الباب فيريحه ، الصوت الوحيد الذي يخر في أذنه هو خرير الماء ينسكب على بدن أحدهم في الداخل ، أعاد الطرق فسكت الماء ، أراد أن يطرق مرة أخرى ففتح الباب و خرج "حسين" مئتزرا منشفة جسمه و البخار يخفي ملامح الحمام ، صرخ في وجه أخيه :

- أخرتنا... ألم تجد وقتا مناسبا للاستحمام سوى الصباح؟

حملق "حسين" في وجه أخيه برهة ثم مضى إلى الغرفة و أغلق بابها دون أن ينبس ببنت شفة ، فزجّ "حسن" نفسه في الحمام ثم لم يلبث أن خرج ليكرر الانتظار عند باب الغرفة ، عندما خرج "حسين" من الغرفة ودّ "حسن" لو يجمع كفه و يهوي على صفحة وجه أخيه ، لكنه دخل الغرفة و هو يشتم و يتوعد...

عند الساعة السابعة إلا ربع صباحا كان "حسن" يمشي باتجاه "طريق الملك عبد العزيز" لعله يجد من يقله إلى الجامعة ، السيارات تسير دون توقف ، يلحظ الوجوه الناعسة البائسة فيزداد يأسا ، يحدث نفسه بعدم التعرض لـ "هدى" مرة أخرى ، فدعوتها المستجابة هي السبب في وقوفه الآن يستعطف أحدهم ليحمله معه في طريقه ، أظهر كتبه الجامعية لتكون علامة على وجهته ، تذكر "مصطفى" زميل الدراسة منذ الطفولة ، لم يكن صديقه المفضل ، بل أن علاقته به كانت سطحية حتى دخلا الجامعة فدعته الحاجة للاتكال عليه في مواصلاته ، في جامعة الملك فهد للبترول و المعادن تفعل السنة التحضيرية فعلتها في تقريب البعيد و ربما إبعاد القريب ، و تحسين العلاقات ، تكشف اللثام عن التكافل الاجتماعي و التعاطف و الرحمة ، في السنة التحضيرية تحسب أن زملائك من القطيف هم أهلك للتلاحم الذي يجمعهم إلا ما نذر ، و في السنة التحضيرية تتبدد كل النظرات و تنعكس كل الإشاعات و البدع التي تشوه سمعة كل قرية ، و في السنة التحضيرية تكتشف أن جميع الطلاب ينتمون للقرية فيأخذون من القرية طيبتها و تواضعها و بساطتها و حبها للخير و البدل و العطاء ، فلا يمضي شهر إلا و التجمعات القطيفية التي تحمل مزيجا من القرى قد اجتمعت في أماكن معينة من المبنى العجوز ، هذا التلاحم قد يكون سببا في طرد عدد كبير من الطلاب لعدم تمكنهم من المذاكرة ، وقد يؤمن لآخرين الطريقة التي تجعلهم يرتقون كل المراقي و يتفوقون ، عندما تسأل أحد الذين درسوا في جامعة البترول عن أجمل مرحلة في مسيرته فإنه سيتنهد و يذكر السنة التحضيرية بخير ، "حسن" كان من الناذرين في الجامعة ، فقد غلف نفسه بعزلة و علاقات محددة ، فلم يتصل إلا بـ "مصطفى" اتصالا قويا ، و بآخرين معه في الفصول بعلاقة محدودة جدا لا تتعدى الفصل و لا تتجاوز المبنى الدراسي ، و قد قضى "مصطفى" نحبه ، بكى "حسن" أيام العزاء بحرقة ، ليس لأن "مصطفى" يقله دائما للجامعة ، بل أن هذا الموضوع كلما راوده طرده من فكره ، فقد كان بكاء "حسن" على "مصطفى" بكاء من اكتشف شخصا طيبا محبا كريما يحمل من المشاعر أعذبها و من الصفات أسماها ، أحب "حسن" "مصطفى" رغما عنه ، و عندما أحبه اختاره الله ليفجع به "حسن" ، و هاهو الآن يقف في الطريق يتذكر "مصطفى" و "هدى" و دعائها و يتأسف على ما بذر منه فجنى ثماره سريعا...

