|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 429
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 12,843
|
بمعدل : 1.89 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
Dr.Zahra
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:38 PM
أخيه، قال: "سـَمـِعـْتُ أبا عَبْدِاللهِ عليه السّلام يقول: إِنَّ المُتَكَبِّرينَ
يُجْعَلُنَ في صُوَرِ الذَّرِّ يَتَوَطّاهُمُ النّاسُ حَتّى يَفْرَغَ اللهُ مِنَ الحِسابِ"( أصول
الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الكبر ح 11 ). وجاء في
وصايا الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه: "إِيّاكُمْ وَالعَظَمَةَ وَالكِبْر، فإنَّ
الكبرَ رِداءُ الله عَزَّ وجَلَّ فَمَنْ نازَعَ اللهَ رِداءَهُ قَصَمَهُ اللهُ وَأَذَلَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ"(
وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 9 ) .
ولا أعرف بأن الله تعالى إذا أذل شخصاً ماذا يصنع به؟ وبماذا يبتليه؟ لأن
[112] أمور الآخرة تختلف عن أمور الدنيا كثيراً، فإن الذل في الدنيا يغاير
الذل في الآخرة، كما أن نعم الآخرة وعذابها، لا تتناسب مع هذا العالم، إن
نعمها تفوق تصورنا، وإن عذابها لا يخطر على بالنا. إن كرامتها أسمى من
تصورنا، والذل فيها يختلف عن الذل والهوان الذي نعرفه، وتكون عاقب ة
المتكبر النار ففي الحديث"الكبرُ مَطايَا النّارِ"( وسائل الشيعة، المجلد 11،
أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 14 ) فلا يرى الجنة من كان في
قلبه كبراً. كما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم"لَنْ يَدْخُلَ
الجَنّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ"( وسائل الشيعة، المجلد
11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 6 ). وقد حدث الإمام الباقر
والإمام الصادق - عليهما السلام - أيضاً بهذا المضمون. وفي حديث الكافي
الشريف أن الإمام الباقر عليه السلام قال: "العِـزُّ رِدَاءُ اللهِ، والكِبْرُ إِزَارُهُ،
فَمَنْ تَناوَلَ شِيْئاً مِنْهُ أَكبَّهُ اللهُ في جَهنَّمَ"(وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب
جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 2 ). وما أدراك ما جهنم التي أعدها الله
للمتكبرين. فهي غير جهنم التي أُعدَّت لسائر الناس. يكفي ن نورد هنا
الحديث الذي سبق أن ذكرناه: "عن محمّد بن يعقوب، عن عَليّ بن إبراهيم،
عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن أبن بكير، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال:"إِنَّ في جَهَنَّمَ لَوادياً لِلْمُتَكَبِّرِينَ يُقالُ لَهُ"سقَرُ"شكى إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ
شِدَّةَ حَرِّه وِسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ فتَنَفَّسَ فَأَحْرَقَ جَهَنَّمَ"(وسائل الشيعة،
المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 6). والحديث في غاية
الاعتبار (من حيث السند) بل هو كالصحيح. أعوذ بالله من مكان رغم كونه
دار عذاب، تشكو حرارته، فتتنفس فتحترق جهنم من جرّاء تنفسها. إننا لا
نستطيع أن ندرك شدة حرارة نار الآخرة في هذا العالم، إذ أن أسباب شدة
العذاب وضعفه تختلف مع أسباب شدة العذاب الدنيوي وخفتها من جهات
عديدة: فمن جهة، تتبع قوة الإدراك وضعفه؛ إذ كلما كان المدرك أقوى
والإدراك أتم و أنقى كان إدارك الألم والعذاب أكثر. ومن جهة أخرى، تعتمد
على اختلاف المواد التي يقوم بها الحس في تقبّل [113] الحرارة، لأن المواد
تختلف من حيث تقبل الحرارة. فالذهب والحديد، مثلاً، يتقبلان الحرارة أكثر
من الرصاص والقصدير. وهذان يتقبلانها أكثر من الخشب والفحم، وهذان
أكثر من الجلد واللحم. كما أن لمستوى ارتباط قوة الإدراك بالموضع المقابل
للحرارة أثراً في شدة وضعف العذاب. فمثلاً المخ الذي يكون تقبله للحرارة.
