|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 429
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 12,843
|
بمعدل : 1.91 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
Dr.Zahra
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:34 PM
مفاسده الأخرى، أنه يدفع الإنسان إلى الرياء، لأن الإنسان بصورة عامة إذا
استصغر أعماله - وجدها لا شيء - ووجد أخلاقه فاسدة، وإيمانه لا
يستحق الذكر، وعندما لا يكون معجبا بنفسه ولا بصفاته ولا بأعماله، بل
وجد نفسه وجميع ما يصدر عنها سيئاً وقبيحاً، لا يطرحها ولا يتظاهر بها،
فإن البضاعة الفاسدة تكون [92] سيئة وغير صالحة للعرض. ولكنه إذا رأى
نفسه كاملا وأعماله جيدة، فإنه يندفع إلى التظاهر والرياء، ويعرض نفسه على
الناس. يجب اعتبار مفاسد الرياء المذكورة في الحديث الثاني من مفاسد
العجب أيضا. وهناك مفسدة أخرى هي أن ذه الرذيلة تؤدي إلى رذيلة الكبر
المهلكة، وتبعث على ابتلاء الإنسان بمعصية التكبر - وسيأتي إن شاء الله ذكر
الحديث عنها فيما بعد -. تنشأ من هذه الرذيلة مفاسد أخرى أيضا بصورة
مباشرة وغير مباشرة وشرح ذلك يوجب التفصيل. فليعلم المعجب أن هذه
الرذيلة هي بذرة رذائل أخرى، ومنشأ لأمور بشكل كل واحد منها سببا
للهلاك الأيدي والخلود في العذاب. فإذا عرف هذه المفاسد بصورة صحيحة
ولاحظها بدقة، ورجع إلى الأخبار والآثار الواردة بشأنها عن الرسول الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت ذلك القائد صلوات الله عليهم أجمعين،
فمن المحتم أن يعتبر الإنسان نفسه ملزما بالنهوض لإصلاح النفس، وتطهيرها
من هذه الرذيلة واستئصال جذورها من باطن النفس، لئلا ينتقل لا سمح الله
إلى العالم الآخر وهو بهذه الصفة، وإنه حينما يغمض عينيه المادية الملكوتية،
ويشرق عليه سلطان البرزخ والقيامة، يرى أن حال أهل كبائر المعاصي أفضل
من حاله حيث غمرهم الله برحمته الواسعة بسبب ندمهم أو بسبب ما كان
لديهم من رجاء بفضل الله تعالى. وأما هذا المسكين الذي رأى نفسه مستقلا،
وحسبها في باطن ذاته غنية عن فضل الله، فيرى بأن الله تعالى حاسبه لذلك
حسابا عسيرا، وأخضعه لميزان العدل كما أراد، وأفهمه بأنه لم يقم بأية عبادة
لله تعالى، وأن جميع عباداته أبعدته عن الساحة المقدسة، وأن كل أعماله وإيمانه
باطل وتافه. بل وأن تلك الأعمال والعبادات نفسها هي سبب الهلاك وبذرة
العذاب الأليم ورأس مال الخلود في الجحيم. الويل لمن يعامله الباري تعالى
بعدله، فإذا ما عومل الناس مثل هذا التعامل ما نجا أحد من الأولين والآخرين.
