|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 13143
|
الإنتساب : Nov 2007
|
المشاركات : 7,797
|
بمعدل : 1.23 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
أرجوان
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 17-07-2008 الساعة : 01:10 AM
ولِمَ الذهاب الآن .. ألا تمكث قليلاً .
-إن لم أذهب اليوم ذهبتُ غداً ، إن لم أذهب غداً ذهبت بعد غد ، وما من الموت والله بُدّ .. وإني لأعرف اليوم الذي أُقتل فيه .
تنبعث من الأرض أسئلة .. تتفجر علامات استفهام سرعان ما تتلاشى أمام كلمات سماوية كأنها تأتي من وراء أستار الغيب .
ينظرون فلا يرون سوى بيارق أمويّة .. سيوفاً تقطر غدراً وخناجر مسمومة .. أما هو فيرى ينابيع تتدفق .. أنهاراً وسواقي .. إنه يرى ما وراء الآفاق .. يرى المستقبل القادم من رحم الأيام .
عجيب أمر هذا الرجل .. يحاول أن يلوي القدر .. أن يقهر كل شياطين الأرض .. أن يهزم نظاماً مدجّجاً بالسلاح .. كيف ؟!
بقافلة صغيرة .. سبعين أو يزيدون .. أطفال ونساء .. وتصغي الصحارى لكلمات متمرّدة ثائرة .. كلمات تختصر النبوّات .. تبدأ ببسم الله .. مجراها ومسراها .. .
-هذا ما أوصى به الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية .
إن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله .. جاء بالحق من عنده .
وأن الجنة حق ، والنار حق ، والساعة آتية لا ريب فيها . وأن الله يبعث من في القبور .
وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي .
أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي ، وأبي علي بن أبي طالب .
فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، وهو خير الحاكمين .. .
انطلقت الثورة وصدر بيانها الأول . أسلحتها الصبر والمقاومة والموت .
الموت سلاح .. بل حياة .. حياة .. كيف ؟
-أجل .. إن من يموت كريماً سيحيا .. سيحيا إلى الأبد .. هكذا علّمني أبي قال على شاطئ الفرات بصفين :
الموت في حياتكم مقهورين ، والحياة في موتكم قاهرين .
4
قصر الإمارة يجثم فوق الكوفة .. نسر هائل جاثم على فريسته .. غراب أسطوري ينعب فتطير الرؤوس وتطيح الأيدي ..
ذئاب جائعة تعوي من بعيد .. وكلاب مسعورة تنبح .. وليل حالك مليء بالأسرار والغموض .. ورجل أرقط مجهول النسب اسمه ابن زياد بن أبيه .. ابن الليلة الماجنة . الرجل الأرقط بدا مفزعاً تلك الليلة .. شيطاناً مريداً يفكّر ويدبّر ، فقتل كيف فكر .. يتشبث بمخالب نسر .. يهدّد بجنود قادمين من الشام .. فتطيع القبائل ، وتنحني الرقاب .. وتتساقط الرؤوس … .
التفت نحو هاني بن عروة ، وصرخ بعصبية :
-أتيت بابن عقيل إلى دارك ، وجمعت له السلاح ؟
قال هاني بثبات :
-أفضّل لك أن تمضي إلى الشام ، فقد جاء من هو أحق بالأمر منك ومن صاحبك .
وتفجّر ابن زياد غضباً :
-والله لا تفارقني حتى تأتيني به .
وجاءه الجواب هادئاً ثابتاً .. ثبات الجبال :
-والله لو كان تحت قدميّ ما رفعتهما عنه .
-لأقتلنّك .
-إذن تكثر البارقة حولك .
هجم الأرقط على زعيم ((مراد)) وجرّه من شعره ، وسددّ له ضربة هشمت أنفه .
يا كوفة .. يا مدينة عجيبة .. أيتها الغانية اللعوب .. يا مومساً تريد كل يوم بعلاً .. لِمَ تُضيعين أبناءك ؟ أين مسلم أيتها الغادرة ؟! ..
خيول الدوريات تجوس المدينة الخائفة .. الخائنة .. يبحثون عن رجل مكّي مدني اسمه مسلم .. مسلم حقاً .
-لِمَ يبحثون عنه ؟ ..
-إنه يحمل أشياء ممنوعة .. أشياء خطيرة . يحمل سيفاً علوياً .. وقلباً حسينياً .. يريد تهريب الثورة ..
-في هذا الليل والناس نيام ؟!
العيون الحمراء ترقب المدينة .. ومسلم في بيت طوعة .. رجل انقطعت به السبل ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، ولا ملجأ له سوى مهنّد في يمينه .
وطوعة .. المرأة العجوز .. تتأمل أسداً جريحاً من ليوث محمّد .. يقبض على قائمة سيفه . لقد طلع الفجر . وآن للنهاية أن تبدأ .
-إنهم كثيرون .. مئة أو يزيدون .
-لا عليك يا أمَة الله . لقد حان اللقاء . رأيت عمي أمير المؤمنين – في المنام – يقول لي : أنت معي غداً .. .