أقل من العظام، يكون تأثره أشد، لأن قوة الإدراك فيه أكبر. وأن للحرارة
نفسها من حيث كمالها ونقصانها، دوراً في الشدة والضعف فالحرارة التي
تصل إلى مائة درجة تؤلم أكثر من الحرارة التي تصل إلى درجة خمسين. كما
أن لمدى ارتباط المادة الحرارية الفاعلة بالمادة المتقبلة لها سبباً في تخفيف أو
تشديد العذاب. فمثلا، إذا كانت النار قريبة من اليد كان الاحتراق أخف مما
إذا لتصقت النار باليد. جميع هذه الأٍسباب الخمسة المذكورة تكون في هذه
الدنيا في منتهى النقص وفي الآخرة في منتهى كمال القوة والتمامية. إن جميع
إدراكاتنا في هذا العالم ناقصة وضعيفة ومحجوبة بحجب كثيرة لا يتسع المجال
لذكرها ولا تناسبه. إن أعيننا لا ترى اليوم الملائكة ولا جهنم، وآذاننا لا تسمع
الأصوات العجيبة والغريبة التي تصدر من البرزخ وأصحابه ومن القيامة
وأهلها، وحواسنا لا تحس بالحرارة هناك، كل ذلك لأنها ناقصة جميعاً. إن
الآيات والأخبار الواردة عن أهل البيت صلوات الله عليهم مشحونة بذكر هذا
الأمر، تلويحاً وتصريحاً. إن جسم الإنسان في هذا العالم لا يتحمل الحرارة، إذ لو
بقى ساعة واحدة في النار الباردة من الدنيا لاستحال إلى رماد. ولكن الله
القادر يجعل هذا الجسم يوم القيامة قابلا للبقاء في نار جهنم - التي شهد
جبرائيل بأنه لو جيء بحلقة واحدة من سلاسل جهنم التي طول الواحد منها
سبعون ذراعاً إلى هذه الدنيا لأذابت جميع الجبال من شدة حرارتها - من دون
أن يذوب. فقابلية جسم الإنسان للحرارة يوم القيامة لا تقاس بقابليته لها في
دار الدنيا. أما ارتباط النفس بالجسد في هذت الدنيا فضعيف وناقص، ففي هذا
العالمُ يستعصي على النفس أن تظهر فيه بكامل قواها، أما الآخرة فهي عالم
ظهور [114] النفس. إن نسبة النفس إلى الجسد نسبة الفاعلية والخلاقية،
كما هو ثابت في محله، وهي أتم مراتب النسبة والارتباط. ونار هذه الدنيا نار
باردة ذاوية وعرضية ومشوبة بمواد خارجية غير خالصة. أما نار جهنم، فنار
خالصة لا تشوبها شائبة، وجوهر حي قائم بذاته ذو إرادة يحرق أهله بإدراك
وإرادة، ويشدد الضغط عليهم بقدر الإمكان. ولقد سمعت الصادق المصدق
الأمين جبرائيل، وهو يصفها. والقرآن والأخبار مليئة بوصفها. أما ارتباط نار
جهنم والتصاقها بالجسم فلا شبيه له في هذا العال، ولو تجمّعت جميع نيران
العالم وأحاطت بإنسان لما أحاطت بغير سطح جسمه. أما نار جهنم، فتحيط
بالظاهر والباطن وبالحواس المدركة وما يتعلق بها. إنها نار تحرق ا لقلب
والروح والقوى، وتتحد بها بنحو لا نظير له في هذا العالم. فيتبيّن مما ذكر أن
هذا العالم لا تتوافر في وسائل العذاب بأي شكل من الأشكال، فلا مواده -
العالم - جديرة بالتقبل، ولا مصادره الحرارية تامة الفاعلية، ولا الإدراك تام.