************
أوصل "عبد الله" أخته "عبير" إلى المدرسة في الوسادة و انعطف جنوبا ليلحق بمحاضرته ، اتساع الوقت تجعله لا يأبه بازدحام الشوارع و تراصص السيارات ، عندما مر على طالب يحمل بين يديه كتب جامعية و رآه يطلب منه بيده أن يقله معه بدت الصورة ضبابية بعض الشيء ، يعلم أنه من طلاب السنة التحضيرية لكنه رآه في مكان ما ، بل أنه صافحه بيده ، بعد أن تجاوزه بأمتار توقف جانبا ليحمله معه و فكره يبحث عن وجه ذلك الشاب المألوف في ذاكرة المواقف ، عندما ركب الشاب السيارة و ألقى السلام شعر أن صوت الشاب مبحوحا كمن قضى أياما في البكاء ، المشكلة في أنه لا يتذكر أين لقيه ، لكنه يعلم أنه رآه ، و مضت برهة من الصمت بينهما حتى قطعه سؤال "عبد الله" :
- أنا "عبد الله" من القلعة.. أسكن منطقة البحر
- أنا "حسن" من باب الشمال... أسكن حي الوسادة...
اتضحت الصورة في ذهن "عبد الله" ، تبدو الخيوط متصلة شيئا ما ، الوسادة و الصوت المبحوح و السنة التحضيرية ، بعد برهة من الصمت عاد "عبد الله" ليسأل بتردد:
- أ تسمح لي بسؤال...
- تفضل...
- هل كان عندكم مجلس عزاء؟
- نعم... توفي صديقي في حادث..
لجم لسان "عبد الله" ، إذاً هو ذلك الشاب الذي لم ينقطع عن البكاء و هو يسير خلف الجنازة ، ما أغرب الصدف ! لم يكن في حسبانه أن يشترك في التشييع لولا مشادة كلامية مع أمه ، و لم يكن في ذهنه أنه سيقف ليقل صديق المتوفى يوم السبت الذي يتلو الحادث ، الجلوس مع مثكول إحساس بالمصيبة ، كيف يسري عن ذلك الشاب الذي تبدو المشاهد أمام عينيه طرية ، بحث عن حديث بعيدا عن الصديق الراحل لرفيقه ، سأل:
- كيف الدراسة في السنة التحضيرية؟
- الحمد لله ، على ما يرام..
- أشعر أنكَ انطوائي بعض الشيء
أحس "حسن" أن الشاب الذي أقله يملك شيئا من اكتشاف الشخصيات ، سأله بحذر:
- و كيف عرفت ذلك؟
- الطالب في السنة التحضيرية عادة لا يقف في الطريق بحثا عمن يقله ، الطلاب يعرفون بعضهم البعض و هم متعاونون...
- لا أعرف أحدا يملك سيارة سوى المرحوم..
- أصبحت تعرفني الآن... و سوف أوصلك في طريق الذهاب...
- لا أريد أن أكلف عليك...
- ليس في ذلك تكليف... أنا أوصل أختي المدرسة الثانوية في الوسادة... و أنت في طريقي...
و ساد الصمت إلى أن وصلا مبنى السنة التحضيرية فكتب "عبد الله" رقم هاتفه و أعطاه لـ"حسن" فشكره و ودعه إذ لم يبق على الدرس الأول إلا بضع دقائق ...




توقيع : نور المستوحشين

ما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح
من مواضيع : نور المستوحشين 0 من مطبخي .. عصيدة التوفي
0 وجعلنا من الماء كل شيء حيا...
0 كلبه نور ...
0 من مطبخي : شراب المارس
0 طقطقات من هنا وهناك ...
رد مع اقتباس