عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية صدى المهدي
صدى المهدي
عضو فضي
رقم العضوية : 82198
الإنتساب : Aug 2015
المشاركات : 1,503
بمعدل : 0.41 يوميا

صدى المهدي غير متصل

 عرض البوم صور صدى المهدي

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى العام
افتراضي زيارة الأربعين شعيرةٌ خالدة وهويةٌ متجددة
قديم بتاريخ : اليوم الساعة : 06:30 PM






زيارة الأربعين شعيرةٌ خالدة وهويةٌ متجددة





شفقنا- إنَّ زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في جميع الأيّام ذاتُ منزلةٍ عظيمة، ومقامٍ رفيعٍ في تراث أهل البيت (عليهم السلام)، وقد تواترت عنهم النصوص في الحثّ عليها، وبيان فضلها، وآثارها العظيمة في بناء الإيمان، وتعزيز الولاء، وتربية النفوس علىٰ معاني العزّة والثبات، حتَّىٰ غدت شعارًا ظاهرًا للمؤمنين، وشعيرةً حيّةً تعبّر عن صدق انتمائهم لنهج أهل البيت (عليهم السلام).
ومن تلك النصوص، ما روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنَّ إتيانه مفترض علىٰ كلِّ مؤمن يقر للحسين (عليه السلام) بالإمامة من الله (عزَّ وجلَّ)»(1).
ومنها: ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لو أنَّ أحدكم حجَّ دهره ثم لم يزر الحسين بن علي (عليهما السلام)، لكان تاركاً حقاً من حقوق رسول الله (صلَّىٰ الله عليه وآله)، لأنَّ حق الحسين فريضة من الله تعالىٰ واجبة علىٰ كل مسلم»(2).
ومنها: ما روي عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما تقول فيمن ترك زيارة الحسين وهو يقدر علىٰ ذلك؟ قال: «إنَّه قد عقَّ رسول الله (صلَّىٰ الله عليه وآله) وعقَّنا واستخف بأمر هو له، ومن زاره كان الله له من وراء حوائجه، وكفىٰ ما أهمه من أمر دنياه، وإنَّه يجلب الرزق علىٰ العبد، ويخلف عليه ما ينفق، ويغفر له ذنوب خمسين سنة، ويرجع إلىٰ أهله وما عليه وزر ولا خطيئة إلَّا وقد محيت من صحيفته، فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسلته، وفتح له باب إلىٰ الجنة فيدخل عليه روحها حتَّىٰ ينشر، وإن سلم فتح له الباب الذي ينزل منه رزقه، ويجعل له بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم وادَّخر ذلك له، فإذا حشر قيل له: لك بكلِّ درهم عشرة آلاف درهم، إنَّ الله نظر لك فذخرها لك عنده»(3).
ومنها: ما روي عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا حسين، من خرج من منزله يريد زيارة الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) إن كان ماشياً كتب الله له بكلِّ خطوة حسنة (وحط بها) عنه سيئة، وإن كان راكباً كتب الله له بكلِّ خطوة حسنة وحطَّ بها عنه سيئة، حتَّىٰ صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، فإذا قضىٰ مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتَّىٰ إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال: إنَّ رسول الله (صلَّىٰ الله عليه وآله) يقرئك السلام ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر الله لك ما مضىٰ»(4).
وغيرها من الروايات الكثيرة جدًّا، التي بلغت حدّ التواتر، وإن تنزَّلنا فهي لا تقلّ عن حدِّ الاستفاضة، وكلّها جاءت في الحثِّ علىٰ زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، وبيان فضلها وأثرها العظيم في تزكية النفوس، وترسيخ الولاء، والتقرُّب إلىٰ الله تعالىٰ.
ومن هنا، جاء هذا البحث لبيان مشروعية زيارة الأربعين، أي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر، من خلال عرض الروايات الخاصّة والعامّة، ومناقشتها من حيث السند والدلالة.
كما يسلِّط البحث الضوء علىٰ الآثار التربوية والنفسية لهذه الشعيرة في نفوس المؤمنين، وعلىٰ ما تُمثّله من فرصةٍ عظيمة لتعليم الناس أحكام الدين، وترسيخ مبادئ الولاء والهوية الإيمانية، من خلال المشروع التبليغي الذي ترعاه الحوزة العلمية في النجف الأشرف، والذي يُعدّ من أبرز مظاهر الحضور الديني الواعي في هذا العصر، كما يشهد له الواقع الحسيني المتجلّي في مسيرة العشرين من صفر المبارك.
منهجية البحث:
يتناول البحث عدة محاور رئيسة، هي:
المحور الأول: استعراض الروايات الخاصة بزيارة الأربعين من حيث السند والدلالة، مع الرجوع إلىٰ المصادر الرجالية.
المحور الثاني: عرض الروايات العامة التي تدل علىٰ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، وبيان شمولها لزيارة الأربعين.
المحور الثالث: المؤيِّدات علىٰ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم العشرين من صفر.
المحور الرابع: استعراض الدور التبليغي للحوزة العلمية في النجف الأشرف خلال زيارة الأربعين وأثره في المجتمع.