اقتحمت الذئاب منزل طوعة ، ولمع السيف العلوي كبرق سماوي .. ودوّى رعد مهيب له صوت مسلم :
أقسمـت لا أُقتل إلا حرّاً
وإن رأيت الموت شيئاً نكراً
الرجل الغريب القادم من رمال الجزيرة ، يقاتل لوحده في المدينة المشهورة بالغدر ، والرجال الذين ابتسموا له بالأمس يكشرون عن أنياب مسمومة .. ملوّثة بالصديد .
وصرخ ((ابن الأشعث)) مستمدّاً :
-الرجال .. الرجال .
ويستنكر قصر الإمارة :
-ويلك إنه رجل واحد .
-أتظن أنك أرسلتني إلى بقال من بقالي الكوفة ! .. إنه سيف من أسياف محمّد .
وعجزت السيوف أن تكسر سيفه .. والرجل ما يزال يقاتل .. يقاتل بضراوة أسطورية .. الجراح النازفة .. الظمأ .. الإعياء .. غامت المرئيات أمام عينيه .. وتوالت الطعنات .. طعنات الغدر . الخناجر المسمومة تنغرز في جسده . وتهاوى الجبل . الإرادة الفولاذية عجز الجسد عن مواكبتها . تراخت قبضته . ولمّا انتزعوا سيفه بكى . وتعجّب الذين من حوله .. لم يدركوا سرّ البكاء .
5
القافلة تطوي الصحراء .. والنجوم المحتشدة في السماء ترسل أضواء واهنة ، فتبرق ذرّات الرمال ، والقافلة التي سبقت قوافل الحجيج في مغادرة مكة تنساب في بطون الأودية .. وخشخشة الأشواك تبوح بأسرار الليل .
وصادفهم رجل في ((الصفاح)) يريد العمرة .
-من الرجل ؟
-الفرزدق بن غالب .
-هذا نسب قصير .
-أنت أقصر نسباً مني .. أنت ابن رسول الله .
ولاح سؤال عن الكوفة .. عاصمة أبيه وأخيه .
-قلوبهم معك وسيوفهم عليك .
أية قلوب تلك لا تنقاد لها السواعد .. القلوب الخائفة قلوب ميتة ..
وفي ((ذات عرق)) كان الحسين جالساً يقرأ كتاباً بين يديه .. وبين يديه أيضاً الصحراء المترامية .. صحراء لا نهاية لرمالها .. وبين يديه وقف التاريخ حائراً لا يدري أين مساره . ومرّ به رجل كان في الكوفة منذ أيام .. .
هزّ الرجل رأسه آسفاً :
-السيوف مع بني أمية والقلوب معك .
-صدقت .
-ماذا تقرأ يابن رسول الله ؟
-كتاباً من أهل الكوفة وهم قاتلي .. فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله محرماً إلا انتهكوه .
-أنشدك الله في حرمة العرب .
ومضى الرجل إلى وجهته .. ومضى التاريخ بعد أن عرف مساره .. كان يسير باتجاه يختلف قليلاً عن جهة الكوفة . هناك بمحاذاة النهر سيكون اللقاء .. سيبني التاريخ في تلك البقعة إحدى مدنه الخالدة .
وفي ((الخزيمية)) لوت النوق أعناقها .. توقفت هنيهة .. أصغت إلى هاتف عجيب :
ألا يـا عين فاحتفلـي بجهـد
فمن يبكي على الشهداء بعدي
علـى قوم تسوقهـم المنايـا
بـأقـدار إلى إنجـاز وعـدِ
وتمتم الحسين :
-القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم .
-أو لسنا على الحق يا أبي ؟
تأمل ابنه الأكبر .. فحنّ إلى جدّه .. .
-بلى والذي إليه مرجع العباد .
-يا أبت إذن لا نبالي .
وفاضت عيناه شوقاً إلى جدّه .
وفي ((الثعلبية)) قال الحسين لرجل تاهت به السبل .. لا يدري أي الطريقين يسلك .
-يا أخا العرب لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبريل في دارنا .. أفعلموا وجهلنا ؟! وهذا مما لا يكون !
ومضى الرجل حائراً لا يدري أي الطريقين يعني النجاة .. طريق الحسين أم طريق الحياة .
ومضت القافلة لا تلوي على شيء . إلى الكوفة كانت الخطى تتجه ، ولكن القلوب كانت تهفو إلى مدينة أخرى .. مدينة لم تولد بعد .
كبّر صاحب للحسين :
-رأيت النخيل .. نخيل الكوفة .
استنكر آخر :
-ما بهذا الموضع نخل .. وإنما هو أسنّة الرماح وآذان الخيل .
ونظر الحسين :
-وأنا أراه ذلك .. أليس هنا ملجأ ؟.
-نعم ((ذو حسم)) جبل عن يسارك .
وأناخت النوق .. هوَتْ بأثقالها إلى الأرض .. توقّفت سفن الصحراء . توقفت لتتأكد من اتجاه البوصلة .. أو لتواجه القراصنة .. قراصنة التاريخ
|
التعديل الأخير تم بواسطة hassan.khalifa ; 20-07-2008 الساعة 01:53 PM.
سبب آخر: حسب طلب الغالية...
|
|
|
|
|