إن النار التي تستطيع أن تحرق جهنم بنَفَسٍ منها، لا يمكن أن نتصورها ولا أن
ندركها، إلاّ إذا كنا - لا سمح الله - من المتكبرين، انتقلنا من هذا العالم إلى
الآخرة قبل أن نطهّر أنفسنا من هذا الخُلق القبيـح، حيث نراها رأي العين
{فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} (الزمر72). فصل في بيان بعض عوامل التكبر
اعلم إن من عوامل التكبر، فضلاً عمّا سبق ذكره من الأسباب، هو صغر
العقل، وضعف القابل ية، والضعة، وقلة الصبر. فالإنسان لضيق أُفقه ما أن يجد
في نفسه خصلة مميّزه حتى يتصور لها مقاماً ومركزاً خاصاً. ولكنه لو نظر بعين
العدل والإِنصاف إلى كل أمر يتقنه وكل خصلة يتميز بها، لأدرك أن ما
تصوره كمالاً يفتخر به ويتكبر بسببه، إمّا أنه ليس كمالاً أصلاً، وإمّا أنه إذا
كان كمالاً فإنه لا يكاد يساوي شيئاً إزاء كمالات الآخرين، وأنه كمن صفع
وجهه ليحسب الناس احمرار [115] وجهه نتيجة النشاط والحيوية. كما
قيل:"اِسْـتَسْمَنَ ذا وَرَمٍ". فعلى سبيل المثال أن العارف الذي ينظر من
خلال عرفانه إلى الناس جميعاً بعين الازدراء متكبّرا، أو يقول عنهم أنهم
قشريون وسطحيون. ترى أنه لا يملك شيئا من المعارف الإلهية، سوى حفنة
من المفاهيم التي لا تعدو جميعا من أن تكون حُجُباً تغطي الحقائق، أو مطبات في
الطريق، ومجموعة من المصطلحات ذات البريق الخادع مما لا علاقة لها
بالمعارف اإلهية، وبعيدة كل البعد عن معرفة الله وعن العلم بأسمائه وصفاته؟ إن
المعرفة صفة القلب. وكاتب هذه السطور يعتقد أن جميع هذه العلوم هي علوم
عملية، لا مجرد معرفة نظرية وحياكة مصطلحات. لقد رأينا خلال هذا العمر
القصير والمعرفة القليلة ضمن من يسمون بالعرفاء والعلماء في سائر العلوم،
أشخاصا - أقسم بالعرفان والعلم- إنهم لم يتأثروا قلبيا بهذه الاصطلاحات،
بل كان لها تأثير معكوس عليهم. أيها العزيز! إن العرفان بالله، كما تعلم، يحيل
القلب إلى محل تتجلى فيه أسماء الله وصفاته وينزل فيه السلطان الحقيقي الذي
يمحو آثار التلوث ويطرد التعيّن: {... إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا
وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (النمل34). إنه يجعل القلب
أحدياً أحمدياً، فلماذا صار قلبك والهاً بجمالك، وزاد في تلونك، وضاعف في
تعيناتك وإضافاتك وأبعدك عن الحق تعالى وتجليات أسمائه، وجعل قلبك
موطناً للشيطان فتنظر عباد الله، وأصحاب أبواب الحق، ومظاهر جمال المحبوب،
