|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 429
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 12,843
|
بمعدل : 1.91 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
Dr.Zahra
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 09:36 PM
"الصَّـبر" [286] بِأسَانِيدِنَا المُتَّصِلَةِ إِلى ثِقَةِ الإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ، فَخْرِ الطَائِفَةِ الحَقَّةِ
وَمُقَدَّمِهِمْ مُحَمَّد بْنِ يَعْقُوبَ الكُلَيْنِيّ _ رضي الله عنه _ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعمانِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْكانَ، عَنْ أَبِي
بَصِير قَالَ:"سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللهِ عليه السّلام يَقُولُ: إنَّ الحُرَّ حُرٌّ عَلَى جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، إِنْ
نَابَتْهُ نَائِبَةٌ صَبَرَ لَهَا، وَإِنْ تَدَاكَّتْ عَلَيْهِ المَصَائِبُ لَمْ تَكْسِرْهُ، وَإِنْ أُسِرَ وَقُهِرَ، وَاسْتُبْدِلَ
بِاليُسْر عُسْراً، كَمَا كَانَ يُوسُفُ الصِّدّيقُ الأمينُ لَمْ يُضْرِرْ حُرِيَّتَهُ أَنِ استُعْبِدَ وَقَهُرَ، وَأُسِرَ
وَلَمْ تُضْرِرْهُ ظُلْمَةُ الجُبِّ وَوَحْشَتُهُ وَمَا نَالَهُ أنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ الجَبَّارَ العَاتِيَ لَهَ عَبْداً
بَعْدَ إِذْ كَانِ [ لَهُ ] مَالِكاً، فَأَرْسَلَهُ وَرَحِمَ بِهِ أُمَّةً وَكَذلِكَ الصَّبْرُ يُعَقِّبُ خَيْراً فَاصْبِرُوا
وَوَطِّنُوا أنْفُسَكُمْ عَلَى الصَّبْرِ تُؤجَرُوا"( أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر،
باب الصبر، ح 6 ). [287] الشرح: إن الـ"نَائِبَةُ"مفرد وجمعها نوائب وهي الحوادث
والكوارث النازلة. وفي الصحاح أنها المصيبة. و"دَكَّ"بمعنى دقّ. وفي الصحاح: ( وقد
دككت الشيء أدكَّه دكاً إذا ضربته وكسرته حتى سويته بالأرض. انتهى ). وتداكّت عليه
أي تداقت واستعملت أيضاً بمعنى الاجتماع والازدحام. كما نقل عن
كتاب"النهاية"حديثاً عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام "ثـُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكُكُ
الإِبِلِ الهيم عَلَى حِيَاضِهَا"(نهاية ابن الأثير، المجلد الثاني، ص 128 ) أي ازدحمتم. ونقل
عن النهاية أيضاً أن أصل دكَّ بمعنى الكسر وأن استعماله في هذا الحديـث بالمعنـى الأول
- الاجتماع - أنسب لمكان"لم تكسره"وان كان المعنى الثاني - الكسر - أيضاً مناسباً.
وكلمة ( إن ) في"وَإِنْ أُسِرَ"وصلية وقوله"وَقَهَرَ وَاسْتَبْدَلَ"معطوفان على"أُسر". وقال
المجلسي رحمه الله أن في بعض النسخ"واستبدل بالعسر يسراً"- بتقديم العسر على اليسر -
وعليه تكون جملة (واستبدل ) معطوفة على"لـَمْ تَكْسِرْهُ"فيتبين بذلك منتهى الصبر.
