|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 5110
|
الإنتساب : May 2007
|
المشاركات : 8,727
|
بمعدل : 1.34 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
hassan.khalifa
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 28-02-2008 الساعة : 12:31 PM
اولها إلى آخرها ففرح عبدالمطلب فرحا شديدا وخرج من خيله ورجله ودخل إلى مكة ودفع إلى ابي مسعود خمسين ناقة وإلى ورقة بن نوفل وعقيل ستين ناقة قال وذهبت حليمة إلى عبدالمطلب وقالت له إدفع إلي محمدا صلى الله عليه وآله فقال عبدالمطلب يا حليمة اني أحببت ان تكوني معنا بمكة وإلا ما كنت بالذى اسلمه اليك مرة اخرى فوهب لعبدالله ابن الحارث ابيها الف مثقال ذهب احمر وعشرة آلاف درهم ابيض ووهب لبكر بن سعد جملة بغير وزن ووهب لاخوان النبي صلى الله عليه وآله أولاد حليمة وهما ضمرة وفرة اخواه من الرضاعة مأتي ناقة واذن لهم بالرجوع إلى حيهم.
* قال * الواقدى وكان في زمان عبدالمطلب رجل يقال له سيف بن ذي يزن المازني وكان من ملوك اليمن وقد انفذ ابنه إلى مكة واليا من قبله وتقدم اليه باستعمال العدل والانصاف ففعل ما امره به ثم ان عبدالمطلب دعا برؤساء قريش مثل عتبة بن ربيعة ومثل الوليد ابن المغيرة وعتبة بن ابي معبط وامية بن خلف ورؤساء بني هاشم فاجتمعوا في دار الندوة وهي الدار
[39]
الموصلة في المسجد الحرام فلما قعدوا واخذوا مرانبهم ثم تكلم عبدالمطلب وقال اعلموا اني قد دبرت تدبيرا فقال المشايخ وما دبرت يارئيس قريش وكبير بني هاشم فقال ياقوم انكم تحتاجون ان تخرجوا معي نحو سيف بن ذى يزن لتهنئته في ولايته وهلاك عدوه ليكون ارفق بنا واميل الينا فقالوا له بأجمعهم نعم ما رأيت ونعم مادبرت ثم امر عبدالمطلب ان يستحكموا آلات السفر ففرغوا من ذلك قال فخرج عبدالمطلب ومعه سبعة وعشرون رجلا على نوق جياد نحو اليمن فلما وصلوا إلى سيف بن ذي يزن بعد ايام سألوا عن الوصول اليه قالوا لهم ان الملك في قصر الوادي وكان من عاداته في أوان الورد أن يدخل قصر غمدان ولا يخرج إلا بعدنيف واربعين يوما ولا يصل اليه ذو حاجة ولا زائر وانتم قصدتم الملك في ايام الورد فذهب عبدالمطلب إلى باب بستانه وكان لقصر غمدان في وسط البستان ابواب وكان لهذا البستان باب يفتح إلى البرية وقد وكل بذلك الباب بواب واحد فقال عبدالمطلب لاصحابه لعلنا يتهيأ لنا الدخول بحيلة ولا يتهيأ لنا إلا بها فقال القوم صدقت.
