|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 429
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 12,843
|
بمعدل : 1.91 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
Dr.Zahra
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:31 PM
لنفسك، سلّم إرادتك للحق تعالى، فإن الذات المقدسة يتفضل عليك بجعلك
مظهراً لإرادته، ويجعلك متصرفاً في كافة الأمور. ويخضع لقدرتك مملكة
الإيجاد. وهذا هو غير التفويض الباطل، كما هو معلوم في محله. فيا أيها
العزيز. أنت أعرف بنفسك فاختر إمّا هذا وإمّا ذاك فالله غنيٌّ عنّا وعن كل
المخلوقات إنه غنيٌّ عن إخلاصنا وإخلاص كل الموجودات. [69] المقام
الثالث ( الرياء) وفيه فصول فصل ( تلاعب الشيطان مع الناس من خلال
المناسك والعبادات ) إعلم أن الرياء في هذا المقام، أكثر من المقامات
الأخرى وأوسع شيوعاً، إذ أننا نحن العامة من الناس، لسنا على العموم أهلاً
لذينك المقامين. ولهذا لا يدخل الشيطان إلينا من ذلك الطريق، ولكن بما أن
معظم الناس المتعبدين، هم من أهل المناسك والعبادات الظاهرية، فإن
الشيطان أثر حرية في التلاعب بهم، في هذا المقام ومن خلال العبادات. كما
أن مكائد النفس في هذه المرحلة أكثر. وبتعبير آخر: بما أن عامة الناس؛
يفوزون بالجنة بالأعمال الجسمانية، أنهم يحصلون على الدرجات الأخروية
بممارسة الأعمال الحسنة وترك الأعمال السيئة، فإن الشيطان يدخل عليهم
من هذا الطريق نفسه، ويسقى جذور الرياء والتملق في أعمالهم، فتفرّع
وتورق، ويبدل حسناتهم سيئات، ويدخلهم جهنم ودركاتها عن طريق
المناسك والعبادات، ويحوّل الأمور التي يريدون أن يعمّروا بها آخرتهم إلى
أدوات لتخريبها - الآخرة فيجعل الملائكة ما هو - الأعمال - من العليين
بأمر من الله في سجين. فعلى الذين يملكون هذا الجانب فقط، ولا زاد لهم
سوى زاد الأعمال، عليهم أن يكونوا حذرين كل الحذر لئلا يفقدوا - لا
سمح الله - الزاد والراحلة كليهما، وصبحوا من أهل جهنم، ولا يبقى لهم
طريق نحو السعاد ة، وتغلق في وجوههم أبواب الجنة، وتفتح لهم أبواب
النار. فصل في دقّة أمر الرياء كثيراً ما يتفق أن يكون الشخص المرائي نفسه
غافلاً أيضاً عن كون الرياء قد تسرب إلى أعماله، وأن أعماله صارت رياء
وهباء إذ أن مكائد الشيطان والنفس من الدقة والخفاء، وصراط الإنسانية من
الرهافة والظلمة بدرجة لا ينتبه الإنسان إلى ما [70] هو فيه إن لم يكن
حذرا جدا. إنه يحسب أن أعماله لله ولكنها تكون في الواقع للشيطان ولما
كان الإنسان مجبولاً على حب النفس، فإن حجاب حب النفس يستر عنه
معايب نفسه، وقد يأتي بيان بعض ذلك ضمن شرح بعض الأحاديث إن شاء
الله، ونسأل منه سبحانه التوفيق على ذلك. ففي دراسة علوم الدين مثلا -
وهي من الطاعات والعبادات المهمة- يبتلي الإنسان الكامل بالرياء من حيث