وجملة"أَن اسْتُعْبِدَ"مبني على المفعول وفاعل لقوله"لم يضرر". وفي نسخة مرآة
العقول"استبعد"بتقديم الباء على العين المهملة. وفي كتاب وسائل
الشيعة"استعبد"بتقديم العين على الباء، ولكن المظنون أن نسخة مرآة العقول من سهو
الكاتب وان كان معناه - استبعد - لا يخلو عن الصحة. ولكن المناسب مع المقام ومع
الحديث الشريف هو ما ورد في نسخة وسائل الشيعة. [288] وقوله"وَمَا نَالَهُ"معطوف
على ظلمة الجـُبّ أي لم يضرره ما ناله من إخوته ومن ظلمة الجُبّ والوحشة
والبليّات. وقوله"أن مـَنَّ الله"الأظهر أنه بتقدير إلى - حرف الجر - ومتعلق بـ"لم
تضرر"( فالظرف متعلق بلم يُضرر في الموضعين - ما ناله وأن استعبد - على سبيل
التنازع )( بحار الأنوار، المجلد 71، ص70 ). وأورد المرحوم المجلسي احتمالات كثيرة
في ذلك - أن منّ الله ولم تُضرر - لا يخلو ذكرها عن التطويل ( بحار الأنوار، المجلد
71، ص70 ). والمقصود من قوله"عبداً بعد إذ كان مالكاً"أنه أطاعه. فصل في بيان
أن أسر الشهوة مصدرٌ لكل أسر اعلم أن الإنسان إذا أصبح مقهوراً لهيمنة الشهوة
والميول النفسية، كان رقُّه وعبوديته وذلته بقدر مقهوريته لتلك السلطات الحاكمة عليه،
ومعنى العبودية لشخص هو الخضوع التام له وإطاعته. والإنسان المطيع للشهوات
المقهور للنفس الأمارة يكون عبداً منقاداً لها. وكلما توحي هذه السلطات بشيء أطاعها
الإنسان في منتهى الخضوع، ويغدو عبداً خاضعاً ومطيعاً أمام تلك القوى الحاكمة،
ويبلغ الأمر إلى مستوىً يفضّل طاعتها على طاعة خالق السماوات والأرض، وعبوديتها
على عبودية مالك الملوك الحقيقي، وفي هذا الحال تزول عن نفسه العزة والكرامة
والحرية ويحل محلّها الذل والهوان والعبودية، ويخضع لأهل الدنيا، وينحني قلبه أمامهما
وأمام ذوي الجاه والحشمة، ويتحمل لأجل البلوغ إلى شهواته النفسية الذل والمنّة،
ويستسيغ لأجل الترفيه عن البطن والفرج الهوان، ولا يتضايق من اقتراف ما فيه خلاف
الشرف والفتوة والحرية عندما يكون أسيراً لهوى النفس والشهوة. وينقلب إلى أداة
طيّعة أمام كل صالح وطالح، ويقبل امتنان كل وضيع عنده لمجرد احتمال نيل ما يبتغيه
حتى إذا كان ذلك الشخص أحط وأتفه إنسان، وذلك الاحتمال موهوماً، حيث
يزعمون أن الوهم في دائرة الأطماع حجة. [289] إن عبيد الدنيا وعبيد الرغبات
الذاتية، والذين رسن عبودية الميول النفسية في رقابهم، يعبدون كل من يعلمون أن لديه
الدنيا أو يحتملون أنه من ذوي الدنيا، ويخضعون له، وإذا تحدثوا عن التعفف وكبر
النفس كان حديثهم تدليساً محضاً، وأن أعمالهم أقوالهم تكذّب حديثهم عن عفة النفس
ومناعتها. وهذا الأسر والرق من الأمور التي تجعل الإنسان دائماً في المذلّة والعذاب
والنَصَب. ويجب على الإنسان ذي النبل والكرامة أن يلتجأ إلى كل وسيلة لتطهير نفسه
منها. ويتم التطهير من هذه القذارات، والتحرير من كل خفّة وهوان، بمعالجة النفس،
وهي لا تكون إلا بواسطة العلم والعمل الناجع. أما العمل فيكون بالرياضة الشرعية