المحور الأول: الروايات الخاصة:
الرواية الأولىٰ: ما رواه صاحب وسائل الشيعة، حيث قال: محمد بن الحسن، قال: روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) أنَّه قال: «علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»(5).
والكلام في هذه الرواية يقع في جهتين: جهة السند وجهة الدلالة.
الجهة الأولىٰ:
قد يُثار علىٰ الرواية إشكالٌ من جهة السند، بدعوىٰ عدم تماميّته، إلَّا أنَّ هذا الإشكال قابلٌ للدفع، بل يمكن القول باعتبار الرواية من وجهين:
الوجه الأول: الشهرة:
ويقصد بها: اشتهار الرواية في الكتب الحديثية القديمة القريبة من عصر المعصوم (عليه السلام)، وهو ما يُعدّ قرينةً علىٰ حجّيّتها السندية عند جمعٍ من العلماء، خاصّة إذا وردت في مصادر معتبرة(6).
وهذا الاشتهار في مثل هذه المصادر الموثوقة يُعدّ قرينةً علىٰ قبول الرواية، ويُغني عن التتبّع السندي، لأنَّ الشهرة المتقدّمة من أوجه الاعتبار المعتمدة لدىٰ العلماء في مقام الإثبات.
الوجه الثاني: الاستناد إلىٰ قاعدة التسامح في أدلة السنن:
وهي قاعدة معروفة لدىٰ فقهاء الإمامية، تفيد بجواز العمل بالروايات التي تثبت استحباب فعل ما، حتَّىٰ وإن لم يكن سندها تامًا، ما دامت لا تخالف الكتاب الكريم ولا السنّة القطعية، وهذه القاعدة مبنائية، وقد عمل بها بعض مراجعنا الكبار.
الجهة الثاني: دلالة الرواية، والاستدلال بفقرة (وزيارة الأربعين):
إنَّ الإمام العسكري (عليه السلام) قد عدَّ زيارة الأربعين من علامات المؤمن، وهو تعبير يدلّ علىٰ منزلة هذه الزيارة ومكانتها عند أهل البيت (عليهم السلام) وقد وردت العبارة -الأربعين- بصيغة معرفة بـ(ال) وهي عهدية، تدل إلىٰ أمرٍ معلومٍ ومعروف في ذهن السامع، وهو زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في اليوم الأربعين من شهادته، لا زيارة أربعين مؤمنًا كما يتوهَّم البعض.
وذلك أنَّ العهد الذهني – الذي تفيده (ال) التعريفية – لا ينصرف إلىٰ أمرٍ غير معهودٍ في أذهان الناس، ولم يُعرف في تراث الشيعة، ولا في سيرة الأعلام المتقدّمين، ولا في سلوك أصحاب الأئمّة (عليهم السلام)، العملُ بزيارة أربعين مؤمنًا، إذ لا توجد رواية – ولو ضعيفة – تدلّ علىٰ مشروعية ذلك، ولم يُنقل عن أحدٍ من العلماء أو أصحاب الأئمّة أنَّه قام به.
بل إنَّ هذا التفسير – أي حمل رواية زيارة الأربعين علىٰ زيارة أربعين مؤمنًا – لا أصل له في كلمات الأعلام المتقدّمين، فضلًا عن كونه مهجورًا فقهيًّا، وغير معمولٍ به في مقام الاستنباط والفتوىٰ.
نعم، ورد في بعض الأدعية الاستحباب في الدعاء لأربعين مؤمنًا، لكنّ ذلك باب آخر لا علاقة له بمفهوم الزيارة.
وقد فهم علماؤنا المتقدّمون والمحقّقون المتأخّرون أنَّ المقصود بزيارة الأربعين في الرواية، هو زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم العشرين من صفر تحديدًا.
فقد ذكر العلامة الحلي في كتابه منتهىٰ المطلب قائلاً: يستحب زيارته يوم الأربعين من مقتله (عليه السلام) وهو العشرون من صفر، وروىٰ الشيخ عن أبي محمد العسكري أنَّه قال: «علامات المؤمن خمس: صلاة الإحدىٰ والخمسين، وزيارة يوم الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفر الجبين، والجهر بسم الله الرحمن الرحيم»(7).
ويؤيِّد ذلك ما ذكره القرطبي، وهو من أعلام مفسّري أهل السنّة، أندلسيّ الأصل، توفّي سنة (671هـ)، أي قبل زمان العلامة الحلي، حيث قال في كتابه التذكرة بأحوال الموتىٰ قال: (والإمامية تقول: إنَّ الرأس أعيد إلىٰ الجثة بكربلاء بعد أربعين يوما من المقتل، وهو يوم معروف عندهم يسمون الزيارة فيه زيارة الأربعين)(8).
وهذا يدلّ بوضوح علىٰ أنَّ زيارة الأربعين، أي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر، كانت معروفةً ومتداولةً بين الشيعة قبل زمن العلامة الحلي، وقد أشار إليها القرطبي بوصفها مناسبةً معروفةً لدىٰ الإمامية.
فلا إشكال إذن في أنَّ المراد بزيارة الأربعين في الرواية هو زيارة الحسين (عليه السلام) في هذا اليوم بعينه.
