الموضوع: رصيف الزعتر ...
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية نور المستوحشين
نور المستوحشين
شيعي حسيني
رقم العضوية : 10716
الإنتساب : Oct 2007
المشاركات : 21,590
بمعدل : 3.39 يوميا

نور المستوحشين غير متصل

 عرض البوم صور نور المستوحشين

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : نور المستوحشين المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 28-03-2009 الساعة : 03:17 PM


"المدرسة الثانوية الأولى بالقطيف"

ترتدي المدرسة الثانوية الأولى ثوبها الأصفر الباهت لتخبر من يمر شرقها على طريق الإمام علي عليه السلام متجها جنوبا و مخلفا وراءه قرية البحاري بأنها أقدم مدرسة ثانوية بنيت في القطيف ، تربض في تلك البقعة النخيلية الزائلة كأنها كلب حراسة بليد يغفو أمام البوابة الشمالية لبيوتات حي الوسادة ، و تجاورها التربة المثكولة على امتداد سورها الشمالي و الغربي ، و رغم أن سورها الغربي هو الوحيد الذي لم يسمح بفتح باب خلاله إلا أن الجهة الجنوبية فقط تشرع بوابتها لاستقبال الطالبات في الصباح و توديعهن عند الظهر ، يقع ركن البيتزا في الزاوية الشمالية الغربية حيث يتوارى ذلك الجزء عن الأنظار قليلا و لكي تنتقل الطالبة من ركن البيتزا إلى رصيف الزعتر عند الجدار الشرقي من سور المدرسة عليها أن تمشي بامتداد المبنى الدراسي عرضيا ثم تتجشم قطع ساحة الطابور الصباحي متخطية جميع الحصون البشرية المتفرقة على أرض تلك الساحة ، و هذا ما أعاق حركة "عبير" و أفشل خطتها المباغتة ، فوقفت بعد ردة فعل "هدى" و مقاومتها غير المسبوقة منصدمة من تجرؤ "هدى" و هجومها..

وقع الاشتباك على بعد خطوات من منزل حارس المدرسة في طرف رصيف الزعتر الجنوبي ، وعندما سحبت "أمل" "هدى" من ساحة المعركة ظلت "عبير" تتحسس آلامها وسط حلقة من المتجمهرات بينما توقفت "هدى" خارجها لتسترد أنفاسها و تصلح من هندامها ثم أمسكت "أمل" يدها و ضغطت عليها بحنان و سارتا مشية الهوينة إلى البوابة الكبيرة للمبنى المطلة على الشرق و بين اللحظة و اللحظة تتلفت "هدى" إلى الخلف ثم تواصل المسير و قد زال عنها الخوف بعد أن اجتازتا غرف الأعمال اليدوية و ارتقتا السلم المجاور لغرفة المديرة لتصلا للطابق الأول حيث فصول القسم العلمي من الصف الثاني الثانوي ، و أمام فصل ثاني ثاني وقفتا لتلقيا نظرة على الطالبات المندفعات إلى صحن المبنى مع انتهاء فترة الفسحة المدرسية ، ثم ودعت "هدى" "أمل" و دخلت الفصل...
كانت "هدى" أول من دخل الفصل المؤلف من اثنتين و أربعين طالبة توزعن على سبعة صفوف طولية إذ يلتصق صفان بالجدار الأيمن و صفان بالجدار الأيسر و تلتحم ثلاثة صفوف في وسط الفصل ، لتستقر في مقرها الواقع في أول الصف الثالث من الجهة اليمنى ، ولم تنته من التجهيز لدرس الحصة الرابعة و إخراج كتاب مادة الأحياء إلا و قد تدفقت الطالبات إلى الفصل و لم تمر بها طالبة إلا و ألقت عليها نظرة أسى أو كلمة مواساة ، كانت طبيعة "هدى" الصامتة تمنع زميلاتها من كسر الحواجز النفسية التي بنيت مع الأيام بينها و بينهن ، إذ لم تكن علاقتها معهن أكثر من زمالة عابرة يسودها في كثير من الأحيان صمت طويل يزداد كلما اتسع قطر الدائرة الذي يحيطها ، كانت تجلس إلى يسارها فتاة سمراء ذات ملامح جذابة و سجية هادئة اسمها "زهراء محمد" و قد مرّ عليهما قرابة شهر و هما متجاورتين و لم تتحدثا مع بعضهما إلا بالتحية المقتضبة ، أما في الجانب الآخر لـ "زهراء" فتجلس "زهراء محمد" أخرى لكنها فاتحة البشرة مكتنزة اللحم خفيفة الظل ، لم تر مقطبة قط ، بل أن شعارها الذي لا تفتأ ترديده "دع الأيام تفعل ما تشاء" ، فهي رغم ذكائها و حماسها في مادتي الرياضيات و الفيزياء إلا أنها نادرا ما أحضرت الواجب لبقية المواد ، أما على يمين "هدى" فتتجاور "زينب علي" و "سكينة حسن" و تربطهما علاقة نسب قريبة جدا مما جعلهما منغلقتين إلى حد ما على بعضهما و متشابهتين كثيرا بجسمهما النحيل المقارب للمرض و فكيهما البارز ، أما خلف "هدى" فتجلس عريفة الفصل "فاطمة حسين" و مساعدتها "عقيلة سعيد" و صديقتهما "مريم حسن" و هؤلاء الثلاث دائما ما يحكمن سيطرتهن على طالبات الفصل ، فإن رضين عن طالبة فهي في عيشة راضية و إن سخطن عليها فأمها هاوية ، و هن جزء من مجموعة طالبات مبعثرة في الفصول يلبسن ثوبا رصاصيا (1) موحد التصميم و أحذية موحدة الشكل و اللون و يتفقن على تسريحة شعر موحدة كل يوم ...

كانت السبورة الإيضاحية تحتل الجزء الأكبر من الحائط الأمامي ، أما الجدار الأيسر فيقسمه مكيفان إلى ثلاثة أقسام ، يغطي الجزء الخلفي لوحات لمواد مختلفة ، و تملأ أربع نوافذ مظللة الجزء الأوسط ، بينما يبقى الجزء الأمامي يغطيه غبار الأقلام الجيرية (2) ، و يقف الباب الحديدي الأصفر الذي تتوسطه زجاجة شفافة في مقدمة الحائط الأيمن ثم تمتد اللوحات لتغطيه بالكامل و في الجدار الخلفي ثبتت ساعة عقارب دائرية طالما ثار جدلٌ بين الطالبات و المعلمات لنقلها إلى الأمام فوق السبورة إلا أن المعلمات يرفضن بشدة خوفا من تشتت ذهن الطالبات...
كلما حاولت "هدى" طرد مخاوفها عادت لتتسلل إليها من جديد ، وقد جاهدت لتستمع لشرح معلمة الأحياء دون طائل ، و بينما هي في محاولاتها الفاشلة إذ لمحت "عبير" من خلال النافذة الزجاجية في الباب تمشي في الدهليز المؤدي إلى فصلها فاستعاذت بالله من شرها و ركزت نظرها على السبورة...

______________
1) المريول
2) الطباشير



للنقل تتمة

تحيااااتي نور...




توقيع : نور المستوحشين

ما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح
من مواضيع : نور المستوحشين 0 من مطبخي .. عصيدة التوفي
0 وجعلنا من الماء كل شيء حيا...
0 كلبه نور ...
0 من مطبخي : شراب المارس
0 طقطقات من هنا وهناك ...
رد مع اقتباس