|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 10716
|
الإنتساب : Oct 2007
|
المشاركات : 21,590
|
بمعدل : 3.39 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نور المستوحشين
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 31-03-2009 الساعة : 02:31 AM
الله" تتأسف على ابنها الشاب ، جلست على الأريكة و علامات الأسى تغتال الهدوء في وجهها ، كانت "عبير" قد سبقتها للجلوس ، ساهمة الفكر تمضغ العلكة ، يبدو أنهما يفكران في قضية ما ، كسرت "عبير" برهة من الصمت عندما قالت:
- ابنكِ هذا رجعي... هذه الحقيقة..
- لا تفتحي الجرح يا "عبير"... إن أمره يؤرقني كل ليلة... أفكاره كأنه ابن خمسين سنة... ما كأنه ابن العشرين..
صمتت "عبير" ثم أردفت بتردد:
- أقترح... أن ترسلوه للدراسة في الخارج... لن يتقدم مادام يعيش في هذه البيئة المنغلقة...
- أتمنى أن يوافق... كم حدثته في الأمر لكنه يرفض الفكرة من أساسها...
- لا عجب في ذلك... عقله المنغلق يمنعه من السفر للخارج... لا يقبل أن أمارس حريتي في المنزل.. ماذا تتوقعين منه؟ أظنه سيطالبك بتحجب الأمريكيات جميعهن كي يدرس هناك..
- كم أنا خائفة عليه...
- أشعر أنه مسكين... أشك أن أحدا ما قد عبث بفكره...
- ...
نهضت "عبير" تخفي سعادة الانتصار و هي تقول:
- أنا عائدة إلى غرفتي... أريد أن أستمع للموسيقى قبل أن يأتي المفتي... أتأمريني بشيء؟
- اجلبي الصحيفة في طريقك...
************
في سيارة تويوتا كامري بيضاء كان يجلس فتى فاتح البشرة ، حسن الوجه ، تزين وجهه لحية خفيفة منسقة ،يكاد أن يتفجر من الغيض ،و كانت تسير الهوينة جائبة طرق القطيف كأنها تستمتع ببقع الماء التي خلفها المطر ، كان ذلك الفتى "عبد الله" يتنقل بين القرى ، يمرّ على بيوت الكثير من أصحابه و معارفه ، لا يريد إقحام أحد في معاناته ، لم يكف عن الغرق في بحر التفكير :
" كيف يمكن لأمي و أختي أن يتحللا بهذه الدرجة ، لم يبق من فساد البنت شيء ، لم يبق إلا أن تدخل البيت بصحبة أصدقائه و تقيم حفلة طرب يحضرها الجنسان ، أعوذ بالله... لماذا أمي تقف إلى جانبها ؟؟ أحقا هما على حق؟؟ أي رياضة هذه ؟؟ لماذا المجون و الرقص يلحق بالرياضة؟؟ أستغفر الله... "
كان الغضب يتدرج في الهبوط ، بدأ يعود لهدوئه الطبيعي ، كان قد وصل حي "الوسادة" بعد مغيب الشمس، السيارات شبه متوقفة ، ثمة شيء في الطريق ، فتح النافذة و إذا صوت الناعي يهلل الله و يذكر الموت ، ركن سيارته إلى جانب الطريق ، كان الجمع غفيرا جدا ، الشباب يسيرون منكسو الرؤوس ، أسرع للمشاركة في التشييع ، صفّ في أقرب مكان لحمل الجنازة ، أصوات تعتلي بين الفينة و الأخرى تسأل قراءة الفاتحة ، لهج لسانه يتلاوة أم الكتاب ، كان يتصفح بعض الوجوه فيراها مألوفة ، قد لا يعرفها شخصيا لكنه يراها دائما ، لامست يده النعش ، تمتم بخشوع :
- سلم الميت إلى رحمة الله ... سلم الميت إلى عفو الله... رحمك الله يا عبد الله
سمع التلقين بوجدانه ، يشعر أن كل ذرة بجسمه تهتز ، كله آذان صاغية ، المشاعر تختلج داخله ، يشعر برغبة في البكاء ، يردد بين الفقرة و الأخرى " لطفك يا رب... رحمتك الواسعة" ، الموت الشبح المخيف يراه أمامه ، أهيل التراب و أصوات البكاء تفتت الصخر ، صُب الماء على القبر ، تحلق المشيعون حول القبر جماعة بعد جماعة يقرأون الفاتحة و يترحمون على الميت ، وضع يده على تراب القبر الندي ، تلا السورة و انقلب عائدا إلى سيارته ، قريبا من المقبرة كان رجلا يقص على آخر خبر الميت :
- عمره 18 عام... أصله من باب الشمال.. ساكن في الوسادة... يدرس في البترول... الله يرحمه... المطر السبب... الحوادث اليوم لا تحصى...
كان هذا سبب شكه في معرفة تلك الوجوه المشيعة ، إذاً... هو زميل دراسة لم يلتق به سابقا ، رحمه الله ...
|
|
|
|
|