نظرة تحقير وازدراء؟ إنك تتكبر على الله، وتتفرعن في حضرة ذات الله وأسمائه
وصفاته. يا طالب المفاهيم، ويا مضيّع الحقائق! تمهل، أنظر إلى ما لديك من
المعارف فما الأثر الذي تراه من الحق وصفاته في نفسك؟ ولعل علم الموسيقى
والإِيقاع أدق من علمك، واصطلاحات العلوم الأخرى كالفلك والميكانيك
وسائر العلوم الطبيعية والرياضية، تساوي اصطلاحات علمك ودقته تماماً، فكما
أن تلك [116] العلوم ليس لها عرفان بالله، فكذلك علمك الذي حجبته
الاصطلاحات وسجف المفاهيم والاعتبارات، لا يرجى منه تغير في نفس ولا
حال، بل إن تلك العلوم لدى منطق العلوم الطبيعية والرياضية أفضل مما هو
لديك من العلم، لأن تلك العلوم تنتج شيئا، وليس لعلمك ناتج، أو أن ناتجة
معكوس. فالمهندس ينالنتيجة هندسته والصائغ نتيجة صنعته، أمّا أنت فقد
قصرت يدك عن النتائج الدنيوية، ولم تصل إلى نتائج عرفانك. فحجابك أثقل
وأسمك، وما أن يدور الكلام عن الأحديّة حتى يغشاك ظلام غير متناه، وما
أن تسمع عن حضرة أسماء الله وصفاته حتى تتصور كثرة غير متناهية. إذاً لم
تعثر على الطريق إلى الحقائق والمعارف من هذه الاصطلاحات، بل صارت
مدعاة للتفاخر والتكبر على العلماء الحقيقيين. إن المعارف التي تزيد من كدر
القلب ليست بمعارف، والويل لمعارف تجعل عاقبة صاحبها وارثاً للشيطان!.
إن الكبر من أخلاق الشيطان الخاصة. فقد تكبّر على أبيك آدم، فطرد من
حضرة الله، وأنت أيضاً مطرود لأنك تتكبر على كل الآدميين من أبناء آدم.
ومن هنا أيضاً يجب أن تفهم حال سائر العلوم الأخرى. إن الحكيم إذا كان
حكيما وعرف نسبته إلى الخلق وإلى الحق، خرج الكبرياء من قلبه واستقام
أمره. ولكن هذا المسكين الذي يركض وراء المصطلحات والمفاهيم يظن أنها
هي الحكمة، وأنها هي التي تصنع العالم والحكيم، فمرة يرى نفسه متصفة
بالصفات الواجبة، فيقول:"الحكمةُ هِيَ التَشَبُّهُ بِالإِلـهِ"ومرة يحسب نفسه
فـي زمرة الأنبيـاء والمرسليـن، فيقرأ: {وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }
(الجمعة2).، وأحيانا يقرأ:"الحـِكـْمـَةُ ضالَةُ المُؤْمِنِ"( نهج البلاغة- قصار
الحكم - 80 - ( الشيخ صبحي الصالح ) ) {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ
خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة/269).، ولكن ما أجهله بالحكمة وما أبعده عنها وعن
خيراتها؟! يقول الحكيم المتألّه وفيلسوف الإسلام الكبير، المحقق الداماد،
رضوان الله عليه: "الحكيم من كان جسده كالرداء له، متى ما شاء خلعه".