وبمخالفة النفس فترة يتم فيها الوازع للنفس تجاه حبها المفرط للدنيا والشهوات والأهواء
حتى تتعوّد النفس على الخيرات والكمالات. وأما العلم فيتم بتلقين النفس وإبلاغ
القلب: بأن الناس الآخرين يضاهونه في الفقر والضعف والحاجة والعجز، وأنهم يشبهونه
أيضاً في الاحتياج إلى الغنيّ المطلق القادر على جميع الأمور الجزئية والكلية، وأنهم غير
قادرين على إنجاز حاجة أحد أبداً، وأنهم أتفه من أن تنعطف النفس إليهم، ويخشع
القلب أمامهم، وان القادر الذي منحهم العزة والشرف والمال والوجاهة، قادر على
المنح لكل أحد. ومن العار حقيقة على الإنسان أن يتذلّل وينحطّ في سبيل بطنه وشهوته،
ويتحمل الامتنان من مخلوق فقير ذليل لا حول له ولا علم ولا وعي. إذا أردت - أيها
الإنسان - أن تقبل المنّة فلتكن من الغني المطلق وخالق السماوات والأرض، فإنك إذا
وجهت وجهك إلى الذات المقدسة، وخشع في محضره قلبك تحرّرت من العالَمين - ما
سوى الله - وخلعت من رقبتك طوق العبودية."العـُبُوديَّةُ جَوْهَرَةٌ كُنْهُهَا الرُبُوبِيَّةُ "(
مصباح الشريعة، الباب المائة، في حقيقة العبودية). ونتيجةً لعبودية الحق والانتباه إلى
نقطة واحدة مركزية، وإفناء كل القوى [290] والسلطات - النفس وأهوائها - في
السلطة الإلهية المطلقة، تنجم حالة في القلب تقهر العوالم الأخرى ويستولي عليها، وتظهر
للروح حالة من الشموخ والعظمة تأبى الطاعة إلا أمام الرب سبحانه وأمام من تكون
طاعتهم طاعة ذات الحق المقدس، وإذا كان من جراء الظروف الطارئة محكوماً لأحد،
لما تزلزل قلبه منه ولحافظ على حرية نفسه واستقلالها، كما كان الشأن في النبي يوسف
ولقمان حيث لم تنعكس سلباً عبوديتهما الظاهرية على حرية وانطلاقة نفسيهما. كم من
أصحاب القدرة والسلطة الظاهرية لم يستنشقوا نسمة حرية النفس الشخصية والاعتداد
بها ويكونون أذلاء وعبيداً للنفس وأهوائها، ويتزلفون نحو المخلوق التافه؟. نقل عن
الإمام علي بن الحسين عليه السّلام أنه قال في حديث"إنّي لآنّفُ أنْ أطْـلُبَ الدُّنْيَا مِنْ
خَالِقِهَا فَكَيْفَ مِنْ مَخْلُوقٍ مِثْلِي"( علل الشرائع، المجلد الأول، باب 165، العلة التي من
أجلها سمي علي بن الحسين زين العابدين ). أيها العزيز إن لم تشعر بالنقص في طلب
الدنيا، فعلى الأقل لا تطلبها من إنسان ضعيف مثلك. وافهم بأنه لا حول للمخلوق في
أعمال دنياك. فلو فرضنا بأنك استطعت مع الذل والامتنان المتكرر أن تكسب رأي
الإنسان الذي تطلب منه إعمار دنياك فان رأيه وإرادته لا تكون فاعلة في مُلك الحق
سبحانه. إذ لا يوجد أحد يتصرف في مملكة مالك الملوك. فلا تتملق لتأمين حياتك
الدنيوية المعدودة، وشهواتك المحدودة، تجاه مخلوق معدم. ولا تغفل عن إلهك، وحافظ
على حريتك، وارفع أغلال العبودية والأسر عن رقبتك، وكن حراً في جميع حالاتك كما
ورد في الحديث الشريف"إن الحُرَّ حُرٌّ عَلَى جَميعِ أَحْوَالِهِ". واعلم أن الغِنى - غنى
النفس - وأن عدم الحاجة من حالات الروح، وغير مرتبطة بأمور خارجة عن الإنسان.
