الموضوع: رصيف الزعتر ...
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية نور المستوحشين
نور المستوحشين
شيعي حسيني
رقم العضوية : 10716
الإنتساب : Oct 2007
المشاركات : 21,590
بمعدل : 3.39 يوميا

نور المستوحشين غير متصل

 عرض البوم صور نور المستوحشين

  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : نور المستوحشين المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 29-03-2009 الساعة : 05:54 PM



بيت "هدى"

في بقعة على وجه الأرض تحتضن القطيف حيّا من أحيائها الحائرة بين الحداثة و القدم اسمه الوسادة ، و قد وهبته موقعا حنونا كما تهب الأم أصغر أبنائها ، فعلى الجانب الشرقي من هذا الحي يمتد شارع الإمام علي الذي يبدأ من سوق القطيف المركزية في مياس(1) ليمر بالمدارس و المدني و باب الشمال ليفصل بين البستان و الوسادة و يكمل مشواره ليجاور البحاري و القديح ثم يخترق العوامية و يقف عند الحدود الشمالية لصفوى ، وقد قدر لهذا الطريق أن يكون تجاريا زراعيا سكنيا في أغلب مسيرته و صناعيا في الجزء المحادي للبحاري و بعض القسم المخترق لصفوى ، و رغم أن هذا الطريق يخدم شريحة كبيرة من السكان إلا أنه يرفض التوسع إلا عندما تفتح له صفوى قلبها ، أما على الجانب الغربي لحي الوسادة فيختال طريق الملك "" المشجر الواسع الذي يبدأ مسيره من القديح و البحاري ليحد الوسادة ثم يفصل التوبي عن سوق الخميس و يكمل مسيره نحو الدمام مارّا بسيهات ، ولهذين الطريقين أثرهما في جعل حي الوسادة استراتيجيا ، إذ لا تفصل القاطنين لهذا الحي عن مياس أو سوق الخميس إلا مسافة قصيرة يستطيع من يمشي الهوينة أن يقطعها في بضع دقائق ، و تربض - كما أسلفنا – المدرسة الثانوية الأولى للبنات بالقطيف شمال الحي و تحرسه في الجنوب مدرسة القطيف الثانوية للبنين ، و لأن هذه البقعة من القطيف تحب العلم و التعليم فقد وهبت ثلاث قطع من جسدها لإقامة مدارس ، فبالإضافة لشمالها و جنوبها تحتل مساحة كبيرة في مركز الحي المدرسة الابتدائية الثانية للبنات بالقطيف ، و عندما تطل المدرسة الأولى للبنات على أرض خالية شمالا فإن شارعين يصلان شارع الإمام علي بطريق الملك "" أحدهما يحدها من الجنوب مارّا بمدرسة القطيف الثانوية و الآخر يشق الوسادة من المنتصف مارّا بالمدرسة الابتدائية و من هذا الطريق تتفرع أزقة صغيرة يقود الزقاق الثاني المتجه جنوبا منها إلى بيت يفترش الأرض النخيلية وحيدا لا يسند ظهره لأي منزل ، و لا تفصله عن مدرسة القطيف الثانوية سوى خطوات جنوبية ، و عن مدرسة البنات الابتدائية غير خطوات غربية ، كان هذا المنزل (2) يضم بين جنباته أسرة "أبي حسن" .

لم يحط بالمنزل منذ بنائه أي سور أو سياج بل كان ينفتح الباب الرئيس المفتوح على الشرق على دهليز ضيق يشق طريقه بين بركة صغيرة تحت السلم و جدار المجلس إلى صالة الجلوس و المطبخ ، إذ يطل باب الصالة على أول درجة للسلم إلى يمين الداخل في نهاية الدهليز ، أما المطبخ فيقع في نهاية الدهليز تماما ، بينما تقود الدرجة إلى غرفة نوم "أبي حسن" فقط .
و ينفتح من الصالة ثلاثة أبواب يتوسط الأول شمالها ليقود إلى غرفة "هدى" و ينزوي الثاني في ممر شمال شرق الصالة لينفتح على غرفة "حسن" و "حسين" أما الباب الثالث فكان على يسار الخارج من غرفة الصبيين شرق الصالة يؤدي إلى دورة المياه ، أما الجهة الغربية فتنفتح فيها نافذة صغيرة مسيجة بقضبان تحرزية ويبرز إلى يمين النافذة مكيف بغلاف بني ، يساند المكيف مروحة تنحدر من مركز السقف بثلاثة أطراف ، تقف مكتبة خشبية تحمل في بطنها تلفزيونا متوسط الحجم مخشب الإطار ، و جهاز فيديو أسود و تبرز من فتحاتها بعض التحف الفخارية...


