|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 14474
|
الإنتساب : Dec 2007
|
المشاركات : 411
|
بمعدل : 0.06 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
فطومة الحلوة
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 24-03-2009 الساعة : 02:41 PM
... الجـــــزء الرابـــــع عشـــــر ...
... طـــــرق فرعيـــــة ...
وأخيرا انتهينا من تلك الظلمة الموحشة ودخلنا صحراء مترامية الأطراف وبعد أن سرنا فيها خطوات توقف (( حسن )) وقال : انظر يا صديقي , إن السير في هذا الطريق محفوف من الآن وصاعدا بالمخاطر أكثر مما سبق , ثم ألقى نظرة سريعة على الطريق واستمر في حديثه : كل من ابتلي في الدنيا بنوع من الإنحراف سينحرف هنا أيضا , ثم أشار بيده إلى الطريق الذي يقابلنا وقال : هذا هو الطريق المستقيم الذي ينتهي بوادي السلام ولكن لابد من الإنتباه فهنالك الكثير من الطرق الفرعية فالطرق المتناثرة على اليمين والشمال مضلة وأما الجادة الوسطى فهي المستقيمة ـ فأخذت أردد : اللهم اهدنا الصراط المستقيم . ثم طلب مني أن أسير خلفه وسرنا في الطريق الذي أمامنا, وكان جميع الذين عبروا الكهف ساروا في هذا الطريق للوصول إلى وادي السلام وكان الناس يطوون هذا الطريق بما لديهم من حسنات صغيرة أو كبيرة وبسرعات مختلفة .
بعد أن سرنا مسافة وصلنا مفترق طريقين ودون أن يتوقف (( حسن )) أشار إلى الطريق الواقع على الشمال وقال : هذه جادة الحسد والطغيان من دخلها خرج من جادة الشرك التي تنتهي بوادي العذاب .
وفي تلك الأثناء شاهدنا شخصا قد وطأ بقدمه تلك الجادة ورحت أفكر بأمره فتألمت لأنه اختار هذا الطريق المنحرف بعد كل تلك المصاعب والطريق الذي قطعه . وكنت أتمنى أن يندم ويؤوب قبل وصوله إلى جادة الشرك . لم يزل ذلك المنظر يشغل بالي حتى واجهت مشهدا آخر في طريقي حيث شاهدت رجلا صغير البنية يسير إلى جانب الطريق خائفا مرتعدا , فالتفت إلى (( حسن )) وقال : طأ بقدمك رأس هذا وتقدم .
توقفت وسألته متعجبا : لماذا ؟ قال : المتكبرون في الدنيا تصغر أبدانهم هنا كي يركلهم الناس بأقدامهم .
ولما تذكرت تكبر هؤلاء في الدنيا أخذتني العصبية فركلته بقدمي وألقيت به على الأرض وواصلت طريقي دون اكتراث بعويله وصراخه . وما أن ابتعدنا قليلا حتى وصلنا مفترق ثلاثة طرق . فتوقف (( حسن )) ليدلني فقال : واصل طريقك المستقيم ولا تلتفت يمينا ولا شمالا . لأن طريق اليمين طريق النمامين الذين يؤذون الناس بألسنتهم , وأضاف : وفيه حيوانات لادغة تلسع المارين من هناك . في غضون ذلك دخله شخص فخرجت بعض الأفاعي من الأرض وأنبتت أنيابها بجسده فتركته مطروحا على الأرض يصرخ بصوت عال ونظرا لرعب المنظر أدرت بوجهي شمالا فدهشت لرؤية شخص ضخم البطن لا يستطيع السير وكثير ما يسقط على الأرض . ولفقدانه التوازن انحرف نحو طريق الشمال وأخذ يواصل طريقه زحفا .
سألت (( حسن )): أي طريق هذا الذي يسير فيه ؟ قال : هذا طريق آكلي الربا حيث يذوقون أشد العذاب .
... الغلـــــي ...