(قال) الواقدى ثم ان عبدالمطلب نزل واتجة نحو الباب فنظر إلى البواب وسلم عليه وضحك في وجهه ولم يظهر للبواب شيئا ولم يعقد إلا إلى جانبه ثم قال له يابواب دعني أن ادخل البستان فقال له البواب واعجبا منك ما أقل فهمك وأضعف رأيك أمصروع أنت فقال له عبدالمطلب ما رأيت من حنوني فقال له البواب اما علمت ان سيف بن ذي يزن في القصر مع جواريه وخدمه قاعد كان ابصرك في بستانه امر بقتلك وان سفك دمك عنده أهون من شربة ماء فقال له عبدالمطلب دعنى ادخل ويكون من الملك إلى مايكون فقال له البواب يا مغلوب العقل ان الملك في القصر وعيناه للباب والبواب وانه قدر ما يرفق ان يأمر بقتلك فقال عقيل ابن ابي وقاص يا ابا الحارث اما علمت ان المسارج لاتضئ إلا بالدهن فقال عبدالمطلب صدقت * قال * الواقدى ثم ان عبدالمطلب دعا بكيس من اديم فيه الف دينار وقال بعد ان صب الكيس
[40]
بين يدي البواب يا هذا ان تركتنى ادخل البستان جعلت هذا بري اليك فأقبل صلتى وخل سبيلي فلما نظر البواب إلى الدراهم خر مبهوتا وقال له البواب يا شيخ ان دخلت ونظر اليك الملك وسألك عن كيفية دخولك ما انت قائل له قال عبد المطلب أقول له كان البواب نائما وشرط عليه عبدالمطلب ان لا يكذبه ان دعاه الملك للمسائلة فيقول غفوت وليس لي بدخوله علم قال نعم فقال عبدالمطلب ان كذبتني في هذا اصدقت الملك عن الصلة التى وصلتك بها فقال له البواب ادخل يا شيخ فدخل عبدالمطلب البستان وكان قصر غمدان في وسط الميدان والبستان كأنه جنة من الجنان قد حف بالورد والياسمين وانواع الرياحين والفواكه وفيه انهار جارية في وسطه واذا سيف بن ذى يزن قد اتكأ على عمود المنظرة من قصر وفي قصره يقول الشاعر: اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا * في رأس غمدان دارا منك محلالا - اشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم * واسبل اليوم في برديك أسبالا قال فلما نظر سيف بن ذي يزن عبدالمطلب غضب وقال لغلمانه من ذا الذي دخل على بغير اذني ليؤت به سريعا، فسعى اليه الغلمان والخدم فاختطفوه من البستان فلما دخل عبدالمطلب عليه رأى قصرا مبنيا على حجر مطلي بطلاء الورد منقشا بنقش اللازورد ووردا على أمثال الورد ورأى عن يمين الملك وعن شماله وبين يديه من الجواريى مالا عدد لهن ورأى قريب الملك عمودا من عقيق أحمر وله رأس من ياقوت أزرق مجوف محشى بالمسك ورأى عن يساره ثورا من ذهب أحمر على فخذه سيف نقمته مكتوب عليه بماء الذهب شعر يقول ! رب ليث مدجج كان يحمي * الف قرن مغمد الاغماد - وخميس ملفف بخميس * بدد الدهر جمعهم في البلاد.
(قال الواقدى) فوقف عبدالمطلب بين يدى سيف ولم يتكلم الملك ولا عبدالمطلب حتى كرع الملك في النور الذي بين يديه فلما فرغ من
[41]
شربه نظر اليه وكان سيف قد شاهد عبد المطلب قبل هذا ولكنه انكره حتى استنطقه فقال له الملك من الرجل فقال انا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان حتى بلغ آدم (ع) فقال له الملك أنت ابن اختي فقال نعم انا ابن اختك وذلك ان سيف بن ذى يزن كان من آل قحطان وآل قحطان من الاخ وآل اسماعيل من الاخت فعلم سيف بن ذي يزن ان عبدالمطلب ابن اخته فقال سيف بن ذى يزن اهلا وسهلا وناقة ورحلا ومد يده إلى عبدالمطلب وكذلك عبدالمطلب نحو الملك فامره الملك بالقعود وكناه بابي الحارث وقال فانتم معاشر اهل الشام رجال الليل والنهار وغيوث الجدب والغلاء وليوث الحرب لضرب الطلى ثم قال يا أبا الحارث فيم جئت فقال له عبدالمطلب أيها الملك