**********

يتساقط المطر رذاذا يثير الغبار و يداعب هواجس الناس ، الرذاذ في القطيف لا يبشر بجذب أو رخاء ، هو فقط رذاذ أو قطرات مطر تسقط لتخيف الشيوخ و الأطفال ، الفقراء و المساكين و العاملين في الهواء الطلق ، تخيف الطلاب و الطالبات ، و تصنع الحوادث المرورية ، غول مخيف يداهم قلوب الكثيرين ، الغيوم وحدها تنذر بوابل و تخبر أن هذا الرذاذ ماهو إلا رسول ، بدأت الطالبات بالانتشار خارج سور المدرسة الثانوية ، من لاذت بركوب الباص تراقب الأخريات ، و الماشيات يجدن في السير ، و انهمر السيل السماوي ، قرع المطر يثير الرعب في نفوس مستقلات الباص ، و يشل تفكير من تبللت عباءاتهن و سد طريقهن ، أطلت "هدى" و"أمل" من بوابة المبنى الداخلية ، كان المطر يضرب أرض الساحة الخالية أمامهما و يرتد إلى الهواء ثم يسقط مرة أخرى ، انضمتا إلى من حبسهن المطر عن الخروج ، كان السرب الذي يشاهد المطر تحت حماية المبنى يأمل أن يقف المطر أو يخفف من وطأته ، كلما تسرب الوقت تسربت الطالبات يأسا من هدوء المطر ، هتفت "أمل":- أرى أن المطر لن يتوقف... أنا ذاهبة..
- لا.. لا أستطيع... سأنتظر حتى يهدأ
- مع السلامة
- مع السلامة
و تسرب اليأس إلى صدر "هدى" ، لم يبق في السرب أكثر من عشر طالبات ، هيأت نفسها لخوض مغامرة المشي تحت المطر و فوق الطين ، حملت حقيبتها على كتفها ، أخفت طرفا تحت الآخر و أمسكت بالطرف الخارج بقوة ، خطت خطوتها الأولى بحذر ، رفعت رجلها الأخرى بآلية بطيئة ، ثم ركضت على قمم أصابعها إلى باب السور الخارجي ، و اندفعت مسارعة خطواتها ، لتشق عباب الطين شقا...

الأزقة الوعرة تزداد وعورة عندما يهطل المطر ، الإسفلت المهترئ يستسلم لوطأة القطرات الغاضبة كما يستسلم الزجاج للجماهير الغاضبة ، سلكت "هدى" طرقا ملتوية قادتها إلى طرقا ملتوية ، و المطر يهاجمها أينما يممت وجهها ، وقفت أمام الباب في شلل تام ، البركة التي أحاطت بالباب تعيقها عن الولوج ، سارع المطر هطوله فأصبح "العدو من أمامكم و البحر من ورائكم" ، قفزت ثلاث خطوات متباعدة ، تطاير الماء فلطّخ عباءتها بينما هي مندفعة إلى المنزل ، كانت "أم حسن" تقف في المطبخ تراقب القدر الخاضع للنار ، فأطلت من الباب و هي تهتف:
- انزعي حذاءك قبل أن تدخلي بكل...
توقفت الكلمات في فيها ، كانت "هدى" قد وصلت باندفاعها إلى نهاية الدهليز ، جمدت أمام نظرات أمها الحادة كالبركان الذي سيثور ، تشهدت و قرأت السورة الفاتحة، صرخت "أم حسن" في وجهها...
- ما هذا؟؟ انظري إلى حالك!... أ هذا منظر فتاة عاقلة؟؟ كأنك طفلة لعبت في الوحل ، ثم ما هذا؟؟ لماذا وصلتِ إلى هنا؟؟ لماذا لم تنزعي وحلك هذا من أقدامكِ؟ وسختي أرض الدهليز...
- توجد بركة على الباب ، و المطر يهطل بغزارة...
- و إن هطل المطر بغزارة تقفزين إلى المنزل كالمجنونة؟؟ ما هذا؟؟ لابد أنك عدتِ إلى طفولتكِ... كلا... في طفولتكِ لم تفعليها... ربما هي طفولة متأخرة... انظري... انظري إلى عباءتكِ... أ هذه عباءة فتاة في الثانوية؟؟؟ لقد تزوجت أبيكِ و أنا أصغر منك بسنين ، عندما كنت في عمرك كنت أربيكِ أنت و أخاك "حسن"... لماذا أنت واقفة؟.. انزعي عباءتك و اغسلي الأرض قبل أن..
و رفعت "أم حسن" يدها بكف مضمومة...