لا يدري وذلك بسبب الحجاب الغليظ لحب النفس. إن الإنسان يرغب أن
يتفرّد في استيعاب معضة علمية وحلّها لدى محضر العلماء والرؤساء
والفضلاء، ويبتهج أكثر، كلما كان توضيحه للمسألة العلمية أحسن، ولفت
انتباه الحاضرين أكثر. لأنه يحب أن ينتصر على كل من يناظره. إنه يشعر
بنوعٍ من الدلال العلمي والتفوق، وإذا اقترن ذلك بتصديق من إحدى
الشخصيات، لكان نور على نور. إن هذا المسكين غافل عن أنه أحرز هنا
موقعاً لدى الفضلاء والعلماء ولكنه سقط من عين ربهم ومالك ملوك العالم،
وأن عمله قد ترك بأمر الحق المتعال في سجين. ثم إن عمله هذا من الرياء
ممزوج بعده معاص أخرى، مثل فضحه وإذلاله وإيذائه أخاً له في الإيمان،
وأحياناً التجرؤ على مؤمن وهتكه، وكل واحد من هذه الأعمال هي من
الموبقات وكافية وحدها لإدخال الإنسان في جهنم. وإذا ألقت النفس مرة
أخرى شباك كيدها، لتقول لك: إن هدفي هو إعلان الحكم الشرعي وإظهار
كلمة الحق وهو من أفضل الطاعات، وليس لإظهار العلم والتكبر وحب
الظهور، فاسأل نفسك في الباطن أنه لو كان زميلي المساوي لي في الدرجة
العلمية هو الذي قال ذلك الحكم الشرعي وهو الذي حلَّ تلك المعضلة
وكنتِ أنتِ مغلوبة في ذلك المحضر، أكان ذلك على حدِ سواء عندك؟ إذا
كان كذلك فأنت صادق. وإذا لم تترك كيدها وقالت لك: إن إظهار الحق
فضيلة، وله ثواب عند الله تعالى، وأنا أريد أن أنال هذه الفضيلة، وأعمّر دار
الثواب، فقل لها: لنفرض أن الله تعالى أنعم عليكِ بتلك الفضيلة نفسها في
حالة مغلوبيتك وتصديقك بالحق، فهل تبقين طالبة للغلبة؟ فإذا رجعتم إلى
باطنكم ورأيتم أنكم ما زلتم تميلون الغلبة، والاشتهار بين العلماء بالعلم
والفضل، وأن بحثكم العلمي كان لأجل الحصول على [71] المكانة في
قلوب أولئك، إذاً، فاعلموا أنكم مراءون في هذا البحث العلمي الذي هو من
أفضل الطاعات والعبادات وأن عملكم هذا - بحسب الرواي الشريفة في
كتاب ( الكافي) هو في"سجين"، وأنكم مشركون بالله. وإن هذا العمل هو
لأجل حبّ الجاه والشرف وهما - بحسب الرواية - أشد ضررا على الإيمان
من ذئبين أُطلقا على قطيع بلا راعٍ. إذاً، فعليكم أنتم أهل العلم المتكفلين
بإصلاح الأمة والإرشاد إلى الآخرة الأطبَّاء للأمراض النفسية، أن تصلحوا
أنفسكم أولا وتجعلوا مزاجكم النفسي سالماً، كي لا تكونوا في زمرة"العالم
بلا عمل"وهو صنف معلوم الحال والعاقبة. اللّهم طهّر قلوبنا من كدر
الشرك والنفاق، وصفَّ مرآة قلوبنا من صدأ حب الدنيا وهي منشأ جميع
هذه الأمور. اللهم رافقنا، وخذ بأيدينا نحن المساكين المبتلين بهوى النفس
وحبِّ الجاه والشرف في هذا السفر المملوء بالخطر وفي هذا الطريق المليء
بالمنعطفات والصعاب والظلمات إنك على كل شيء قدير. إن صلاة
الجماعة واحدة من العبادات العظيمة في الإسلام، وفضل إمامتها أعظم.