وإنني رأيت أناساً من أهل الثراء والمال والجاه يتفوهون بكلمات يندي لها الجبين ولا
يقولها المستجدي المتهتك. انه المسكين الذي ضُربت على روحه الذلة والمسكنة. [291]
إن شعب اليهود بالنسبة إلى عددهم يعدّون من أغنى الشعوب القاطنين على ظهر
الأرض كافة ولكنهم يعيشون طيلة حياتهم في الشقاء والتعاسة والشدة والهوان، وتبدو
على ملامحهم الحاجة والفقر والذل المسكنة، ولا يكون ذلك الأمن وراء الفقر النفسي
والذل الروحي. ورأينا في أصحاب الزهد وذوي الحياة البسيطة - الدراوشة - أشخاصاً
قلوبهم مفعمة بالغنى والكفاف، ويلقون نظرة اللامبالاة على الدنيا وكل ما فيها، ولا
يجدون أحداً أهلاً الاستنجاد به إلا الحق المقدس المتعالي . وأنت أيضاً تمعّن وابحث في
أحوال أهل الدنيا وذوي الرغبة في الرئاسة، كي ترى ذلهم وتزلفهم وخضوعهم أمام
الناس أكثر من الآخرين . إن أدعياء الإِرشاد والتوجيه، يتحملون الذل بعد الذل
ويبدون الخضوع اثر الخضوع في سبيل ترفيه بطونهم وفروجهم. إن خضوع الحالة
القلبية للمراد - المربِّي - الطالب للدنيا، تجاه المُريد - المُربَّى- أكثر من خضوع قلب
المُريد تجاه المُراد، رغم البون الشاسع بين نوعية الإرادتين. فإن إرادة المريد روحانية
وآلهية حتى إذا كان على خطأ واشتباه - من جهة متعلق الإرادة - في حين أن إرادة
المراد دنيوية وشيطانية. إن ما ذكرناه بأسره، هو الذل الدنيوي والمفاسد الدنيوية. فإذا
ارتفعت الحجب تتجلى الصورة الملكوتية للأسر في أغلال الشهـوات، وسلاسل
الرغبات النفسانية وأنها كيف تكون؟. ولعل هذه السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً والتي
أخبر عنها الله تعالى والتي تكون أصفادَاً وأغلالاً لنا في يوم الآخرة هي الصورة الملكوتية لهذا
الأسر والرق في ظل أوامر القوة الشهويّة والغضبية. يقول الله تعالى {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا
حَاضِرًا }(الكهف/ 49 ). ويقول {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } (البقرة/ 286
). فما يصل إلينا في ذلك العالم هو صور أعمالنا. فلذلك مزّق سلاسل الشهوة والأهواء
المتعرجة بعضها على بعض، وحطم أصفاد القلب، وأُخْرج من قيود الأسر، وكن حراً في
هذا العالم، حتى تكون حراً في ذلك العالم. ولولا ذلك [292] لوجدت الصورة الملكوتية
لهذا الأسر حاضرة في ذلك العالم، واعلم بأنها مؤلمة جداً. إن أولياء الله رغم تحررهم التام
من الأسر والرق، وبلوغهم الحرية المطلقة فإن قلوبهم كانت مضطربة وكانوا يجزعون
وينحبون بدرجة تثير دهشة العقول. فصل ( أسر الشهوة أساس البلاء ) إن أبحاث هذه
الأوراق وان كانت من الأمور الرائجة الشائعة ومن المكـررات، ولكن لا بأس في ذلك
فإن تذكير النفس وتكرار قول الحق، أمر مطلوب. ولهذا يستحب تكرار الأذكار
والأوراد والعبادات والمناسك. والسبب الرئيسي هو تعويد النفس وترويضها. فلا
تضجر عزيزي من التكرار. واعلم أنه ما دام الإنسان يرزح في قيود النفس والشهوات،
وما دامت سلاسل الشهوة والغضب الطويلة على رقبته لا يستطيع أن يبلغ المقامات
المعنوية والروحانية، ولا تظهر فيه السلطة الباطنية للنفس وإرادتها الثاقبة، ولا يحصل له
مقام استقلال النفس وعزّتها، الذي هو أرقى مقام لكمال الروح، بل إن هذا الأسر
والرق يقيّده ولا يسمح له بالتمرّد على النفس في جميع الأحوال. ولما قويت هيمنة
النفس الأمارة والشيطان في الباطن، وانقادت القوى جميعها لهما في العبودية والطاعة
وأبدت لهما الخضوع والتسليم التامّين، لما اقتصرتا على المعاصي بل دفعتا بالإنسان من
المعاصي الصغيرة رويداً رويداً إلى المعاصي الكبيرة، ومنها إلى ضعف في العقائد ثم إلى
الأفكار المظلمة ثم إلى الطريق المغلق للجحود ثم إلى بغض وعداوة الأنبياء والأولياء.
