|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 23036
|
الإنتساب : Sep 2008
|
المشاركات : 9,776
|
بمعدل : 1.63 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
عاشق الامام الكاظم
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 06-12-2008 الساعة : 11:26 PM
أصناف المغرورين
اعلم أن فرق المغترين كلها غير محصورة ، وجهات الغرورأيضاً مختلفة.. ومعنى الغرور هو : خطأ النفس في الحكم ، فترى الشر خيرا ، والخير شراً ، كل ذلك بداعي الهوى .. وأصحاب الغرور والهوى على أقسام :
فمنهم الكفار الذين باعوا آجل الآخرة بعاجل الدنيا ، لنقص يقينهم بالله ورسوله .. وإن مما يثير العجب أنهم يرجعون إلى الخبير بالشيء عند جهلهم به كأربـاب الصناعات ، ولو أنهم رجعوا إلى الأنبياء - وهم الخبراء بمصالح العباد - لخرجوا من كفرهم.. ومما أوقعهم في الوهم أيضاً ما يرونه من ابتلاء المؤمنين بالفقر تارة ، وبأنواع من البلاء تارة أخرى ، والحال أن غيرهم من الكفار والفسّاق متنعمون متلذذون في دنياهم ، ومن هنا يصيبهم الغرور بأن ما أُعطوا إنما هو لكرامتهم وهوان غيرهم.. كذبوا والله العظيم !.. فإن ترادف النعم الدنيوية ليس دليلاً على القرب ، فلم يكن إقبال الدنيا على فراعنة العصور دليلاً على قربهم من الله تعالى ، بل كانت الدنيا سبب هلاكهم وبُعدهم عن الله جلّ جلاله.
ومن هنا كان أطباء النفوس يحذّرون أتباعهم من لذائذ الدنيا ، كالوالد البار الذي يحمي ولده عند المرض عن ضار الطعام ولو كان لذيذاً .. كلّ ذلك حبّا له وشفقه عليه.
وعليه فلو كان للمولى عبدان: عبدٌ أوكله المولى إلى نفسه ، وعبدٌ كلّفه بشاق الأعمال لتحصيل الصحة والكمال ، فيا ترى أيهما أحب إلى مولاه ؟!..
واعلم أن السلف الصالح كانوا يحزنون من إقبال الدنيا عليهم ويقولون : ذنب عجلت عقوبته ، ويفرحون بإدبارها عنهم ويقولون : مرحباً بشعار الصالحين .. والمغرور على العكس يظن الأول كرامة والثاني إهانة ، وإليه يشير قوله عز من قائل :
{ أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون سنستدرجهم من حيث لا يـعلمون } . المؤمنون/56.. { فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } .. الأنعام/44
ومنهم الفسقة من اهل الحق الذين غرّهم حلم رب العالمين وعفوه وفضله تارة ، وغلبة الرجاء عليهم تارة أخرى .. ومنهم من غرّه انتسابه إلى رسول الله (ص) غافلين جميعاً عن أن الرجاء بلا عمل غلط محض ، إذ لو كان الرجاء كافياً لما أتعب المعصومون (ع) أبدانهم الطاهرة في صنوف الطـاعات ، حارمين أنفسهم لذة الراحة ، مشتغلين في الليل والنهار بالابتهال والتضرع.
ولا يخفى عليك أن أقوالهم (ع) وإن كانت تقبل التأويل إلا أن أفعالهم ليست كذلك ، فافهم واغتنم .
واما المغرورين بالنسب ، فعليهم الالتفات إلى أن الركون إلى محض النسب يخالف قوله تعالى : { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} . المؤمنون/101 .. وكذلك قوله تعالى :
{ ولا تزر وازارة وزر أخرى }. فاطر /18.. فإن من يرى خلاص نفسه بخلاص غيره ، شأنه شأن من يرى أنه يشبع بشبع غيره، أو أنه يزداد علماً بعلم غيره وإن لم يتعب نفسه بالاكتساب .. هيهات هيهات!.. فالتقوى واجبة على كل فرد وجوباً عينياً ، ولا يجزي والد عن ولده ، بل يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه ، والشفاعة لا تكون إلا مع حصول شروطـها ، فهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى.
ومن أصناف المغرورين العلماء ، سواء كان غرورهم من جهة العلم أو من جهة العمل .
فاما من الجهة الأولى فطوائف وفرق:
ففرقة اكتفت بالجدل وإظهار الفضل في المجالس من دون أن تستضئ بنور العلم ولا بنور العمل ، فمثلها كمثل خيط في مهب الرياح تسوقه حيثما تريد.. وهؤلاء يُُعلم مآلهم بالتأمل في حالهم.
وفرقة توغلت في بعض العلوم الأدبية ، بتصور أنها من المقدمات الشرعية.. فصرفوا جلّ وقتهم في تحصيل تلك العلوم ، والحال أنهم جاهلون بما خُلقوا لأجله.
