عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية أرجوان
أرجوان
شيعي حسيني
رقم العضوية : 13143
الإنتساب : Nov 2007
المشاركات : 7,797
بمعدل : 1.23 يوميا

أرجوان غير متصل

 عرض البوم صور أرجوان

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : أرجوان المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 17-07-2008 الساعة : 01:17 AM


-سبحان الله ! بلى والله لقد فعلتم .. أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض .
صرخ قيس بن الأشعث ، وقد التمعت عيناه بالغدر :
-أوَلا تنزل على حكم ابن عمّك ؟ فإنهم لن يروك إلا ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه .
-أنت أخو أخيك . أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل ؟ لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد ... عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجُمون . أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .
11

أشرقت الشمس .. حمراء .. بركة من دماء . التمعت ذرى النخيل ، وتوهجت ذرات الرمال ، واصطبغت وجوه القبائل بلون الجريمة .. واستيقظ الشيطان يعربد ويدمّر... .
صرخ شيطان من القبائل :
-يا حسين .. أبشر بالنار .
-كذبت بل أقدم على ربّ غفور كريم .. فمن أنت ؟ .
-أنا ابن حوزة .
-اللّهم حِزه إلى النار .
لا أحد يعرف كيف حدث الأمر . ما الذي أغضب الفرس ؟ ما الذي دفعها تركض كالمجنونة .. تدور وتدور . وفي فورة غضب تمكنت الفرس أن تقذف من على ظهرها الفارس .. في قلب الخندق المشتعل . لحظات مرّت تحول فيها ابن حوزة إلى رماد .. تحولت أحلام السلب والنهب وشهوة القتل إلى هشيم تذروه الريح ... .
لو كان هناك رجل من الحواريين لقال هذا ابن الله .
ولقال له الحسين :
-أنا ابن نبي الله .
هتف السبط :
-اللّهم إنا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقّنا إنك سميع قريب ...
ما أقرب السماء للإنسان إن سما . وتذكر الحسين رجلاً سأل أباه : كم هي المسافة بين السماء والأرض ؟ فأجاب ((باب مدينة العلم)) : دعوة مستجابة .
وقف ابن سعد منتشياً بأحلامه ... ما هي إلّا ساعة ، ثم ينتهي كل شيء ... سوف يُحكم قبضته على الري وجرجان ... لم تبق إلّا خطوة واحدة .. أن يعبر جثة الحسين .. بركة صغيرة من الدم .. ثم ينطلق صوب الشرق .. إلى عالم يزخر بالجواري والحريم .
تقدّم الحرّ .. أيقظه من الحلم :
-أمقاتل أنت هذا الرجل ؟!
-إي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي .
-دعوه ينصرف إلى مكان في هذه الأرض ؟
-لو كان الأمر بيدي لقبلت .. إنها أوامر ابن زياد .
أدرك الحرّ أن الساعة آتية لا ريب فيها ، ولسوف تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وترى الناس بسكارى وما هم بسكارى .. وبدأ الحرّ يخطو صوب القافلة .. قال ((ابن أوس)) وقد ذهبت به الظنون .
-أتريد أن تحمل ؟!
-...
ضرب الزلزال الأعماق مرّة أخرى ، وشعر الحرّ بالأنقاض تتراكم بعضها فوق بعض ..
هتف ابن أوس متعجباً :
-لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ؟ فما هذا الذي أراه منك ؟.
التفت الحرّ وصوّب نحوه نظرة تحمل كل معاني الاكتشاف :
-إني أخيّر نفسي بين الجنّة والنار .. والله لا أختار على الجنة شيئاً ولو أُحرقت ... .
تمتم ابن سعد مذهولاً :
-ماذا أرى ؟.. ماذا يفعل هذا المجنون ؟.. كيف يختار الإنسان الموت !.. انظروا إليه .. كيف يبدو خاشعاً أمام الحسين .. .
-انصتوا إنه الحرّ .
قهقه أحدهم :
-إنه يريد موعظتنا هو الآخر .. .
هتف شبث بن ربعي :
-أيها الأحمق ، دعنا نسمع ما يقول .
وجاء صوت الحرّ جهورياً مدويّاً منطلقاً من أعماق نفس اكتشفت ينابيع الخلود:
-يا أهل الكوفة لأمّكم الهبل والعبر ، إذ دعوتموا هذا العبد الصالح وأحطتم به من كل جانب ومنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن هو وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّا وحلأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ! وهاهم قد صرعهم العطش . بئسما خلفتم محمداً في ذريته ..
وانطلقت نحوه السهام كالمطر .. وتقهقر الحرّ متفادياً نبال القبائل الغادرة .
12