إن مناجاة صفوة الله - من الأنبياء والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم -
مشحونة بالاعتراف بالتقصير والعجز عن القيام بالعبودية. وعندما يعلن رسول
الله محمد صلى الله عليه 93] وآله وسلم أفضل الكائنات وأقربها إلى الله
قائلا:"مَـا عَرَفناكَ حقَّ معْرِفَتِكَ وما عَبَدْناكَ حقَّ عِبادَتِكَ"فماذا سيكون
حال سائر الناس؟.. نعم إنهم العارفون بعظمة الله تعالى، العالمون بحقيقة
نسبة"الممكن"إلى "الواجب"إنهم يعلمون، أنهم لو قضوا جميع أعمارهم في
الدنيا بالعبادة والطاعة والتحميد والتسبيح، لما أدّوا شكر نعم الله، فكيف يمكن
أداء حق الثناء على ذاته وصفاته المقدسة؟، إنهم يعلمون أن ليس لموجود
شيء. فالحياة والقدرة والعلم والقوة وسائر الكمالات الأخرى هي ملك
لكماله تعالى، و"الممكن"فقير، بل فقر محض يستطل بظله تعالى، وليس
بمستقل بذاته. أيّ كمالٍ يملكه"الممكن"بنفسه لكي يتظاهر بالكمال؟، وأية
قدرة يمتلكها لكي يتاجر بها؟ أولئك العارفون بالله وبجماله وجلاله شاهدوا
شهود عيان نقصهم وعجزهم وشاهدوا كمال"الواجب"تعالى، وإنما نحن
المساكين الذين قد ران حجاب الجهل والغفلة والعجب والمعاصي على قلوبنا
وقوالبنا وغشى أبصارنا وأسماعنا وعقولنا وكافة قوانا المدركة بحيث أخذنا
نستعرض عضلاتنا في مقابل قدرة الله القاهرة، ونعتقد أن لنا استقلالاً وشيئية
بذواتنا. أيها"الممكن"المسكين الجاهل بنفسك وبعلاقتك بالله!،
أيها"الممكن"السيّئ الحظ الغافل عن واجباتك إزاء مالك الملوك! إن هذا
الجهل هو سبب جميع ما يلحقك من سوء التوفيق، وهو الذي ابتلانا بجميع هذه
الظلمات والمكدّرات. أن الفساد قد ينشأ من الأساس، وأن تلوّث الماء قد
يكون من المعين. إن عيون معارفنا عمياء، وقلوبنا ميته، وهذا سبب جميع
المصائب ولكننا مع كل ذلك لسنا حتى بصدد إصلاح أنفسنا!. اللهم تفضل
علينا بتوفيق التوبة، وعرفنا أنت بواجباتنا، وتفضل علينا بنصيب من أنوار
معارفك التي ملأت بها قلوب العرفاء والأولياء، أظهر لنا إحاطة قدرتك
وسلطتك، وعرفنا بنواقصنا. فهّمْنا نحن الماكين الغافلين الذين ننسب جميع
المحامد إلى الخلق فَهّمنا معنى"الحمدُ لله رّبِّ العالَمِينَ"عرّف قلوبنا بأن ليست
هناك محمدة من مخلوق. أظهر لنا حقيقة {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا
أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ...}(النساء/79). أدخل كلمة التوحيد إلى
قلوبنا القاسية الكدرة، نحن [94] أهل الحجاب والظلمة، وأهل الشرك
والنفاق، نحن الأنانيون، عبّاد النفس، المعجبون بها، أخرج من قلوبنا حب
النفس وحب الدنيا، واجعلنا عشّاقاً لله وعبّاداً لك [إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ
قَدِير]. فصل في بيان أن حُـبّ النفس أساس العُجْب اعلم أن رذيلة العُجب
تنشأ من حب النفس، لأن الإنسان مفطور على حب الذات، فيكون أساس
جميع الأخطاء والمعاصي الإنسانيـة والرذائل الأخلاقية، حب النفس. ولهذا
فإن الإنسان يرى أعماله الصغيرة كبيرة، وبذلك يرى نفسه من الصالحين ومن
خاصة الل ه ويرى نفسه مستحقاً للثناء ومستوجباً للمدح على تلك الأعمال
الحقيرة التافهة. بل ويحدث أحياناً أن تلوح لنظرة قبائح أعماله حسنة وإذا ما
رأى من غيره أعمالا أفضل وأعظم من أعماله فلا يعيرها أهمية، ويصف
أعمال الناس الصالحة بالقبح، وأعماله السيئة القبيحة بالحسنة. يسيء الظن
بخلق الله ولكنه يحسن الظن بنفسه، وبسبب حبه لنفسه يرى بعمله الصغير
الممزوج بآلاف القذارات المبعدة عن الله، أن الله مدين له وأنه يستوجب
الرحمة. فلنفكر الآن قليلا في أعمالنا الصالحة ولنحكِّم العقل قليلا في الأفعال
العبادية الصادرة عنّا، ولننظر إليها بعين الإنصاف، لنرى هل أننا نستحق بها
المدح والثناء والثواب والرحمة، أو أننا جديرون باللوم والعتاب والغضب
والنقمة؟ وإذا ما أحرقنا الله بسبب هذه الأعمال، التي نراها حسنة، بنار القهر
والغضب ألا يكون ذلك عدلاً؟... إني أحكّمكم في هذا السؤال الذي
أطرحه، أريد منكم الجواب عليه بإنصاف -بعد إعمال الفكر والتأمل -.