ومن هنا فإن الشيطان ينفذ إلى هذه العبادة أكثر، وهو مع الإمام أشد عداوة،
ويسعى إلى أن ينتزع منه هذه الفضيلة، ويفرغ عمله من الإخلاص، ويدخله
إلى"سجين"، ويجعله مشركا بالله. ولأجل ذلك يدخل الشيطان إلى قلوب
بعض أئمة الجماعة بطرق مختلفة مثل: العُجُب ( سيأتي بيانه إن شاء الله لا
حقا ) ومثل: الرياء وهو إظهار هذه العبادة العظيمة، أمام الناس من أجل
الحصول على منزلةٍ في قلوب الناس والاشتهار بالعظمة لديهم. فمثلاً يرى
إمام الجماعة أن أحد المشهورين بالتقوى والدين قد حضر إلى صلاة جماعته،
ولأجل جذب قلبه، يكثر من خضوعه ويلتجأ إلى أساليب مختلفة، وحيل
كثيرة لصيده، ومن أجل تعظيم نفسه عند الغائبين الذين لم يحضروا صلاة
جماعته، يتحدث في المجالس عن ذلك المتديّن، ويحاول إفهام الناس أن فلانا يأتم
به ويشارك في صلاة جماعته. ثم هو أيضا يقابله بالود والح في قلبه، لأجل
حضوره في صلاة جماعته ويُكنّ له من الحب والإخلاص ما لم يُكنّ لحظة
طوال حياته، لله ولا لأولياء الله، خصوصا إذا كان هذا المتدين من التجار
المحترمين. وإذا حدث لا سمح الله أن ضلَّ أحد الأشراف طريقه والتحق
بصلاة الجماعة، فإن المصيبة [72] على إمام الجماعة من وسوسة الشيطان
تكون أعظم. إن الشيطان لا يترك حتى إمام جماعة قليلة الأفراد، فيذهب إليه
ويوحي له فيوسوس في نفسه: إنني قد أعرضت عن الدنيا، وأقضيها في
مسجد صغير، مع الفقراء والمساكين. وهذا أيضا مثل ذاك، أو أسوأ منه، لأنه
يثقل قلبه برذيلة الحسد أيضا، فهو فضلا عن كونه لم ينل من الدنيا شيئا
يسلبه الشيطان عدّته لآخرته، فيخسر الدنيا والآخرة. وفي الوقت نفسه لم يرفع
الشيطان يده عنّا: أنا وأنت نقصّر في الحضور في صلاة الجماعة ونحمل الهم
والأسى لعدم توفر الظروف والمناخ لإقامة صلاة الج ماعة بإمامتنا، فيدفعنا إلى
الإساءة إلى جماعة المسلمين والطعن بهم وخلق عيوب للجماعة، ونعد عدم
الاشتراك في الجماعة، عزلة، نظهر أنفسنا كأننا زاهدون في الدنيا ومنزّهون
عن حب الجاه والذات، في حين أننا أسوأ من كلتا الفئتين السالفتين، فلا نحن
نلنا الدنيا الكاملة التي نالتها الطائفة الأولى، ولا دنيا الطائفة الثانية الناقصة.
ولا نحن فزنا بالآخرة، مع أننا أيضاً لو أُتيح لنا ما نريد لكنّا أشد من كلتا
الطائفتين حباُ للجاه والمال. والشيطان لا يكتفي بإمام الجماعة وحده فلا
تنطفئ شعلة شهوته بجعله - إمام الجماعة - من أهل النار، بل يدخل إلى
صفوف المصلّين المؤمنين، فحيث أن فضيلة الصف الأول أعظم من سائر
الصفوف، وأنّ جانب يمين الإمام أكثر فضلا من جانب يساره، فهو يستهدفه
أكثر من غيره. مسكين هذا المتديِّن يجره الشيطان من بيته البعيد ويجلسه في
الجانب اليمن من الصف الأول، ثم يوسوس له كي يتباهى على الناس بهذه
الفضيلة، إذ لا يدري هذا المسكين ماذا يفعل؟ فيأخذ بإظهار فضله بتفاخر
ودلال، ويبرز شركة الباطن فيكون مصيره إلى"سجين"ثم يذهب الشيطان
إلي باقي الصفوف ويدفعهم إلى ن يطعنوا من في الصف الأول بالكتابة
والإشارة وأن يجعلوا ذلك المتدين المسكين هدفا لسهام الطعن والشتم،
معتبرين أنفسهم منزّهين عن مثل أطواره. وأحيانا قد يُرى شخص محترم،
خصوصا إذا كان من أهل الفضل والعلم، قد أخذ الشيطان بيده وأجلسه في
الصف الأخير، وكأنه يريد أن يقول للحاضرين: إني بمقامي هذا لا ينبغي أن
أُصلّي مع شخص كهذا، ولكن لكوني قد أعرضت عن [73] الدنيا وليس
لدي هوى في النفس، فقد جئت بل وجلست في الصف الأخير ولن ألتقي
أشخاصا من هذا القبيل في الصف الأول من صلاة الجماعة. ولا يكتفي