- ... أدخل النار بسببك...
كانت "هدى" تستمع إلى صراخ أمها ، وذهنها يحسب حساباته المختلفة ، ها هي أعمال إضافية قد سجلت نفسها في جدولها لهذا اليوم ، عباءتها التي تشجرت بالوحل يستحيل الذهاب بها إلى المدرسة قبل إخضاعها إلى عمليتي الغسيل و النشر ، أرض الدهليز الملطخ بما حمل حذائها ، أعمالها الإصلية التي تستغرق أغلب عصرها ، نزعت عباءتها و ألقتها في الحمام و لم تدخل غرفتها حتى عادة تحمل مريولها و رمته إلى جانب العباءة بوجه محمل بكل تعابير الغضب و الاعتراض ، حملت طشتها و أدوات التنظيف و خرجت إلى الدهليز ، لم تبدأ الغسل حتى صرخت "أم حسن" في وجهها...

- متى ستتقنين أعمالكِ... ضعي شيئا من سائل الغسيل...
دخلت "هدى" المطبخ لتجلب علبة الغسيل فأوقفتها "أم حسن"...
- الغذاء جاهز... إذا قدم أخويك ضعيه لهما... أنا سأذهب إلى جارتنا "أم عباس" ، سيأتيها ضيوف و أريد أن أساعدها...
- إن شاء الله...

عادت "هدى" تسكب و تشطب المزيج الذي ألفته من الغسيل و الماء ، كانت تدعو أن يتوقف المطر إلى الأبد ، خرجت "أم حسن" بعباءتها ، توقفت عند "هدى"...

- أريد أن أرى البيت نظيفا عندما أعود ، رتبي غرفة أخويك و غرفتك ، و إذا أتيا ضعي لهما الغذاء ، و لا تنسي أن تغسلي الملابس و الصحون ، و إذا أتى "حسين" راجعي معه دروسه..
- لن يقبل ذلك...
- إذا لم يراجع معك فالعصا بانتظاره...
- إن شاء الله...
- و حافظي على نظافة المنزل..
- إن شاء الله..
فتحت "أم حسن" باب المنزل فتوقفت أمام البركة التي تكونت من المطر ، كان المطر قد خفف وطأته و شارف على الوقوف ، فعادت لتكمل تعليماتها..
- ضعي قطعت سجاد إضافية أمام الباب قبل أن يأتي أخواكِ أو أبوك و يصنعان مثلما صنعتِ..
- إن شاء الله..
- و لا تنسي أن تحافظي على المنزل نظيفا...
- إن شاء الله..
و خرجت "أم حسن" و لم تكد تفعل ذلك فوقفت "هدى" و تنفست الصعداء ثم هتفت:
- آه... أخيرا خرجت...




توقيع : نور المستوحشين

ما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح
من مواضيع : نور المستوحشين 0 من مطبخي .. عصيدة التوفي
0 وجعلنا من الماء كل شيء حيا...
0 كلبه نور ...
0 من مطبخي : شراب المارس
0 طقطقات من هنا وهناك ...
رد مع اقتباس