والسؤال هو أنه إذا أخبركم الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله وسلم، وهو
الصادق المصدق، إنكم إذا عبدتـم الله طوال عمركـم وأطعتم أوامره
وتركتم شهوات النفـس ورغباتـها، أو تركتم عبادته وعملتم على خلاف
توجيهاته سبحانه وتعالى وعلى أساس رغبات النفس وشهواتها طيلة حياتكم،
إذا أخبركم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنكم سيّان - في كلتا [95]
الحالتين - لن تختلف درجاتكم في الآخرة إنكم على كل حال الناجون
وستذهبون إلى الجنة وتأمنون من العذاب، فلا فرق - حسب الفرض - بين أن
تصلوا أو تزنوا، ولكن مع ذلك يكون رضا الله تعالى في عبادته والثناء عليه
وحمده، والابتعاد عن الشهوات والرغبات النفسانية في هذا العالم، مع عدم
الإثابة على الطاعة. فهل كنتم تصبحون من أهل المعصية أو من أهل العبادة؟
هل كنتم تتركون الشهوات وتحرمون على أنفسكم اللذات النفسانية من أجل
رضا الله تعالى والرغبة فيه، أو لا؟ هل كنتم باقين من المتوسلين إليه تعالى
بالمستحبات والجمعة والجماعات؟ أو كنتم تغرقون في الشهوات وتلازمون
اللهو واللعب والملاهي وغير ذلك؟ أجيبوا بإنصاف ودون تظاهر ورياء. إنني
أعلن عن نفسي وعمن هو على شاكلتي بأنّا كنّا نصبح من أهل المعصية ونترك
الطاعات ونعمل بالشهوات النفسانية. وبعد ما تقدم نستنتج أن جميع أعمالنا
هي من أجل اللذات النفسانية ومن أجل الاهتمام بالبطن والفرج. إننا عُبّاد
للبطن وعُبّاد للشهوة، ونترك لذة صغيرة، للذة أعظم وإن وجهة أنظارنا وقبلة
آمالنا هي فتح بساط الشهوة. إن الصلاة التي هي معراج القرب إلى الله نؤديها
قربة لنساء الجنة ولا علاقة لها بالقرب إلى الله، ولا علاقة لها بطاعة الأمر، وهي
بعيدة آلاف الفراسخ عن رضا الله. أيها المسكين الغافل عن المعارف الإلهية، يا
من لا تهم سوى إرادة شهوتك وغضبك، أنت المتوسل بالأذكار والأوراد
والمستحبات والواجبات، والتارك للمكروهات والمحرّمات والمتخلق بالأخلاق
الحسنة، والمتجنب لسيئات الأخلاق، ضع أعمالك أمام عين الإنصاف، أتقوم
بها لأجل الوصول إلى الشهوات النفسانية والجلوس على سرر مطعّمة
بالزبرجد، ومعانقة الضحوكات والدعوبات في الجنة، ارتداء الحرير
والإستبرق، والسكنى في القصور الفارهة الجميلة، والوصول إلى الأماني
النفسية؟ أفينبغي أن تمن بهذه الأعمال على الله وهي جميعا لأجل النفس ومن
أجل عبادتها، وتعدّها عبادة لله؟ هل يختلف حالكم عن ذلك الأجير الذي
ينجز عملا من أجل الأجر، ثم يقول: إنني أنجزت ذلك العمل لأجل صاحب
العمل فحسب؟ أفلا تكذبوه؟ ألستم كاذبين حينما تقولون: إننا نصلّي تقرباً
إلى الله تعالى؟ ألأجل التقرب [96] إلى الله هذه الصلاة أو لأجل التقرب