الشيطان بالإمام والمأموم، بل يأخذ بزمام بعض ا لمصلين المنفردين عن الجماعة
فيقوده من السوق أو المنزل، بدلال وتبختر، إلى زاوية في المسجد، حيث
يفرش سجادته منفردا، دون أن يرى أي إمام عادلا، ويصلّي في حضور
الناس ويطيل السجود والركوع والأذكار الطويلة. هذا الإنسان يضمر في
باطنه كلمة للناس هي:"إنني متدين ومحتاط إلى درجة أترك صلاة الجماعة لئلا
أبتلي بإمام غير عادل"هذا الإنسان، فضلا عن أنه معجب بنفسه ومُراء، فإنه
لا يعرف المسائل الشرعية أيضا، وذلك لأن مرجع تقليد هذا الشخص، قد
لا يشترط أكثر من مجرد حسن الظاهر في صحة الإقتداء ولكن عمله هذا
ليس من هذا الباب، بل من أجل الرياء أمام الناس، ولأجل الحصول على
المكانة والمنزلة في القلوب. وهكذا سائر أعمالنا، فهي تحت تصرف الشيطان
الملعون الذي ينزل في كل قلب كدر ملوث، ويحرق الأعمال الظاهرة
والباطنة ويجعلنا من أهل النار عن طريق الأعمال الحسنة. فصلفي الدعوة
إلى الإخلاص إذاً أيها العزيز، كن دقيقا في أعمالك وحاسب نفسك في كل
عمل، وأستنطقها عن الدافع في الأعمال الخيرة، والأمور الشريفة، فما الذي
يدفعها إلى السؤال عن مسائل صلاة الليل أو على ترديد الأذكار؟ هل تريد
تتفهّم أحكام صلاة الليل وتُعلمها قربة إلى الله، أو تريد أن توحي إلى الناس
بأنها من أهل صلاة الليل؟ لماذا تريد أن تخبر الناس بأي أسلوب كان، عن
الزيارة للمشاهد المشرفة وحتى عن عدد الزيارات؟ لماذا لا ترضى أن لا يطلع
أحد على الصدقات التي تعطيها في الخفاء، وتحاول أن تتحدث عنها ليطّلع
عليها الناس؟ إذا كان ذلك لله، وتريد أن يتأسىّ به الناس باعتبار أن"الدال
على الخير كفاعله"فإن إظهار حسن، وأشكر الله على هذا الضمير [74]
النقي والقلب الطاهر!. ولكن ليكن الإنسان حذر في المناظرة والجدال مع
النفس، وأن لا ينخدع بمكرها وإظهارها له العمل المرائي بصورة عمل
مقدس. فإن لم يكن لله، فتركه أولى، لأن هذا من طلب السمعة وهو من
شجرة الرياء الملعونة. ولن يقبل الله المنان عمله، بل يأمر بإلقائه في سجّين.
ويجب علينا أن نستعيذ بالله تعالى من شرِّ مكائد النفس، فإن مكائدها خفية
جداً، ولكننا نعلم إجمالاً أن أعمالنا ليست خالصة لله، وإلا فإذا كنا عباداً لله
مُخْلصين، فلماذا تكون للشيطان علينا هذه السيطرة وبهذا القدر؟ مع أنه
أعطى لربِّه عهدا أن ليس له سلطان على عباد الله المخلصين، وأنه لا يمدّ يده
إلى ساحتهم المقدسة، وعلى حد القول شيخنا ( الشيخ محمد علي الشاه
آبادي ) الكبير دام ظله: فإن الشيطان كلب أعتاب الحضرة الإلهية، فلا ينبح
في وجه من كانت له معرفة بالله ولن يؤذيه وكلب الدار لا يطارد معارف
صاحب الدار. ولكن الشيطان لا يسمح بالدخول لمن ليست له معرفة
بصاحب الدار، إذاً؛ إذا رأيت أن لليطان شأناً معك وسيطرة عليك فاعلم أن
أعمالك غير خالصة، وأنها ليست لله تعالى. وإذا كنت مخلصاً فلماذا لا تجري
ينابيع الحكمة من قلبك على لسانك مع أنك تعمل أربعين سنة قربة إلى الله
حسب تصورك؟ في حين أنه ورد في الحديث الشريف عن الرضا عن آبائه
عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"ما خَلُصَ عَبْدٌ
لِلّهِ عَزَّ وجلَّ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً إِلاَّ جَرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ"(
بحار الأنوار - المجلد 70 - ص 242 ). إذاً؛ فاعلم أن أعمالنا غير خالصة
لله، ولكننا لا ندري، وها هنا الداء الذي لا دواء له!. ويل لأهل الطاعة
|
|
|
|
|