فانظر إلى ما يقوله [117] هو وما نقوله نحن! وما أدركه هو من الحكمة وما
أدركنا نحن منها! إذاً، فأنت الذي تتباهى ببضعة اصطلاحات ومفاهيموتتكبر
على الناس، إنما ذلك دليل ضيق نفسك وقلة صبرك وعدم أهليتك!. إن من
يرى نفسه مرشد الخلائق وهاديهم، ويجلس على كرسي التصوف والتوجيه،
يكون أسوأ حالا من المسعف والمتصوف، وأكثر دلالاً منهما. إنه سرق
المصطلحات منهما وأسبغ بعض المظاهر على بضاعته في السوق، وصرف
قلوب الناس عن الله ووجّهها نحو نفسه ودفع بذلك الإنسان الطيّب النقي
السريرة، على إساءة الظن بالعلماء وعامة الناس. ولكن يعطي أسواقهم شيئا
من الرواج، يطعمون الناس، عن وعي أو بدون وعي، بعضا من مصطلحاتهم
الجذّابة، ظانّين أن ألفاظاً مثل "مجذوب علي" أو "محبوب علي" سوف
تمنحهم حقا حالاً من الانجذاب والحب! نتيجة هذه الأسماء التي يستعملها
الدراوشة والمدعون للعرفان. أنت يا طالب الدنيا وسارق المفاهيم، إن عملك
هذا كما تظنه لا يدعو إلى الفخر والتكبر! إن المسكين لقلـة صبره وصغر
عقله ينخدع حتى بنفسـه، فيرى لنفسه م قاما، وقد امتزج فيه حب النفس
وحب الدنيا مع المفاهيم المسروقة والإضافات والاعتبارات، فأصبح مولودا
مشوهاً، إذ نشأ عن تجمعها مزيج عجيب وخليط غريب. وعلى الرغم من كل
هذه العيوب يحسب نفسه مرشد الخلائق وهادي الأمة إلى النجاة، ومالك سر
الشريعة! بل قد تتجاوز وقاحته الحدود، فيرى نفسه في مقام الولاية الكلية.
وهذا ناشئ أيضا من صغر العقل وضيق القلب والصدر وقلة الاستعداد
والأهلية. وأنت أيضا يا طالب علوم الفقه والحديث وسائر العلوم الشرعية، لا
تملك من علمك أكثر من حفنة من الاصطلاحات الخاصة بالأصول والحديث،
فإذا لم يضف إليك علمك هذا الذي كله عمل، شيئا ولم يستطع إصلاحك،
بل أنتج المفاسد الأخلاقية والعملية، فإن عملك أحط من عمل علماء العلوم
الأخرى وأتفه بل أقل عمل كل العوام. إن هذه المفاهيم العرضية والمعاني
الحرفية والدخول في منازعات لا طائل وراءها ولا علاقة لمعظمها بدن الله
بالعلوم حتى تسميها بالثمرة العلمية، أن هذه المفاهيم لا تستوجب كل هذا
الابتهاج و التكبر. والله [118] يشهد وكفى بالله شهيدا أنه لو كانت هذه
هي نتيجة العلم، دون أن تستطيع هدايتك، ودون أن تبعد عنك المفاسد
الأخلاقية والسلوكية، فإن أحط الأعمال خير من عملك لأن تلك نتائجها
عاجلة ومفاسدها الدنيوية والأخروية اقل. وأنت أيها المسكين لا تنال سوى
الوزر والوبال، ولا تحصد غير المفاسد الأخلاقية والأعمال القبيحة. وعليه، فإن
عملك من حيث الاعتبار العلمي ليس فيه ما يدعو إلى التكبر، بل كل ما في
الأمر إنك أفقك العلمي، ما أن تضع اصطلاحاً فوق اصطلاح حتى تحسب
نفسك عالما وسائر الناس جهلاء وتفترش أجنحة الملائكة تحت أقدامك وكأنها
تطير بك، وتضيّق على الناس في المجالس وفي الطرقات. ولكن الأحط من هذا
والأحقر مكانة هو ذلك الذي يتكبّر ويتباهى بالأمور الخارجية، مثل المال،
والجاه ، والخدم، والحشم والقبيلة. فهذا المسكين بعيد عن الخلق البشري