وفرقة انشغلت بعلوم الفقة وما يستلزمه من الأصول ، غافلين عن أن الفقة مقدمة للعمل ، والعمل مقدمة لتهذيب الأخلاق، والتهذيب مقدمة للتوحيد.. وبذلك تكون قد وقفت على المرحلة الاولى ، فلم يبق لديهم وقتٌ لطي باقي المراحل ، إلا أن يقال : أنها ستُطوى لهم في عالم البرزخ ، وإلا فلا مجال لذلك!..
وفرقة تعمقت في مختلف العلوم ، إلا أنها أهملت القوة العملية ، وأعرضت عن تزكية النفس .
وفرقة عملت بالواضحات الأخلاقية والسمعية ، ولكنها أهملت المكنونات القلبية والأمور الغامضة الخفية ، فتراه يتكبّر بدعوى إعزاز الدين ، ويرائي بدعوى إرشاد الجاهلين ، وكل هذا تغريرٌ لنفسه ، والله تعالى مطلع على سـريرته .. فتراه يخوض في أموال اليتامى والفقراء والمساكين ، ويصرفها في شهواته ، وفيمن يختلف إليه من الأنصار والمريدين ، ظناً منه أنه يستحق بذلك جزيل الأجر والمثوبة بإعانة الفقـراء ، وتخليص الأغنياء من اشتغال الذمة ، وترويج العلم بإعانة الطلبة والله العالم بالضمائر.
وفرقة أخرى من الوعاظ المتكلفين لشريف الملكات ، والداعين إلى الفضائل والمكرمات ، والمحذّرين من الخبائث والشبهات ، ولكنهم غارقون في المذموم من الصفات ، متوهمون أن معرفة اصطلاحات العارفين ونقل أقوالهم ، يُدخلهم في زمرة السالكين إلى الله تعالى ، وإن مجرد دعوتهم للخلق إلى الله تعالى يوجب لهم الجزاء الأوفى من رب العالمين.
وكأنّ هؤلاء لم يسمعوا كلام ربهم الموجب للحسرة والندامة يوم القيامة : {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} . الصف/3 .. ولم يسمعوا الحديث القدسي القائل: عظ نفسك ثم عظ الناس وإلا فاستح مني .
واعلم أن مِنْ هؤلاء مَنْ يتقن صناعة الألفاظ ، ويُكثر من التشبيهات والإستعارات ، ويلفّق الآيات مع الروايات جذباً لقلوب العوام ، معتمداً على ما هو الخارج عن الشرع والعقل ، من الحكايات العجيبة والقصص الغريبة ، حرصاً منه على حصول وقْع كلماته ومقالته في الصدور .. بل ينقل الشبهات التي لا يستوعبها العوام ، ليوجب زيادة في انحرافهم وجرأتهم على المعاصي من دون أن يشعر بذلك ، إن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا هداةً للخلق ، فإنّ ضررهم أبقى وأدوم ، وفسادهم أكثر وأعظم بل هم أضلّ الناس ، وأخزى من الخناس.
وفرقة أخرى اشتغلت بتهذيب الباطن وتصفيته من لوث الكدورات ، وقطع النفس عن الشواغل والعلائق الدنيوية ، وقطعت طمعها من الخلق واتصلت بالخالق ، ودعتْها شفقتها على العباد إلى دعوتهم إلى طريق الهدى والسداد ، إلا أن الشيطان وجد بُغيته فيهم بدعواته الخفية ، فيبدأ أحدهم بالتصنع في الألفاظ والعبارات والحركات ، فيرى إقبالاً من الخلق باذلين له الأنفس والأموال ، فعندئذ تغلب عليه لذة الشهوات ، فيرجع إليها بعدما تركها ، اطمئنانا إلى أنه لا سبيل للشيطان عليه.. والحال أنه لو كان سالكاً طريق النجاة لما أمِنَ كيد الشيطان في حالٍ من الأحوال ، بل كان مواظباً على التضرع والابتهال ، ومستعيناً في دفعه بالكريم المتعال ، وخائفاً على نفسه من خطر سوء الخاتمة نعوذ بالله تعالى من ذلك.
وقد قيل أنه ظهر الشيطان لوليٍّ من الأولياء - بقي من عمره ساعة واحدة - فسأله الشيطان عن خوف ذلك الولي من كيده ، فأجابه : بأنه لا يأمن كيده حتى في تلك الساعة !.
وفرقة أخرى من الصوفية يتظاهرون بترك الدنيا ، والحال أنه لو أقبل عليهم شيءٌ منها بغتة لماتوا فرحا بها ، أنّى لهم وترك الدنيا !.. ولو سلّمنا أنهم تاركون للدنيا حقيقة ، فإن هذا المقدار لا يكفي للتقرب إلى الله تعالى ، بل لا بد من تحصيل عقائد أهل الإيمان ، وعدم ترك شعار الإسلام ، ومعرفة الحلال والحرام ، والسعي في الرزق ، وعدم القاء الكَلّ على الناس.
وفرقة أخرى تسمّت باسم العارفين ، واكتفت من العرفان بخفض الصوف ، وطأطأة الرأس ، والتشبّه بالباكين وخاصة إذا سمعت شيئاً في العشق والحب والتوحيد ، مع عدم معرفتهم لمعانيها .. بل تجاوز بعضهم الحد بالشهيق والنهيق واختراع الأذكار ، والتغني بالأشعار ، ثم الحركات الشنيعة بدعوى الوجد ، ظانين أنهم يتقربون إلى الله بذلك ، والحال أنهم يتعرضون لسخطه ومقته.