وحيث إن النفس مضطهدة وتعيش حالة الرق، لا تستطيع أن تخرج على رغباتها. وعليه
تكون عاقبة أمر الطاعة والتقيّد - للنفس الأمارة - وخيمة جداً، وستدفع بالإنسان إلى
أماكن خطيرة ومخيفة. إن الإنسان العاقل الروؤف بنفسه لا بد له من السعي واللجوء
إلى كل سبيل لإنقاذ نفسه من الأسر، والنهوض أمام النفس الأمارة والشيطان الباطني،
ما دامت الفرصة سانحة، وقواه الجسدية سالمة وما دام أنه على قيد الحياة وفي صحة
موفورة [293] وفتوّة موجودة، وأن قواه لم تتسخر كلياً، ثم يراقب حياته فترة من
الوقت، ويتأمل في أحوال نفسه وأحوال الماضين، ويتمعن في سوء عاقبة بعضهم. ويُفهم
نفسه أن هذه الأيام القليلة، تبلى، ويوقظ قلبه ويفهمه الحقيقة التالية المنقولة عن الرسول
الأكرم - صلّى الله عليه وسلم - حيث خاطبنا قائلاً:"الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ"( إحياء
العلوم للغزالي، المجلد الرابع، ص14. كنوز الحقائق ( المطبوع على هامش كتاب الجامع
الصغير ) ج1 ص133 ). فلو إننا لم نزرع في هذه الأيام المعدودة، ولم نعمل عملاً صالحاً،
لفاتتنا الفرصة، وإذا غشينا الموت، وحلّ العالم الأخر، لانقطعت أعمالنا جميعاً وذهبت آمالنا
نهائياً. وإذا جاء ملك الموت ونحن لا نزال عبيد الشهوات وأسارى قيود أهواء النفس
المتشعبة - والعياذ بالله - لكان من الممكن للشيطان أن يسرق إيماننا الذي هو غايته
القصوى وأن يحتال ويتراءى أمام قلبنا بصورة نخرج من الدنيا ونحن أعداء الحق المتعالي
والأنبياء والأولياء. والله سبحانه يعرف ماذا وراء هذا الحجاب من الشقاوات والظلمات
والوحشة؟. فيا أيتها النفس الدنيئة ويا أيها القلب الساهي استيقظا وأنهضا أمام هذا
العدو الذي ألجمكما منذ سنين وربطكما بأغلال الأسر وقادكما إلى كل جهة حيث
يريد، ودفع بكما إلى كل عمل قبيح وسلوك بشع وأجبركما عليه. وحطّما هذه القيود،
وكسَّرا هذه السلاسل، وكن أيها الإنسان حراً، وادفع عن نفسك الذل والهوان، وضع
في رقبتك طوق العبودية للحق - جلّ وجلاله - حتى تتحرر من كل عبودية وترقى إلى
السلطة الإلهية في العالمين. أيها العزيز على الرغم من أن هذا العالم ليس بدار الجزاء
والمكافأة وليس بمحل لظهور سلطة الحق المتعالي، وإنما هو سجن المؤمن، فلو تحررت من
أسر النفس، وأصبحت عبداً للحق المتعالي، وجعلت القلب موحداً، وأجليت مرآة
روحك من غبار النفاق والأثنينيّة، وأرسلت قلبك إلى النقطة المركزية للكمال المطلق،
لشاهدت بعينك آثار ذلك في هذا العالم، ولتوسع قلبك بقدر يغدو محلاً لظهور السلطنة
التامة الإلهية حيث تصير مساحتها أوسع من جميع العوالم"لاَ يَسعُني [294] أَرْضِي وَلاَ
سَمَائِي وَلكِنْ يَسَعُنِي قَلْبُ عَبْدِي المُؤْمِن"( غوالي اللئاليء، المجلد الرابع، ص7) ولشعرت
غنى واضحاً في النفس، حيث لم تعبأ بكل العوالم الغيبية والمادية، ولأصبحت إرادتك
|
|
|
|
|