الرواية الثانية:
قال الشيخ الطوسي في كتاب تهذيب الأحكام: أخبرنا جماعة من أصحابنا عن أبي محمد هارون بن موسىٰ بن أحمد التلعكبري، قال: حدثنا محمد بن علي بن معمر، قال: حدَّثني أبو الحسن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال، عن سعدان بن مسلم، عن صفوان بن مهران الجمال، قال: قال لي مولاي الصادق (صلوات الله عليه) في زيارة الأربعين: «تزور عند ارتفاع النهار وتقول: السلام علىٰ ولي الله وحبيبه، السلام علىٰ خليل الله ونجيبه، السلام علىٰ صفي الله وابن صفيه، السلام علىٰ الحسين المظلوم الشهيد، السلام علىٰ أسير الكربات، وقتيل العبرات… إلخ»(9).
والكلام في هذه الرواية يقع – كما في سابقتها – في جهتين: جهة السند، وجهة الدلالة.
الجهة الأولىٰ: السند:
قال الشيخ الطوسي في صدر السند: (أخبرنا جماعةٌ من أصحابنا).
فإنَّ لفظ الجماعة يُطلق في اللغة علىٰ ثلاثة فأكثر، ويُستبعد جدًّا تواطؤ ثلاثة من مشايخ الشيخ الطوسي أو أكثر علىٰ الكذب، ولا سيّما أنَّه عبَّر عنهم بقوله: من أصحابنا، وعليه، فلا حاجة إلىٰ التعرُّف علىٰ أسمائهم بعد ثبوت الوثاقة الإجمالية.
وأمّا هارون بن موسىٰ بن أحمد التلعكبري: فقد قال عنه الشيخ النجاشي: (هارون بن موسىٰ بن أحمد بن سعيد بن سعيد، أبو محمد التلعكبري من بني شيبان، كان وجهاً في أصحابنا، ثقة، معتمداً لا يطعن عليه، له كتب، منها: كتاب الجوامع في علوم الدين، كنت أحضر في داره مع ابنه أبي جعفر، والناس يقرأون عليه)(10).
وقال الشيخ الطوسي: (هارون بن موسىٰ التلعكبري، يكنىٰ أبا محمد، جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، ثقة)(11).
وأمّا محمد بن علي بن معمر: فقد قال الشيخ الطوسي: (محمد بن علي بن معمر الكوفي، يكنىٰ أبا الحسين صاحب الصبيحي، سمع منه التلعكبري سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وله منه إجازة)(12).
وعليه، فمن اعتمد مبنىٰ شيخوخة الإجازة في التوثيق كما هو مبنًىٰ معتمد لدىٰ جماعة من الأعلام فإنَّ محمد بن علي بن معمر يُعدّ ثقةً في مقام الرواية؛ إذ يكفي في اعتباره كونه شيخ إجازة وقد تلقّىٰ عنه التلعكبري إجازة، ولا يشترط حينئذٍ التصريح بتوثيقه في كتب الرجال.
وأمَّا أبو الحسن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال، فيكفي في توثيق أحدهما، وأنَّ الحسن بن علي بن فضّال قد ورد توثيقه صريحًا.
قال الشيخ الطوسي في الفهرست: (الحسن بن علي بن فضال، كان فطحياً، يقول بإمامة عبد الله بن جعفر، ثم رجع إلىٰ إمامة أبي الحسن (عليه السلام) عند موته… روىٰ عن الرضا (عليه السلام) وكان خصيصاً به، كان جليل القدر، عظيم، المنزلة، زاهداً ورعاً، ثقة في الحديث وفي رواياته)(13).
وأمَّا سعدان بن مسلم، فقد قال السيد الخوئي في معجم رجال الحديث: وقع اسمه في كامل الزيارات، وكذلك في تفسير القمي، وعدَّه ابن داوود في القسم الأوَّل.
ونقلًا عن السيد الداماد: أنَّ سعدان بن مسلم، شيخ كبير القدر، جليل المنزلة، له أصل، رواه عنه جماعة من الثقات والأعيان كصفوان بن يحيىٰ وغيره، وهو معدود في الفهرست(14).
فعلىٰ مبنىٰ وثاقة من ورد اسمه في كامل الزيارات أو تفسير القمّي، يُعدّ سعدان بن مسلم من الثقات، استنادًا إلىٰ التوثيق العام الذي اعتمده جمعٌ من العلماء.
وهو أيضًا من مشايخ صفوان بن يحيىٰ، الذي عُرف بأنَّه لا يروي ولا يُرسل إلَّا عن ثقة، كما هو مقرَّر في علم الرجال، وعليه، فإنَّ سعدان بن مسلم يُعدّ ثقةً من هذه الجهة أيضًا.
وأمَّا صفوان بن مهران الجمال: قال النجاشي: (صفوان بن مهران بن المغيرة الأسدي مولاهم ثم مولىٰ بني كاهل منهم، كوفي، ثقة)(15).
وعليه، تُعدّ رواية صفوان الجمال معتبرةً من حيث السند، علىٰ مبنىٰ طائفة من الأعلام (قدّس الله أسرارهم)، فتدلّ علىٰ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم العشرين من صفر بعنوان (زيارة الأربعين).