السعيد جده الرفيع مجده المطاع أمره المحذور آفته المدرك رأفته نحن جيران بيت الله الحرام وسدنة البيت وقد جئت اليك واصحابي بالباب لنهنئك بولايتك وما فوضه الله تعالى من النصر بك واجراه على يديك من هلاك عدوك فالحمدلله الذى نصرك واقر عينيك وافلج حجتك واقر عيوننا بخذلان عدوك فاطال الله تعالى في سوابغ نعمه مدتك وهنأك بما منحك ووصلها بالكرامة الابدية فلا خيب دعائي فيك ايها الملك ففرح سيف بدعائه وازداد له محبة بما سمع من تهنئته ثم امره ان يصير هو ومن معه بالباب من اصحابه إلى دار الضيافة إلى ان يؤمر باحضارهم بعد هذا اليوم إلى مجلسه فمضى وحجابه وخدمه بين يديه إلى حيث امرهم وخرج عبدالمطلب واستوى على جمله واتبعه اصحابه وبين يديه غلمان الملك حوله حتى انزلوه واصحابه وبالغوا بالتوصية به وباصحابه فامر الملك ان يجرى عليهم في كل يوم الف درهم بيض فبقي عبدالمطلب في دار الضيافة شهرين حتى تصرمت ايام الورد فلما كان في اليوم الذى اراد فيه مجلسه للتسليم عليه والنظر في امره ذكر عبدالمطلب في شطر من ليلته فامر باحضاره وحده فدخل عليه الرسول فامره
[42]
واعلمه بمراد الملك منه فقام معه اليه فاذا الملك في مجلسه وحده فقال لخدمه تباعدوا عنا فلم يبق في مجلس غير الملك وعبدالمطلب وثالثهم رب العزة تبارك وتعالى فقال له الملك يا أبا الحارث ان من آرائي ان افوض اليك علما كنت كتمته عن غيرك واريد ان اضعه عندك فانك موضع ذلك واريد ان تطويه وتكتمه إلى ان يظهره الله تعالى فقال عبدالمطلب السمع والطاعة للملك وكذا الظن يك فقال الملك أعلم يا أبا الحارث ان بارضكم غلاما حسن الوجه والبدن جميل القد والقامة بين كتفيه شامة المبعوث من تهامة انبت الله تعالى على رأسه شجرة النبوة وظلته الغمامة صاحب الشفاعة يوم القيامة مكتوب بخاتم النبوة على كتفيه سطران الاول لا اله الا الله والثاني محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والله تعالى توفى امه واباه وتكون تربيته على يدى جده وعمه وانا وجدت في كتب اسرائيل صفته أبين وأشرح من القمر بين الكواكب وانى أراك جده فقال عبدالمطلب أنا جده أيها الملك فقال الملك مرحبا بك وسهلا يا أباالحارث ثم قال له الملك اني أشهد على نفسي يا أبا الحارث أني مؤمن به وبما يأتي به من عند ربه ثم تأوه سيف ثلاث مرات بان يراه فكان ينصره وينظره فيتعجب منه الطير في الهواء ثم قال ياأبا الحارث عليك بكتمان ما القيت عليك ولا تظهره إلى ان يظهره الله تعالى فقال عبد المطلب السمع والطاعة للملك ونظر عبدالمطلب في لحية سيف بن ذى يزن سوادا وبياضا وخرج من عنده وقد وعده في الحناه في غد ليرحلوا إلى ارض الحرم ان شاء الله تعالى فلما رجع إلى اصحابه رآهم وجلين خائفين وقد اكثروا الفكر فيه حين دعاه الملك في مثل ساعته التى دعاه فيها فقالوا له ما كان يريد الملك منك قال عبدالمطلب يسألنى عن رسوم مكة وآثارهم ولم يخبر عبدالمطلب احدا بما كان بينه وبين الملك وغدا عليهم رسول الملك من غد يحضرهم مجلسه فتطيبوا وتزبنوا ودخلوا القصر وعبدالمطلب يقدمهمفدخلوا عليه فنظر عبدالمطلب فاذا برأسه ولحيته سواد حالك فقال له عبدالمطلب
[43]
انى تركتك ابيض اللحية فما هذا فقال له انى استعمل الخضاب فقال اصحاب عبدالمطلب إن رأى الملك ان يرانا اهلا لذلك الخضاب فليفعل قال فامر الملك ان يؤخذ بهم إلى الحمام وكان القوم بيض الرؤوس واللحي فخضبوا هناك فخرجوا ولشعورهم بريق كاسود ما يكون من الشعر ويقال ان سيفا أول من خضب رأسه ولحيته.