نسور مجنونة تحوم في السماء ، وريح عاصف تهب من ناحية الصحراء ، وبدت أشجار النخيل كرماح مركوزة في خاصرات الفرات .
بدا الجوّ مشحوناً بالخطر ، ومثلما تندلع الصواعق بين أكوام السحب ، تدفقت سهام مجنونة تحمل في أنصالها الموت .
هتف الحسين بأنصاره :
-قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابدّ منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم .
هبّت رجال كانوا ينتظرون على أحرّ من الجمر .
كيف أصبح الموت أمنية لهم ؟. كيف أضحى في نظرهم خلوداً .. كيف تحولت الصحراء الملتهبة إلى جنات تجري من تحتها الأنهار .
غاص الرجال في أحراش كثيفة من رماح وسيوف . كانوا يقاتلون بضراوة لا نظير لها . أكما لو كانوا يريدون توجيه مسار التاريخ الاتجاه الذي ينشدون .
امتلأ الجوّ غباراً ودخاناً ، وكانت السيوف تهوي كبروق مشتعلة ، وعندما غادر الغبار أرض المعركة ، كان هناك خمسون صريعاً يعالجون جراحاتهم في الرمضاء .. الجراح تسقي الأرض .. والدماء تروي شجرة الحريّة .. شجرة أصلها ثابت في أعماق التراب ، وفرعها في هامة السماء .
تمتم الحسين متألماً :
-اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم ... أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمي .
هجم الأبرص على إحدى الخيام ، وقد اشتعلت في عينيه شهوة النهب ، وهاج شيطان يعربد في أعماقه :
-عليَّ بالنار لأحرقه على أهله ... .
القلوب الصغيرة الخائفة فرّت مذعورة من الخيمة كطيور هاربة من سفن بعيدة غرقت .
صاح الحسين :
-يابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي .. أحرقك الله بالنار .
واستنكر شبث بن ربعي الحضيض الذي وصل إليه رفيقه .
-أمرعباً للنساء صرت ؟! ما رأيت مقالاً أسوأ من مقالك ، ولا موقفاً أقبح من موقفك ...
وتمتم وهو يعضّ على يده :
-قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ، ثم عدونا على ولده – وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية ! ... ضلال ... يا لك من ضلال !!
توسطت الشمس كبد السماء ، والقبائل تتخطف القافلة ...
التفت ((أبو ثمامة الصائدي)) إلى الحسين . قال بخشوع :
-نفسي لك الفداء . إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك . لا والله لا تقتل حتى أُقتل دونك . وأحب أن ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها .
رفع الحسين رأسه إلى السماء وألقى نظرة على الشمس :
-ذكرت الصلاة .. جعلك الله من المصلّين الذاكرين ، نعم هذا أول وقتها ...
وأردف وهو يجفف حبّات عرق تلتمع فوق جبينه :
-سلوهم أن يكفّوا عنا حتى نصلّي .
هتف ابن نمير وكان فظاً غليظ القلب :
-إنها لا تقبل !
أجاب حبيب بن مظاهر غاضباً :
-زعمت أنها لا تقبل من آل الرسول وتقبل منك يا حمار !
عربد الشيطان في أعماق ((ابن نمير)) ، فأقحم الفرس نحو ((حبيب)) وحبيب واقف كالجبل لم يكترث بالجموع وهي تنحدر نحوه . وتخطفته سيوف القبائل ... وانسابت دماؤه قانية فوق رمال الصحراء تروي لها أروع قصص الوفاء والتضحية والفداء .
واسترجع الحسين كثيراً :
-عند الله أحستب نفسي وحماة أصحابي .
القبائل تموج كأنها ريح صفراء تحمل في طياتها الموت ، والحسين وسط الإعصار يصلّي بأصحابه الصلاة الأخيرة .. السماء تفتح أبوابها للقافلة القادمة ، والفضاء يزخر بأجنحة الملائكة .. ونسائم طيبة تحمل رائحة الربيع .. ربيع جنّات الفردوس .
التفت الحسين إلى أصحابه وهو يشير إلى مسار القافلة :
-يا كرام هذه الجنّة قد فتحت أبوابها ، واتصلت أنهارها ، وأينعت ثمارها ، وهذا رسول الله ، والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله يتوقّعون قدومكم ويتباشرون بكم ، فحاموا عن دين الله ، ودين نبيّه وذبّوا عن حرم الرسول ...
القافلة التي اكتشفت ينابيع الخلد تهبّ للخطى الأخيرة :
-نفوسنا لنفسك الفداء ، ودماؤنا لدمك الوقاء . فوالله لا يصل إليك وإلى حرمك سوء وفينا عرق يضرب .
السماء تفتح أبوابها ، والرجال يعرجون . تقدم ((أبو ثمامة)) إلى المعراج ، وما أسرع أن حلّق إلى السماوات مخلِّفاً وراءه برْكة من دماء قانية .
ومن بعده انطلق ((زهير)) . وضع يده فوق منكب الحسين ، وأنشد :
أقدم هديـت هاديــاً مهديــاً