وقد أفاد بعض الأعلام أنَّ الشيخ النجاشي عدَّ من مصنّفات الحسن بن علي بن فضّال كتابًا في الزيارات، والظاهر أنَّ التلعكبري – الذي صرَّح الشيخ الطوسي بأنَّه روىٰ جميع الأصول والمصنّفات – قد استخرج هذه الرواية منه، لا سيّما وأنَّ كتب بني فضّال كانت معروفةً ومشهورة في ذلك العصر، كما عليه شواهد عديدة مذكورة في محلّها، فلا تُشترط ملاحظة السند التفصيلي في الاعتماد علىٰ ما نُقل عنها(16).
وبهذا، تكون الرواية تامّة سندًا، واضحةً دلالةً، ممّا يُثبت استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين بعنوانها الخاص.
الجهة الثانية: تقريب الاستدلال بالرواية:
إنَّ دلالة هذه الرواية واضحة جدًّا علىٰ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين؛ إذ يعلِّم الإمام الصادق (عليه السلام) صفوان الجمال زيارةً مخصوصة تُقرأ في يوم الأربعين، من غير أن يسأله صفوان عن المقصود الأربعين، مما يدلّ علىٰ وضوح المعنىٰ واستقراره في ذهنه آنذاك، وأنَّ المراد بها هو اليوم الأربعون من شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، أي العشرون من شهر صفر.
وتُعدّ هذه الرواية قرينةً للرواية الأولىٰ، في أنَّ المقصود بزيارة الأربعين هو خصوص زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم العشرين من صفر، لا زيارة أربعين مؤمنًا كما توهَّم البعض.
المحور الثاني: الروايات العامّة الدالّة علىٰ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، وبيان شمولها لزيارة الأربعين:
بعد بيان الروايات الخاصّة الدالّة علىٰ استحباب زيارة الأربعين، قد يُثار إشكالٌ من جهتين: الأولىٰ: أنَّ هذا الاستحباب مبنيٌّ علىٰ بعض المباني الرجالية دون غيرها، والثانية التساؤل عن دليل استحباب المشي إلىٰ الزيارة، وهل ورد فيه نصّ معتبر؟
في هذا المحور نجيب علىٰ التساؤلين معًا، ونُبرز أنَّ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ثابت في كل الأيّام، بما في ذلك يوم الأربعين، كما نُبيِّن استحباب المشي إليها، مستندين في ذلك إلىٰ رواياتٍ عامّةٍ كثيرةٍ التي بلغت حدِّ التواتر، في الحثِّ علىٰ زيارته (عليه السلام) وبيان آثارها العظيمة.
وتُعدّ هذه الروايات، التي تقدَّم ذكر بعضها في مقدّمة البحث وسنعرض طائفةً منها الآن، شاهدةً إضافيّةً علىٰ مشروعيّة هذه الشعيرة المباركة، بما في ذلك مسيرة الأربعين؛ وإن لم يرد فيها نصّ خاصّ ومستقلّ بعنوانها، فإنَّ اندراجها في عمومات زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) أمرٌ ظاهرٌ بيِّن.
وسنورد في هذا الموضع جملةً من الروايات الواردة في كتبنا الحديثية المعتبرة، كـ(التهذيب، وكامل الزيارات، والأمالي)، وغيرها من مصادر أصحابنا المعتمدة، دون التعرُّض لأسانيدها، اختصارًا للبحث بعد بلوغها حدِّ التواتر.
ومن أراد التوسُّع، فليراجع هذه الكتب وغيرها من المصادر الموثوقة.
منها: ما رواه عن أبي الصامت، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يقول: «من أتىٰ قبر الحسين (عليه السلام) ماشياً كتب الله له بكلِّ خطوة ألف حسنة ومحىٰ عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة، فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلِّق نعليك وامش حافياً، وامش مشي العبد الذليل، فإذا أتيت باب الحائر فكبِّر أربعاً، ثم امش قليلاً ثم كبِّر أربعاً، ثم ائت رأسه فقف عليه فكبر أربعاً وصلِّ عنده، واسأل الله حاجتك»(17).
وهذه الرواية تدلّ بوضوح علىٰ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في جميع الأيّام، بما في ذلك يوم العشرين من صفر، كما تدلّ علىٰ استحباب المشي إلىٰ زيارته، بل إنَّ الثواب يزداد بازدياد الخطوات، وهو ما يُؤكّد مشروعية هذه الشعيرة العظيمة.
منها: ما رواه علي بن ميمون الصائغ، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «يا علي زر الحسين ولا تدعه»، قال: قلت: ما لمن أتاه من الثواب؟ قال: «من أتاه ماشياً كتب الله له بكلِّ خطوة حسنة ومحىٰ عنه سيئة ورفع له درجة، فإذا أتاه وكَّل الله به مَلَكين يكتبان ما خرج من فيه من خير، ولا يكتبان ما يخرج من فيه من شر ولا غير ذلك، فإذا انصرف ودَّعوه، وقالوا: يا ولي الله مغفوراً لك، أنت من حزب الله وحزب رسوله، وحزب أهل بيت رسوله، والله لا ترىٰ النار بعينك أبداً، ولا تراك، ولا تطعمك أبداً»(18).