سار بنا الطريق نحو قمة تل , ومن الأعلى انتبهت إلى الجانب الثاني من التل فشاهدت مجموعة من المأمورين يقفون على الطريق وقد وقفوا عدة أشخاص , وإلى جانب المأمورين كانت تتصاعد ألسنة من النيران , ولشدة خوفي ورعبي دنوت من (( حسن )) ومنعته من المسير, فمسح (( حسن )) بيده على رأسي وقال : لا تخف فلا شأن لهم بك فقد وقفوا يتصيدون أفرادا معينين . وفي تلك الحال ارتفع صوت عويل وصراخ ولما نظرت عرفت أن شخصا كان واقفا والنيران والدخان يتطاير من جبهته ولما أمعنت النظر شاهدت مسكوكة مغلية قد طبعت على جبهته , ثم أحمى المأمورون مسكوكة أخرى ووضعوها على ظهره فملأ صراخه وعويله أجواء الصحراء , نظرت في وجه (( حسن )) متحيرا , ونظر هو أيضا في وجهي وقال : هذا جزاؤه (( فهذه المسكوكة كان قد جمعها في الدنيا , وكان يرد المحرومين والمستضعفين ولم يؤدي حقوقهم ))ـ قال (( حسن )) ذلك وسار نحو الأسفل ولحقت به مرعوبا وخائفا .
ولما وصلنا عند هؤلاء المأمورين الغلاظ الشداد تضاعف خوفي ورهبتي ولكن ما خفف من روعي وجعلني أهدأ هو أنهم أفسحوا لنا الطريق للمرور فعبرنا من بينهم دون الشعور بالخطر ..
... قطعـــــة مـــــن نـــــار ...
ابتعدنا عنهم خطوات فراودتني فكرة الإلتفات إلى الخلف ولما نظرت دهشت لرؤيتي المأمورين وهم يمسكون بشخص من رجليه ويديه ويحاولون إدخال قطعة من نار بالقوة في فمه , توقفت عن المسير ورجعت إلى الوراء فهالني المنظر , فكانت صرخاته وعويله أليمة للغاية , وفي الوقت الذي كان داخله يستعر فقد كان يقطع الطريق زحفا , وفجأة شعرت بيد حسن على كتفي فنظرت إليه وسألته : ما الأمر ؟
قال : إن الذين يأكلون أموال الناس بالباطل يتولى أمرهم مثل هؤلاء الملائكة المكلفين بإطعامهم قطعة مستعرة من الحديد .
وبعد صمت قليل واصل (( حسن )) كلامه فقال : بطبيعة الحال فإن هؤلاء يقفون عند معبر حقوق الناس .
وبعد استماعي لكلام (( حسن )) اطمأن قلبي قليلا ولكن نظرا لتألمي من ذلك المنظر توجهت إليه وطلبت منه الإبتعاد عن ذلك المكان .
ثم سرنا وسرنا حتى وصلنا شخصا رافعا يديه إلى الأمام وهو يتخطى خطوات قصيرة بحذر , فقال (( حسن )) وهو يواصل مسيره مشيرا بإصبعه إلى ذلك الشخص : منذ أن خرج هذا المسكين من النفق أصيب بالعمى .
ثم سار في طريق فرعي يبعد عنا خطوات وقال (( حسن )): هذا طريق أهل الدنيا وسرعان ما يدخله , فسألته لماذا ؟
قال : ذلك واضح لأنه فضل الدنيا وأهلها على الآخرة وعلى المؤمنين . وهذه الطائفة من الناس ممن يشترون الخسران المبين لأنفسهم , وذلك هو شراء الدنيا بالآخرة . ولم ينتهي (( حسن )) من حديثه وإذا بهذا الشخص يطأ بقدمه طريق أهل الدنيا , وبقيت أسير في طريقي وتارة أعود إلى الخلف لأنظر من ذلك الأعمى البائس .
كنا نطوي الطريق على ما يرام , وكنا أحيانا نسبق غيرنا فيما يسبقنا آخرون وقد صادفنا في طريقنا طرقا فرعية وأناسا عجيبين , ومن بينهم أشخاصا ذوي لسانين امتدت من أفواههم وتستعر فيها النيران , فقال لي (( حسن )): إنهم المنافقون .
كما شاهدنا الذين ارتكبوا أعمالا تخالف العفة وانغمسوا في الشهوات غير المشروعة وقد لجموا بلجام من نار . لكن الأكثر إزعاجا هو الطريق الفرعي الذي تسير به النساء , فهو طريق ينتهي إلى صحراء وتتعذب فيها نساء كثيرات , فمنهن من علقن بشعورهن وذلك لأنهن كن يبدين شعورهن للأجانب , منهن من يأكلن لحومهن , وهن من كن يتزين أمام الأجانب , منهن من كانت رؤوسهن رأس خنزير وأبدانهن بدن حمار لأنهن مارسن النميمة في الدنيا .
والذي أثار دهشتي خلال مشاهدتي لجميع تلك المناظر هو عجز (( حسن )) الخاص بهؤلاء بحيث أنه كان يتخلف عن صاحبه أحيانا مسافة مئات الأمتار فيعجز عن هدايته وإعانته .
تابع..
|
|
|
|
|