(قال الواقدى) ثم ان الملك امر لكل واحد ببدرة دراهم بيض وحمل كل واحد منهم على دابة وبغل وامر لكل واحد منهم بجارية وغلام وبتخت ثيات فاخرة ووهب لعبدالمطلب ضعفى ما وهب لهم ثم دعا الملك بفرسه العقاب وبغلته الشهباء وناقته والعضباء وقال يا أبا الحارث ان الذى اسلمه اليك امانة في عنقك تحفظها إلى ان تسلمها إلى محمد صلى الله عليه وآله اذا بلغ مبلغ الرجال فقال له اعلم اني ما طلبت على هذه الفرس شيئا إلا وجدته وما قصدني عدو وأنا راكب عليها إلا انجانى الله تعالى منه واما البغلة فاني كنت اقطع بها الد كادك والجبال لحسن سيرها ولا انزل عنها ليلى ونهارى فامره أن يتحفظ ويجعلها لى تذكرة وبلغه عنى التحية الكثيرة فقال عبدالمطلب السمع والطاعة لامر الملك ثم ودعوه وخرجوا نحو الحرم حتى دخلوا مكة فوقعت الصيحة في البلد بقدومهم فخرج الناس يستقبلونهم وخرج أولاد عبدالمطلب وقعد النبى صلى الله عليه وآله على صخرة وقد القى كمه على وجهه لئلا تناله الشمس حتى قارب عبدالمطلب فنظر أولاده اليه وقالوا يا أبانا خرجت إلى اليمن شيخا ورجعت شابا قال نعم ايها الفتيان سأخبركم بما ذكرتم فاخبرهم ثم قال لهم اين سيدي محمد صلى الله عليه وآله فقالوا له انه في بعض الطريق ينتظر كم ثم ان عبدالمطلب سار نحوه حتى وصل اليه مع اصحابه فنزل عن مركوبه وعانقه وقبله بين عينيه وقال له ان هذا الفرس والبغلة والناقة اهداها اليك سيف بن يزن ويقرأ عليك التحية الطيبة، ثم امر ان يحمل رسول الله محمد صلى الله عليه وآله على الفرس فلما استوى النبى صلى الله عليه وآله على ظهر الفرس نشط وصهل صهيلا شديدا فرحا
[44]
برسول الله صلى الله عليه وآله ونسب هذا الفرس انه عقاب بن تيزوب بن قابل بن بطال بن زاد الراكب بن الكفاح بن الجنح بن موج بن ميمون بن ريح أمره الله قال كن فكان بامره.
(قال الواقدى) واخذ ابوطالب بلجام فرسه وحف برسول الله صلى الله عليه وآله اعمامه فقال صلى الله عليه وآله خلوا عني فان ربى يحفظنى ويكلاني فرقي الفرس برسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن فمال النبى ليسقط فمال الفرس معه لئلا يسقط فدخل النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة على حالته فشاع خبره في قريش وبني هاشم فتعجب من امره الخلق وبقي النبي صلى الله عليه وآله فرحا مسرورا عند عبدالمطلب.
(قال الواقدي) ودب النبي صلى الله عليه وآله ودرج وأتى عليه ثمان سنين وثمانية اشهر وثمانية ايام فعندها اعتل علة شديدة عبدالمطلب فامر ان يحمل سريره إلى عند بيت الله الحرام وينصب هناك عند استار الكعبة وكان لعبد المطلب سرير من خيزران اسود ورثه من جده عبد مناف وكان السرير له شبكات من عاج وآبنوس وصندل وعمود احسن ما يكون احكاما وهيئة وامر عبدالمطلب ان يزين السرير بالوان الفرش والديباج والرقاق وامران ينصب فوق سريره فسطاط ديباج احمر ففعل ذلك وحمل عبدالمطلب إلى بيت الله الحرام ونام على ذلك السرير المزبن وقعد حوله اولاده وكان له من البنين عشرة أنفس فمات عبدالله وبقى بعده تسعة شجعان يعد كل واحد منهم بألف وقعدوا حوله وحفوا بعبدالمطلب يبكون ودموعهم تتقاطر على خدودهم كالمطر وقعد النبي صلى الله عليه وآله واجتمعت عند عبدالمطلب بطون العرب وكبار قريش مصطفين ما منهم احد الا وعيناه تهملان بالدموع فعند ذلك ظهر ابولهب لعنه الله تعالى واخزاه واخذ برأس رسول الله صلى الله عليه وآله ليحنيه وينحيه عن عبدالمطلب فصاح عبدالمطلب وانتهره وقال له مه يا عبد العزى انت من عداوتك لانفك من اظهارك لبغضك محمد صلى الله عليه وآله اقعد مكانك واسكت عنه فقام أبولهب وقعد عند رجلي عبدالمطلب خجلا
[45]
مخذولا لان ابالهب كان من الفراعنة المبغضين لرسول الله صلى الله عليه وآله ثم انقلب عبدالمطلب إلى جنبه واقبل بوجهه على ابى طالب القى اليه النبي لانه لم يكن في اولاد عبدالمطلب أرفق برسول الله صلى الله عليه وآله وأميل منه ثم انشأ عبدالمطلب يقول:
أوصيك يا عبد مناف بعدي بواحـــد بعد أبيه فرد
فارقه وهو ضجيــع المهد فكنت كالام له في الوجد
الصقــه بين الحشى والكبد حتى اذا خفت فراق الوجد
أوصيــت ارجي اهلنا بالود لابن الذى غيبته في اللحد
بالكــره منى ثم لا بالعمد وخيرة الله يشأ في العبد
ثم قال عبدالمطب: يا ابا طالب اننى القي اليك وصيتى، قال ابو طالب: وما هي قال يا بني اوصيك بعدى بقرة عينى محمد صلى الله عليه وآله فانت تعلم محله منى ومقامه لدى فاكرمه باجل الكرامة ويكون عندك ليلة ونهاره مادمت في الدنيا، الله ثم الله في
حبيبه.