وهذه الرواية مطلقة، تدلّ بوضوح علىٰ عظيم ثواب زيارة الحسين (عليه السلام) ماشيًا، في أيِّ وقت، بما يشمل يوم الأربعين، كما تؤكِّد استحباب المشي وتثبيت الملائكة لأثر كلّ خطوة، مع ما يُبشّر به الزائر من العفو والأمان من النار.
منها: ما رواه سدير الصيرفي، قال: كنا عند أبي جعفر (عليه السلام) فذكر فتىٰ قبر الحسين (عليه السلام)، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «ما أتاه عبد فخطىٰ خطوة إلَّا كتب الله له حسنة وحطَّ عنه سيئة»(19).
وهذه الرواية أيضًا عامّة، تدلّ علىٰ فضل الزيارة والمشي إليها، وأنَّ كلّ خطوة نحو قبر الحسين (عليه السلام) تُقابَل بحسنةٍ ومغفرةٍ، ما يُؤكّد استحباب الزيارة في سائر الأيّام، ومنها يوم الأربعين، واستحباب السير علىٰ الأقدام إليها.
منها: ما رواه أبو سعيد القاضي، قال: دخلت علىٰ أبي عبد الله (عليه السلام) في غريفة له وعنده مرازم، فسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من أتىٰ قبر الحسين (عليه السلام) ماشياً كتب الله له بكلِّ قدم يرفعها، ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أتاه في سفينة فكفأت بهم سفينتهم نادىٰ مناد من السماء: طبتم وطابت لكم الجنة»(20).
وهذه الرواية تؤكِّد – ببيانٍ بالغ الأثر – فضل المشي إلىٰ زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، حتَّىٰ جعلت كلّ خطوة تعادل عتق رقبة من ولد إسماعيل، وهو من أعظم أجور القربات، كما أنَّها تشمل الزائر برًّا وبحرًا، في دلالة واضحة علىٰ سعة الاستحباب وشموله، ومنها زيارة الأربعين.
ومنها: ما رواه فائد الحناط، عن أبي الحسن موسىٰ بن جعفر (عليهما السلام)، قال: «من زار قبر الحسين (عليه السلام) عارفاً بحقِّه، غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر»(21).
وهذا يدلّ علىٰ عظيم فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) لمن كان عارفًا بمنزلته، من غير تقييدٍ بزمانٍ أو مناسبةٍ خاصة، فيشمل بعمومه زيارة الأربعين وغيرها.
منها: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام)، قال: «مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي (عليهما السلام)، فإنَّ زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع، وزيارته مفترضة علىٰ من أقرَّ للحسين بالإمامة من الله (عزَّ وجلَّ)»(22).
وهذه الرواية تدلّ علىٰ أنَّ زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ليست مجرَّد مستحبّ، بل قد تصل إلىٰ مرتبة الفرض في حقِّ من أقرَّ بإمامته، كما يكشف عن آثارها الوقائية والدنيوية العظيمة، فضلًا عن الثواب الأخروي، ويشمل ذلك بطبيعة الحال زيارة الأربعين وغيرها.
ومنها: ما رواه علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «وكَّل الله (عزَّ وجلَّ) بالحسين (صلوات الله عليه) سبعين ألف ملك يصلّون عليه في كلِّ يوم شعثاً غبراً ويدعون لمن زاره ويقولون: يا ربّ هؤلاء زوار الحسين افعل بهم وافعل بهم»(23).
ومنها: ما رواه داود بن فرقد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار الحسين (عليه السلام) في كل شهر من الثواب؟ قال: «له من الثواب ثواب مائة ألف شهيد مثل شهداء بدر»(24).
هذه بعض الروايات التي تدلّ علىٰ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مطلقًا، في جميع الأيّام، بل يمكن القول إنَّ زيارته (عليه السلام) في يوم الأربعين أعظمُ ثوابًا، لما يرافقها من مظاهر عظيمة، كالمسير علىٰ الأقدام، واجتماع الملايين، وإظهار مظلوميّته (عليه السلام) للعالم، وإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) بين الناس، في حضورٍ جماهيريّ يُعدّ من أعظم صور التبليغ والإحياء، وتعريف العالم بمذهبهم، وما جرىٰ عليهم من الظلم والجفاء.
ونلاحظ أنَّ الروايات الواردة في فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) تختلف في بيان مقدار الثواب؛ فتارةً يُذكر أنَّه يُكتب للزائر بكلِّ خطوةٍ حسنة، ويُمحىٰ عنه سيّئة، وتارةً يكون الثواب أعظم، فيُكتب له بكلّ خطوةٍ ألف حسنة، ويُمحىٰ عنه ألف سيئة، ويُرفع له ألف درجة.
وفي بعض الروايات: أنَّ كلّ خطوةٍ تعادل عتق رقبةٍ من ولد إسماعيل، وفي رواية أخرىٰ: أنَّه إذا رفع قدمًا ووضع أخرىٰ، كُتب له عتق رقبة من ولد إسماعيل.
كما ورد في بعض الروايات: أنَّ الله تعالىٰ يغفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وغيرها من النصوص التي تدلّ علىٰ عظيم الفضل وجزيل الأجر.