لنساء الجنة وإشباع الشهوة؟ أقولها صراحة ، إن جميع عباداتنا هذه لهي من
كبائر الذنوب عند العرفاء بالله وأولياء الله. أيها المسكين! أنت في حضرة الله
جلّ جلاله، وفي محضر الملائكة المقربين، تعمل خلاف رضا الله تعالى، والعبادة
التي هي معراج القرب من الله، تؤديها لأجل النفس الأمّارة بالسوء ولأجل
الشيطان، وعندها لا تستحي أن تكذب في العبادة عدة أكاذيب في حضرة
الربّ والملائكة المقربين وتفتري عدة افتراءات، وتمنّ وتعجب وتتدلل أيضا،
ولا تخجل بعد كل ذلك! بماذا تختلف عبادتي هذه وعبادتك عن معصية أهل
العصيان، وأشدها الرياء؟ فالرياء شرك وقبحه ناشئ من أنك لم تؤد العبادة
لأجل الله. جميع عباداتنا شرك محض ولا أثر فيها للخلوص والإخلاص، بل
حتى أن رضا الله لا يشترك في الدافع إلى إنجاز هذه العبادة فهي لأجل
الشهوات وإعمار البطن والفرج فحسب. أيها العزيز، إن الصلاة التي تكون
لأجل المرأة، سواء أكانت في الدنيا أم في الجة، لا تكون لله، الصلاة التي تكون
من أجل الحصول على أمال الدنيا أو آمال الآخرة، لا علاقة لها بالله فلماذا إذاً
تتدلل إلى هذا الحد، وتنظر إلى عباد الله بعين الاحتقار، و تحسب نفسك من
خواص الله تعالى؟ أيها المسكين! أنت بهذه الصلاة مستحق للعذاب
ومستوجب لسلسلة طولها سبعون ذراعا. فلماذا إذاً تحسب نفسك دائناً لله،
وتهيأ لنفسك بهذا التدلل والعُجْب عذابا آخر؟ أعمل الأعمال التي أُمرت بها،
واعلم أنها ليست لأجل الله، واعلم أن الله يدخلك الجنة بتفضله وترحمه، وأن
الله تعالى خفف عن عباده لضعفهم بالتجاوز عن نوع من الشرك وأسدل عليه
بغفرانه ورحمته حجاب ستره، فحاذر أن يتمزق هذا الحجاب وليبق حجاب
غفران الله على هذه السيئات التي أسميناها عبادة. فإذا حدث لا سمح الله أن
انطوت صفحتك هذه ورحلت من هذه الدنيا وجاءت صفحة العدل فإن
عفونة عبادتنا عندئذ لن تقل عن عفونة المعاصي وال موبقات التي يرتكبها أهل
المعصية. وقد أشرنا فيما مضى إلى حديث ينقله ثقة الإسلام الكليني في كتاب
( الكافي ) بسنده إلى الإمام الصادق عليه السلام، وهنا ننقل قسماً من هذا
الحديث بنصه تبركاً وتيمناً:"عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عزّ وجلّ لداود عليه السلام: [يا داودُ بَشِّر
المُذْنِبينَ وَأَنْذِرِ الصِّدِّيقينَ. قال: كَيْفَ أُبَشِّرُ المُذْنِبينَ وَأُنْذِرُ الصِّدِّيقينَ؟ قال يا
داوُدُ بَشِّرِ المُذْنِبينَ أنّي أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَأَعْفُو عـَنِ الذَّنْب وَأَنْذِرِ الصِّدّيقينَ أَنْ
لا يُعْجِبُوا بِأَعْمالِهِم فَإِنّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسابِ إلاّ هَلَكَ] ( الكافي، المجلد
