|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 10716
|
الإنتساب : Oct 2007
|
المشاركات : 21,590
|
بمعدل : 3.39 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نور المستوحشين
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 01-04-2009 الساعة : 06:28 PM
منزل الضاد
على مقربة من سوق الدجاج في منطقة البحر تقع فيلا متحيرة بين الحداثة و القدم ، تطل بوابتها على الجنوب حيث حديقة خضراء تمركز في وسطها أرجوحة ، و رغم أن منطقة البحر تتمتع بالحميمية بين بيوتها ، أبت تلك الفيلا إلا أن تجاور التراب من كل جانب عدا بوابتها ، كانت تلك الفيلا من أول البيوت إدخالا للتصميم الأمريكي في المنطقة ، يتألف الطابق العلوي من غرفة جلوس تنفتح على المطبخ و قاعة الطعام ذات الطاولة و الكراسي الأربعة ، أما الطابق العلوي فقد تألف من ثلاث غرف ، غرفة رئيسة و أخرتان متساويتان في الحجم ، تقطن الغرفة الكبرى "أم عبد الله" بينما تشغل "عبير" غرفة و يسكن "عبد الله" أخرى...
الغريب في هذه الفيلا أنّ دخول العاملة الأجنبية إليها أمرا محرما منذ أن تناقشت "أم عبد الله" مع المرحوم "أبو عبد الله" في شأن البيت و اتفقا أن أهم المبادئ أن لا يشاركهما المنزل غريب...
لم تكن "أم عبد الله" إمرأة تنتمي لجيلها ، فقد كانت إحدى عشر فتيات تمردن على الطوق و الحصار القائل بأن إكمال التعليم للمرأة خارج عن حدود الأدب ، بل لا تزال تفتخر بأنها من أوائل النساء اللاتي نلن الشهادة الثانوية من الدمام ، و لم تتزوج إلا بعد حصولها على البكالريوس ، كانت تؤمن أن الزواج لا يأتي إلا بعد الحب ، لكنها عندما تعدت الثالثة و العشروين و لم تلتقِ بمن تحب في ظل القيود الاجتماعية ، قبلت بـ "أبي عبد الله" الذي يكبرها بخمس عشرة سنة ، كان يعتبر تاجرا طموحا يمتلك بعض العقار و المحلات مع عمله في أرامكو السعودية ، لكنه رحل عن الدنيا ملقيا على كاهلها مسؤولية تربية "عبد الله" و "عبير" عندما كان "عبد الله" في الصف الثاني الابتدائي...
نشأت "عبير" ضمن إطار واسع من الحرية و اللامسؤولية ، كانت الفتاة التي لاتعرف معنى لكلمة خطأ أو ممنوع ، رغباتها موفرة دائما و حركاتها مقبولة ، لكن الفتاة التي تملك كل شيء تريده تملك كذلك قلبا مرهفا شاعريا ، كان القلم صديقها منذ أن أحبت مدرسة اللغة العربية في المتوسطة ثم استمر معها تكتب الخواطر الأدبية و تنشرها في بعض المجلات ، و تعشق الموسيقى بشتى أنواعها...
أما "عبد الله" فقد وجد في المسجد ما افتقده في المنزل ، لا يدع فرصة يتمكن فيها من صلاة الجماعة حتى كان في أوائل الداخلين للمسجد ، بدأ التردد على المسجد عندما كان في الصف الأول المتوسط ، يدخل مسجد الإمام علي عليه السلام الرحب الهادئ ، تطمئن نفسه و يشعر أنه في روضة روحانية تجذبه بقوة مغناطيسية لا تقاوم ، ثم انطلق يستعذب كل مسجد و يقتطف من كل الثمار الزاكية ، و لم يصل إلى الصف الأول ثانوي حتى ألف مسجد الإمام الخوئي في منطقة البستان ، كان المسجد الذي استحوذ على فكره و روحه بأنشطته و عذوبة الصلاة فيه ، و لم تعترض "أم عبد الله" في بادئ الأمر لإيمانها بالديموقراطية و الحرية الشخصية ، لكن "عبد الله" بدأ التمرد و المعارضة لكثير من الأمور التي تمارسها "عبير" لتبدأ الأم بالقلق من مصير هذا الابن الذي يعارض كثيرا و يصمت عندما تتكلم و لا يناقش أبدا...