ولعلَّ هذا التفاوت في مقدار الثواب يُشير إلىٰ تفاوت الزائرين في درجات معرفتهم بحقّ الإمام الحسين (عليه السلام)، وإخلاصهم في النيّة، وصدقهم في المحبّة، ومقامهم عند الله (عزَّ وجلَّ)؛ فكلَّما كان الزائر أعمق وعيًا، وأصدق نيةً، وأشدّ ارتباطًا بالإمام (عليه السلام)، كان أجره أعظم، وثوابه أوفىٰ، ومقامه عند الله أعلىٰ.
المحور الثالث: المؤيِّدات علىٰ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم العشرين من صفر:
ومن المؤيّدات علىٰ استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم العشرين من صفر:
أوّلًا: التأسي بالإمام زين العابدين (عليه السلام) والسيّدة زينب (عليها السلام)، وهو من أبرز الشواهد التاريخية علىٰ استحباب زيارة الأربعين؛ فقد دلَّت النصوص التاريخية علىٰ أنَّ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، والسيدة زينب (عليها السلام)، ومن بقي من العيال، قد رجعوا من الشام إلىٰ كربلاء، ووصلوا إليها يوم العشرين من صفر، لزيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام).
ثانيًا: سيرة العلماء المتقدّمين والمتأخرين، فقد جرىٰ دأبهم علىٰ زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم الأربعين، بل كانوا يسيرون مشيًا علىٰ الأقدام إلىٰ كربلاء في هذا اليوم، وهو ممّا يدلّ علىٰ مشروعية هذه الشعيرة واعتمادها في سيرة الفقهاء والفضلاء.
المحور الرابع: استعراض الدور التبليغي للحوزة العلمية في النجف الأشرف خلال زيارة الأربعين وأثره في المجتمع:
لم تَعُد زيارة الأربعين مجرّد ممارسةٍ تعبّديةٍ فردية، بل تحوّلت إلىٰ ظاهرةٍ تربوية واجتماعية واسعة، وميدانٍ إيمانيّ يُجسّد الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، ويُعبّر عن الانتماء الواعي إلىٰ نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، من خلال أكبر تجمّعٍ بشريٍّ سنويٍّ في العالم الإسلامي، يُؤسّس لوعيٍ دينيٍّ جماعي، وينشر ثقافة البذل والخدمة والتضحية، والارتباط بالقيم الإلهيّة والعدل الحسيني.
وفي هذا السياق، يتجلّىٰ أحد أعظم الأدوار الحضارية لزيارة الأربعين، وهو الدور التبليغي الريادي الذي تنهض به الحوزة العلمية في النجف الأشرف، تحت إشراف المرجعية الدينية العليا، المتمثّلة بسماحة آية الله العظمىٰ السيّد السيستاني (دام ظلّه الشريف).
فمنذ أكثر من عقدٍ من الزمن، أطلقت الحوزة العلمية الشريفة مشروعًا تبليغيًّا منظمًا، يُعدّ من أوسع مشاريع التبليغ في العالم الإسلامي، يتمّ من خلاله استثمار هذه المناسبة الكبرىٰ – زيارة الأربعين – لنشر معارف الدين، وتعليم الأحكام الشرعية، وترسيخ الهوية الإيمانية في نفوس الزائرين.
وهو امتداد طبيعي لدَور العلماء السابقين الذين مارسوا التبليغ بحسب ظروفهم، كلٌّ في زمانه وميدانه، فكانوا في الطليعة دائمًا، حاضرين في وجدان الأُمّة، وصانعين للوعي والبصيرة.
وذلك من خلال برنامجٍ تبليغيٍّ متكامل، تُشرف عليه الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وِفقًا لما جاء في البيان الرسمي الصادر عن المركز التبليغي للحوزة العلمية، والذي تضمّن أبرز الإحصاءات المتعلّقة بجهود التبليغ في زيارة الأربعين لعام (١٤٤٦هـ)، الموافق لسنة (٢٠٢٤م)، ومنها:
أولًا: الإحصاءات التبليغية:
١. مشاركة أكثر من (٢٥٠٠) مبلّغٍ من الفضلاء وطلبة العلوم الدينية.
٢. مشاركة نحو (١٥٠٠) مبلّغة من النساء، يباشرن التبليغ في مواكب النساء.
٣. نشر ما يقرب من (٧٥٠) مبلّغًا قرآنيًّا لتعليم قراءة الفاتحة والسور القصيرة، في محطّاتٍ قرآنيّةٍ موزّعة علىٰ طريق المشاية.
ثانيًا: النشاطات التبليغية:
تشمل النشاطات التبليغية التي تشرف عليها الحوزة العلمية في النجف الأشرف عدّة فعاليات نوعيّة، أبرزها:
  1. المؤتمرات التبليغية التي تُقام مع بداية المسيرة الحسينية:
* إقامة مؤتمر سنوي للمبلّغين، يُعقد في السابع من صفر، ويحضره جمعٌ كبير من المبلّغين، بمشاركة شخصيّات علمية وفضلاء من الحوزة العلميّة، ويتضمّن كلماتٍ توجيهيّة يلقيها كبار أساتذة الحوزة، تركّز علىٰ دور التبليغ في إحياء الزيارة الأربعينية، ونشر معارف أهل البيت (عليهم السلام).