الثاني، باب العجب، ح1 ص 314 ). لأنه مستحق للعذاب وفق العدالة فإن
ثواب عبادات العبد لا تعادل شكر واحد من نعمائـه. فإذا علمت أّ
الصديقين، على الرغم من أنهم مُطهَّرون من الذنب والمعصية، جميعاً هالكون
في الحساب، فماذا نقول أنا وأنتم؟... هذا كله عندما تكون أعمالي وأعمالكم
خالصة من الرياء الدنيوي ومن الموبقات والمحرمات وقلما يحصل لنا خلوص
عمل من الرياء والنفاق. وعليه إذا استدعى العمل العُجب والتدلل والتغنج،
فافعل. وإذا أستدعى الخجل والتذلل والاعتراف بالتقصير فيجب عليك بعد
كل عبادة أن تنوب من تلك الأكاذيب التي قلتها في حضرة الله تعالى، ومما
نسبته إلى نفسك دون دليل. ألا ترى أن عليك أن تنوب من قولك وأنت
تقف أمام الله قبل الدخول في الصلاة: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام/79).، {قُلْ إِنَّ
صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام//162). فهل
وجوهكم متوجهة إلى فاط ر السماوات والأرض؟ هل أنتم مسلمون وخالصون
من الشرك؟ هل صلاتكم وعبادتكم وحياتكم ومماتكم لله؟ ألا يبعث على
الخجل - بعد هذا - أن تقولوا في الصلاة [الحمدُ لله رَبِّ العالمين]؟ فهل
حقا تقرّون بأن المحامد كلها لله؟، في حين أنك تقرّون بالحمد لعبادة، بل
ولأعدائه؟، أليس قولكم [ربّ العالمين] يكون كذبا لأنكم تقرون في الوقت
نفسه بالربوبية لغيره تعالى في هذا العالم، أفلا يحتاج ذلك إلى التوبة والخجل؟.
وحينما تقول {إيّاك نَعْبُدُ وإيّاك نَسْتَعينُ} فهل تراك تعبد الله أم تعبد بطنك
وفرجك؟ هل أنت تطلب الله أو الحور العين؟ هل تطلب العون من الله فقط؟
إن الشيء الذي لا يأخذ بعين الاعتبار في الأعمال هو الله، وأنت إذا ذهبت إلى
زيارة [98] بيت الله، فهل أن مقصدك ومقصودك هو الله، وأن مطلبك
ومطلوبك هو صاحب البيت؟ وهل قلبك مترنم بقول الشاعر: وما حُبُّ الديار
شغفنَ قَلبي ولن حُبُّ من سكنَ الديارا أباحثٌ أنت عن الله؟ أتطلب
آثار جمال الله وجلاله؟ ألأجل سيد المظلومين تقيم العزاء؟ ألأجله عليه
السلام تلطم على رأسك وصدرك أم لأجل الوصول إلى آمالك وأمانيك؟
أهي بطنك التي تدفعك لإقامة مجالس العزاء، وشهوة الظهور هي التي
تدفعك للذهاب إلى صلاة الجماعة، وهوى النفس هو الذي يجرك للمناسك
والعبادة؟. فيا أيها الأخ، كن حذرا تجاه مكائد النفس والشيطان، وأعلم أنه
لن يدعك أيها المسكين بأن تؤدي عملا واحدا بإخلاص، وحتى هذه
الأعمال غير الخالصة التي تقبّلها الله تعالى منك بفضله، لا يدعك - الشيطان
- أن تصل بها إلى الهدف فيعمل عملاً تحبط به أعمالك كلها، وتخسر حتى