فـاليـوم ألقـى جـدّك النبيّــا

وحسنــاً والمرتضــى عليــاً

وذا الجنـاحـين الفتى الكميّــا

وأسـد الله الشهيــد الحيّــا
-وأنا ألقاهما على أثرك .
وما أسرع أن لحق برفاقه . القافلة تطوي السماوات .. تتخطى الكواكب والأفلاك .. في عروج ملكوتي فريد .
وقف الحسين عند مصرعه ، وقال متأثراً :
-لا يبعدنك الله يا زهير ولعن قاتليك لعْن الذين مسخوا قردة وخنازير .
واستعد ((نافع الجملي)) للرحيل ، فغاص في أعماق القبائل وانهمرت عليه الحجارة من كل صوب ، فتهشم عضداه ، وسيق أسيراً . كانت الدماء تنزف منه ، وقد صبغته بحمرتها المشتعلة . قال ابن سعد بلهجة ينمّ منها الإعجاب ببسالته :
-ما حملك على ما صنعت بنفسك ؟!
إن ربي يعلم ما أردت .
-أما ترى ما بك ؟!
-والله لقد قتلتُ منكم اثني عشر سوى من جرحت ، وما ألوم نفسي على الجهد .. ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني .
جرّد الأبرص سيفه وقد برقت عيناه حقداً .. فقال نافع بطمأنينة :
-والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ... فالحمد لله الذي جعل منايانا على أيدي شرار خلقه ... .
هوى السيف بقسوة ، وتدحرج الرأس فوق الرمال ، وعيناه تنظران باتجاه عوالم لا نهائية ، وقد ارتسمت ابتسامة هادئة فوق شفتين ذابلتين من الظمأ .
ونادى رجل من القبائل :
-يا برير ، كيف ترى صنع الله بك ؟
أجاب برير وهو ينظر إلى ما وراء غبار الزمان :
-صنع بي خيراً وصنع بك شرّاً .
-كذبت وقبل اليوم ما كنت كذابا . أتذكر يوم كنت أماشيك في ((بني لوذان)) وأنت تقول : كان معاوية ضالاً وإن إمام الهدى علي بن أبي طالب ؟
-بلى أشهد أن هذا رأيي .
-وأنا أشهد أنك من الضالّين .
-تعال نبتهل إلى الله فيلعن الكاذبَ منا ويقتله .
توجهت أيد مع قلوب إلى السماء تستمد النصر ، وارتفعت أيد جذّاء . فتقبِّل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر . وبدأت المنازلة ... هوى برير بسيف يشبه صاعقة مدمّرة .. فهوى الرجل الذي حاقت به اللعنة إلى الأرض كأنما خرّ من شاهق .
13





الشمس ما زالت مسمّرة في زرقة السماء تصبّ لهيباً يشوي الوجوه ... وعجلة الموت تدور مجنونة في الرمال الملتهبة .. تتخطف رجالاً لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ... .
تقدم ((جون)) .. دفعته الأيام من أصقاع بعيدة ، وكان فتى لأبي ذر الغفاري ..
قال الحسين :


توقيع : أرجوان
..اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين..
من مواضيع : أرجوان 0 سفن آب (تجميد اللقطة)
0 زخارف اسلامية للتصاميم
0 في حياتي زهــــــ ـــــرة
0 لا يفوتكم المناظر مصر .. أم الدنيا‎
0 اسم فاطمة الزهراء (ع) سبب شفاء أعمى
التعديل الأخير تم بواسطة hassan.khalifa ; 20-07-2008 الساعة 01:57 PM. سبب آخر: حسب طلب الغالية...

رد مع اقتباس