* تنظيم ندوة تثقيفية خاصة بالشباب الأكاديميين وطلبة الجامعات في اليوم الثامن من صفر، تهدف إلىٰ توعيتهم بقضية الإمام الحسين (عليه السلام)، وربطهم بالقيم الرسالية للنهضة الحسينية.
* إقامة المؤتمر النسوي التبليغي في التاسع من صفر، لتسليط الضوء علىٰ دور المرأة في نشر الوعي الديني، وإحياء قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، وتفعيل التبليغ في صفوف الزائرات.
* إقامة مؤتمر خاصّ بخدّام المواكب الحسينية، يُعقد في العاشر من صفر، يركّز علىٰ بيان الأثر التربوي والاجتماعي والديني لمشاركتهم، ودورهم الفعّال في إحياء الزيارة الأربعينية، وخدمة الزوّار.
٢. بيان أهمّ المسائل الفقهية والعقائدية والأخلاقية التي يحتاجها الزائر في مسيره، وذلك عبر المبلّغين المنتشرين في المواكب علىٰ طول الطريق، إلىٰ جانب إقامة صلاة الجماعة في المواكب التي يتواجد فيها المبلّغ، تعزيزًا للأجواء التعبّدية، وربطًا للزائرين بروح الجماعة والعبادة.
٣. التركيز علىٰ إحياء الصلاة علىٰ طريق الزيارة، من خلال التشجيع المستمرّ علىٰ الالتزام بأوقاتها، وإقامة صلاة الجماعة في عددٍ كبيرٍ من المواكب، بما يُجسّد الارتباط بالله تعالىٰ، ويُرسّخ مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في سلوك الزائرين وتعاملهم.
٤. تنظيم صلاة جماعةٍ متّصلة، تمتدّ من النجف الأشرف قُبيل نهاية أيّام الزيارة، يُعدّ من أطول الصلوات الجماعة في العالم حتَّىٰ يومنا هذا، إذ تمتدّ علىٰ مسافة تُقارب (٢٢) كيلومترًا، في مشهدٍ تعبّدي مهيب، يُجسّد أرقىٰ معاني الارتباط الجماعي بالله تعالىٰ، ويُرسل رسالةً إيمانيةً حيّة إلىٰ الأمّة والعالم بأسره.
ثالثًا: الإدارة الميدانية:
١. تتواجد إدارة المشروع المركزية عند العامود (٢٠٨)، وهي تشرف ميدانيًّا علىٰ تنسيق أعمال المبلّغين والمبلّغات.
٢. مشاركة فعّالة من الفضلاء وأساتذة الحوزة العلمية، من خلال إلقاء المحاضرات، وعقد الحوارات المفتوحة، وإقامة الندوات الثقافية، والإجابة عن أسئلة الزائرين في مختلف الشؤون العقدية والشرعية، وبمختلف اللغات.
وبهذه الجهود المتكاملة، تتحوّل زيارة الأربعين إلىٰ منبرٍ تبليغي عالمي، تُثبت فيه الحوزة العلمية حضورها الواعي والفاعل في وجدان الأُمَّة، وتُجسّد دورها الرسالي في زمن الغيبة الكبرىٰ.
ولا شكَّ أنَّ هذا العمل التبليغي الجليل ممّا يُحبّه الإمام الحجّة (عجَّل الله تعالىٰ فرجه الشريف)، لما فيه من إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)، ونشر علومهم، وهداية الناس إلىٰ الحقّ، وهو من أعظم القربات في زمن الغيبة.
وقد ورد في وصيّة النبيّ (صلَّىٰ الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم»(25).
وفي حديثٍ آخر للنبيّ (صلَّىٰ الله عليه وآله) لمعاذ: «يا معاذ لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها»(26)، فكيف إذا كانت هذه الجهود التبليغية تصل إلىٰ آلاف الزائرين، وتُسهم في هداية بعضهم، وإحياء الوعي الديني في نفوسهم، في أكبر تجمّع إيماني تشهده الأرض؟!
الخاتمة:
تبيَّن من خلال هذا البحث أنَّ زيارة الأربعين ثابتةٌ بالأدلّة الخاصّة والعامّة، معتبرةٌ سندًا، واضحةٌ دلالةً، مؤيَّدةٌ بالشواهد التاريخية، وسلوك العلماء الأعلام، ومفعَّلةٌ علىٰ أرض الواقع من خلال المشروع التبليغي الذي ترعاه الحوزة العلمية في النجف الأشرف.
إنَّها شعيرةٌ متجدّدة، وميدانٌ خصب للهداية، وتجسيدٌ حيٌّ لرسالة عاشوراء الخالدة، وروحها المتدفّقة عبر الأجيال.
وقد يسعىٰ البعض إلىٰ التشكيك في هذه الشعيرة من خلال إشكالاتٍ واهنةٍ لا تصمد أمام البرهان، غير أنَّ الواقع يردُّ عليهم أقوىٰ ردّ، حيث نرىٰ المؤمنين يزدادون إقبالًا عامًا بعد عام، ويجيبون النداء الحسيني بالسير علىٰ الأقدام، ويشاركون في إحياء الزيارة بعزيمةٍ وإخلاص.