وفرقة تعدّت هذه المقامات ، وانسلخت عن قيود الشريعة مرتكبين الحرام والمشتبهات ، تاركين المستحبات والواجبات ، بدعوى أن الله تبارك وتعالى غنيّ عن الطاعات ، وأن المناط هو عمل القلب فلا داعي للعمل بالجوارح ، إذ أن الواصل الواله المستغرق في مشاهدة المحبوب ، مستغن عن مثل ذلك.
فعند ذلك يخوض في الشهوات الدنيوية ، زعما منه أنها لا تصد عن المعارف الحقيقة مع قوة النفوس وثبات الأقدام ، وأن الذي يحتاج إلى رياضة البدن إنما هو من عوام الناس ، وأن السالك طريق المجاهدة والعمل بالشريعة إنما هو من المبتدئين !
فنقول في ردهم : إن الأمر لو كان كذلك ، فلِمَ كان أئمة الهدى (ع) - وهم المقصودون في خلق السماوات والأرض - يلتجأون إلى الله تعالى بالتضرع والبكاء ، لاشتغالهم بالمباحات من الأكل والشرب وغيره ، لئـلا يكون ذلك مانعاً من الدرجات العلى في جوار رب العالمين؟!.. فهذه الفرقة من أضعف الناس عقلاً ، وهم أشد جهلاً وحمقاً.
وآخر قد غرق في الأوهام البعيدة ، مدعياً أنه قد وصل إلى أعلى درجات المقربين ، وأنه في رتبة مشاهدة المعبود ، ومجاورة المحمود ، والملازمة في عين الشهود ، ملفّقاً الكلمات الباطلة ، متوهماً أنه اطلع على الملك والملكوت ، وحلّ بساحة القدس والجبـروت ، وعندئذ ينظـر بعين التحقير والإزدراء إلى العلماء والصالحين والفقهاء ، مدعياً لنفسه من خوارق العادات ما لم يدّع لنفسه أحدٌ من الأنبياء والأولياء ، والحال أنه لم يؤذن في التصرف في طبائع الأشياء لكل من أراد ذلك ، بل إن ذلك خاص بالأنبياء ولمن أراد الله تعالى له ذلك ، ولا يستفاد أكثر من ذلك في الاخبار.
ومن أدلة جهلهم أنهم يرتكبون شنائع الأفعال ، بدعوى قهر النفس وإزالة ملكاتها الرذيلة ، والحال أن عملهم هـذا لهو من ذمائم الصفات ، وهل يُدفع الرذيلة بالرذيلة ، والذميمة بالذميمة؟!..
وهل خلت الشريعة من الرياضات الحقة : كقيام الليـل ، وصوم النهار ، والأسفار العبـادية وغيره ، لتصل النوبة إلى الرياضات المخترعة ؟!.
وفرقة اشتغلت بالرياضات الشرعية الصحيحة ، وقطعت بعض المراحل السـلوكية ، وظهرت بعض العلامات الحقيقية إلا أنها أيضاً وقعت في الخلط والاشتباه ، لعظمة الأمر ، ظناً منهم الوصول إلى الله جل جلاله ، والسر في ذلك الاشتباه أن لله تعالى سبعين حجاباً من نور ، ولا يصل السالك إلى واحد منه إلا وهو يظن أنه لا مجال للتعدي عنه .
وليُعلم هنا أن من جملة الحجب هو حجاب القلب عندما يتنور بالنور ، فيظهر القلب لصاحبه بعد أن كان محجوباً ، ولذا تقول في الدعاء:
إلهي قلبي محجوب وعقلي مغلوب.
فإذا تنور القلب ورأى صاحبه أنه صار جميلاً ، فحينئذٍ تصيبه الدهشة وربما يسبق إلى لسانه كلمة أنا الحق أو ليس في جبتي سوى الله ، أو إني كعبة ألا طوفوا حولي ، ونحو هذه من الخرافات ، فإذا لم يخرج من هذه الحجابية بقى في الضلالة أبد الآباد.. ومن هنا أيضاً قالت النصارى في المسيح ما قالوا .
وكيف كان ، فهذا من مزال أقدام السالكين .. ولقد كان أستاذنا يوصي دائماً تلاميذه محذّراً إياهم من الخلط والاشبتاه قائلاً :
( يستحيل أن يكون الممكن واجباً والله الهادي ).. ومن هنا يُعلم معنى : والمخلِصون على خطر عظيم .
واعلم أنك لن تخرج من ظلمات الغرور والتمني إلا بالتضرع التام ، وبصدق الإنابة إلى الله تعالى والإخبات له ، ومعرفة عيوب نفسك ، تلك العيوب التي لا توافق العلم والعقل ، ولا يقره الدين والشريعة ، وسنن القدوة من أئمة الهدى سلام الله عليهم أجمعين
|
|
|
|
|