ثم قال لاولاده اكرموا وجللوا محمدا صلى الله عليه وآله وكونوا عند اعزازه واكرامه فسترون منه امرا عظيما عليا وسترون آخر امره ما انا أصفه عند بلوغه فقالوا بأجمعهم السمع والطاعة يا ابانا نفديه بانفسنا وأموالنا ونحن له فدية قال ابوطالب قد أوصيتنا بمن هو افضل منى ومن اخواني قال نعم ولم يكن في اعمام النبي صلى الله عليه وآله ارفق من ابي طالب قديما وحديثا بامر محمد صلى الله عليه وآله ثم قال ان نفسى ومالي دونه فداء انازع معاديه وانصر مواليه فلا يهمنك امره.
(قال الواقدي) ثم ان عبد المطلب غمض عينيه وفتحهما ونظر قريشا وقال يا قوم أليس حقي عليكم واجبا فقالوا بأجمعهم نعم حقك على الكبير والصغير واجب فنعم القائد ونعم السائق فينا كنت فجزاك الله تعالى عنا خيرا وهون عليك سكرات الموت وغفر لك ما سلف لك من ذنوبك فقال عبدالمطلب أوصيكم بولدى محمد بن عبدالله فاحلوه محل الكرامة فيكم وبروه ولا تجفوه ولا تستقبلوه بما يكره
[46]
فقالوا كلهم قد سمعنا منك واطعناك فيه ثم قال لهم عبدالمطلب ان الرئيس عليكم من بعدي الوليد بن المغيرة فانه أهل لان يجمعنكم على الخير ويلم شملكم فضجت الخلق باجمعهم وقالوا قبلنا امرك فنعم ما رأيته رئيسا ونعم ما خلقته فينا بعدك وصارت قريش وبنو هاشم تحت ركاب الوليد بن المغيرة لعنه الله تعالى فعند ذلك تغير وجه عبد المطلب واخضرت اظافر يديه ورجليه ووقع على وجنتيه غبار الموت واكثر التقلب من جانب إلى جانب ومرة يقيض رجلاة ومرة يبسط اخرى والخلائق من قريش وبني هاشم حاضرون وقد صارت مكة في ضجة واحدة واراد النبى صلى الله عليه وآله ان يقوم من عنده ففتح عبدالمطب عينيه وقال يا محمد تريد أن تقوم قال نعم فقال عبدالمطلب يا ولدي فاني وحق رب السماء لفي راحة مادمت عندى قال فقعد النبي صلى الله عليه وآله فما كان الا عن قليل حتى قضى نحبه.