والأدب الإنساني فارغ اليد من كل العلوم والمعارف. ولكن بما أن ملابسه من
أجود الأصواف، وأباه فلان ابن فلان، فهو يتكبّر على الناس. فما أضيق عقله
وأشد ظلام قلبه! إنه يقتنع من كل الكمالات باللباس الجميل، ومن كل جمال
بالقبعة والرداء! يرتضي المسكين مقام الحيوانية ويقبل بحظها، ويقتنع من جميع
المقامات السامية الإنسانية بالصورة الخالية من كل شكل ومضمون، والفارغة
من الحقيقة، ظانّاً نفسه بهذا أنه ذو مقام. وفي الواقع إنه على درجة من الضعة
ومن عدم اللياقة، بحيث أنه إذا شاهد أحداً أعلى منه مرتبة واحدة دنيوية تخضّع
له كما يتخضّع العبد لسيده. لا شك أن من لا همّ له سوى الدنيا، لا يكون إلاّ
عبداً للدنيا ولأهلها. وأن يغدو ذليلا لدى من يتزلف ويستذل لديهم. وعلى
كل حال، يعتبر ضيق أُفق الفكر وانحطاط القابلية من هم عوامل الكِبرٍ، لذلك
فمن يتصف بهذا يتأثر بالأمور التي ليست من الكمال، أو ليست من الكمالِ
اللائق، تأثراً شديداً يدفع به إلى العُجْب والكبر. وكلما كثر حبه للنفس
وللدنيا، ازداد تأثرا بهذه الأمور. [119] فصل في بيان معالجة الكبر بعد
ما عرفت مفاسد الكبر، حاول أن تعالج نفسك مشمّراً عن ساعد الجد للبحث
عن العلاج، واشحذ همّتك لتطهير القلب من هذا الدرن، وأزل الغبار والأتربة
عن مرآته. فإذا كنت ممن قويت نفوسهم، واتسعت صدورهم، ولم يتجذر
حب الدنيا في قلبك، ولم يبهرك زبرجها وزخرفها، وكانت عين إنصافك
مفتوحة، فإن الفصل السابق خير علاج علمي لك. وإذا لم تكن قد دخلت هذه
المرحلة، ففكّر قليلا في حالك، فلعل قلبك يصحو. فيا أيها الإنسان الذي لم
تكن شيئا في أول أمرك، وكنت كامنا دهور العدم والآباد غير المتناهية، ما هو
الأقل من العدم و اللاشيء على صفحة الوجود؟ ثم لمّا شاء تْ مشيئة الله أن
يظهرك، إلى عالم الوجود فمن جرّاء قلة قابليتك الناقصة و تفاهتك وضعتك
وعدم أهليتك لتقبل الفيض، أخرجك من هيولى العالم - المادة الأولى - التي
لا تكون سوى القوة المحضة والضعف الصرف، إلى صورة الجسمية والعنصرية،
التي هي أخسّ الموجودات وأحطّ الكائنات، ومن هناك أخرجك نطفة لو
مسّتها يدك لاستقذرتها وتطهّرت منها، ووضعك في منزل ضيق رجس هو
خصيتي الأب، وأخرجك من مجرى البول في حالة مزرية قبيحة، وأدخلك في
رحم الأم من مكان تنفر من ذكر أسمه. وحوّلك هناك إلى علقة ومضغة،
وغذّاك بغذاء يزعجك سماع أسمه ويخجلك. ولكن بما أن الجميع هذا هو حالهم
وتلك هي بليتهم، زال الخجل "والبَلِيَّةُ إِذا عَمَّتْ طابَتْ". في كل هذه
التطورات كنت أرذل الموجودات وأذلها وأحطها، عاريا عن إدراك ظاهري
وباطني، بريئا من كل الكمالات. ثم شملتك رحمته وجعلك قابلا للحياة،
فظهرت فيك الحياةرغم كونك في أشد حالات النقص، بحيث أنك كنت
أحط من الدودة في أمور حياتك، فزادت برحمته تدريجيا قابليتك على إدارة
شؤون حياتك، إلى أن أصبحت جديرا بالظهور في محيط الدنيا، أظهرك في هذه
الدنيا من خلال أشد المجاري ضعة، وفي أوطأ الحالات، وأنت أضعف في
الكمالات وشؤون الحياة، وأدنى من جميع مواليد الحيوانات الأخرى. وبعد أن
|
|
|
|
|