عندما خرج "عبد الله" من المنزل كانت حركة لا سابق لها ، يبدو أنه على وشك الانفجار ، و عندما أمسكت "أم عبد الله" بالصحيفة لم تكد تكمل قراءة سطرين حتى بدت ابتسامته تلوح لها من بين السطور ، كأن الصورة تؤنبها لأنها تركته يخرج غضبانا ، أغلقت الصحيفة و صعدت إلى غرفتها تارة تقرعها ذهابا و عودة ، و أخرى تقف إلى جانب النافذة ، وبين الفينة و الأخرى تقرأ الوقت من ساعتها اليدوية ، تهبط إلى الطابق الأرضي ثم تعود إلى غرفتها ، بدأت الموسيقى المنبعثة بصخب من غرفة "عبير" تزعجها ، لم تتمالك أعصابها ، طرقت باب غرفة "عبير" ثم فتحته فتوقفت "عبير" عن الرقص مندهشة ، لم تكن أمارات وجه "أم عبد الله" تبشر بخير ، حملقت "عبير" في وجه أمها بخوف ، هتفت الأم:
- أنتِ السبب... إذا حصل مكروه لـ "عبد الله" أنتِ السبب...
- لماذا أنا السبب؟.. لم أفتح له الباب و لم أحثه على الخروج... لقد خرج بنفسه...
- حمقاء... أنا من ناصرتكِ أغبى منكِ... أضعت ولدي... من يدري ماذا حدث له... أنا السبب... أنتِ...
أحست "عبير" أن أمها بحاجة لكلمات تهدئها ، اقتربت منها و حظنتها وهي تهمس:
- أماه... لا تعي اليأس يتسرب إليكِ... أخي سليم معافى... ربما ذهب إلى أحد أصحابه..
- أتمنى أن يكون كذلك... لكن قلبي يخبرني بأن شيئا ما حدث له...
قطع رنين الهاتف حديثهما ، انطلقت "أم عبد الله" لترفع السماعة ، كان قلبها يسبق صوتها و هي تهتف:
- ألو..
- أهلا "أم عبد الله"... كيف الأحوال؟
- أهلا "أم محمود"... هل تعلمين شيئا عن "عبد الله" ؟
- لا... لماذا... خيرا إن شاء الله؟
- غضب من كلامي و خرج...
- لا تقلقي يا "أم عبد الله"... ما به إلا خيرا إن شاء الله...
- أتمنى ذلك يا "أم محمود"...
- لحظة... من فضلك يا "أم عبد الله"...
كانت البرهة التي طلبتها "أم محمود" قد أعادة المخاوف لقلب " أم عبد الله" ، أخذت تلهج بذكر الله و الدعاء بالحفظ ، قطعت "أم محمود" شرودها:
- ألم تعلمي بالخبر يا "أم عبد الله"؟
- ماذا هناك؟
- يقول "محمود" أن شاب من جامعة البترول قد توفي في حادث على طريق الظهران...
- ...
- "أم عبد الله".... "أم عبد الله"... ما بكِ يا" أم عبد الله"...
ألقت "أم عبد الله" السماعة على الأرض و أطلقت صرخة أرعبت قلب "عبير" و بدأت على إثرها "أم عبد الله" المناحة على ابنها...
- مات يا "عبير"... مات... الشباب مات... لم أفرح بهِ يا "عبير"... في جذوة شبابه... قتله الحديد يا "عبير"... يالله...
- لا...
انقلبت الفيلا إلى مأتم ، الصراخ من الأم و ابنتها ، الهستيرية تسيطر على تصرفاتهما ، كل واحدة تلوم نفسها ، بعد ساعة من الصراخ دق جرس الباب لتنظم "أم محمود" إلى "أم عبد الله" و"عبير"... كلما هدأت إحداهن أثارتها الأخرى ، و بعد ساعة أخرى دخل "عبد الله" الفيلا متعجبا من هذا الصراخ العجيب ، عندما فتح باب الصالة اختفى الصراخ و فغرت " أم عبد الله" فاهها ثم انخرطت عبير في حالة ضحك هستيرية....
|
|
|
|
|