(قال الواقدى) ثم قاموا في تغسليه فغسلوه وحنطوه وكفنوه وجعلوه في اعواد المنايا وحملوه إلى ذيل الصفا وما بقى في مكة شيخ وشاب ولا حر ولا عبد من الرجال والنساء إلا وقد ذهبوا في جنازته وعظموها ودفنوه ورجع الخلق من جنازته باكين عليه لفقده من مكة فقالت عاتكة بنت عبدالمطلب ترثي أباها:
ألا ياعيــن ويحك اسعدينى بدمــع واكـف هطل غزير
على رجل أجل الناس أصلا وفرعـا في المعالي والظهور
طويل البـاع أروع شيظمي اغر كـــغرة القمر المنير
وابكى هاشمـــا وبني ابيه *** فـقد فارقـــت ذاكرم وخير
وغيثا للقرى في كل ارض *** اذا ضـن الغـنى علـى الفقير
فقدنا من قريش في البرايا *** سحاب الناس في السنة النرور
وقالت صفية ترثي أباها:
أعيني جودا بالدموع السواكب *** على خير شخص من لوي بن غالب
أعيني لا تستحسرا من بكاكما *** على مــاجد الاعراق عف المكاسب
[47]
أعينى جودا عبرة بعـد عـبرة *** على الاسد الضرغام محض الضرائب
أبي الحارث الفياض ذى الحلـم والبها *** وذي الباع والماعون زين المناسب
وذي المجد والعز الـرفيع وذي الـندا *** وذى العون عند المعضلات التوائب
فان تبكياه تبكــــــيا ذا مهابة *** كريم المساعي حلمه غير ذاهب
وقالت بره بنت عبدالمطلب تبكي أباها وترثيه:
أعيني جودا بالدموع الهواطــــل *** عـلى النحر مني مثل فيض الجـداول
ولا تسئما ان تبكيا كـــــل ليلة *** ويــــوم على مولى كريم الشمـائل
أعينى لا يغني وجيع بــــكاكما *** على خير حـاف مــن معــد وناعل
على رجـل لم يورث اللــوم جده *** أتم طــويل الســاعدين حـــلاحـل
أخي ثقة ماضي العــزيمـة ماجد *** له بـيت مجـد ثابـت غيـر فاصــل
بي الحارث الفياض ذى الباع والندا *** رئيس قــريش كلهــا في القـبائــل
فسقى مليــك الناس موضع قبر ه *** بتو الثــريا ديمــة بعـد وابــــل
وقالت أروى بنت عبدالمطلب ترثي اباها:
ألا يا عيــن ويحك اسعديني *** بوبـل واكف من بعد وبل
بدمع من دموعك ذي غروب *** فقـد فـارقت ذاكرم ونبل
طويل الباع اروع ذي المعالي *** أبيك الخير وارث كل فضل
وقالت آمنة بنت عبد المطلب تبكي أباها وترثيه:
بكتب عينى وحـق لها البـكاء *** على سمح سجيته الحياء
على سمح الخليفة ابطحــي *** كريم الخيم ينميه العلاء
على الفياض شبية ذى المعالي *** أبيك الخير ليس له كفاء
اقب الكشح اروع ذى اصـول *** لـه المجد المقدم والثناء
وكان هو الفتى كرما وجـودا *** وبأساحين تنسكب الدماء
اذا هاب الكماة المــوت *** حتى كـأن قلوب اكثرهم هواء
مضى قدما بذي شطب خشيب *** عليـه حيـن تبصره بهاء
[48]
(قال) الواقدى ثم ان الوليد بن المغيرة ترأس من بعد عبدالمطلب واستقام امره وكان لعنه الله لعنه معاندا لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان ابوطالب يحب رسول الله صلى الله عليه وآله محبة لم ير مثلها وكان ينومه وبجنبه ويوسده يمينه ويدثره يساره واذا قام بالليل قام معه واذا أراد ان ينام ينزعه ثيابه وبعريه ويأخذه في فراشه وكان يحب ان يلتزق جلده بجلده لمحبته له وليرضي الله تعالى بذلك وكان اذا دخل جوف الفراش لا يصير بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله حاجز حتى يختلط بدنه ببدنه، فعند ذلك رمدت عين النبى رمدا شديدا واصابه منه وجع حتى انه كان يأخذ خرقة سوداء ويضعها على عينيه ولا يقدر ان يفتح بصره لما كان به من الاذى والالم فعالجوه فتمادت به العلة وطالت به فدخل على ابن طالب من ذلك غم شديد واحضر الاطباء فما ازاداد إلا ألما فاشارت اليه قريش وبنو هاشم إلى ان يحمله إلى عند حبيب الراهب ليدعوا له ربه بالعافية والرحمة وكان ذلك لهم بابا فقال ابوطالب نعم مادبرتم ثم جاء إلى منزله فاخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك فقال له الرأي رأيك.