وجزَىٰ اللهُ خيرًا كلّ من خدم في هذه الزيارة المباركة، من أصحاب المواكب، والخَدَمة، والمضيفين، والمشيعين، والمبلّغين، فإنَّ كلّ من ساهم في إحيائها – ولو بخطوة أو خدمةٍ يسيرة – فهو داخلٌ في عنوان: أحد مصاديق إحياء أمرهم كما ورد عنهم (عليهم السلام).
فإذا كان أهل البيت (عليهم السلام) في حياتهم يُكرِمون كلَّ من قصدهم، ولم يكن كرمُهم مقتصرًا علىٰ شيعتهم، بل شمل الغريبَ والمخالف، فقد وردت في فضل إكرام الضيف والمارّ رواياتٌ كثيرة، تبيَّن أنَّ هذا العمل محبوبٌ عند الله (عزَّ وجلَّ).
فكيف بإكرام زوّار الإمام الحسين (عليه السلام)، وهم يلبّون نداءه بقلوبهم وأبدانهم، ويسيرون في درب الولاء، والبذل، والتضحية؟!
بل روي عن عمرو بن علي بن الحسين قال: «لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام) لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنَّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) يعمل لهن الطعام للمأتم»(27).
وهذا يدلّ علىٰ أنَّ إقامة المآتم، وإكرام من يشارك فيها، من السنن الجارية في بيوت أهل البيت (عليهم السلام)، فلا شكَّ أنَّ إكرام زوّار الحسين (عليه السلام)، وخدمتهم، من أحبّ الأعمال إلىٰ الله تعالىٰ، وأنَّه يُفرِح قلب سيّدنا ومولانا صاحب العصر والزمان (أرواحُنا فداه) الإمام المهدي الحجّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه)، وجعلنا الله وإيّاكم من أنصاره وأعوانه، والمجاهدين بين يديه، والمستشهدين تحت لوائه.
ونسأل الله تعالىٰ أن يكتبنا من زوّار الحسين (عليه السلام)، وأن لا يفرّق بيننا وبينه طرفة عين، وأن يرزقنا شفاعته وشفاعة أهل بيته الأطهار في الدنيا والآخرة، إنَّه أرحم الراحمين، بحقّ محمدٍ وآله الطاهرين.
* الميرزا حامد الوحيلي
الهوامش:
(1) المزار – الشيخ المفيد: ص٤٢.
(2) وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي: ج١٤، ص٤٢٨.
(3) وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي: ج١٤، ص٤٢٩.
(4) المزار – الشيخ المفيد: ص٤٦.
(5) وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي: ج١٤، ص٤٧٨.
(6) فقد أوردها الشيخ الطوسي المتوفي (٤٦٠هـ) في تهذيب الأحكام (ج٦، ص٥٢)، وفي مصباح المتهجّد (ص٧٩٦)، كما رواها الشيخ المفيد المتوفي (٤١٣هـ) في المزار (ص ٦٩).
(7) منتهىٰ المطلب – العلامة الحلي: ج٢، ص٣٣٨.
(8) التذكرة في أحوال الموتىٰ وأمور الآخرة – القرطبي: ج٢، ص٢٨٢.
(9) تهذيب الأحكام – الشيخ الطوسي: ج٦، ص١١٣؛ وقد وردت الرواية أيضًا في (مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي، ص٧٩٦.
(10) رجال النجاشي: ص٤٤٠.
(11) رجال الطوسي: ص٤٤٩.
(12) رجال الطوسي: ص٤٤٢.
(13) الفهرست – الشيخ الطوسي: ص٩٧.
(14) انظر معجم رجال الحديث – السيد الخوئي: ج٩، ص١٠٥.
(15) رجال النجاشي: ص١٩٩.
(16) انظر كتاب قبسات من علم الرجال – السيد محمد رضا السيستاني: ج٣، ص٦٥٧.
(17) كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه: ص٢٥٥.
(18) المصدر السابق: ص٢٥٦.
(19) المصدر السابق.
(20) المصدر السابق: ص٢٥٧.
(21) الأمالي – الشيخ الصدوق: ص٢٠٦.
(22) المصدر السابق.
(23) من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق: ج٢، ص٥٨١.
(24) تهذيب الأحكام – الشيخ الطوسي: ج٦، ص٥٢.
(25) شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام): ص٤٩٣.
(26) المصدر نفسه.
(27) وسائل الشيعة – للحرّ العاملي: ج٣، ص٢٣٨، طبعة آل البيت (عليهم السلام).
انتهى



من مواضيع : صدى المهدي 0 نقل رسالة محبة وكرامة الإمام الرضا للزوار
0 عولمة التشيّع وأربعين الإنسانية
0 زيارة الأربعين شعيرةٌ خالدة وهويةٌ متجددة
0 لماذا زيارة الاربعين من علامات المؤمن ؟
0 السيد السيستاني: تغيب الصورة.. ليحضر العهد
رد مع اقتباس