هذا النفع بسبب هذا العجب والتدلل في غير موقعه. وبغض النظر عن بُعد
الوصول إلى الله ورضاه، فإنك لن تصل إلى الجنة ولا إلى الحور العين، بل
تخلد في العذاب وتعذب بنار الغضب كذلك. أنت تظن أنك ب هذه
الأعمال المتفسخة المتعفنة الهزيلة الممزوجة بالرياء وطلب السمعة وألف
مصيبة أخرى التي تحول دون قبول العبادات كلها، تظن إنك بها تستحق
الأجر مَن الحق تعالى أو أنك أصبحت بها من المحبين والمحبوبين. أيها المسكين
الجاهل بأحوال! يا سيئ الحظ الذي لم يطلع على قلوب المحبين، وعلى لهب
شوقها تجاه الحق سبحانه، أيها المسكين الغافل عن حرقة المخلصين ونور
أعمالهم! أو تظن أن أعمالهم أيضا مثل أعمالي وأعمالك؟ أوَ تتوهم أن ميزة
صلاة أمير المؤمنين عليه السلام عن صلاتنا أنه عليه السلام كان
يمدّ"الضالـّين"أكثر أو أن قراءته أصحّ أو أن سجوده أطول وأذكاره
وأوراده أكثر؟ أو أن ميزة ذلك الرجل العظيم في أنه كان يصلّي عدة مئات
من الركعات ليلياً؟ أو تظن أن مناجاة سيد الساجدين علي بن الحسين هي
مثل مناجاتي ومناجاتك؟ وإنه كان [99] يتحرق ويتضرع بتلك الصورة
من أجل الحور العين والكمثرىوالرمان من نعم الجنة؟. أقسم به صلوات الله
وسلامة عليه ( وإِنَّهُ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ ) لو أن المحبين كان بعضهم ظهيرا للبعض
الآخر، وأرادوا أن يتفوهوا بكلمة ( لا إله إلا اللهَ ) مرة واحدة بمثل ما كان
يقولها أمير المؤمنين عليه السلام لما استطاعوا. فكم أكون تعيساً وشقيا أن لا
أكون على خطى علي عليه السلام وأنا من العار فين لمقام ولاية علي عليه
السلام؟. أقسم بمقام علي بن أبي طالب عليه السلام، لو أن الملائكة المقربين
والأنبياء المرسلين - عدا الرسول الخاتم الذي يكون مولى علي وغيره-
أرادوا أن يكبروا مرة واحدة، تكبيرا على غرار ما كان يكبر علي عليه
السلام، لما استطاعوا. وأما الوقوف على قلوبهم فلا يعرف أحد شيئا إلا
حملة تلك القلوب وأصحابها!. فيا أيها العزيز! لا تتباهى بقربك من الله ولا
تبالغ في حبك له، أيها العارف، أيها الصوفي، أيها الحكيم، أيها المجاهد، أيها
المرت اض، أيها الفقيه، أيها المؤمن، أيها المقدس، أيها المساكين المبتلون يا
سيئي الحظ المغلوبين بمكائد النفس وهواها، أيها المساكين المبتلون بالآمال
والأماني وحب النفـس، كلكم مساكين، كلكم بعيـدون فراسخ عن
الإخلاص وعبادة الله، لا تحسنوا الظنّ بأنفسكم إلى هذا الحد، لا تتغنجوا ولا
تتدللوا. اسألوا قلوبكم: هل تبحث عن الله، أم تريد ذاتها؟ هل هي موحدة
وتطلب الواحد أم مشركة وتعبد أثنين؟ فماذا يعني إذاً كل هذا العُجب؟
ماذا يعني إذاً التعالي بالعمل إلى الحد؟ وهو إذا صحّت جميع أجزائه
|
|
|
|
|