(قال) الواقدى فلما كان في اليوم الثانى غسل رأس النبي صلى الله عليه وآله وزين لباسه وجمله با حسن زينة واركبه ناقة جليلة وكان حبيب على ثلاث مراحل من مكة في صومعته على طريق الطائف فاخرج ابوطالب رسول الله صلى الله عليه وآله بالليل عن وهج الشمس فلما بلغ الصومعة نادى الغلام يا حبيب فاجابه فقال ان ابا طالب بن عبدالمطلب بالباب فأمر ان يدخلا فدخلا وقعد ابوطالب إلى جنب حبيب ولم يتكلم حبيب حتى سكنا جميعا ثم قال ابوطالب يا سيدي ان هذا ابن اخي النبي محمد صلى الله عليه وآله به رمد وقد داويناه بكل دواء فلم بنتفع ولم يبرأ رمده وقد جئتك لتدعوا له رب السماء ان يعافيه مما به فقال له حبيب تعال إلى عندى يا محمد فقال له محمد صلى الله عليه وآله تعال انت إلى عندى فقال ابوطالب واعجبا منك ياسيدي انت الشاكي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله بل حبيب الشاكي فغضب حبيب وقال يا محمد فما اشكو قال النبي صلى الله عليه وآله
[49]
انت تشكو البرص الذى على جسدك وقد دعوت رب السماء ثلاثين سنة ان يعافيك فلم يجبك فقال حبيب وكيف علمت يا محمد وانت صبى صغير فقال رأيته في النوم فقال يا محمد تفضل علي ودع ني بالعافية فكشف عن وجهه صلى الله عليه وآله فبرق من وجهه برق حتى اضاءت الصومعة من النور وشق سقف الصومعه ومر كالعمود حتى النزق إلى عنان السماء واذا بهاتف يهتف ويقول يا اهل الديرانية ويا اهل الرهبانية ويا اصحاب الكتاب آمنوا بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله قال فوثب حبيب من صومعته وتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وقال اشهدك يا محمد على نفسي اني مؤمن بما تأتى به من عند ربك صغيرا وكبيرا قديما وحديثا فاعتبر الخلق بذلك مما عاينوه وسمعوه ثم قال النبي صلى الله عليه وآله يا حبيب ارفع ثيابك لنتظر الخلائق ما قلت ويكون صدقا لكلامي فنظر الخلائق بعد ما رفع اذياله إلى ذلك البرص الابيض كالدرهم وعليه نقطة سوداء فدعا النبى صلى الله عليه وآله بدعوات مستجابات ومسح يده عليه فذهبت العلامة باذن الله تعالى وبدعاء النبي صلى الله عليه وآله ثم قال يا عم لو احببت ان يعافيني الله تعالى لدعوت الله سبحانه وتعالى ان يعافيني ولم اجئ إلى هاهنا ولكن قلت يا عم حتى تدرى أني عندالله أجل من مثلك ومن مثل حبيب وغيره من اهل الارض جميعا ثم دعا النبى صلى الله عليه وآله لنفسه فبرأ من وقته من رمده فصارت عيناه احسن ما يكون بمشيئة الله تعالى فقال حبيب يا أبا طالب احتفظ على هذا الغلام الذي وجدنا اسمه في التوراة لاشهر من القمر في كبد السماء وكذلك اسمه في الانجيل في سورة يقال لها المبرهنة لانور وابهى من كوكب الصبح وان لهذا الغلام شأنا عظيما وسترى امره عن قريب وتفرح يه يا ابا طالب اشد ما يكون من الفرح واعلم انه طوبى لم آمن به والويل لمن كفر به ورد عليه حرفا مما يأتي به فان له من الاعداء عدد نجوم السماء مع ان له حافضا يحفظه وناصرا ينصره فطب نفسا وقر عينا فانك تفرح به ثم قام ابوطالب من عند حبيب واستوي على الناقة فكتم ابوطالب ذلك ولم
[50]
يخبر به احدا وقد رجعت عينا النبي صلى الله عليه وآله إلى حال العافية.
|
|
|
|
|